هادئ بلا حدود.
جبل الشتاء ملفوفٌ بصمت أبيض ناصع، و بارد.
السماء تتلألأ بلون الجليد، والأشجار السوداء مغطاةٌ بالثلج الأبيض الناعم كالريش.
هووو-
عندما أخذت نفساً عميقاً، فانتشر الهواء النقي عميقاً في رئتيها. بينما استمرت سيان في التسلق.
على الرغم من أنه جبلٌ صغير في الحي، كان الجبل في الصباح الباكر يعج بالناس.
ثم تذكرت، كان اليوم الأول من يناير. كان الناس الذين شاهدوا شروق الشمس في العام الجديد ينزلون بوجوه منعشة.
عندما اقتربت من القمة، وقفت في مكان مناسب وتأملت المنظر.
كان مكاناً تشرق عليه الشمس في كل الفصول. مكان يمكن فيه رؤية الشروق، والغروب، والزهور، وأوراق الخريف.
ترتردوك-
أخرجت زجاجة السمكة من حقيبتها ودفنت سمكةً ذهبية برتقالية اللون هناك.
روح يون مين يونغ قد تلاشت بالفعل، لذا كان تصرفاً بلا معنى.
كانت تعلم ذلك. لكن.….
كانت تريد فقط أن تدفن هذه السمكة الذهبية، التي سكنتها يون مين يونغ لمدة خمسة أيام أخيرة، في مكان جيد.
أرادت أن تترك أثراً لامرأةٍ تُدعى "يون مين يونغ" عاشت يوماً ما، في مكان ما في جبل نقي قريب من السماء.
انتهى يأس وألم القتل. وانقضى الحزن العميق عندما أصبحت شبحاً.
حتى نشوة الانتقام قد انتهت. لأنها كانت النهاية الكاملة للحياة.
لو كان تاي جوون هنا، لضحك وسخر قائلاً، "تتظاهرين بأنكِ لا تشفقين على الأشباح، لكن أليس هذا خداعاً للنفس؟ أتريدين أن تقولين أنكِ شخص يملك هذا القدر من الضمير؟"
وضعت سيان زهرةً بيضاء واحدة، أعدتها مسبقاً، على الأرض الشتوية الممهدة. ثم رفعت رأسها فإذا بالثلج يتساقط برفق.
كان "ثلجاً مبشراً".
ثلجٌ إذا هطل في الأول من يناير، يوم تغيير العام، فإنه ينبئ بحدوث أمورٍ جيدة طوال العام.
كان بداية عام ستقضيه مع تاي جوون.
زيييين-
رن إشعار رسالة، و تحققت منه، فكان من قسم المعلومات في أوتيس.
<: نُعلمكم بوفاة المدعو "A" من موكدونغ، الذي طلبتم مراقبته بمستوى C.>
***
قبل خمسة أيام، وبمحض الصدفة، التقت سيان في شقة موكدونغ، حيث عاشت يون مين يونغ في حياتها، برجل خطير يُدعى A، يمتلك ميولاً سيكوباتية*.
*مجنون سايكو
كان رجلاً لا يجلب سوى المشاكل إذا ارتبطت به.
عندما ترى نظراته المليئة بالقتل كالأرواح الشريرة، كان من الواضح أن العنف الكامن بداخله قد ينفجر في أي لحظة.
"ذلك المجنون "A"، أراهن أنه سيقتل في النهاية الفتاة التي يستهدفها. لقد قتل بالفعل ثلاثة أو أربعة من الطيور الصغيرة أو القطط من قبل."
هكذا حذرها تاي جوون أيضاً.….
ولأن الأمور بدت مقلقةً بطريقةٍ ما، طلبت سيان من أوتيس مراقبة السيكوباتي "A" بمستوى C. بما أنه لم يكن شخصاً مرتبطاً بالكيانات الروحية، فلم يكن ممكناً تجاوز هذا المستوى.
كانت مجرد مراقبة يومية خفيفة.
لكن، أن يموت "A" فجأة؟
***
قبل أن تذهب سيان للقاء تاي جوون، مرت بشقة "A".
سووورون سووورون.-
كان السكان يتجمعون هنا وهناك يتهامسون. و وصلت سيارة شرطة إلى المجمع السكني.
تم العثور على أحد سكان هذا المجمع ميتاً في المصعد. و سبب الوفاة كان نوبةً قلبية حادة.
