لم يشعر إبرو بالقلق تجاه عدم تنفيذ هذا الرجل العجوز بوعده . هو يعلم جيدا أن من يكون في مثل مكانته يخاف على سمعته بشكل شبه مرضي تماما . هذا الرجل العجوز ربما يملك منصب مسئول المكتبة في المدينة , و هو منصب رفيع المستوى لا يستحقه ساحر بسهولة . قام بعدها إبرو بتنفيذ وعده و قام بإخبارهم بكل ما قالته له اللعبة بالتفصيل . استعان إبرو كذلك بالتنبيهات الكثيرة التي أتته من قبل اللعبة ليكون مطمئنا أنه لم ينس أي جزئية وسط حماسته التي يشعر بها الآن . خلال حديثه لم تتبدل ملامح من حوله سوى بعض من الإيماءات و الهمهمات أحيانا . أما ملامحهم فلازالت المتسمة بالجدية التامة . بعدما انتهى إبرو من حديثه قال له الحاكم :

-أشكرك كثيرا يا إبرو , فما قلته للتو مهم للغاية لنا . للأسف لا يمكنني أن أفصح لك حاليا عن مدى أهميتك لنا و عالم ريونيد , لكن أريدك أن تعلم أنك شخص في قمة الأهمية . لذا لدي مطلبان لا أعرف إن كانا سيبدوان سخيفين بالنسبة لك لكنهما مهمين جدا بالنسبة لنا .

كان إبرو في مزاج ممتاز للغاية لذا أجابه بدون تفكير :

-ما هما ؟

-الطلب الأول أنك حين تكون في عالمنا أرجو ألا تغادر محيط مدينتي شونتي . أنا لا أعني تقييد حركتك لكن أخشى عليك بمستواك الضعيف ذاك أن تكون عرضة لأي مخاطر .

ظهر الشك على وجه إبرو حيث قال :

-وجودي في المدينة شيء جيد بالطبع لكن لا أقدر على أن أعدك بأن أظل فيها إلى الأبد ! أعرف أن قوتي ضعيفة لكن في المستقبل سأكون أكثر قوة . حينها سيتعين علي الخروج من المدينة و التجول في العالم من حولي .

-أتفق معك فيما قلت تماما . لذا أنا أطلب أنك لا تغادر المدينة حتى تصبح أكثر قوة . أعتقد أنه طلب منطقي و عادل .

صمت قليلا مفكرا في كلمات الحاكم . كانت كلماته منطقية إلى حد يثير الريبة , لكن لم يجد وسط تلك العبارات أي شك ملموس . نحى شكه جانبا ثم قال :

-حسنا سأعدك .

حين وعده بذلك توطد شعور الشك أكثر داخله بشكل دفعه للإستطراد قائلا :

-لكن إن طرأت أي أمور مصيرية تجبرني على المغادرة سأغادر .

ما إن انتهى إبرو من كلماته حتى رأى بنفسه تغير ملامح الحاكم و من حوله مما أشعره بإنقباض غريب في قلبه . إنهم يعرفون أكثر مما يخبرونه , هل سيكون هناك أمر ما يجب أن يغادر المدينة بسببه و سيكون في ذلك خطورة على حياته ؟ هل لهذا علاقة بكون اللعبة قد تحدثت معه ؟ ما الغريب في ذلك , فمن المفترض أن جميع من أمامه كانوا لاعبين مثله و كانت اللعبة تتحدث معهم طيلة الوقت ! ما الفارق بين أن يحدث ذلك في عوالمهم و أن يحدث ذلك في ريونيد ؟! بعدما تبادل الحاكم النظرات الصامتة مع من حوله قال في جدية تامة :

-إن حدث و طرأ أمر مثل ذلك عليك أن تعدني أن تأتي إلي قبل ذلك , حينها سأجعلك تغادر المدينة بصحبة حراسة قوية قادرة على حمايتك .

