ازداد غيض الفارس، يكاد يتوقف قلبه من شدة السخط. نزع خوذته ليتمكن من التقاط أنفاسه، كل هذه المشاعر من السخط و العجز جعلته يشعر بالإختناق، كانت هذه المرة الأولى في حياته التي ينزع فيها خوذته وهو في مهمة رسمية.

نظر حوله في حيرة و كان قد بلغ حده من تحمل استفزاز كوسوي المتواصل له.

"لا تعبث معي أيها الوغد الحقير، في هذا المكان توجد أربع مائة شجرة على الأقل. (ضرب وجهه بكفيه)، ليس هذا وقت الحيرة، لا تستسلم لألاعيب ذلك الحقير، علي أن أسرع، لم يبقى الكثير على طلوع الفجر."

خاطب السير ألدريك نفسه.

انطلق الفارس بأقصى سرعته لتفحص جميع أشجار المنطقة في أقل وقت ممكن، لقد حالفه الحظ هذه المرة، فقد وجد الشجرة المنشودة بسرعة.

"عندما يُقطع الرأس، ستُحقن دماء العروق."

كانت تلك هي الجملة المنقوشة على الشجرة التي تحدث عنها كوسوي في رسالته على الصخرة. لقد كان سبيل خلاص السير ألدريك موجودا في هذه الأحجية و التي قام كوسوي بوضعها. مصيره الآن أصبح مرتبطا بقدرته على حل هذا اللغز. فور أن أنهى الفارس قراءة الرسالة أشتعت تلك الأحرف المنقوشة على الشجرة بضوء أحمر، ماجعله يتراجع للخلف.

فجأة، ظهر شخص من الظلال، لقد كان المامبا السوداء، هم السير ألدريك بالإنقضاض عليه بكل ما أوتيت روحه من عزم وقوة إلا أن جسده أبى أن يستجيب، كان كما لو أنّ شيئا يقيده بقوة. أخرج كوسوي من جيب عباءته مخطوطة قديمة :

"لقد أتيت فقط من أجل هذه."

"لماذا لم تأخذها، و ترحل فحسب؟ هل كان هناك داع لإحداث كل هذا الخراب و الفوضى."

"برأيك، لماذا الناس تناديني بجالب الفوضى؟ أيضا أردت تجربتها قبل أن أغادر."

صمت السير ألدريك، إزدادت حيرته و عجزه عن فهم الأمور. مع كل دقيقة تمضي، تصبح هذه المهمة أكثر تعقيدا.

"هذه مخطوطة لأحد العقود السفلية، كتبت بالأحرف الرونية، لم يستطع الناس هنا فك رموزها، لذا تجاهلوا أمرها و قاموا بوضعها في متحف على أنها مخطوطة أثرية عتيقة. بما أني أنا الوحيد الذي يملك شغف البحث في المخطوطات و الأسلحة الأثرية، و أحد قلة القلّة الذين يمكنهم قراءة الأحرف الرونية و فك رموزها، فقد كنت أبحث عن هذه المخطوطة منذ مدة. عندما وصلتني معلومة تفيد بأنها في مدينتكم أتيت على الفور."

قال كوسوي موضحا.

"مالشيء المهم بحق الجحيم في قطعة القمامة تلك."

صاح الفارس الإمبراطوري.

"سماعك تتفوه بمثل هذه التراهات مخيب للأمال حقا، أنت قرد أيضا، لست مؤهلا لتكون ضمن البشر. ستشهد الآن على مدى قوة وخطورة المخطوطات الأثرية، ولأني شخص سخي بطبعه سأشاركك ما ورد في هذه المخطوطة."

فتح كوسوي المخطوطة و بدأ بشرح فحواها للفارس الإمبراطوري :

"الكتابة على هذه المخطوطة بالأحرف الرونية. الجملة التي في الأعلى تعني : (طريق العقد السفلي : سلاسل التابع). تحتها كتابة تضمنت تأثير هذا العقد : (العبد مقيد برسالة سيده، بتنفيذها تعتق رقبته، وإن لم يفعل فحكم السيد في مصير العبد أمر حتمي النفاذ.) و الآن أيها الفارس إذا نظرت تحت هذه الكتابة، ألا تبدو هذه الرموز مألوفة لك ؟"

نظر السير ألدريك إلى كوسوي نظرة احتقار و غضب شديد.

