-بلى سيدي . فحين جئت إلى هنا عبر عملة أبيدون و التي حصلت عليها عن طريق المصادفة قابلت رجلا حاول قتلي . هذا الرجل استطعت التغلب عليه و لذلك أنا الآن في المستوى الثالث و الثمانون .

صمت الرجل قليلا كما لو كان يفكر في كلمات إبرو . بعد لحظات من الصمت العصيب قال :

-و لقد تغلبت على الرجل ذاك بصدفة كذلك ؟

شعر إبرو بالتوتر أكثر و أكثر و نظرات الرجل تكاد تخترق جسده ثم قال مترددا :

-بلى .. بلى سيدي .

-إذن كيف استطعت الحصول على مستواك الحالي من خلال قتله ؟ أنت جديد هنا و الكذب عقوبته في المدينة هو الموت .

شعر إبرو بالتردد ثم قال متشككا :

-لم أفهمك سيدي .

-سأشرح لك الأمر ببساطة . الوضع هنا في ريونيد مغاير لوضعك في عالمك الذي يُدعى بالأرض , فهناك حين تقتل أي من الوحوش أو تقوم بتنفيذ أي مهمة ستحصل على مكافئتك و كذلك نقاط خبرة ترفع من مستواك , أما هنا فلا يمكنك الحصول على أي نقاط خبرة أو مكافأة بقتل أي شخص أو وحش . فقط عبر إنجاز مهمة تختارها من قبل مجمع المهام في أي مدينة بعالم ريونيد و تحصل فيها على تقدير عال يفوق الجيد حينها تقدر على إكتساب نقاط خبرة و كذلك مكافئات سخية .

شعر إبرو أن الرجل أمامه لا يكذب عليه , رغم أن كلماته تخالف ما مر به إلا أن مكانة الرجل السامية كحاكم مدينة لا تجعله يحتاج للإحتيال عليه أو تلفيق أي معلومة كاذبة له . على الرغم من ذلك وجد إبرو صعوبة في تصديق ما قاله , فهو يختلف جذريا مع ما مر به . فقد حصل على نقاط خبرة و مكافئات من جراء قتله لبالري , لذا قرر بحذر و حرص بالغين أن يستفهم أكثر عن الموضوع متسائلا :

لقد أخبرتني اللعبة بأن مستواي قد ارتقى نتيجة قتلي لهذا الرجل . كذلك حصلت على مكافئات نتيجة ذلك . هل هناك استثناءات في تلك القاعدة التي أشرت لها للتو ؟

حاول إبرو قدر الإمكان أن يبدو حذرا في إبداء إعتراضه على وجهة نظر حاكم المدينة , لكن لدهشته البالغة لاحظ تعابير الرجل المتجمدة قد تبدلت ليحل محلها آمارات الذهول و الصدمة البالغة . هذه المرة استغرق الرجل قرابة دقيقة كاملة حتى عاد لوجهه المعتاد . لم يفت على إبرو ملاحظة تغير ملامح كل من حوله و من ضمنهم الحراس الثلاثة .

-هل أنت متيقن من أن اللعبة قد أخبرتك بذلك ؟

-بالطبع سيدي .

هذه المرة لم يشعر إبرو بالتوتر إنما بالحيرة . فأمامه بدأ الرجال يتناقشون في صوت خفيض استطاع التقاط بعض من كلماتهم مثل :

-إنها المرة الأولى منذ زمن بعيد .

-لماذا هو بالذات ؟

-هل ريونيد يريد إرسال رسالة ؟

إضافة إلى كثير من الكلمات المبهمة و التي لم يفهم منها إبرو شيئا لكنه استشعر منها مدى غرابة أن تقوم اللعبة بالتواصل معه . بعد دقائق من النقاش هامس بين الجميع نظر الحاكم له و قال :

-هل يمكنك إخباري بكل ما أخبرتك به اللعبة ؟

كاد إبرو يندفع بالإجابة على سؤال الحاكم لكن خاطر ما برأسه منعه من ذلك . هو لازال لا يعرف الكثير عن عالم ريونيد أو نرو الذي هو فيه الآن . فلماذا يثق في شخص غريب حتى لو كان حاكم المدينة ؟ كل ما يعرفه الآن أن ما حدث معه من ترقي بسبب قتله لبالري لم يكن أمرا إعتيادا , فما الضمان أن يكون نعمة و ليس نقمة ؟ قرر توخي الحذر و ألا يتحدث بأي معلومة حتى يتيقن من توابعها , لذا قال :

