ريو: هل يسمح بالقتل؟

انوس: نعم، إنه مسموح.

رد أنوس بتصريحه كما لو كانت مجرد عادة.

هيهي، مجرد بشر فانين ضعفاء، لما يجب أن يراعيهم؟.

كان سؤال ريو خارج التوقعات، لكنه يساعد في تحقيق غاية أنوس بشكل أكبر من ما كان يحصل، في النهاية، كان يريد الترفيه.

حان الأن وقت التغيير.

كما لو حصل على جواب كان يتوقعه، إستدار للنظر إلى فتى اشقر وسيم.

كانت عيونه الزرقاء تحمل ضوء من الحدة فيهما، بدى البريق في عينيه كما لو أنه يتحدى العالم، شخص ذو طموح شديد.

بطبيعة الحال، كان الشخص هو ناغومو ميابي، طالب في السنة الثالثة، و هو رئيس مجلس الطلاب الحالي للمدرسة.

لم يخفى على أحد أنه من أكثر الأشخاص موهبة في هذه المدرسة على مر تاريخها.

لكن في هذه اللحظة، كان الطالب الطموح و الذي يتسم بمظهر الثقة و الكاريزما على الدوام، مثله مثل أي أحد أخر، مرتبك.

ما قاله ريو له تباين كبير بين المزاح و الجد، قد يأخذه أحد على انه مزحة، لكن كل ما قاله سابقا بشأن الأذية، محاولة إفتعال المشاكل، حتى أنه كاد يتقاتل مع هوسين، و اخيرا الموت، لقد تجرا حتى على التساؤل بشأن القتل! إنه مجنون -!.

مثل تلك الأفعال المترابطة بشكل غريب جعلتهم بلا وعي يأخذون كلام ريو بطعم مالح.

إبتسم ريو بلطف كما ردد قائلا: ‟بما أنه كذلك، أنوس، هل هناك عقوبة على إرتكاب جريمة قتل، الأن، في هذا المكان، و في هذه اللحظة؟ ”

كلما تقدم في كلماته، كانت نبرته تزداد برودة، جعل صوته البعض يشعرون بالقشعريرة، و بعضهم شعر بالبرودة.

أنوس لم يسعه أن يرفع رأسه و يضحك بحرارة: ‟ هاهاها !، نعم، طالما أنا أسمح بذلك، لا مشكلة أبداً !”

بطبيعة الحال، لم تكن هذه الكلمات أكثر من تهديد، بسيط و موجز، لكن بعد تراكم الأحداث الأخيرة، اصبح التأثير فعالا.

كما لو انه لم يترك فرصة لأي أحد بالحديث، حدق ريو ببرود شديد نحو الأنحاء قائلا: ‟فقط للعلم، إن كان لديكم أي فكرة للتمرد الأن … أنوس، سأكون وقحا قليلا و أطلب منك مساعدتي حينها، حسنا؟ ” إستدار نحو الشخص المتحكم بالموقف، زعيم الشياطين بعينه، أنوس.

‟هيه، مثير للإهتمام، أوافق، أي أحد يعترض ريو، فما علينا من شرح مطول…” إخترقت نظراته الباردة الأنحاء و إنتشرت هالة إستبدادية كما قال بتهديد.

لم يرد أحد، في الواقع، لم يجرؤ أي من الموجودين على الرد من الأساس، لقد غرقت قلوبهم تماما، و كل ما شعرو به هو الخوف.

‟ما سيحصل معروف، لكن فقط للتذكير..... ”

قبيل كلامه، ومض ضوء ساطع من عينيه و شعر العديد من الموجودين بضغط ساحق، كما لو أن الجاذبية تجبرهم على الخضوع، سقط الكثير من الموجودين على الأرض، كانو الأن في وضع الركوع.

فقط قلة مختارة لم تتعرض للقمع.

