كان المجرم ماكرا، يتقدما دائما بخطوة ولا يترك وراءه سوى الفوضى و اليأس. لكن هذه المرة اشتعلت عزيمة الفارس الإمبراطوري و عزم من صميم روحه على أن ينهي واجبه على أكمل وجه، مادام يملك في جسده عرقا ينبض.

عاد كوسوي إلى الحضيرة، يبدو كما لو أن الأجهاد قد نال منه أيضا.

"كنت أعلم أنّ استعمال تقنيات الإنتقال الآني تستهلك قدرا مهولة من طاقة الهالة، وبما أني لا أملك ذلك الكم من الطاقة ولست واحدا من الذين يتمتعون بقدرة الإنتقال الآني، قمت بالإستعانة بمخطوطة "جناح المسافر" لنقل الحضيرة آنيا،إلى مكان آخر. لكن حتى مع المخطوطة و التي من المفترض أن توفر 80% من طاقة الهالة المستهلكة لتفعيل التقنية، إلا أنّ الأمر قد استنزفني، من الجيد أن تفعيل عقد "سلاسل التابع" لم يكن يتطلب قدرا يذكر من طاقة الهالة، لأنّ ذلك كان آخر ما تبقى لديّ."

ألقى كوسوي بجسده المنهك على الأرض، كان يلهث و العرق يتصبب منه.

جلس السير ألدريك للحظة، يبدو شارد البال، لكنّ حالة ذهنه في الواقع، كانت في أعلى إمكانياتها، كان يستخدم عقلة بأقصى طاقة ممكنه، كما لم يفعل في حياته قط. لقد أدرك أن القوة لن تجدي نفعا مع خصم ماكر و مراوغ كالذي يواجهه، لذا من الحكمة أخذ خطوة إلى الوراء واستعمال العقل لوضع استراتيجية مناسبة بناءا على ما يواجهه. بدأ يحلل الموقف تحليلا دقيقا، مستندا إلى أدق التفاصيل و الوقائع التي حدثت منذ وصوله إلى المدينة حتى هذه اللحظة.

"لقد استعمل العدو منذ دخوله إلى مورلاي العديد من التقنيات، من بينها تقنيات تتطلب كما هائلا و تحكما دقيقة في طاقة الهالة. بمعنى آخر، عندما قام بنقل حضيرة بمساحة ثلاثة آلاف متر مربع، فإنّ هذا الأمر وحده يتطلب أربعة من سلاح الفرسان الإمبراطوري، أيضا سيكونون منهكين بالكامل عند انتهائهم من ذلك. أيضا تفجيره لجزء من القسم الجنوبي للمدينة، حتى أنا قد يستنزفني الأمر إذا قمت بإهدار طاقة هالتي بهذا الإهمال، وعلى هذا النحو، لتنفيذ هجمات بنفس معدل الضرر.

لكن عندما ظهر في المرة الأخيرة، لم يكن يبدو عليه الإرهاق, بل قام بقتل ما يقارب 1500 شخص في غضون ثلاث ساعات فقط!! أي بمعدل حوالي تسعة أشخاص في الدقيقة الواحدة. بالتالي إن دلّ ذلك على أمر ما فهو يدل على تفوقه عليّ من حيث القوة و المهارة."

كان السير ألدريك يحدث نفسه. سكت لوهلة ثم واصل التفكير بصوت عال.

"في المناوشات التي حدثت بينه و بين قوات حفظ النظام، استعمل أسلوب القتال المباشر، كونه يدرك جيّدا أنه يتفوق عليهم من حيث القوة، لكنّ الأمر المحير هو تجنبه للقتال المباشر ضدي. بل أنه اعتمد على المراوغة و الحيل، تغيير نمطه ولجوئه إلى هذا الأسلوب، يعني أنه يدرك جيدا أنه ليس ندّا لي في قتال مباشر، أي أنه لا يقدر على مواجهتي وجها لوجه.....هنالك خطأ ما، مازالت هناك قطعة مفقودة في هذه الأحجة، مايزال ينقصني تفصيل مهم لجعل الأمور منطقية أكثر."

