شعر إبرو أن هذا السؤال لم يكن موجها له بل كان موجها لها . لكنه رغم ذلك أجاب بتلقائية قائلا :

-لو كان بإمكاني إخبارك بكل ما أعرفه ستظنين أنني مجنونا أو لست على ما يرام . لذلك لننحي ما أعرفه جانبا . لو كانت نيتي سوءا لكِ لما انتظرت دخولك للعبة لإخبارك بكل شيء و لما تكبدت كل هذا العناء و عرضت نفسي للخطر من أجل فرصة الحديث معكِ . لو أردت إيذاءك لأخبرت من يراقبك بكل ما أعرفه . لو أخبرتكِ أن ما تهدفين إليه هو أيضا هدفي , فهل تصدقينني ؟

ثبتت آية نظرها عليه للحظات قبل أن تقول باستغراب :

-هل قمت بإعلان نجاحك في المهمة الأسطورية كي تجعلني أتحدث معك ؟ هل هناك خطر عليك نتيجة ذلك ؟

ضحك إبرو بمرارة قبل أن يجيبها قائلا :

-أنتِ لا تعرفين مدى خطورة الوضع الذي نحن جميعا فيه الآن . هؤلاء الذين دفعوكي دفعا للعب في اللعبة لن يوقفهم شيء إن حاول أحد ما تغيير مخططاتهم أو حتى عرقلتها . هم أيضا يراقبون كل لاعب مصري في اللعبة . إعلاني عن وجودي بتلك الطريقة الإستعراضية و في هذا الوقت المبكر لم يكن ضمن مخططاتي . لكن نعم , فعلت ذلك لأجذب إنتباهك لي .

-لماذا أنا مهمة لهذه الدرجة لك يا إبرو ؟ نحن لا نعرف بعضنا إلا منذ أيام عدة فقط .

ود أن يخبرها الحقيقة . ود أن يقول لها أنها أقرب الناس إليه . كم ود أن يخبرها بسيرتها الماضية و أسطورتها الحية داخل نفوس الجميع و هو منهم . لكنه لا يقدر , لذا قال متجنبا الإجابة التي بقلبه :

-لا يهم إلى أي مدى نعرف بعضنا بعضا . لكن بإختصار أنتِ في غاية الأهمية يا آية . الآن لتقومي بتأمين نفسك في الواقع و حين تعودي سأكون بانتظارك .

نظرت له نظرة مطولة صامتة قبل أن تغلق الإتصال . كان يعرف أنه قد قال الكثير مما يجب ألا يقوله . فماذا يمكنه أن يخبرها ؟ أنه عاد من المستقبل ؟ أنها في المستقبل قد ماتت على يد خائن ممن كانت تثق بهم من أصدقائها ؟ أخذ إبرو نفسا عميقا ليخرج معه كل ما يحمله في قلبه من هموم . عاد لينظر في المنطقة حوله في تركيز . إنه على مشارف الخروج من خريطة المستوى العاشر صوب الجبال الشاهقة أمامه . حزم أمره و أخذ يتحرك مغادرا نطاق الوحوش خلفه . كانت البرية من حوله خالية من أي شيء عدا مجموعات متناثرة من الأشجار المختلفة الأشكال و الألوان . أما الجبال أمامه فبدت كحائط عظيم ممتد على مرمى البصر . لم يكن هدفه هو تسلق أي منها بل الإتجاه صوب أي من الوديان المتناثرة على حدود البرية مع عالم الجبال الصخري . واقعة الصدام بين اللاعبين و مناطق الحراسة الموجودة في تلك الأودية تلك لم تكن بالحدث النادر , فكثير من المهام التي يتلقاها اللاعبين بعد ذلك في المدينة متعلقة بتدمير أو إختراق تلك الحصون المنيعة لأولئك اللصوص و المجرمين . تحرك في طريق بدا غير مأهولا بأي شخص . لكنه لم يتراجع . فذلك الطريق هو المؤدي لهدفه . بعدما سار لمسافة نصف ساعة تقريبا متوخيا حذره ألا يكتشفه أي وحش وجد نفسه أمام مدخلا واسعا لوادي بين الجبال . في مقدمة هذا الوادي يوجد سور خشبي عال بإرتفاع بلغ خمسة أمتار تقريبا . في منتصف السور بوابة خشبية صغيرة على جانبيها يوجد برجي مراقبة بدائيين للغاية . رغم هذا المظهر البدائي للحراسة بالمكان إلا أنه لم يخدع إبرو , فهو يعرف جيدا أن خلف هذا السور الهش عدد لا يقل عن خمسمئة من الوحوش . دقق النظر في محيط المكان من حوله . عادة هؤلاء المجرمين أنهم دائما على أهبة استعداد لأي قتال في أي وقت . لذا يرسلون دوما بدوريات حراسة تقوم بتمشيط المكان حولهم طيلة الوقت . هدف إبرو هو توجيه ضربة إلى هؤلاء . عدد كل دورية يتراوح بين الخمسة و العشرة أفراد . رغم قلة أعدادهم إلا أنه كان العدد المناسب له حتى يقدر على قتلهم بنجاح . كان يهدف إلى تقليل عدد الموجودين داخل الحصن الصغير تدريجيا بعدها يقوم بسحبهم خارج نطاق حراستهم حين يشعرون بوجود خطب ما . حينها يمكنه أن يقوم بخطته . يعرف إبرو أن خطته بها الكثير من المخاطرة لكن لا يمتلك خطة أفضل حاليا فهذه هي الخطة التي هداه إليه عقله أثناء رحلته إلى هنا .