و من خلال الاستماع إلى همسات السكان القريبين، تأكدت أن المتوفى هو ذلك السيكوباتي "A".
همس السكان بعجَب وتساؤل.
"يقولون إنه كان يعاني من المشي أثناء النوم؟"
"المشي أثناء النوم؟"
"نعم، في مكتب الإدارة، قاموا بمراجعة تسجيلات كاميرا المصعد، وقالوا أنه مظهره قبل وفاته مباشرةً كان غريباً للغاية."
"يا إلهي.….كيف؟"
"كأنه استيقظ من النوم، في الثالثة فجراً، و دخل المصعد فجأة مرتدياً بيجامته، يترنح كشخصٍ ثمل."
"في الثالثة؟"
"ثم بدأ فجأة، كأنه لا يرى، يتلمس الجدران والأرضية ويحرك يديه بعشوائية."
"يا للهول."
"وكان هناك أيضاً ذلك التصرف بمثابة خلع الملابس، قالوا أنه كان يتحرك كمن يخلع معطفاً مبطناً."
"سمعتهم يقولون أنه كان يصرخ بغرابة....."
"سمعت من ممثل المبنى، تلك التسجيلات.….آه، شعور مقزز. كيف أصف ذلك؟ ذلك الرجل، كان يضع يده اليسرى على جدار المصعد بإحكام، ويلوح بيده اليمنى بعنف، بينما يدور ويدور داخل المصعد بطريقةٍ مخيفة."
تمايل الرجل وهو يبكي لمدة عشر دقائق تقريباً داخل المصعد، ولم يرفع يده عن جدار المصعد حتى اللحظة الأخيرة، وحتى في لحظة توقف نفسه، كان لا يزال يحرك ساقيه كأنه يمشي.
كأن روحاً شريرة قد تسربته.
لقد وعدها تاي جوون من قبل.
"إذا أعجبتني السيدة سيان حتى نهاية مهمتنا الأولى، سأقتل ذلك السيكوباتي "A" بنفسي."
هل يعقل.….
شعرت بقشعريرةٍ تسري في جسدها، ووقف شعرها من الرعب.
فركت سيان مؤخرة رأسها بوجه خالٍ من التعبير. ثم، فجأة، تحركت عيناها عبر حشد السكان.
كانت تلك الفتاة الصغيرة النحيفة، التي رأتها قبل ستة أيام، تقف بين السكان.
بدت الفتاة الصغيرة مصدومةً من خبر وفاة أحد سكان الطابق نفسه، لكن كان هناك ارتياح ما في عينيها. و بالطبع، فقد اختفى الذئب الذي كان يتجول أمامها إلى الأبد.
تلك الفتاة، وجهها المذعور بدا بطريقةٍ ما يشبه أختها الصغرى، مما جعلها تشغل بالها.….فحتى وجهها المصدوم بعيون مفتوحة على اتساعهما كان يشبه إحساس أختها المتوفاة.
"آه آه آه!"
حتى الآن، كان بكاء أختها يتردد فجأةً داخل صدرها.
"أختي!"
الصرخة الأخيرة لأختها وهي تناديها كانت كالقيد الذي لا يمكن فكّه، متعلقةً بكاحلها.
لو أنها في ذلك اليوم ضمت أختها بقوة، لكانتا إما عاشتا معاً أو ماتتا معاً.….
رِي آن، الصغيرة الجميلة التي كانت في الخامسة من عمرها.
ربما بسبب شعور الذنب والندم تجاه أختها.….عندما ترى الناس في أمان، يضحكون، ويسعدون، كانت تشعر بالفرح.
كان ذلك الفرح الوحيد لامرأةٍ قررت أن تقضي حياتها كلها في محاربة الأشباح، إنها سيان.
تفقدت الفتاة الصغيرة الوقت على هاتفها، ثم أدركت فجأة، كأنها تذكرت موعداً، وغادرت المكان على عجل.
نظرت سيان إلى ظهرها الذي يبتعد بخطواتٍ سريعة للحظة، ثم استدارت بهدوء وغادرت المكان.
***
تساقطت الثلوج الكثيفة بين الإضاءات التي تشبه التوت الأحمر.
على الرغم من البرد القارس، كان تاي جوون جالساً على طاولةٍ خارجية في المقهى المتفق عليه، ممداً ساقيه باسترخاء.