---------

في القصر الإمبراطوري، جلس قائد سلاح الفرسان "ويليام وايلدفاير" الملقب بــ"عميد اللهب" في مكتبه يراجع آخر التقارير الواردة، والتي تتضمن وضع الإقليم الأمني. كان ويليام شابا قد بلغ السابعة و العشرين ربيعا. كان أصهبا ذو بشرة شديدة البياض، صافية و خالية من الـنموش. خصلات شعره البرتقالية، كانت تتراقص فوق رأسه كلّما هبّ نسيم عليها كنيران برية.

ولد ويليام في عائلة "وايلدفاير" المرموقة، بشعارها الشهير و الذي كان حرفيا: "نارٌ على علم".

كانت عائلة وايلدفاير واحدة من أهم العوائل النبيلة مكانة و أكثرها عراقة على مرّ تاريخ الإمبراطورية الغربية.

لم تكن الجينات الوراثية لعائلة وايلدفاير تبرز فقط في مظهرهم الجسماني، بل امتدت حتى في طبائعهم فتجد "الوايلدفايريين" يتميزون عن غيرهم بشخصيتهم الحادة والقوية بشكل يفوق الحد الطبيعي، هم لامعون، سريعوا الغضب، صريحون و مبهرجون بطريقة استثنائية. لذا دائما مايسهل تمييز الوايلدفاري وسط حشد كبير.

بالإضافة إلى ذلك، ما كان يميّز عائلة الوايلدفاير عن غيرها من العوائل النبيلة حقا، هو أنهم أمهر من استعمل عنصر النار في كامل الإمبراطورية الغربية إن لم نقل في كامل الإمبراطوريات الخمسة.

ويعود ذلك إلى الإمكانيات العالية و الموهبة الفطرية التي يولد بها الوايلدفايريون. إذ أن الهالة الخاصة بهم تكون ذات لون برتقالي ساطع، بالإضافة إلى أنها تكون شديدة النقاء و القوة منذ الولادة بشكل فطري، أي من دون خوض تدريبات لتنقية الهالة أوتقويتها.

في عالم القداس يولد البشر بإمكانيات متفواتة، تقاس مدى هذه الإمكانيات بمستوى قوة و نقاء الهالة التي تنبع من جسد الشخص، لذلك يخوضالكثير تدريبات قاسية و مكثفة لرفع مستوى قوة الهالة الخاصة بهم و نقائها، قلة فقط من يتميزون بهالة تكون قوية و نقية منذ الولادة، أولئك من يلقبون بـ"المختارين"، وتكون المعاملة التي يتلقونها من قبل العشائر، المنظمات، وحتى السلطات نفسها مميزة عن البقية، لإيمانهم بأنّ هؤلاء الصفوة المختارة سيكون لهم شأن عظيم في المستقبل.

منذ طفولته المبكرة، كان ويليام صبيا بارز الموهبة بين أقرانه و بين أفراد العائلة نفسهم، طبعه الهادئ و المسالم، إضافة إلى شخصيته اللينة، جعلته محلّ جدل وسط العائلة، و أكثر إثارة لفضولهم.

كان واضحا كالشمس، أنّ ويليام وايلدفاير مختلف عن الجميع.

لذلك، لم يكن من الغريب على شعب الإقليم الغربي بكافة طبقاته أن يعيّن ويليام قبل سبع سنوات قائدا لسلاح الفرسان (وهو ثالث أرقى منصب في الإمبراطورية الغربية بعد الإمبراطور و الزعيم الأعلى لقادة الغرب) على الرغم من صغر سنه.

صوت طرق الباب.

"تفضل."

قال ويليام.

دخل إلى المكتب شاب ثلاثيني طويل القامة، رشيق البنية، ذو شعر أصفر ذهبي و عينان زرقاوان صافية كأنها قطعة من السماء. دخل و حيا ويليام وقد رسمت على وجهه ابتسامة ساحرة.

"ويلي، لم أرك منذ الصباح، هل أنت مشغول حتى هذا الوقت المتأخر؟"

قال الشخص.

"سـ... سموّ الإمبراطور!!؟"

2024/01/15 · 19 مشاهدة · 859 كلمة
نادي الروايات - 2025