‟هنا، لا يوجد ما ينقذكم عند معارضتي، طالما تتذكرون ذلك، فأنتم في وضع جيد ”

تأكيدا على كلامه، تخفف الضغط الذي كان يقمع الموجودين هنا، فقط بعد مدة، إستطاعو جميعا الوقوف بثبات.

نشأ شعور بالإذلال و الغضب بين الناس، لكن بكل تأكيد، شعرو جميعا بالخوف.

كانو يعلمون، إن قتلهم لم يكن أكثر من شربة ماء بالنسبة لأنوس.

‟و هكذا، هل هناك من سيعترض على كلامي؟ ”

قال ريو بدلا من أنوس، لقد حدقت عيون غاضبة في ريو، كان فقط يستفيد من ميزته لأن أنوس وافق عليه-!!.

خسيس، شرير، وقح جداً....

ظهرت هذه الأفكار في أذهان الطلبة.

‟أنت تتحدث كما لو انك أفضل منا.... ”

تحدث أحدهم بصوت خافت خوفا من إكتشافه، لكن من سوء حظه، لقد سمعه ريو بالفعل.

عند سماعه، ومض ضوء غريب في عيني ريو و أمسك برأسه، ضحك بشراسة كما قال: ”هاهاها، لكن ماذا في ذلك؟ ليس كما لو أنه يمكن لأحد فعل شيء حيال ذلك ! ”

أكمل حديثه للتو عندما جرى بسرعة.

قفز-!

قفز و جرى بين المقاعد، عندما وصل لوجهته، توقف فجأة.

كانت المسافة غير بعيدة، لذلك لم يستغرق الأمر سوى لحظات.

بالنسبة للأخرين، لقد حدث ذلك على حين غرة-!.

أمسك ريو بفتى واقف بجمود من رقبته بقوة، إختنق الفتى على الفور، عندما كان على وشك القيام برد فعل، كان قد تم رفعه من على الأرض بالفعل.

‟الأمر بسيط، لا تقف في طريقي، إذا لن امس شعرة من رأسك حتى، لكن غير ذلك…” ومض الضوء البارد في عيني ريو كما ظهرت إبتسامة قاسية على وجهه.

شدد القوة على يديه عندما زاد إختناق الفتى، أصبح لونه أزرق بالفعل و بدء بالمقاومة، كلما زادت مقاومته غير المجدية، زاد الضغط الناجم من يد ريو.

كل ما يمكن رؤيته في وجه ريو هي ضحكة شريرة، لقد بدى كما لو يستمتع بمعاناة الفتى.

شعر العديد من الموجودين هنا بشيء خاطئ، كان من مظهر ريو انه عقد عزمه على فعلها!.

لم يحتج الأمر عبقريا لمعرفة ما كان سيفعله، لقد كان سيقتله -!.

‟توقف، ماذا تفعل؟! ”

”أتركه ! ألا ترى أنه يختنق بالفعل؟! ”

‟سيموت على هذه الحال ! ”

حاول العديد من الناس التحرك لإيقاف ريو، لكن كما لو أن دلواً من الماء البارد سقط من فوق رؤوسهم، إصطدمو بحقيقة صادمة.

لم يستطيعو التحرك، بغض النظر عن كيف حاولو ذلك، لم يحدث شيء، كما لو أن أجسادهم تأبى ذلك.

و مثل ما ادركو الحقيقة، إستدارو بخوف نحو شخص يجلس بغطرسة على كرسي، لقد عرف الجميع بطبيعة الحال أنه أنوس.

إبتسم قليلا فقط، لكن هذه البادرة جعلت قلوب الجميع فارغة، هذا يعني أنهم لن يستطيعو فعل شيء حيال أفعال ريو-!

عندما عرفو أنهم لن يستطيعو التحرك، و بدأو بالشتم و التوسل و حتى البكاء.