كان يرتدي معطفاً أسود، وبسبب أجوائه الغامضة المميزة، بدا وكأنه جزءٌ من صورة فوتوغرافية.
كان تاي جوون يشرب القهوة. بل، كان يحدق داخل الكوب الضخم. كأن هناك شيئاً ممتعاً للغاية داخل ذلك الكوب المستدير، حتى أنه كان يبتسم ابتسامةً قاسية.
طق طق-
اقتربت سيان منه بخطى ثابتة.
صرير-
ثم سحبت كرسياً معدنياً بوجهٍ خالٍ من التعبير وجلست مقابله. فرفع تاي جوون عينيه فقط.
كانت عينا تاي جوون، قزحيتهما وحدقتاهما، سوداء بشكلِ مذهل. وتلك العيون الداكنة داخل جفنيه المنحوتين كالسكين كانت دائماً تُخضع الآخرين بقوة.
ابتسم تاي جوون برفع زاوية فمه.
"يبدو أنك خرجتِ مبكراً هذا الصباح؟"
كان شعرها مبللاً من الثلج الذي تساقط عليها أثناء تسلق الجبل.
أجابت سيان بإيجاز،
"نعم."
انتهى الحديث هناك.
لم يسأل أكثر، ولم تفتح هي فمها أولاً. و كان الهواء البارد المشبع بالحذر يهب بقوةِ بينهما بصمت.
عندما رفعَت ياقة معطفها لتحمي مؤخرة رأسها من الثلج المتسرب، مدّ تاي جوون الكوب الذي كان يحمله نحوها.
"هل ترغبين بشرب قهوتي؟"
"سأرفض."
عندما نهضت لتطلب مشروباً، رفع تاي جوون الكوب إلى فمه بهدوء.
"يا للأسف."
تمتم وهو يثبت نظره داخل الكوب المستدير، كأن شيئاً ما بداخله.
"إنها لذيذةٌ إلى هذا الحد."
هل كان نبرته تبدو قاسية.….أم أنها مجرد شعور؟
تحركت عيناه ببطء تتبعان داخل الكوب. كأن حشرةً تدور في داخله.
نظرت نحوه عابرة، لكن الكوب لم يحتوِ سوى على قهوة سوداء يتصاعد منها البخار الساخن.
عادت سيان بقهوتها وجلست مجدداً. و في تلك الأثناء، كان قد أنهى قهوته بالكامل.
بلع-
أغمض عينيه، يتذوق آخر رشفةٍ من القهوة وهو يبتلعها، ثم ضحك بخفة وفتح عينيه ببطء.
بدا في تلك اللحظة.….كأنه شيطانٌ جميل يتذوق روح إنسان.
طق-
وضع الكوب الفارغ على الطاولة. فألقت سيان نظرةً أخرى على الكوب، وكما هو متوقع، كان الداخل نظيفاً.
ثم نظرت مباشرةً في عينيه.
"ذلك المجنون "A" الذي قابلناه في شقة موكدونغ، هل أنت من قتله، يا تاي جوون؟"
كان سؤالاً مباشراً.
انفجر تاي جوون ضاحكاً، كأنه مندهش.
"أنا؟ أقتل إنساناً؟"
"نعم."
"مستحيل. قولي أنني سأقتله كان مزحة. ليس لدي مثل هذه القوة. أنا مجرد موظفٍ في أوتيس، أرى الأشباح، هذا كل شيء."
"ترى الأشباح.….لا يبدو أن الأمر يقتصر على ذلك."
"يا لكِ من مرحة، يا سيان، على غير المتوقع. لو كنتُ أمتلك قوةً خارقة لقتل الناس كما أشاء، لما احتجت إلى الارتباط بكِ كفريق، أليس كذلك؟ كنت سأعمل بمفردي."
حسناً، من يدري.
<السر الأعلى 0401. صيد الأفعى.>
كانت هذه عملية تثير قلق حتى كبار المسؤولين في أوتيس. ومع ذلك، كُلف بها عميلان فقط.….
على الأرجح، لم تكن الثقة في سيان، بل في تاي جوون، كان هو الرهان.
كما قال المدير،
"تاي جوون مميز."
لأنه رجل استثنائي.
"لا مثيل له. و لا يمكن استبداله بأحد. لديه أسرارٌ كثيرة لا يمكن الكشف عنها."
