قام إبرو مجددا بعرض التنبيه و قراءته بتمعن . هذه حقيقة ! لقد نصبت له اللعبة فخا و وقع فيه ! الآن لا يوجد أمامه وقت لتضييعه . سابقا كان يخشى فقدان مرة واحدة من لفافته الغالية لكن الآن هو على وشك أن يفقدها كلها . لم يعد يفكر في أي حصن آخر يدمره حيث تحرك في سرعة متجها صوب القرية . ما إن اقترب من حدودها الخارجية حتى أذهله تماما المنظر الذي بإنتظاره . على مد البصر تنتشر مجموعات كثيفة من الوحوش بشكل جعله يشعر بفقدان الأمل . كيف عليه أن يقوم بعبور هؤلاء الوحوش ليصل إلى القرية ؟ إنه الآن يقف لدى المنطقة التي كانت قديما تعج بالوحوش من المستوى التاسع و العاشر . هذا يعني أن محيط القرية بالكامل مدجج بالوحوش . تلفت حوله ثم نظر لما تبقى من الوقت . مر قرابة ربع ساعة منذ التنبيه حتى وصل إلى تلك المنطقة , و إن استمر بالإنتظار في مكانه هكذا فسيفقد المزيد من الوقت . نظر في مخزنه من جديد ليجد أنه عدا تلك اللفافة الأسطورية فلا يملك أي شيء على الإطلاق قد يساعده على تجاوز هذه الوحوش . جز على أسنانه في غضب , فهو لن يفقد هذه اللفافة بالكامل بسبب مكيدة اللعبة ضده ! نظر للوحوش من حوله و تقصى مستواهم فوجدهم مزيج غريب من وحوش قام بتدمير حصونها من قبل و وحوش لم يسمع عنها قط . تحرك ببطء محاولا إتخاذ الأشجار كساتر له حتى توغل قليلا وسط هذا الكم الهائل من الوحوش . بدأ في التفكير في خطوته المقبلة و أخذ يحسب تحركات الوحوش بعناية . الوحوش في اللعبة عادة ما تتحرك بنمط ثابت , و هو يحاول إكتشاف ذلك النمط . بعد مرور عشر دقائق من المراقبة الدقيقة اكتشف أخيرا النمط الخاص بكل نوع من الوحوش . انتقى ممن يحيطون به من الوحوش أعلاهم في المستوى و كان وحش روزار من المستوى الرابع عشر ثم ألقى بكسلته الخاصة بالتشويش عليه . أحدث إنقلابه جلبة بين الوحوش من حوله ليتجه أغلب الوحوش بالمنطقة إليه محاولين قتله . استغل إبرو تلك الفرصة ليركض في سرعة متجاوزا بنجاح خريطة المستوى العاشر و التاسع ليصبح في خريطة المستوى الثامن و السابع . انتظر دقيقة حتى يمكنه استخدام سكلته من جديد خلالها لم تهدأ الجلبة خلفه . بعدها كرر فعلته أكثر من مرة . لم يحالفه النجاح كل مرة , فأحيانا ما كان يعرقل طريقه مجموعة من الوحوش التي تركض صوب الوحش الهائج . بعد مرور قرابة الساعة استطاع أخيرا الإقتراب من القرية إلى حد أنه كان يرى أسوارها أمام عينيه . هذه المرة توقف عن استخدام سكلته فعدد الوحوش الموجود أمامه يجعله غير قادر على إستغلال تلك السكلة بشكل فعال . توقف لبرهة يحاول التفكير في طريقة لإجتياز هذا الحشد الهائل من الوحوش . ما كان يقلقه أكثر هو وجود وحوش أكثر داخل القرية , و هؤلاء مؤكد أن مستواهم يفوق كل ما قابلهم حتى الآن . حينها لن يقدر على العبور من البوابة خطوة واحدة قبل أن يموت . إن فشل في الوصول إلى قلب القرية فلن يقدر على تحريرها من قبضة الوحوش .

-ماذا إن قمت بتجاوزهم و تحرير القرية منهم بعدها قاموا بالهجوم مجددا عليها ؟ لن أقدر على حمايتها ضد هذا الهجوم الضاري من الوحوش بمفردي . هذه مكيدة من اللعبة , كيف يمكن للاعب واحد أن يقوم بالدفاع عن قرية بأكملها ؟!!