تحرك في خفة مستغلا سرعة حركته الكبيرة حول منطقة الحصن . على الرغم من طبيعة المكان الجبلية الوعرة و التي أعاقت تحركه السريع إلا أنه وجد الكثير من أماكن التخفي مثل الكهف الصغير الذي يرتفع عن مستوى الأرض بمسافة عشرة أمتار تقريبا و الذي يختبيء فيه الآن . منذ دقائق لمح مجموعة من المجرمين يتحركون ببطء في المنطقة باحثين عن أي دخيل بها . من مسافته البعيدة استطاع تخمين أن عددهم يقارب العشرة . اتخذ من الكهف ملاذا آمنا له ثم بدأ يراقبهم عن كثب . كانوا يسيرون متجهين نحو المنطقة التي هو فيها . أخرج بهدوء عصاته التي لا تقارن قط بعصاه الأسطورية . أخذت دورية المراقبة تقترب كثيرا منه حتى صارت على مسافة خمسين مترا تقريبا حينها قام باستخدام سكلة التقصي ليجد المعلومات الخاصة بهم .

-وحش بولراد : وحش متميز مستوى 10 . نقاط حياة : 19.418

-ساحر بولراد : وحش متميز مستوى 11 . نقاط حياة : 30.000

كان أمامه تسعة من وحوش بولراد تحت قيادة ساحر بولراد . على ما يبدو أن ذلك الحصن يقع تحت سيطرة وحوش بولراد . لا يتذكر أي تفاصيل عنهم لكن هذا لا يهمه الآن . من مكانه البعيد انتقى هدفه , ذاك الساحر مؤكد أنه سيشكل خطورة عليه لذا عليه التخلص منه أولا . أمسك بالعصا و قال بصوت خفيض :

-سكلة التشويش الأولية .

توهجت عصاه بلون أسود خافت تلاها اندفاع دفقة من الضوء بشكل سريع للغاية لا يلحظه أحد صوب هدفه . اصطدم الضوء في أقل من ثانية بجسد ساحر بولراد . كان يتحرك في مؤخرة الجميع حاميا ظهورهم ليتحول على إثر التعويذة إلى سلاح فتاك ينهال عليهم فورا بوابل من السكلات السحرية . منذ اللحظة الأولى لتفعيل التعويذة تحول الساحر ليهاجم رفاقه في ضراوة . انطلقت سكلات كثيرة وراء بعضها لتصيب جميع الوحوش بدون تمييز . في البداية ارتبك الجميع دون أن يعرفوا من أين تأتيهم الهجمات لكن في غضون ثانيتين و حين سقط ثلاثة من الوحوش صرعى اكتشفوا خيانة رفيقهم لهم فاستلوا سيوفهم و انطلقوا يهاجمونه بعنف بالغ . حين وصلوا إليه كانوا قد فقدوا وحشين آخرين على يده . لم يدعهم إبرو ينهالوا على رجله بتلك السهولة حيث قال بصوت خفيض :

-ضربة الظلام .

