بعد مرور عشر دقائق تقريبا شعر بعدم قدوم أي وحش جديد من المناطق البعيدة , حينها أمسك باللفافة من جديد ثم فتحها و قرأ التعويذة ببطء و حرص و همس . ظهرت النقطة الحمراء المضيئة من جديد ليقوم إبرو بتحريكها . هذه المرة جعلها تقع بعيدا عن بوابة القرية في مكان قريب من الشجرة التي يختبيء بها فهي تقريبا مركز حشد الوحوش الهائل من حوله . كالمرة السابقة شعر بالطاقة السحرية تتجمع في المكان بشكل لا يصدق قبل أن تحدث إرتجافة عنيفة مصحوبة ببحر من النيران المستعرة . صدرت صرخات الألم مصحوبة بوابل من التنبيهات المزعجة . كم يتمنى أن يكون هناك خيار بجعل هذه التنبيهات صامتة . انتظر في مكانه قرابة دقيقتين خلالها خلت المنطقة بالكامل من صوت أي وحش على الإطلاق . ما إن خبت النيران حتى سارع بالهبوط من مكانه ليجد الشجرة بعدها تهوي على الأرض متفحمة . لم يكترث بها و تحرك من مكانه في سرعة ليعبر في ثوان بوابة القرية . عبر الشوارع المؤدية إلى بيت حاكم القرية , فلو كان هناك بقية من الوحوش لكانت هناك . ما إن وصل نحو الميدان الكبير الذي بدأ رحلته فيه حتى وجده خاليا تماما من أي حركة . لم يتحرك إبرو مباشرة تجاه المبنى إنما ظل لدقائق مراقبا المكان حوله . حين تيقن من خلو المكان من أي وحش مختبيء بالجوار حتى تحرك بحرص نحو المبنى . كان المبنى يُعتبر أكبر مبنى بالقرية بإرتفاع أربعة طوابق . لكن من خلال خبرته السابقة بتدمير الحصون يعرف أن حجر تأسيس القرية موجود داخل حجرة حاكمها و الذي عادة ما يكون في الطابق الأرضي . عبر الردهة الواسعة ليجد ثلاث حجرات أمامه . قام بفتح باب كل منها في سرعة , فوقته المتاح للمهمة لا يتبقى منه سوى أربعة دقائق فقط . ما إن شاهد الحجر المثبت في الأرض بشموخ حتى تحرك في سرعة و وضع يده عليه ليسمع صوت التنبيه الذي قرؤه في تمعن :

-تنبيه : لقد قمت بالإستيلاء على قرية إسخا من قبضة الوحوش . هل تختار الاستحواذ عليها أم نقلها أم تدميرها بالكامل ؟

كاد يقوم بالإستحواذ عليها لكنه تراجع . ماذا إن قام بالإستحواذ عليها ثم طلبت اللعبة منه بعدها الدفاع عنها ؟ لن يقم بتضييع لفافة من جديد على هذه المكيدة .

-أختار تدميرها بالكامل .

-تنبيه : هل أنت متأكد ؟

شعر إبرو بالغرابة , فهذه هي المرة الأولى التي يسمع فيها تنبيه مثل ذلك . هل تحذره اللعبة من مغبة قيامه بذلك ؟ هل ستقوم بالتآمر ضده مجددا ؟ لوهلة تردد إبرو في قيامه بتدمير القرية لكنه قرر أن يخرج عن سياق النص الذي رسمته اللعبة له , فلازال حانقا من إستخدامه للفافة أرض النار مرتين بدون جدوى .

-نعم أنا متأكد .

-تنبيه : لقد قمت بتدمير قرية إسخا بالكامل . لك نصف مقتنيات القرية في صورة عملات ذهبية .

-مبروك لقد حصلت على مئة ألف عملة ذهبية .

-تنبيه : لقد قمت بتدمير قرية من قرى مملكة منف . لأنك قمت بتحرير القرية من الوحوش فلن تتعرض لأي عقوبات من قبل مدينة منف . لكن للذهاب إلى مدينة منف عليك أن تجد قرية أخرى للتنقل من خلالها لمدينة منف أو أن تقوم بالتوجه مباشرة إلى المدينة .

-تنبيه : لقد نجحت في إنقاذ قرية إسخا من هجوم الوحوش عليها . مكافأة لك ستحصل على ألفي عملة ذهبية + مليون نقطة خبرة + خاتم بتاح حتب + سكلة أرض النار .

