قبل أن يصل إليه الحارسان قام أحدهما ببدء الحديث معه . كان ضخم الجسد يغطي كامل جسده درع معدني براق بلون أصفر زاهي منقوش على كل جزء من أجزاء هذا الدرع الضخم شعار حيوان غريب ذي خمسة رؤوس و جسد أشبه بالأسد . كان كل رأسه شبيه بالثعبان في المظهر و إن لم يقدر إبرو على تحديد إن كان ثعبانا أم حيوان آخر غريب . أما الرأس فتحيط به خوذة كبيرة ذات بروزات جانبية و أمامية تشبه الشفرات الحادة تخفي أغلب ملامح وجه الحارس . كان رفيقه نسخة مطابقة له تماما في الحجم و الشكل و الزي ليستنتج أن زيهما ربما هو الزي الرسمي لحرس المدينة . من خلال كلمات الحارس عرف إبرو معلومة تخص هذه المدينة , إن اسمها مدينة شونتي . كذلك عرف بوجود مخاطر تحيق بالمدينة رغم أنه لم يلاحظ أي شيء قط . أما النقطة الأخيرة التي عرفها فهي أن هذين الحارسين و من خلفهما من الحراس لا يضمرون له شرا . لكن من خبرته السابقة مع بالري لم يقدر إبرو على الإطمئنان لهم بشكل كامل .

-معذرة على ظهوري المفاجيء هكذا , لكن أنا شخص جديد على هذا العالم لذا لا أملك وسيلة إنتقال إلى داخل المدينة مباشرة .

ما إن انتهى إبرو من عبارته حتى توقف الحارسين بغتة و نظرا لبعضهما البعض في صمت . شعر إبرو بالتوتر و في يمناه يحمل اللفافة الأسطورية الخاصة بالإنتقال . لو بدر أي خطر من قبل أي منهما سيقوم فورا بإنهاء التعويذة التي ردد معظمها في سره . لا يدري إن كان بإمكانه تفعيل اللفافة بتلك الطريقة التي ابتكرها لتوه لكنه لا يمتلك أي حل آخر .

-هل قلت أنك وافد جديد على عالم ريونيد ؟ كيف وصلت إلى هنا ؟

نظر إبرو نحو الحارس الآخر و قال في توتر :

-لقد قابلت شخصا حاول قتلي و بعدما استطعت التخلص منه وجدت معه طريقة للإنتقال بالقرب من المدينة .

-أنت قابلت أحد الفوراز و استطعت قتله ! مستواك الحالي يتجاوز الثمانين بقليل , كم كان مستواك حينها ؟

-الفوراز ؟!

-نعم إنهم أولئك الحثالة الذين وصلوا لمستويات متوسطة في عالم ريونيد لكنهم فضلوا اصطياد من يأتي من خارج عالم ريونيد من أجل حفنة من النقود .

-هذا الوصف ينطبق تقريبا على من قابلته .

-أنت مررت بتجربة صعبة , لكن المثير للإهتمام هو أنك استطعت قتل هذا الفورازي . أضعف فورازي أعرفه في المستوى المئة و سبع و أربعين تقريبا .

-على ما يبدو أنني كنت محظوظا .

-هذا شيء جميعنا بحاجة إليه في ريونيد . لكن هذا لا يعني أنك تغلبت عليه بالحظ فقط .

-أعتقد يا ديرالا أن علينا إخبار الحاكم بذلك .

نظر الحارس لزميله كما لو كان قد ذكر شيئا في غاية الأهمية . بعد ثوان قال الحارس لإبرو :

-معذرة على حديثنا معك خارج أسوار المدينة . سنقوم بإصطحابك إلى حاكم المدينة , فهو سيكون مسرورا للغاية لسماع قصتك . ما اسمك ؟

لم يشعر إبرو بالراحة إزاء تعليق الحارس الآخر عن ضرورة زيارته لحاكم المدينة . رغم أنه بحاجة لمعرفة الكثير من المعلومات بشأن هذا العالم الذي هو فيه الآن لكن من خلال ماضيه كان يدرك مكانة حاكم المدينة و مدى صعوبة مقابلته للاعبين العاديين . هل في تغلبه على بالري شيء قد يهتم به حاكم المدينة ؟ أم هناك مكيدة ما بالأمر ؟ لم يكن هناك منفذا لهروبه من قبضتهما لذا قرر السير معهما داخل المدينة لرؤية الحاكم , فحتى و إن مات فلن يخسر الكثير إذن .