‟توقف و تعال واجهني إن كنت شجاعا -! ”

‟اللعنة على اسلافك الثمانية، توقف عن هذا -! ”

‟ارجوك توقف... انت ستقتله على هذه الحال -! ”

الشخص الذي بكى و هو يقول هذا، بطبيعة الحال كانت إيتشينوسي، لم تتوقع هذا، الذي ساعدها في أوج لحظات ضعفها، كان مثل هذا الشخص؟.

لم تستطع تقبل ذلك، لكنه الأن أمامها، لقد كان كما لو أن الواقع يضرب كل مثلها عرض الحائط، لم يستطع قلبها الرقيق تحمل هذا، لقد توسلت، لقد بكت، حتى انها صرخت، لكن قوبلت كل كلماتها بأذن صماء.

لم يلتفت ريو حتى للنظر إليها، لم يكن انه لم يسمعها، لكن ببساطة لم يعرها أي إهتمام.

زملائه، اصدقائه و كل من عرفوه، لم يكن هناك إستثماء، لقد صرخو جميعا.

ساكاياناجي لم تستطع الضحك الأن، حتى ريوين توقف عن الإبتسام في مرحلة ما، كانو عابسين،لكن على عكس الأخرين لم ينبسو ببنت شفاه، شعرو بشكل حدسي أن هناك شيئا في غير محله بشأن الموقف ككل.

حدق ريوين بشراسة نحو ريو و هو يصرخ: ‟أيها اللعنة العاهرة، تعال و واجهني-! ”

اصاب الرعب الغالبية من صرخته المدوية، لكنهم صدمو في نفس الوقت، كان من الغريب أن يبادر ريوين في فعل شيء ما، لكنهم تقبلو الأمر سريعا نظرا لأنهم في موقف متطرف كهذا.

حتى هوسين كان يشتم، شتم سلالته و والدته و جيله بالكامل، لكن لم ينظر إليه ريو، كما لو أنه غير موجود.

المعلمون ناشدو، صرخو و حرضو حتى انهم هددو، لكن كما البقية، لم يؤتي ثمار جهدهم بشيء، كانت مثل النهاية التي لا يحبها أحد لقصة ما.

سقوط…!.

مثل هذا المنظر تجلى في عيني أمام أعين الجميع، شخصان، ليس واحدا بل إثنين، شينا هيوري، إيتشينوسي هونامي، أول الأسماء التي برزت في اذهان الأغلبية هي هذه.

لم يستطيعو التحمل، ليس هذا، إنه كثير! لما يفعل هذا؟! ماذا فعل له هذا الفتى؟ أليس لديه مشاعر؟ ماذا لو قتله؟ كيف يسامح نفسه بعد هذا؟ كيف … سيقبلون بهذا؟ مشاعرهم كأصدقاء، الم يكن لها معنى؟.

أخر ما ومض في أذهانهم هو هذا، قبل أن يصبح العالم بلا نور.

بلا نور، بلا ظلام، فقط رمادي، هكذا كان ما يحصل.

الصدمة توالت بين الكبير و الصغير، لكن أسوء صدمة كانت… بين أقرب الناس إليه هنا.

الفصل د.

لم يكن هناك شك أن الصدمة قد ضربت الوتر الحساس عندهم.

ذلك كان بدءاً بالقائد الرسمي للفصل، هوريكيتا سوزوني عضت شفتيها بصمت و هي تحدق في ريو بيأس و خوف، حتى أنه كان هناك حزن.

لما حصل هذا؟ كانت في الفصل تستعد لعام أخر، إمتحانات أخرى و صعاب جديدة، ما الذي أدى لهذا؟ هل هذا حلم؟ أم كابوس؟ لم تكن تعرف.

لكن بغض النظر عن كيف ستنكر ذلك، كان الواقع يتجلى أمامها.

هيراتا يوسكي، سودو كين، مجموعة أيانوكوجي و باقي الفصل حدقو بيأس و صرخو ببؤس.