-ولماذا أفعل ذلك سيدي الحاكم ؟

شعر إبرو بقبضة تعتصر قلبه من خلال نظرات الحاكم له . سرعان ما عاد الحاكم لطبيعته الهادئة قبل أن يقول بدبلوماسية :

-أعرف أنك لا تثق بنا خاصة بعد تجربتك مع ذاك الفورازي الأحمق . لكن نحن في صفك ولا نضمر لك أي سوء قط . كحسن نية مني سأمنحك الفرصة لتحقيق مطالب ثلاث شرط أن تكون تلك المطالب منطقية وليس مبالغ فيها . معذرة نسيت أن أعرفك بنفسي , اسمي روليف حاكم مدينة شونتي .

نظر إبرو له في ريبة . هذا الحاكم سيقوم بتحقيق مطالب ثلاث له في مقابل معرفته بتفاصيل ما قالته اللعبة له ! هذه صفقة عظيمة بالنسبة له . رغم ذلك دب الشك في قلبه , فلماذا يتكبد رجل في مثل مكانته عناء تحقيق مطالب ثلاث لشخص لا قيمة له مثله ؟ هل ما قالته اللعبة له أهمية عظيمة بهذا الشكل ؟ قرر أولا أن يستمر في حذره و ألا يتحدث بشيء الآن و لكن عليه أن يستغل تلك الفرصة لمعرفة كل ما يمكن معرفته عن هذا العالم , فربما تتضح معالم الصورة له أكثر و يمكنه حينها أن يحزم أمره .

-تشرفت بمعرفتك سيدي الحاكم ,و أتمنى أن تعذرني على طريقة تعاملي الفظة معك سيدي الحاكم لكن أنا جديد تماما هنا ولا أعرف أي شيء سوى ما أخبرني به ذاك المجرم الذي حاول قتلي . لهذا اسمح لي بالسؤال عن أهمية تواصل اللعبة معي .

-لا يوجد لدي مانع أن أجيبك عن سؤالك , لكن مثل هذه الأمور تعتبر خطيرة للغاية و بالأخص في عالم ريونيد لذا عليك أن تعدني بأن تظل هنا في المدينة ولا تخرج منها , فما رأيك ؟

أجابه إبرو في تلقائية :

-بكل أسف لا أقدر على وعدك . فلدي أمور كثيرة تحتاج لتواجدي في عالمي .

-اذن اعذرني عن عدم مقدرتي على إجابة سؤالك .

لم تكن إجابة الحاكم بغريبة على توقعات إبرو . على ما يبدو أنه لو أراد معرفة المزيد عن هذا العالم فيجب عليه أن يعتمد على نفسه . أخذ يوازن بين قبول عرض الحاكم و بين رفضه ليرضخ في النهاية لمغريات المطالب الثلاث . من يعده بذلك ليس أغو عادي بل هو حاكم المدينة . هذه الفرصة لو تخلى عنها فلا يعلم كم عام سيندم عليها في المستقبل . حالما حزم أمره أخذ يفكر في المطالب الثلاث التي يمكن أن تحقق له أكبر منفعة ممكنة خاصة في ظل بدايته الغريبة في اللعبة و التي تجاوزت كل مخططاته . هل يجعل من أحد مطالبه أن يجيبه الحاكم على سؤاله ؟ شعر بأن هذا المطلب سيكون مجحفا في حق الفرصة الثمينة التي أمامه . أخذ يفكر مليا فيما سيطلبه من الحاكم , فمن خلال خبرته كان يدرك أن هذه الفرصة لن تتوانى له بسهولة قط بعد ذلك . حين فكر في تلك النقطة بزغت فكرة في رأسه فقالها على الفور قائلا :

-أول مطلب لي أن أمتلك الحق في زيارتك كلما جئت إلى المدينة .

ضحك الحاكم ضحكة غريبة بدت لإبرو أنه كان متوترا مثله تماما , فعلى ما يبدو أن طلب إبرو الأول فاجئه نظرا لسهولته , لكن إبرو كان يدرك جيدا مدى أهمية هذا الطلب له في المستقبل . فمقابلة حاكم المدينة تعني إمكانية حصولك على عدد لا حصر له من المهام و نحن نتحدث عن المهام ذات المستوى الذهبي و ما فوقها . أما عن المشاكل التي يمكن للحاكم حلها و المواقف الصعبة التي يمكن أن يمد يد العون له فيها فتلك لا حاجة لأحد أن يفكر ليدرك مدى أهميتهم لأي لاعب .

