44 - الفصل 40: اعجاب وتشكيل

الفصل 40: اعجاب وتشكيل

-----------------

مشهد يرهق الروح ويطهر الأعين…

ذلك ما شاهده شون.

شون الذي رأى عجائب فنون القتال وسحرها رأى للمرة الأولى شيء أكثر رهبة مما كانت تظهره عائلته العظيمة…

باكيان الذي جال مختلف الممالك والعشائر هو الآخر رأى ما لم يراه من قبل.

مع انه لم يدري ماهية ما فعله سايرو وماهية الاستحالة التي وقعت امامه سُحر من جمال السيف الذي لُوح امامه…

بعيدين بمئات الأقدام عن مكان الواقعة لكن شعوروا بالعاصفة التي انتجها صمت ذلك السيف.

بعد ان فاق عقل شون من الذهول تمتم والعرق البارد ينزل من جبينه…

"نية السيف…"

شون قرأ عن اساطير وخرافات من ازمنة مختلفة كإبن لعشيرة جايغال العظيمة، من بين أعظم تلك الأساطير اسطورة "السيف الأعمى"…

بدأ شون يحكي لباكيان عن هذه الأسطورة لانه لم يدرك بعد ما قام به سيف سايرو…

اسطورة السيف الأعمى حكت عن سياف فقد بصره في معركة حياة او موت لينجو من الموت المتربص به…

ذلك السياف الذي كان يفخر بسيفه اكثر من غيره ملئت جوارحه بالغضب تجاه ذاته التي ذلت سيفه الذي يفخر به…

في الوقت الذي كان السيافون يستعمولون الطاقة على السيف ويسمونها بطاقة السيف كان قد بلغ بالفعل مرحلة من سيادة السيف تعرف بهالة السيف…

لكن السيف الأعمى لم يرضى بهالة سيفه فقط فتخلى عنها في النهاية، لوح بسيفه فقط دون استعمال اي طاقة…

لأيام، شهور وسنين…

وفي اللحظة التي ادرك فيها بعصا من مسار السيف، استنار!

واكتسب من لم يكاسبه غيره، طاقة سيف غريبة لكنها تحمل قوانين مسار السيف داخلها…

سميت وقتها بـ [نية السيف!]

ومنذ ذلك الزمن المنسي، غير السيف الأعمى لم يبلغ غيره نية السيف ابدا.

او هذا ما كان يظنه شون، حتى رأى الأسطورة التي تحكيها الحروف تتجسد امامه في سيف سيده…

سيف سايرو.

……….

"مستحيل…"

قالها باكيان أخيرًا، بصوت مبحوح كأن حلقه لم يذق الماء منذ أيام.

نظر إلى شون، ثم إلى الأرض المتشققة أمامهما، حيث التصق الهواء بذرات من الصمت…

ذلك الصمت الذي وُلد من حدّ سيف، لكنه ظلّ يجلد كل من حضره.

أكمل باكيان وهو يحدق في المكان الذي لوّح فيه سايرو بسيفه:

"ما كان هذا؟ لا طاقة، لا انفجار… لكن كل شيء توقف."

رفع شون يده إلى صدره، أصابعه ترتعش كما لو أنها لا تنتمي له، همس:

"رأيت شيئًا… لا أدري كيف أصفه. لم تكن طاقة… بل نية. كأن السيف… قرأ قلبي، وتلك الشجرة التي تنظر بصمت الي… "

لم يجب باكيان، فقط ابتعد بخطوتين إلى الوراء.

ثم تمتم:

"أنا… أنا سياف. تعلمت من مختلف العشائر واتخذت اخيرا معلم صقل الاغتيال داخلي، رأيت السيوف التي تصرخ، وتلك التي تشتعل، وتلك التي تبكي. لكن هذا… هذا السيف لم يفعل شيئًا. لا شيء… ومع ذلك، كل شيء."

أغمض شون عينيه بقوة، وكأن عقله لا يزال يعالج الصورة الأخيرة.

لم يكن ما رآه شيئًا يمكن تفسيره بمفردات عالمهم الحالي.

………..

في البُعد الآخر من الساحة الصخرية، حيث تخلّى الغروب عن ظلاله وبسط ضوءًا خافتًا كضوء شمعة في غرفة مريض، وقف سايرو.

جسده لا يزال منتصبًا، لكن هالته لم تكن كما كانت…

ذراعه اليمنى ترتعش، شفاهه شاحبة، وركبته تحاول أن تخونه.

لكنه لم يسمح لها.

نظر إلى يديه، ثم همس لنفسه:

"كان من المفترض… ألا أستعملها الآن."

نَفَسٌ ثقيلٌ خرج من صدره.