لم يكن إبرو في المزاج الذي يسمح له بتفحص الخاتم و لا السكلة . على الرغم من أنه يسعى بشكل حثيث صوب تطوير ترسانته من السكلات إلا أنه الآن في مأزق كبير . لقد خسر قريته الخاصة بالمبتدئين . وسط حماسة القتال و التغلب على مكيدة اللعبة تناسى لوهلة شيئا هاما ..

-لكي أستطيع الذهاب إلى مدينة منف يجب أن أقوم بذلك بواسطة سحر حاكم القرية ! لقد نسيت ذلك !!

حاكم كل قرية ساحر من مستوى الخامس و العشرين و هو يمتلك لفافات إنتقال خاصة يمنحها للاعب ليذهب عن طريقها إلى المدينة . أما الآن فقد مات حاكم المدينة , و تدمرت القرية . حتى الموارد الخاصة بالقرية تم تحويلها من قبل اللعبة إلى عملات ذهبية . هذه المرة تذكر تحذير اللعبة له , على ما يبدو أن اللعبة لم تضطهده حينها بل حاولت مساعدته . كم كان غبيا ! صمت قليلا محاولا السيطرة على مشاعره , فالآن ليس وقت الندم , عليه أن يقوم بإيجاد طريقة للخروج من هذه الأزمة . وسط الخراب المحيط بما كانت تشغله قرية إسخا وقف إبرو بمفرده وحيدا تماما لا يعرف ماذا يفعل . شعر أنه دون ذكرياته التي اكتسبها من جراء عودته من المستقبل لصار مجرد لاعب لا قيمة له على الإطلاق ! هل يمكنه حقا تغيير أي شيء ؟

-أشك في ذلك !

كان في أسوأ حال له منذ عودته من المستقبل . شعر بغصة و مرارة في حلقه , فربما لو عاد شخص مختلف عنه من أحد رموز المستقبل لما وقع في هذه الكارثة مثله . وسط إحباطه الشخصي جاءه تنبيه بوجود طلب إتصال من قبل آية درويش له . كان لا يرغب في الحديث مع أحد الآن لكنه على الرغم من ذلك قام بقبوله ليجدها أمامه و على وجهها إبتسامة واسعة تبدلت تدريجيا أمام نظره لتتحول لتعابير قلق جمة .

-ماذا حدث إبرو ؟

-لا شيء , فقط يوم آخر سيء .

-هذا ليس يوم سيء , لقد مررت بأيام سيئة كثيرا يا إبرو . أنت تمر بكارثة . أخبرني ماذا حدث أم ستظل هذا الشخص الغامض الذي يدمن إخفائه للأسرار ؟

نظر لها إبرو في صمت و حزن . ما فائدة الأسرار أمام مصيبته الكبيرة الآن ؟ إن أقرب طريق للوصول إلى مدينة منف ستأخذ منه قرابة شهر بالكامل , هذا إن لم يتعرض للموت أثناء تلك الرحلة الوعرة . إن مات مرة واحدة سيعود أدراجه من جديد إلى نقطة الصفر و يبدأ رحلته مجددا . أما طريق البحث عن قرية مبتدئين أخرى فهو محفوف بمخاطر أكثر خاصة أنه يعرف مكان مدينة منف لكنه لا يعلم أماكن توزيع القرى . هذا يعني بإختصار بالغ أنه سيفقد كل ما اكتسبه من تقدم حتى الآن , هذا إن نجح في الخروج من ورطته تلك .

-حسنا سأخبرك بكل شيء . كما خمنتِ من قبل فأنا على علم بكثير من أسرار اللعبة الحالية و كثير من أسرار اللعبة في المستقبل . لا تندهشي لكن السبب وراء ذلك لن أقدر على بوحه لكِ حاليا . الذي حدث هو أنني قمت باستغلال سر من أسرار اللعبة و قمت بتطوير مستواي بشكل سريع للغاية كما لاحظتي . على ما يبدو أن اللعبة قد استاءت مما قمت به لذا نصبت لي فخا بشأن مهمة كنت أستغل مميزاتها دون أن أقصد النجاح فيها . هذه المهمة كانت متعلقة بتدمير الحصون كما أعلنت اللعبة عن تدميري لأول حصن في اللعبة . حين دمرت الحصن الأول وجدت حجر خاص لم أعرف عنه شيئا من قبل , هذا الحجر يتيح لي تأسيس حصن خاص بي يقوم بإمدادي بوحوش لتدريب جنودي حين أؤسس قريتي الخاصة . لهذا قمت بالهجوم على عدد كبير من الحصون و تدميرها . في اللعبة هناك مهمة تظهر حين يقوم اللاعبون بتدمير خمسة حصون في محيط قريتهم الخاصة حينها تقوم الوحوش بتكوين جيش عظيم للهجوم على القرية و على اللاعبين فيها حمايتها من ذلك الجيش .