-لك هذا الطلب إذن يا إبرو . أليس اسمك هكذا ؟

-بلى سيدي الحاكم . شكرا جزيلا لك .

-لا داعي لشكري فنحن نقوم بصفقة تبادلية فيما بيننا . و الآن أخبرني ما المطلبين الآخرين لك .

شعر إبرو لوهلة أن الحاكم الذي أمامه متلهف للغاية لسماع ما قالته اللعبة له . لكن رغم ذلك صمت إبرو قليلا مفكرا فيما قد يحتاج إليه فيما بعد آخذا كل الوقت الذي يحتاجه دون أي ضغوط أو توتر . كان يعرف مسبقا أن كل ما يكتسبه ها هنا لن يقدر على استخدامه هناك في عالمه . لذا حين تذكر هذه الجزئية قال بصوت هاديء :

-لقد أخبرتني اللعبة بعدم مقدرتي على استخدام أي مما اكتسبته من هذا الفورازي في عالمي . لذا أطلب أن تمنحني شيء يمكنني استخدامه في عالمي .

-مطلبك رغم أنه صعب نوعا ما لكن يمكنني أن أمنحك شيئا سيساعدك في المستقبل كثيرا . أرى أنك ساحر أسود . لهذا أنت متميز بقتالك عن بعد . سأمنحك لفافة أسطورية خاصة يمكنك استخدامها في عالمك بكل سهولة .

نظر إبرو للفافة التي بيد الحاكم في دهشة . في الماضي لم يسمع قط بشخص يمتلك لفافة أسطورية واحدة فما بالك به و في جعبته عدد كبير من اللفافات . لو أزاح اللفافات التي لا يقدر على إستخدامها في ريونيد حينما يعود للأرض فهو يمتلك الآن لفافتين سحريتين أسطوريتين ! كان ذلك شيئا لا يصدق بالنسبة له ! لا يعلم ماذا ستعد له اللعبة من مكائد لتسلبه هذه اللفافات الأسطورية . بعدما أخذها خبأها على الفور في مخزنه الشخصي ولم ينظر لها . فمطلبه الثالث كان أهم مطلب بالنسبة له .

-مطلبي الثالث قد يبدو غريبا لكني في أمس الحاجة إليه .

-إن كان بمقدوري أن أحققه لك سأفعل .

-لقد جئت إلى هنا من قبيل المصادفة . لهذا فلا أمتلك وسيلة للعودة إلى عالمي . هل توجد لفافات خاصة بالمدن التي يأتي منها اللاعبون ها هنا ؟

ضحك الحاكم ثم نظر نحو أحد الرجال الواقفين إلى جواره في صمت . كان الرجل يمتاز ببنيان هش للغاية و يسير على عصا قصيرة سميكة و ملامح وجهه المتجعد تكاد تجعل كل من يراه يعتقد أنه على مشارف الموت . تنحنح الرجل ثم قال بصوت خافت للغاية سمعه إبرو بصعوبة :

-توجد بالطبع لفافات إنتقال في مكتبة المدينة . رغم أنها باهظة الثمن تقارب ثمن كل منها مئة عملة أبيدونية إلا أنني سأتثنيك من دفع هذا المبلغ .

شعر إبرو كما لو أن حجر ثقيل قد انزاح من على قلبه . كانت رحلة عودته بمثابة كابوس بالنسبة له . قال في سرعة :

-أشكرك كثيرا سيدي . ما أريده هو لفافة عودة لمدينة إهناسيا .

-لا تشكرني فما ستخبرنا به يفوق للغاية طلباتك الثلاثة . لهذا السبب سأمنحك لفافتي عودة لكل مدينة تتبع نطاقك . أم تريد لفافات لكل مدن عالمك ؟

ضحك إبرو في سعادة , فأخيرا قد انزاح الحجر الذي كان يثقل قلبه ثم قال :

-لو أمكنني الحصول على كل هذه اللفافات سأكون ممتنا لك .

-حسنا سأحضر لك اللفافات بعد أن تخبرنا بما قالته لك اللعبة . هذا وعدي لك .

2020/02/07 · 527 مشاهدة · 1607 كلمة
Ranmaro
نادي الروايات - 2024