"نية السيف… إنها ليست تقنية تُستعمل ضد حفنة من كلاب الجناح الأحمر. لكنها كانت الطريقة الوحيدة… لكسر تشكيلهم، ومسح وجودهم من عالمي وعالمهم"

ثم بصوت داخلي، خافت كأن روحه نفسها تُعاتبه:

"لكني لن أندم… ربما التخلص من ختم المشاعر كان سببا، لكن بدل الغضب اشعر بسعادة لم اتذوقها منذ عشرات القرون حتى لو ما فعلته اليوم لم يكن جزءا من خططي."

حدق في أصابعه، وابتسامة واهنة شقت شفتيه:

"لو تأخرت لحظة، لتمكنوا من إرسال اشارة استغاثة للعشائر الحامية الأخرى. كانت ستحدث مذبحة عندها…"

تقدم نحو صخرة ملساء، وجلس فوقها بتأنٍ، كأن جسده لم يعد يتحمل الحركة المفاجئة.

أغمض عينيه، وبدأت الهالة من حوله بالانسحاب إلى داخله… كأن البحر قد قرر أن يبتلع نفسه.

……….

مر الوقت…

شون باقٍ في مكانه، آخذ لجلسة القرفصاء، يحدق في موضع ضربة السيف التي لم تترك أثرًا مرئيًا، لكنها تركت أثرًا في نفسه لن يزول.

إلى جانبه، جلس باكيان وهو لا يكفّ عن تحريك قبضته اليمنى، مرارًا وتكرارًا، دون سبب واضح.

"تظن أنه بخير؟"

سأل شون بصوت مبحوح.

هزّ باكيان كتفيه دون أن ينظر إليه:

"لا أدري إن كان هو بخير… أو نحن بعد الجنون الذي حدث اليوم."

وبينما بدأ ظلّ الليل يتسلل إلى الصخور، تحرك سايرو أخيرًا.

نهض ببطء، جسده لا يزال متعبًا، لكنه نظيف من الألم.

عيونه الآن أكثر صفاءً، ونَفَسه صار متّزنًا كراقص على حبل بين جبلين.

توجه إليهما بخطى ثابتة وحين اقترب، نظر إليهما مبتسمًا كأن شيئًا لم يحدث.

"انتظرتما طويلاً، أليس كذلك؟"

أجابه باكيان وهو ينهض:

"اعتدنا أن ننتظر سيدنا منذ زمن طويل."

لكن نبرة صوته كانت غير واثقة، كأن جزءًا منه لا يزال يترنّح مما رأى.

"تتحدث وكأنني كنت سيدك منذ سنين…"

ابتسم سايرو، ثم مدّ يده إلى داخل ردائه، وأخرج لفافتين من اليشم.

الأولى كانت بيضاء مصقولة يشع منها ضوء ذهبي باهت.

أما الثانية، فكان لونها كأحمر عنب ناضج، يشعّ بنبضٍ خافت، كأنها تحوي شيئًا حيًا بداخلها.

ناول الأولى إلى شون قائلاً:

"هذه… قانون العدم الذهبي. لا تفتحها هنا، سيكون هذا القانون هو الفن الخاص بعشيرتنا من الآن فصاعدا"

ثم ناوله الثانية:

"وهذه… فنون السيف القرمزية، تقنية السيف الوحيدة التي تتناسب مع قانون العدم الذهبي."

شون أمسك بهما بعناية، كأنهما بيض تنين نادر.

لكن باكيان، وقد أثارته اللفافة الحمراء، مدّ يده نحوها، يهمّ بفتحها.

"توقّف."

انطلقت الكلمة من فم سايرو كالسيف ذاته، حادة، صارمة، وجعلت الهواء يرتجف.

تجمدت يد باكيان في الهواء.

"إن فتحتها دون طاقتك الروحية، ستُمسح محتوياتها بالكامل. لن تُصاب فقط بالاعاقة الدائمة… بل قد تُسحق روحك ذاتها."

ابتلع باكيان ريقه، عينه تتأرجح بين سايرو واللفافة.

"تُسحق… الروح؟"

أومأ سايرو بثقل:

"وضعت ختمًا. لا أحد سوى شون يستطيع فتحها. في عالم منخفض مثل هذا، لا يوجد دواء لإصابة في الروح… هل تظن أنك تقدر على الرهان وانت لا تعلم حتى ما هي الطاقة الروحية؟"

تراجع باكيان وهو يهمس:

"لا، سيدي… لم أكن أعلم…"

قال سايرو بهدوء

"من لا يعلم، لا يُعفى من العواقب."