-هل قمت بحماية قريتك إذن ؟

هز إبرو رأسه في ندم و هو يقول متحسرا :

-للأسف لا , ظننت ألا مغزى من وجودي هناك . فأنا بمفردي بالقرية و لكي أقوم بالدفاع عنها علي أن أستخدم لفافة أرض النار و هي لفافة من المستوى الأسطوري .

-هل تملك لفافة من مستوى أسطوري يا إبرو ؟! أنت داهية ! كيف استطاعت الحصول على تلك اللفافة ؟

ضحك إبرو ضحكة مصطنعة قبل أن يقول :

-فزت بها في مهمة خاصة بمحل لبيع الأدوات السحرية .

-هل قمت بشرائها من هذا المحل ؟

-لا هذا المحل له علاقة بالمهمة الأسطورية التي نجحت فيها .

-أها , فهمت . و ماذا حدث لقريتك ؟

-قام الوحوش بالإستيلاء عليها و بعدها حصلت على مهمة تحريرها و إلا سيتم تصفير حسابي و خسارتي لكل شيء . هذه هي المكيدة التي نصبتها اللعبة لي .

ظهر القلق جليا على ملامحها و نظراتها لإبرو . شعر في لحظتها بالإمتنان البالغ لها .

-ماذا ستفعل يا إبرو ؟ هل عدد الوحوش ضخم أم صغير ؟

-عدد الوحوش لا يمكن وصفه بالضخم . على أقل تقدير يوجد في محيط القرية ما لا يقل عن عشرة آلاف وحش إن لم يكن أكثر !

-هذا فظيع ! ماذا ستفعل يا إبرو ؟ هل ستبدأ من جديد ؟

شعر بالإمتنان لها من جديد لأنها لم تقم بتعنيفه ولا توضيح الأخطاء التي وقع فيها بل إنها قلقة عليه و تحاول مساعدته .

-لا تقلقي بتلك الوحوش فقد تخلصت منها بالفعل و قمت بتحرير القرية .

بدت الصدمة جلية عليها , فهي لم تكن تتوقع أن يصل عدد الوحوش لتلك الضخامة حول القرية , ولم تكن تتخيل أن إبرو بمقدوره التخلص منهم . لكن بعد ثوان من الصمت المصحوب بالذهول فطنت لسبب مقدرته على ذلك .

-لفافتك الأسطورية ؟

-بلى , فمكيدة اللعبة لي كانت تتلخص في معادلة بسيطة , إما أنجو و أخسر اللفافة و إما أخسر و أخسر كل شيء .

-وأنت اخترت استخدامك للفافة ؟ ولهذا أنت حزين و غاضب .

-لا , لست حزينا فاللفافة يمكنني استخدامها خمس مرات . في هذه المعركة قمت باستخدامها مرتين فقط .

- لماذا أنت محبط إذن ؟

-لأنني حين قمت بتحرير القرية كنت في قمة الغضب من اللعبة لذا قمت بتدمير القرية بشكل كامل .

-ماذا فعلت ؟!!

-قمت بتدميرها .

-أنت مجنون !

ضحك إبرو على تعليقها المباشر و التلقائي . هو فعلا كان مجنونا حينها .

-لو أخبرتكِ أن اللعبة حذرتني من مغبة تدمير القرية لكني كيدا فيها قمت بتدميرها , فماذا ستقولين عني حينها ؟

ضحكت آية ثم قالت :

-سأقول أنك مجنون مجنون مجنون يا إبرو .

ضحكا سويا لثوان قبل أن يعود الصمت من جديد ليخيم عليهما . لم تكن آية باللاعبة المبتدئة , فهي أيقنت بوجود عقوبة على إبرو لتدميره القرية .

-ما هي عقوبتك على تدميرك للقرية يا إبرو ؟

ابتسم إبرو من سؤالها , فمن المريح للغاية أن تتحدث مع شخص ذكي مثلك .

-خمني ..

2020/02/04 · 616 مشاهدة · 1621 كلمة
Ranmaro
نادي الروايات - 2024