كان هذا ما يجول بخاطره طيلة قتاله مع الوحوش . هذه اللعبة ربما لاحظت نموه السريع و استحواذه على كثير من المزايا في وقت مبكر , لذا ربما تسعى الآن لتقويض تقدمه للأمام . أولى نجاحاتها تمثل في تقليل مستواه الذي قد وصل قبل ذلك إلى المستوى الثاني عشر . أما الآن فهو في المستوى الحادي عشر و قريبا سيكون في المستوى صفر إن لم يقم بتحقيق تلك المهمة المستحيلة . في ظنه الشخصي أن اللعبة تقوم بوضعه في إختبار صعب , إما أن يختار فقدانه للفافته الأسطورية أو أن يفقد كل شيء . عاد لينظر نحو الوحوش المكتظة من حوله ليستشيط غضبا أكثر و أكثر . أمسك بلفافة أرض النار و نظر لها متحسرا , فهذه اللفافة لا تقدر بثمن . قبل أن تتحرك يداه لفتحها خطر على باله فكرة . نظر للوحوش المتكدسة حول القرية ثم تحرك ببطء في إتجاه موازي لسورها . لم تمر دقائق حتى وجد نفسه قبالة بوابة القرية . كانت البوابة مفتوحة على مصراعيها أو ربما تم كسرها في أثناء الهجوم على القرية . من مكانه لم يعرف ما حال البوابة و إن كان الأفضل أن تكون مدمرة حتى تنجح خطته . بعدها قام بمحاولة الإقتراب قدر المستطاع مستغلا وجود مجموعة من الأشجار الطويلة منتشرة بالقرب من السور . حاول تخطي تكدس الوحوش قدر الإمكان لكنه بعد محاولاته المضنية لم يستطع سوى التحرك لمسافة مئتي متر فقط . هذا يجعله على مسافة تقترب من الستمئة متر من سور القرية . توقف عن التحرك مخترقا حشود الوحوش ثم بدأ في تسلق الشجرة الكبيرة التي يختبيء ورائها . ما إن ارتفع لمسافة عشرة أمتار حتى وجد غصنا قويا يحتمله و يحمل عددا كبيرا من الأغصان الرفيعة و المغطاة تماما بالأوراق الخضراء الكثيفة و جلس عليه بهدوء مختبئا خلف أجمة من الأوراق الخضراء مراقبا المكان من حوله . أخذ يقوم بحساباته حتى انتقى مكان يبتعد عنه بمسافة خمسين متر و يكون مواجها لبوابة القرية ثم قال بصوت هامس :

-ضربة الظلام .

توهجت عصاه لتندفق منها آشعة سوداء نحو البقعة التي اختارها . لم يكن يوجه سكلته نحو وحش بعينه بل انتقى مكانا خاليا نوعا ما من الوحوش . ما إن تكونت الهالة المظلمة حتى بدأت جلبة تحدث في المنطقة داخل و حول هذه الهالة . لأنه اختار بقعة مقابلة لبوابة القرية فبدأت أنظار من بالداخل تتركز على تلك الهالة . لم تمر ثوان حتى بدأت حشود من داخل القرية في التحرك نحو هذه الهالة . لم تستمر الهالة سوى لثوان عشر لكن ما إن انتهت حتى كان إبرو مستعدا فقال بهمس :

-سكلة التشويش الأولية .