-اسمي إبرو .

-مرحبا بك يا إبرو في مدينة شونتي . هيا بنا فالحاكم في إنتظارك داخل المدينة .

تحرك إبرو خلفهما . لم يقف في طريقهم أي من الحراس الموجودين على بوابة المدينة و إنما راقبته أعينهم عن كثب مما أشعره ذلك بمزيد من التوتر . ما إن عبر بوابة المدينة ليشعر أن السور العملاق ليس بالبساطة التي تخيلها , فسمك السور يقترب من خمسين مترا تقريبا . تخيل منظر السور من الأعلى , مؤكد أنه أشبه بحصن عملاق و ليس سور عادي . ما إن تجاوز السور حتى وجد نفسه قبالة مدينة عظيمة كما تخيلها بالضبط . امتدت الشوارع الضخمة و العريضة أمامه على مد البصر . اكتظت الشوارع بالمارة بشكل جعله يدرك مدى الإزدهار الذي عليه المدينة . أخذ يتحرك متبعا الحارسين في صمت و عيناه تحاولان فهم طبيعة المدينة التي هو فيها الآن . استطاعت عيناه رؤية بعض من التفاصيل التي يعرفها و تفاصيل أكثر لا يفقه عنها شيء . لكن الشيء المثير للإهتمام ها هنا هو تحرك الجميع بأمان و راحة دون أي قلق أو توتر . جعله ذلك يشعر بالطمأنينة أكثر من ذي قبل , فربما العالم الذي هو فيه الآن يتسم بالخطورة عدا تلك المدن الصغيرة المنتشرة فيه . ربما تصبح تلك المدينة نقطة تمركزه في المستقبل حين يأتي إلى هنا . لم يعرف إن كانت المدن في هذا العالم متصلة بالمدن الخاصة به , فإن لم يجد لفافات الإنتقال لمدن عالمه حينها عليه أن يتعرض للموت مرة حتى يقدر على العودة من جديد . لم يكن محبذا لفكرة أن يموت خاصة أنه سيفقد ما موجود معه الآن إضافة إلى أنه لا يضمن إن مات فسيعود لقرية إسخا المدمرة أم إلى مدينة منف . ربما مثلت آية له ملاذا لكل ما يمتلكه , لكن ماذا عنها هي أيضا ؟ إن ماتت فستفقد بعضا مما أرسله لها . لم يكن مستعدا للمجازفة هكذا , ليس قلة ثقة فيها لكن لمعرفته الكثير عن اللعبة و مخاطرها . أما حينما تذكر المكيدة التي نصبتها اللعبة له شعر بالقشعريرة إزاء ما يمكن للعبة أن تقوم به . فهذا الجانب الخفي تماما عن خبرته يجعله يشعر بالذعر تجاه ما تدبره له اللعبة . ماذا إن كان ما يفعله الآن لا يتماشى مع خطط اللعبة ؟ هل ستقوم حينها بنصب كمين لآية هي الأخرى حتى تفقد ما أرسله لها ؟ ظل يفكر في كل تلك الإحتمالات حتى وجد نفسه قبالة مبنى عظيم مكسوة أحجاره الخارجية بفرش من نسيج يشبه القطيفة في مظهره الخارجي . اندهش إبرو كثيرا لكن سرعان ما فطن إلى أنه الآن يقف أمام قصر حاكم المدينة . فهذا المبنى العملاق المحاط بحديقة ضخمة و مظاهر الترف المنتشرة حوله تجعله يشعر أنه في قصر من القصص الخيالية . نظر للحارسين فوجدهما يتحدثان مع بعض من الحرس الموجودين أمام بوابة القصر . كان القصر يحيط به سور حديدي بسيط لا يتماشى مع هيئة القصر الظاهرة أمامه . بعد لحظات من النقاش القصير لاحظ إبرو تحرك أحد الحرس المختلفين عمن أحضروه إلى هنا بدرعهم الذي يبدو أنه من مستوى أعلى بكثير نحو داخل القصر . بعد دقائق من الصمت و الترقب عاد الحارس من جديد ليهمس ببعض كلمات في أذن من خمن إبرو أنه قائدهم و الذي أشار بعدها له بالدخول . لم يتبادل إبرو مع حرس القصر أي كلمة كذلك سار في المقدمة قائد الحرس و الحرسين اللذين أتا برفقتهما . بعدما سار خلف الثلاثة وسط الحديقة الممتلئة بشتى أنواع الأشجار و الزهور و النباتات السحرية التي لا يفقه عنها إبرو شيئا وصل إلى بوابة القصر ذاته . كانت البوابة مصنوعة من معدن أبيض شبه شفاف يطلق آشعة براقة من داخله بين الحين و الآخر . على ما يبدو أن المعادن في هذا العالم تتميز بتلك الصفة . ما إن عبر البوابة المفتوحة حتى دخل خلفهم إلى ردهة فسيحة للغاية . لاحظ وجود مجموعة من الأشخاص كبار السن في منتصف الردهة يتحدثون وسط نقاش حاد محتدم للغاية حتى أن أصواتهم بدت عالية مجلجلة في تلك الردهة الواسعة . جاء ظهور الحشد الصغير في الردهة ليجذب أنظار الرجال ليسود الصمت في المكان . تحرك قائد الحرس في خطوات قوية و انحنى محيا أحد الواقفين أمامه و أخذ يتحدث بكلمات لم يسمعها إبرو و هو لازال منحنيا هكذا . لاحظ إبرو أن الحارسين اللذين أحضراه انحنيا هما الآخرين لكن لم يتحدثا ببنت شفة قط . شعر إبرو بالإرتباك , هل عليه الإنحناء مثلهم أم يظل واقفا مكانه هكذا كالتمثال ؟ قبل أن يجد مخرجا من هذا الموقف الغريب لاحظ أن جميع من بالمكان قد نظر إليه بطريقة جعلته يشعر بالتوتر .