أصدقائه الأعز كانو أكثر من أحس بالموقف، لو كان سابقا، ربما قد إنهارو بالفعل، لكن الأن مختلف.

لم يتسامحو مع فعلته، لكنهم في أذهانهم قد قررو إعطائه فرصة، إن إجتاز الخط، فقد إنتهى، سيموت ريو، على الأقل في قلوبهم، سيكون أعز صديق لهم قد مات.

كان أكبر دليل جعلهم يفكروت هكذا بالنسبة لهم هو شخص واحد، بغض النظر عن ما حدث، لم يؤثر عليه الموقف أبداً، أيانوكوجي كيوتاكا.

هذا الشخص ترك لهم بصيص أمل، شظية خافتة وسط الظلام.

‟كيوتاكا …، أرجوك، ارجوك أوقفه-! ”

صرخت كارويزاوا كي بصوت خافت، حدقت بينما دموعها تنزل بصمت، لكن لم ينظر الشخص المدعو إليها حتى، لقد حدق بهدوء بالموقف، كشخص متفرج، أكثر أو أقل.

بالنسبة له، كان ما إذا مات شخص أخر او بقي حيا غير مهم و لا معنى له، إن مات، فحياته قد أنتهت هناك، كان ما يهم هو، هل موته له فائدة؟ و هل كان له معنى؟.

ما كان مخيفا حقا في العالم هو الموت بلا معنى.

عندما شعرت كي باللامبالاة، عدم الإهتمام، و الحياد الذي احاط بكيوتاكا، هدأ قلبها على غير المتوقع، كان دائماً يتخذ الخيار الأفضل، و بما انه لم يقم بشيء، فعلى الأغلب أن هذا مخطط له، على الأقل، ارادت ان تؤمن بذلك، كان السبب بسيطا، ريو كان احد اصدقائها الأعزاء.

بالنسبة لكوشيدا كيكيو، لقد شعرت ببساطة بالخوف و البرد، ما كان يفعله ريو الأن قد إستحضر لها ذكريات مريرة.

كان الأمر ببساطة مضحكا، لقد نسو تقريباً حقيقة انه حتى لو ماتو، فسيرجعون للحياة، لكن حتى لو فعلو، ماذا في ذلك؟ القتل هو القتل، لم يكونو أشخاصا متسامحين مع ذلك.

كانت هذه في النهاية هي اليابان الحديثة، البيئة المسالمة لا تترك الناس يتعاملون بقسوة.

أما ريو؟ فقد كان مختلفا تماما، لم يكن إذهاق روح شخص ما أكثر من التنفس بالنسبة له، لقد شق طريقه طوال حياته عبر الدم.

منذ البداية و حتى النهاية، لم يعتبر نفسه شخصا طيبا أبداً، لقد تعايش مع نفسه، و لم يكره ذاته أبداً، بغض النظر عن الأسلوب، بغض النظر عن ماذا او كيف، كان سيقوم بما يريد.

لم يهتم بما يسمى الشعور بالذنب، بالطبع لم يكن شخصا يستمتع بالقتل، لكنه كان متسامحا معه، إن كانت الوسيلة مفيدة، فسيستعملها، لم يكن ذلك معقدا، لقد كان ريو ببساطة شخصا بلا ضمير.

‟صرخات الناس و شتائمهم؟ هيهي، لماذا سأهتم؟! ليس لديهم القدرة على فعل شيء، إنهم ببساطة بلا أهمية -! ”

صراخ.

كان هذا ما يفعله الناس منذ غابر الأزمان، أنا غاضب؟ سأصرخ، مديري في العمل وغد؟ سأشتم و أصرخ، أمي ماتت بسبب غلطة من أحد الجراحين أثناء العملية؟ بالطبع سأصرخ…!.

كانت سياسة نتبعها ببساطة عندما لم يعد لدينا حيلة، كان الصراخ سببه الجوع، كان سببه المعاناة، كان سببه الفرح.