"أنت أيها الوغد!! تلك الرموز و الطلاسم! هي نفسها كانت منقوشة على شكل دائرة حول الرسالة. كيف لم ألاحظ هذا الأمرسابقا؟؟"

ضحك كوسوي ضحكة انتصار خبيثة وواصل شرحه

"العقد يجب أن يكتب بهذه الطريقة لكي يعمل مفعوله، لكن هذا ليس كل شيء. امتلاك قوة كذه ليس بالأمر الهين كما تعلم، إذا نظرت إلى الكتابة الرونية في الأسفل، ستجد فقرة على شكل أحجية، تتضمن هذه الفقرة شروطا أربعة لتفعيل العقد."

بدأ كوسوي بقراءة الأحجية التي وردت في المخطوطة :

"ليكتب السيد و ليقرأ عبده .. ساعة النية أطعم مئة روح .. أنقش بأحمر في أسود .. إذا لم يوجد عبد فلا حكم للسيد .. عندما يقوم الأبيض بطرد الأسود يزول سحر الأحمر."

سكت كوسوي قليلا ثم أضاف :

"لعلك قد لاحظت ذلك، أنا أحب وضع الألغاز وحلها، لذلك لم أمانع اشغال نفسي بالبحث عن حل لهذه الأحجية، و عندما قمت بربط الأفكار توصلت إلى استنتاج منطقي، لذا قمت بمنح الأمر تجربة، لأرى مدى صحة ما توصلت إليه أولا، و لأشهد كيفية عمل العقد السفلي و مدى فاعليته ثانيا."

لم يكن للسير ألدريك القدرة على الرد تماما. لم يجد شيئا ليقوله أو تعبيرا يصف به شعوره. كان الأمر و كأنما أكل قطٌّ لسانه، أو بالأحرى، لقد أكل الثعبان لسانه.

واصل كوسوي شرحه، كان يجد متعة في التباهي بعبقريته عندما يكون الشخص عاجزا حتى عن استيعاب ما يحصل له.

"الأحجية في المخطوطة تضمنت أربع شروط رئيسية يجب استكمالها ليتم تفعيل العقد وهي كالآتي :

الأول : ساعة النية أطعم مئة روح، أي أنه توجب تقديم مئة روح ساعة كتابة العقد كقربان لتفعيله.

الثاني : أن ينقش بأحمر في أسود، أي بدماء القرابين في ظلام الليل.

الثالث : إذا لم يوجد عبد فلا حكم للسيد أي أنه إذا لم يقرأ أحد الرسالة فلن يعمل العقد.

أما الرابع و الأخير : عندما يقوم الأبيض بطرد الأسود يزول سحر الأحمر. يعني أنه عندما يطرد ضوء النهار ظلام الليل يزول مفعول الكتابة التي وضعت بالدم. أي أن مفعول العقد يستمر ليلة واحدة و يزول تأثيره عند شروق الشمس. وبما أنك قد قرأت مضمون الرسالة فلا خيار لك سوى الإلتزام و التنفيذ، و إلا سيكون حكمي على مصيرك أمرا حتمي النفاذ هيهيهيهي."

نظر الفارس إلى كوسوي نظرة سخط و قال:

"فلتحكم بما شئت لن أتحرك من مكاني."

" إذا كان الأمر هذا فحكمي عليك، هو..."

همس كوسوي في أذن السير ألدريك بالحكم، كان يعلم أنه مقيد بالعقد لذا لن يستطيع إيذاءه. اقشعر جسد الأخير و انتفض من مكانه، بمجرد سماعه للحكم، ارتعدت فرائسه.

"أنت.. أنت شيطان، أنت شر خالص."

غادر كوسوي مختفيا في الظلال التي ظهر منها.

"لديك حتى طلوع الفجر حتى تحل الأحجية. ولم تتبقى سوى ساعة فقط."

2023/12/12 · 22 مشاهدة · 891 كلمة
نادي الروايات - 2025