-أخبرني غويلار أنك وافد جديد من أحد العوالم الجديدة .

توتر إبرو للغاية , فذلك الرجل أشيب الشعر ذي الملامح الهادئة يمنحه شعور بالخطر البالغ . ابتلع ريقه بصعوبة ثم قال :

-بلى سيدي . لقد جئت من عالم يُدعى الأرض .

ارتسمت إبتسامة على وجه الرجل وهو يقول :

-كل العوالم التي أتينا منها يا صغير مهما اختلفت أو تباعدت فهي كالوطن الغالي بالنسبة لنا . هذه هي زيارتك الأولى هنا ؟

-بلى سيدي .

-وأنت لم تموت من قبل و هذه هي زيارتك الثانية ؟

-لا سيدي .

-كيف تكون متيقنا من ذلك ؟ أنت تعرف أنك حين تموت تفقد كل ذكرياتك بشأن هذا المكان .

شعر إبرو أنه تحت وطأة استجواب حاد من قبل هذا الرجل , لكن خبراته الماضية قد منحته تصورا بسيطا عن هذا الوضع . فحاكم المدينة دوما ما يكون في منطقة بعيدة لا يمكن المساس بها قط . إنه لا يعرف إن كان محظوظا أم تعسا بوجوده أمام هذا الرجل الآن . ابتلع إبرو مجددا ريقه و قال في توتر :

-هذا لأنني حين جئت إلى هنا كنت في المستوى الخامس عشر . لعبة ريونيد لم تبدأ في عالمي لأكثر من ثلاثة أيام حتى الآن .

لاحظ اتساع عينا الرجل مع ظهور أمارات الدهشة على وجهه لثانية بعدها عاد لهدوءه المعتاد و نظرته الثاقبة العادية ثم قال :

-أنت تقول أن مستواك كان في الخامس عشر ؟ أنت الآن في المستوى الثالث و الثمانون .

2020/02/07 · 536 مشاهدة · 1501 كلمة
Ranmaro
نادي الروايات - 2024