حتى في أوتيس، التي شهدت آلاف الظواهر الغامضة على مدى ما يقرب من ألف عام، يُعتبر تاي جوون رجلاً يُحاط بالسرية ويُعامل بحذر.
كان تاي جوون كائناً لا يمكن الهروب منه، و لا مفر منه، وكأنه شخصٌ يجب تجنب الارتباط به، مما يجعله مزعجاً.
فتحت سيان فمها بنبرة جافة.
"أنت وأنا، يا تاي جوون، سنتشارك الحياة والموت لمدة عام قادم."
"آها."
"الهدف الذي نطارده هو جماعةٌ غامضة تُسمى 'الأفعى'، وهناك عددٌ كبير من الأرواح الشريرة الخطيرة للغاية. و بما أن حياتنا على المحك، أريد على الأقل أن أثق بشريكي."
"هل تقترحين أن نكشف عن قدراتنا الأساسية لبعضنا البعض؟"
"بالضبط."
"لا أريد ذلك."
ضحك تاي جوون بخفة. و عندما حدّقت به بعيون باردة، ابتسم بجاذبية.
"أليس من الممتع ألا تعرفي ما يوجد داخل صندوقٍ عشوائي؟"
"ما يوجد في الصناديق العشوائية غالباً يكون رخيصاً. بقايا لم تُبَع."
"واه، يا سيان، يبدو أنكِ مهتمةٌ جداً بهذا الرخيص؟"
كانت نبرةً ساخرة ومستفزة. فتخلت سيان تماماً عن المجادلة.
"كيف تعرف وقت الوفاة؟"
سألت مباشرةً دون مناورة، فأجابها بهدوء،
"أرى أرقاماً باهتةً تتلألأ في منتصف جباه الناس."
"أرقامٌ متلألئة؟"
"العمر الافتراضي ليس دقيقاً كما يُعتقد. إنه يتذبذب. لكن بالنسبة لمن سيفارقون الحياة خلال 24 ساعة، تصبح الأرقام واضحة."
عندما يصبح الموت على بعد 24 ساعة، لا يمكن تفاديه.
"ألم تقل أنكَ تراها فيّ أيضاً؟"
"نعم، أراها فيكِ أيضاً. مثل كل من يحملون مصيراً يقودهم حتماً إلى الموت."
"…...."
"هؤلاء يكون تاريخ وفاتهم محفوراً بوضوحٍ على جباههم. حتى لو كانوا رضعاً، يظهر كوشمٍ أسود."
موتٌ يشبه الوشم.
ربما لم يكن موجوداً منذ الولادة، بل قُرر في ذلك اليوم من مايو قبل 21 عاماً.
تأكدت سيان بنبرة منخفضة،
"متى قلتَ أنني سأموت؟"
"12 مايو."
كان إعلاناً قاسياً بمثابة حكمٍ بالإعدام المؤقت.
ساد الصمت للحظة، بينما كانت رقاقات الثلج البيضاء تتراقص فوق الطاولة.
ثم رفعت سيان كوب القهوة الذي برد بالفعل.
"إذاً، سأودعك في ليلة 11 مايو. حتى ذلك الحين، أرجو أن نعمل جيداً معاً."
ضحك تاي جوون بصوت عالٍ على نبرتها الهادئة الساخرة.
بدت عليه المتعة، وهو ينظر إليها بنظراتٍ ثاقبة كأنه يتذوقها.
نظراتٌ صريحة، جريئة، مليئة بالاهتمام الشديد.
رفعت سيان رموشها وحدقت به مباشرة. و كأنها ترفض التراجع في معركة النظرات، فحدقت في عينيه بعينيها الصافيتين بلون التوباز لمدة دقيقةٍ تقريباً.
"يا إلهي."
وسط تساقط الثلج الأبيض الذي يعم المدينة في أول ثلج بارد للعام الجديد، ضيّق تاي جوون عينيه قليلاً.
"سيان."
سرت قشعريرةٌ من صوته. فابتسم تاي جوون بخفة و تحدثت، كأنه يمزح أو ربما بجدية،
"أعتقد أنني سأقع في حبكِ حقاً، يا سيان."
____________________
شكله وقع 😘
المهم يعني وش؟ سيان صدق بتفطس في مايو؟ واذا هم الحين يناير يعني باقي 6 شهور تقريبا؟ 💀
Dana