إن كان بداخله جرام من الشك أصبح الآن طنا ! لم يتحدث إبرو بل اكتفى بإيماءة من رأسه مؤيدا لاقتراح الحاكم . على ما يبدو أنه مقدم على شيء خطير للغاية ! و خطورته تتجاوز ما يعرفه عن مخاطر اللعبة , ربما حين يموت سيموت بالفعل و ليس مجرد فقدانه لمستوى فقط كالعادة , أو ربما شيء آخر لكن ذاك هو أكثر الإحتمالات خطورة و تشاؤما في نظره . تنهد الحاكم براحة زادت من قلق إبرو ثم قال :

-طلبي الثاني أنك حين تعود إلى عالمك أرجو منك ألا تتعرض للموت هناك أكثر من عشر مرات في غضون هذا العام .

ازدر إبرو ريقه في صعوبة ثم قال بحلق جاف :

-إنك تخيفني سيدي الحاكم .

ابتسم الحاكم إبتسامة ودودة وهو يقول :

-لا تقلق يا إبرو , فأنا لا أنوي إيذائك . أنت في غاية الأهمية بالنسبة لي و لمن حولي و من خلفي . فقط تذكر ألا تتعرض للموت في هذا العام أكثر من عشرة مرات .

-حسنا أعدك سيدي الحاكم .

هذه المرة لم يتحدث الحاكم إنما أطال النظر بعمق و جدية نحو إبرو ليمنحه شعورا بمدى خطورة هذا الطلب . بالنسبة لإبرو فقد كان متيقنا من عدم وجود أي شيء قد يشكل خطورة على حياته في النطاق المصري . ربما لو حاول الخروج لنطق أخرى حينها سيتغير الوضع تماما لكنه لن يخطط لفعل ذلك الآن . فهو لازال في المستوى الخامس عشر في عالمه لذا أمامه رحلة طويلة يجب عليه قطعها قبل أن يجازف بغزو النطق المجاورة . غزوه للنطق المجاورة أمر حتمي يجب أن يقوم به إن أراد أن يدفع اللاعبين المصريين في اللعبة في وقت مبكر , فهذه من أحد القوانين الخاصة باللعبة و التي اكتشفها الجميع حين دخل للعبة . للأسف لم تقدر أي دولة على تحقيق هذا الشرط , فمن جهة لم يعرف أي لاعب بتلك القاعدة حتى دخول جميع الدول للعبة , و من جهة أخرى لو علم أحد بالصدفة بذلك القانون فلن يقدر بسهولة على تحقيقه خاصة في ظل نقص عدد اللاعبين المحليين و تربص اللاعبون الأجانب بهم . أما إبرو فوضعه الحالي يختلف تماما , يكفي أن بحوذته لفافتين سحريتين من المستوى الأسطوري . لهذا السبب هو يضع ذلك الهدف نصب عينيه و يسعى لتحقيقه .

-تفضل يا إبرو هذه هي لفافات العودة لكل مدن نطاقك في عالمك . أنت من دولة تُدعى مصر , أليس كذلك ؟

-بلى سيدي .

-هذه هي اللفافات الخاصة بكل مدنها . أما هذه اللفافات فهي خاصة بالإنتقال لأهم مدن عالمك .

أمسك إبرو باللفافات ليجد أسماء المدن الشهيرة في ماضيه مثل لوس أنجلوس و القدس و شنغهاي و موسكو و غيرها . ما أدهشه إن الوصف الخاص بتلك اللفافات حمل رقما زمنيا غريبا , فكل لفافة منهم مرقمة بتاريخ يزيد عن مئة مليون سنة تقريبا . ماذا يعني هذا الرقم ؟ كان على وشك سؤال الحاكم لولا أن سبقه الأخير بقوله :

-لا تسألني عن شيء , فلا أقدر على إجابتك في الوقت الراهن .

زفر إبرو في ضيق . هذه المرة هو يعاني مما عانت منه أية حين كانت تتحدث معه .

-متى سيمكنك إخباري بكل شيء سيدي الحاكم ؟

-حين تكون أكثر قوة يا إبرو . تحديدا حين تتجاوز المستوى المئة و الخمسين في عالمك و عالمنا على حد سواء .

-مئة و خمسون ؟!!