ثم التفت إلى شون:

"حين تكون مستعدًا… افتحها. واحدة تلو الأخرى وتذكر ان محتوياتها لا يحق تعلمها الا لنخبة العشيرة مستقبلا اما انت يا باكيان فالفن الذي اهديته لك يكفيك وزيادة في مستواك الحالي."

هز شون رأسه بصمت، ثم جلس على الأرض بوضع تأملي، وأغلق عينيه.

وضع اللفافة الذهبية أولًا أمامه، ومدّ يده اليمنى نحوها، وأطلق خيطًا من طاقته الروحية.

كروحاني كان الأمر بسيطا نوعا ما بالنسبة له.

في اللحظة التي لامست فيها طاقته سطح اللفافة، بدأ الضوء الذهبي ينبض.

كلمات غير مفهومة تشكلت في الهواء، رموز دوّامية، قوانين لم يكن من المفترض أن تُقرأ.

لكن قبل أن يتسنى له فهم أي شيء، شهق فجأة… ثم انهار أرضًا بلا وعي.

صرخ باكيان وهو يركض إليه…

"شون!"

أسند رأسه، وجسّه بقلق، ثم نظر إلى سايرو.

"ما الذي حدث له؟!"

أجابه سايرو بنبرة هادئة لكنها خالية من الجدية

"جسده لم يتحمل الكم الهائل من الطاقة الروحية في اللفافة. لقد استهلك كل طاقته دفعة واحدة… لكنه ليس في خطر."

باكيان ما زال منحنياً فوقه…

"هل انت متأكد يا سيدي؟ إنه لا يتحرك!"

"لأنه روحاني. روحه أقوى من جسده. سيعود بعد أن تستعيد روحه طاقتها بنفسها مجددًا. دعه يرتاح."

جلس باكيان إلى جانب شون، ينظر إلى صدره الذي يرتفع وينخفض ببطء.

"لا عجب أنه إنهار. أنا لم أفهم حتى جزء بسيط من تلك الرموز."

قال سايرو بصوت منخفض

"ذلك الطفل… سيرى أشياء لا يُفترض أن تُرى في هذا العالم."

……….

مر الوقت، وربما ساعات.

وفي اللحظة التي بدأ فيها ضوء النجوم يتخلل الغيوم، تحرك شون.

شهق نفسًا عميقًا، ثم فتح عينيه، وقد غطى العرق وجهه.

رفع نفسه ببطء، متألمًا، وهو يلهث.

"أنا… حي؟"

ضحك باكيان، رغم قلقه، وربت على كتفه…

"بصعوبة. كدتَ تقضي علينا من التوتر، أيها الروحاني! لم افهم كل شيء من كلام السيد لكن يبدو انك مدهش لقد قللت منك حقا"

لكن شون لم يُجب، بل رفع نظره نحو سايرو، والدهشة في عينيه تكاد تحرق الهواء.

"سيدي!! تلك التشكيلة! تشكيلة الحماية الثالثة داخل قانون العدم… لا يمكن لتشكيلة كهذه الوجود! حتى في مكتبة عائلة جايغال الهائلة، لم أرَ شيئًا يقاربها!"

اقترب سايرو منه بخطوتين، ثم أشار له بالجلوس مجددًا…

"اهدأ."

لكن شون لم يتوقف.

"كيف… كيف رُسمت؟ كيف طُبقت؟ إنها ليست تشكيلًا فقط! إنها تقنية ذات وعي. هل كانت… هل كانت من عصر القديم؟ أو… أبعد من ذلك؟"

أشار له سايرو مجددًا…

"ستفهم قريبا، مع ان هذه التشكيلة ليست الا واحدة من التشكيلات الثلاث التي تكون المصفوفة الحامية الا أن تشكيلة البحر السماوي اقولها بكل ثقة انه لن تجد مثلها في عالم نيفيش بأكمله."

صمت شون أخيرًا، لكنه ظل ينظر إلى اللفافة في حضنه، كأنها تحمل مفتاح عالم لم يكن يعلم بوجوده.

" ليس في هذا العالم فقط يا سيدي بل يمكنني الجزم انه لن تجد افضل منها حتى في العالم السامي! "

وقتها لم يكن يدرك شون انها رقمت بالتشكيلة الثالثة حيث لم يعط التشكلة الحق التي تستحقه حتى!

قام شون من مكانه ثم امسك بيد سايرو وسأله بحماس متصاعد…

"ان لم تكن تصدقني، سأستدعي الروح التي تعاقدت معها ونسألها!! "

--------------

تأليف: Souhayl TP

2025/07/24 · 9 مشاهدة · 1444 كلمة
Souhayl TP
نادي الروايات - 2025