إتخذه الناس منهجا يتبعونه في لحظات الهياج عندما لا يتحكمون تماماً بمشاعرهم.

و حقيقة الصراخ في الواقع كانت بسيطة، إنه محض كلام بلا معنى، لم يكن أكثر من مجرد رفع صوتك تجاه شيء ما، حتى الطفل الرضيع يصرخ، كان بلا معنى، مثل معظم ما يناضل الناس لأجله.

في هذا العالم، كان الصراخ هو نداء البؤس.

كان الدليل يتجلى أمام عينيه القرمزية، رن صوت الصراخ في أذنيه، كان مثل توسل بائس، مثير للشفقة، بلا فائدة.

كفاحهم كان بلا معنى، العالم سيستمر مثل ما كان يفعل، فصل الشتاء كان سيأتي بلا محالة.

الربيع قد إنتهى و بدأت الثلوج تسقط، و مثل ناهية فصل الدفئ، كانت نهاية كل فرد هو الموت.

واقع مصبوغ باللون الرمادي سيحل.

‟مخيف أليس كذلك؟ الموت ”

رنين صوت عميق لم يسمعوه من قبل، كان متجردا، كان جميلا، كان مخيفا، كان اسرا، كان نافرا، كان ببساطة … بلا لون.

لقد كان ريو، بينما شدد يده على رقبة الفتى الذي حمله، تحدث و هو يحدق في الجثة التي تكافح بلا جدوة.

صمتت جميع الأصوات، لم يجرؤ أحد على إصدار صوت، كان الأمر كما لو أنهم لم يحملو أنفسهم على الحديث أمامه.

‟كفاح الدودة كي لا تأكلها العصافير، كفاح الفريسة للهروب من مفترسها، كفاح السقيم للشفاء من سقمه، كله له أمل، لكن أمام الموت … لا يوجد سوى الفراغ”

تضائلت المقاومة، الفتى حدق في ريو برعب و يأس، كان الأن حقا سيموت…!!.

هل هي النهاية؟ توقف عن الكفاح، كان كما قال ريو، أمام الموت، لا يوجد ما يمكن فعله.

‟اااه لو أنني فعلت شيئا أفخر به، كنت سأموت بلا ندم ” افكاره الصادقة تجلت قبل أن تنطفئ شعلة حياته تماماً.

لقد توقف.

أمام أعين الجميع، لم يعد الفتى يكافح، لم يعد يتحرك.

لونه كان ببساطة شاحبا، كما لو كان جثة.

أنزل ريو الفتى ببطئ، و أنزله على الأرض برفق.

حدق في الفتى بصمت قبل ان يستدير و يتحرك.

مشى بصمت نحو الأمام، و في كل مرة يتقدم فيها، تراجع الجميع، كان مثل هذا الشخص أمامهم هو مجنوت مرعب، لم يكن بشرا، بل كان وحش.

الخوف.

تجلى الخوف الذي يخدش أفئدتهم تجاه ريو.

لم يعر إنتباها لمثل هذا و بدأ يتلو قصة بينما يمشي.

‟مزارع في حقل يجمع قوت يومه، عائلته ميتة، لم يبقى منها سوى ذكرة ”

يكافح و يزرع كل يوم، فقط ليستيقظ في يوم جديد، ليكافح مرة أخرى، لم يعرف لماذا، لكنه أراد فقط الزراعة، ربما ينسى ألم فراق زوجته و ابنته يوماً ما.

كانت هناك زهرة جميلة أحبها على وجه الخصوص، من شدة منظرها الساحر، أسر جمالها الخلاب كل من ينظر إليها.

لو كانت تستطيع الكلام، لربما قالت: ‟جمال العالم يكمن في أن تكون طبيعي ” لماذا؟ لأنها أتت من الطبيعة و تربت كجزء منها.