توهجت عصاه من جديد لتنطلق دفقة من الضوء الأسود السريعة صوب منطقة أسفل قدمي ساحر بولراد , لتنفجر على إثرها كقنبلة محدثة كرة من الضوء الأسود غمر المنطقة المحيطة بالساحر بمسافة ثلاثة أمتار * ثلاثة أمتار . كانت مساحة كافية لتغطي كل الوحوش داخلها . تتسبب تلك السكلة في دمار يساوي ضعف هجومه السحري لمدة عشر ثوان . أي أن كل وحش سيحصل على ألف نقطة دمار في غضون ذلك . بالنسبة إلى كم الحياة الكبير لهذه الوحوش يمكن إعتبار تأثيره نقطة في محيط لهذا السبب اختار تلك الطريقة التي تتناسب مع كونه فريق مكون من شخص واحد . تلك الخلطة التي كونها من قبل سكلاته تعتبر أكثر الطرق فعالية للتخلص من أعدائه بشكل كبير . أمامه بدت هيالات سوداء تتحرك في منطقة سكلته و كل ثانية تمر يسمع فيها صوت جرس عال ينبئه بموت أحد أعدائه . لم تمر الثوان العشر جميعا حتى صمتت الأجراس و اختفت الهالات السوداء عن بصره ليعرف أنه قد نجح في خطته . بعدما مرت الثوان العشر نظر للمكان أسفله ليجد الفوضى عارمة به تماما , لكن الخبر السار هو عدم وجود وحش واحد حي بالجوار . نظر لسجل تنبيهاته ليجد تسعة تنبيهات متماثلة لنجاحه في قتل وحوش بولراد و واحد لنجاحه في قتل ساحر بولراد .

-تنبيه : لقد نجحت في قتل وحش بولراد . لأنك نجحت في قتل وحش يفوق مستواك فستحصل على نقاط خبرة *3 . حصلت على 2268 نقطة خبرة .

-تنبيه : لقد نجحت في قتل ساحر بولراد . لأنك نجحت في قتل وحش يفوق مستواك فستحصل على نقاط خبرة *4 . حصلت على 4536 نقطة خبرة .

في غضون خمسة عشر ثانية استطاع إبرو الحصول على أكثر من خمس و عشرين ألف نقطة خبرة . على ما يبدو أنه حين ينتهي من كافة الحصون الخمسة فسيكون قد اقترب من المستوى العاشر . هبط من مكانه و توجه صوب مكان القتال ليجد أن كل وحش ترك خلفه مجموعة من العملات النحاسية , أما ساحر بولراد فترك له عملتين فضيتين . قام بجمع هذه العملات في سرعة و لسوء حظه لم يترك أي منهم خلفه أي معدات قط . نظر لتلك الوحوش حوله و شعر بالندم . لو كان يملك سكلة الجمع الشهيرة و الشائعة لاستطاع الحصول على بعض من من الأشياء الخاصة بالوحوش و التي يمكن إستخدامها في صنع الأسلحة و المعدات المختلفة أو تدخل في صناعة الإكسيرات السحرية . تحرك من مكانه في سرعة باحثا عن مجموعة أخرى من الوحوش . لم يبحث كثيرا فبعد ربع ساعة من بحثه وجد مجموعة مماثلة للسابقة . كرر نفس استراتيجته من جديد لينجح في التخلص من هؤلاء العشرة . رغم أن سرعة تخلصه منهم كانت فعالة للغاية إلا الوقت الذي يضيعه في البحث عنهم كان كبيرا . لذلك في غضون ثلاث ساعات لم يتخلص سوى من ست مجموعات فقط بمعدل مجموعة كل نصف ساعة . لو استمر هكذا لاحتاج تقريبا ليوم كامل حتى يتخلص من حصن واحد فقط , رغم أنه في النهاية سيرتقي للمستوى الثامن و سيكون قريبا خطوة من المستوى العاشر . المشكلة كلها تكمن في تضييعه للوقت في البحث عن فرق الحراسة تلك . لو كانت هناك طريقة ما لإيجادهم بسرعة ليسرت عليه الأمر . جلس في مكانه بالكهف الصغير وسط الجبال يفكر في طريقة لإيجادهم . رغم أنه كاد يحفظ تضاريس المنطقة بالكامل إلا أنه لم يجد بعد نمط تحركاتهم في التفتيش . هل ينتظرهم بالقرب من بوابة الحصن و يهاجمهم ؟ لكن ماذا عن جلبة المعركة ؟ ألن تجذب إنتباه من بالحصن إذن ؟

2020/02/04 · 522 مشاهدة · 1594 كلمة
Ranmaro
نادي الروايات - 2024