شعر إبرو بالذهول , هذا المستوى يُعتبر حدث بعيد المنال . ربما لو مكث في اللعبة عشر سنوات لاستطاع الوصول إلى ذلك المستوى . في الماضي كان أعلى لاعب لا يتجاوز مستوى المئة و الثلاثون . حين لاحظ الحاكم الصدمة البادية على وجه إبرو قال بغموض :

-لا تقلق نفسك بتلك الجزئية فلاحقا ستعرف أنك سترتقي في المستوى بشكل لا تتوقعه قط . ربما في غضون ثلاثة أعوام ستحقق هذا المستوى إن لم يكن أكثر .

-ثلاثة أعوام ؟! هذا مستحيل سيدي الحاكم .

-أخبرتك ألا تقلق , ستفهم مغزى كلامي لاحقا .

-حسنا سيدي الحاكم .

رغم أنه لم يثق في كلماته إلا أنه قرر عدم مجادلته بشأنها . بعدها فكر في خطوته التالية , هل سيبقى في المدينة أم يعود أدراجه لعالمه ؟ حين فكر في مكوثه بهذا المكان تحت رقابة الحاكم و أعوانه اللصيقة له أبعد هذا الإفتراض عن عقله تماما . عليه أن يعود لعالمه , فقد ابتعد لوقت طويل و هو بحاجة للراحة أولا ثم تهيئة نفسه لما هو آت . هو بحاجة للعودة لمساعدة آية درويش في تطوير مستواها و قدراتها . كذلك هو بحاجة للعودة من أجل تعنيف أولئك الكسالى من أعضاء فريقه . لا يعرف بعد أي شيء عنهم , هل لأنهم بدئوا اللعبة في وقت هاديء يخلو من التوتر و الخطر فاستكانوا للراحة و الكسل ؟ لو كان الوضع هكذا عليه أن يكون هو عنصر الضغط و التوتر بالنسبة لهم , و إلا فكيف سيضعهم على طريقهم الصحيح إذن ؟ نظر إبرو للحاكم في جدية بعدما أخفى أللفافات عدا لفافة إهناسيا و التي كانت في يديه ثم قال :

-سأغادر الآن سيدي الحاكم . هناك الكثير من الأمور في عالمي يجب أن أهتم بها .

بدا على وجه الحاكم الضيق ثم قال :

-كنت أتمنى أن تمكث معنا عدة أشهر يا إبرو .

-عدة أشهر ! لا يمكنني ذلك ! هناك الكثير من الأمور الملقاة على عاتقي في نطاقي , لذلك لا يمكنني المغادرة لفترة طويلة خاصة في مثل تلك الفترة الصعبة . أود كثيرا البقاء هنا و معرفة المزيد عن هذا العالم . لكن الأولويات تسبق دائما الرغبات . لذا علي العودة .

صمت الحاكم قليلا ثم قال بجدية :

-لا أريد تكرار كلماتي معك يا إبرو . حافظ على حياتك قدر المستطاع يا بني .

-لا تقلق سيدي الحاكم , حياتي لا يقدر أن يحصل عليها أي شخص بسهولة .

بدا أن الحاكم على وشك أن يقول شيء ما ثم تراجع عنه . تلك الهفوة البسيطة منه لم تفت على إبرو الذي شعر بأن الخطر المتربص به ربما لن يكون فقط محصورا في نطاق هذا العالم بل ربما يتبعه لعالمه كذلك . هذا يغير من الحسبة برمتها . لو كان هذا صحيح لصارت حياته في خطر بحق !

-لتكن في أمان دوما يا إبرو . للأسف في عالمك لا أقدر على مساعدتك ولا يقدر أحد هنا على أن يساعدك . أنت هناك وحدك . يجب أن تفهم هذه النقطة بشكل جاد .

شعر إبرو نحو الحاكم حينها بإمتنان بالغ . هذا العجوز بالفعل يخشى عليه و يحاول حمايته قدر المستطاع . قال إبرو في جدية :

-أتفهم ذلك سيدي الحاكم .

-أتمنى ذلك يا إبرو . كل ما يمكنني قوله لك أن صحبتك السلامة و سأنتظر عودتك بفارغ الصبر .

-لا تقلق سيدي الحاكم سأعود أقوى من ذي قبل .

2020/02/07 · 535 مشاهدة · 1540 كلمة
Ranmaro
نادي الروايات - 2024