كانت الزهرة أخر ذكرة من زوجته و أبنته الحبيبة، لقد زرعو هذا النوع بعناية، و للأسف، في منتصف حريق ما، دمر كل شيء تقريبا، و لم يبقى سوى هذه الزهرة.

مشى ريو حتى وصل لكرسي ما و جلس عليه، كان الناس يحدقون بأعين ميتة نحو الجثة الملقاة على الأرض، و في ريو الذي أكمل حديثه، لم يستطيعو التحرك على اي حال، لذلك لم يكن هناك ما يمكنهم فعله سوى سماعه و هو يتحدث.

بالطبع، صرخ أحدهم و هو يشتم.

‟االلعنة عليك انت و زهرتك… أترى انه الوقت للحديث عن هذا؟! ”

كانت تلك مشاعر الجميع، لم يكن كلام ريو منطقيا بالنسبة لهم.

حدق ريو بنية قتل نحو الفتى الذي صرخ و هو يقول بمعنى عميق: ‟لقد نسيت شيئا مهما، إن جعلتك تلحق بذاك الفتى، فقد تفهم، صحيح؟ ”

أسكت تهديده الجميع هنا، قبل ان يبدأو بالكلام من الأساس، كانت كلماته تحمل معنى بسيط، هو قادر على الحراك بينما هم لا، لقد كانو الأن مجرد لحم على لوح تقطيع.

وقف و مشى ببطئ، يكمل كلامه كما لو يتحدث للمجهول.

إستمرت الأيام و لم يهتم العالم بالأسى الذي اصاب المزارع، كان فقط يكدح في عمله، كل يوم، بغض النظر عن الطقس، كان عليه العمل.

و فجأة بلا سابق إنذار، ومض ضوء ينير العالم بلون الشفق القرمزي.

إحترق كل شيء.

كما لو أن التاريخ يعيد نفسه، إحترق كل شيء.

لم يهتم الفلاح العجوز بحياته، بل كان اول قلقه هي الزهرة، جرى نحو الحقل الذي زرعها فيها، مكان بنى فيه ذكريات مع عائلته.

أول لقاء له مع زوجته هنا، لقد كان في الليل، جمالها أخذ قلبه، و عطفها سحب روحه، لقد احبها، و عاهد نفسه بإنشاء عائلة معها.

بعد سنوات، تحت الشجرة الموجودة في الحقل، سمى مولودته الأولى في حياته هنا.

عهده الثاني هنا كان أن يربي عائلته بأفضل ما لديه.

لكن الواقع كان بلا رحمة، كل ذلك تحول إلى رماد، الأن، لم يبقى في عينيه سوى نيران مستعرة تحرق كل شيء، بما في ذلك نفسه.

من دون أن يدرو، كان الجميع قد إنسجم مع قصة ريو، بالطبع، كان أنوس قد أثر على أفكارهم و عواطفهم، ليشعرو بالقصة تماماً.

زهرة تحت شجرة، فوق تلك الزهرة، كان رجل يحتضر، في أواخر حياته، لم يكن معه صديق، لا عائلة أو احبة، بل مجرد زهرة.

لكن حتى مع ذلك، إبتسم بخفة، عرف أنه سيموت بغض النظر، كانت امنيته الأخيرة ان يدفن بجانب زوجته و ابنته.

كانت تلك أفكاره الأخيرة، قبل أن يصبح رماد.

وقف ريو كمخلوق غريب و وحيد و هو يتمتم: ‟ العيش بعمنى، الموت بلا معنى، كانت الحياة مثل تلك الزهرة، مهما كان جمالها الخلاب، فقد أصبحت في النهاية مجرد رماد ”

كانت هذه كلمات ريو قبل أن يختفي عن الأنظار، كما لو لم يكن موجودا أصلا.

2023/07/15 · 149 مشاهدة · 2564 كلمة
نادي الروايات - 2025