هذه المرة انتقى وحش ممن خرج من بوابة القرية متجها صوب الهالة التي اختفت . نظرا لوجوده بالقرب من بوابة القرية فما إن تحول حتى بدأ في الهجوم على من حوله . كان ذلك بمثابة إشعال فتيل الخطر لمن بداخل القرية , حيث ظنوا أن هناك من يقوم بالهجوم عليهم . سمع إبرو ضوضاء عالية قادمة من أعماق القرية ليشعر أخيرا بالراحة . هذه اللعبة أرادت أن تنصب له فخا لكنه الآن سيخرج منه بأقل الخسائر الممكنة . انتظر قرابة دقيقتين خلالها استعان بسكلته الخاصة بالتشويش الأولي مرتين و سكلته ضربة الظلام عدد لا يُحصى من المرات لزيادة الجلبة الموجودة في محيط القرية . بعدما شعر بوجود عدد ضخم من الوحوش بشكل مكثف في المنطقة حوله قادمين من داخل القرية و من خارجها حتى أخرج لفافة أرض النار و نظر لها في ضيق و حزن بالغين . فضها ثم قام بقراءة التعويذة الخاصة بإلقائها . بعد مرور ثوان عشر على ذلك وجد في مرمى البصر نقطة حمراء كبيرة شعر بوجود تواصل بينه و بينها . حاول تحريكها ليجدها تتحرك متبعة تعليماته العقلية . أخذ يحركها لأبعد مسافة ممكنة حتى أنها عبرت سور القرية بنجاح بعدها ترك كل التحكم فيها لتسقط نحو الأرض . كل السحرة يمتازون بمقدرة فريدة على الشعور بكم الطاقة السحرية في المكان حولهم . ما إن اختفت البقعة عن بصره حتى شعر إبرو بزيادة هائلة مباغتة في الطاقة السحرية المحيطة به . شعر أن بإمكانه أن يلمس الطاقة السحرية بيداه العاريتين . لم تمر ثوان حتى شعر برجفة غريبة من الغصن الذي هو عليه ليجد بعدها المنطقة كلها من حوله تتحول لآتون من النيران المشتعلة على مد البصر. هذه المرة شعر بالذعر البالغ , فهل للفافته السحرية أثر عليه هو أيضا ؟ لم يعرف الإجابة و إن كان يتمنى أن تكون غير مؤثرة عليه . جاء بحر النيران الثائر المباغت ليصيب القرية بالشلل التام . في غضون ثوان كان كثير من الوحوش ملقى على أرض النيران المستعرة . كانت مدة اشتعال النيران تمتد لدقيقتين خلالها شاهد إبرو بنفسه عدد هائل من الوحوش يشتعل أمامه و يسقط صريعا على الأرض مصحوبا بوابل من الأجراس المزعجة للتنبيهات الخاصة بموتهم . لا يعرف إبرو عدد الوحوش الموجود بالقرية أو ما حولها لكنه يعرف جيدا أن تلك النار بمثابة منارة تضيء الأفق لتجذب الجميع إليها . بعد إنتهاء مدة التعويذة المدمرة اختفت النيران بغتة كما ظهرت عدا ما هو باقي على أجساد الوحوش الميتة . رغم خلو المنطقة على مد بصره من أي وحش إلا أنه لم يحرك ساكنا و ظل قابعا في مكانه يراقب المنطقة عن كثب . لحسن حظه لم تؤثر النار فيه ولا في الأشجار من حوله . لم يمر ربع ساعة حتى بدأت المنطقة تعج بالوحوش من جديد . هذه المرة كان مزيجا غريبا بين وحوش من مستوى العاشر و أخرى من المستوى الرابع عشر و الخامس عشر . ظل في مكانه مراقبا حركة الوحوش التي بدأت بفحص أجساد الصرعى من أقرانهم بتركيز تام . كان إبرو يعرف أن مستوى ذكاء الوحوش لا يرقى لمستوى اللاعبين ولا الأغو باللعبة , لكن من يستهن بهم عادة ما ينتهي به الأمر نهاية غير سارة . هذا المرة هو يعتمد على ذكائهم حتى يقدر على تقليل خسائره . ظل يراقب تحركاتهم بدقة ليجد مجموعة منهم تعود أدراجها في سرعة لداخل القرية . لم يحتج إبرو لتخمين ما سيفعلونه بالداخل , فهم سيذهبون لإحضار من تبقى من قادتهم و جيوشهم للبحث بعناية في المكان الذي اشتعلت فيه النيران . لم يخب ظنه فيهم فقد ظهروا بعد برهة عائدين من بوابة القرية بصحبة عدد هائل من الوحوش . انتظر إبرو قليلا ليتيقن من تحرك جميع الوحوش لداخل منطقة تأثير لفافته . لم يمتلك سكلة اسكتشاف أو رؤية عن بعد كما يمتاز لاعبي الحشاشون و الرماة لكنه كان متيقن من أن مستوى كثير من الوحوش حوله يفوق الخمسة عشر بمستوى أو مستويين على أقل تقدير . جال ببصره في المنطقة ليجد الوحوش لاتزال تتدفق من المناطق البعيدة خارج القرية . انتظر لدقائق عدة حتى شعر بأن الوحوش القادمة بدأت تقل في العدد بشكل ملحوظ . لم يتسرع بإستخدام لفافته فهو يهدف أن تكون تلك المرة هي الأخيرة في هذه المهمة العسيرة . نظر لساعته فوجد أنه تبقى على نهاية المدة أقل من نصف ساعة , لكن على الرغم من ذلك ظل ثابتا لم يتحرك .

2020/02/04 · 576 مشاهدة · 1623 كلمة
Ranmaro
نادي الروايات - 2024