لم يجبه الحاكم إنما اكتفى بإيماءة من رأسه . نظر إبرو لمن حوله من كبار المكانة و السن في إمتنان . أومأ لهم برأسه و بادلوه نفس الإيماءة بإحترام و تقدير بالغ . بعدها قام إبرو بإمساك اللفافة و قام بتمزيقها لنصفين كما اعتاد قديما استخدام مثل تلك اللفائف . في غضون خمس ثوان أحاط بإبرو هالة من الضوء الأبيض الغير منفذ للضوء ليختفي من الردهة الفسيحة تاركا أبناء شونتي خلفه . ما إن اختفت الهالة حول إبرو حتى وجد نفسه في منطقة مألوفة للغاية إليه . كان الميدان الذي ظهر فيه يُعتبر نموذجا متبعا عادة في مدن اللعبة , حيث يتوسطه تمثال لشخص من رموز المدينة و هناك يمكن للاعبين الذين تعرضوا للموت أن يعودوا من جديد لإستكمال اللعبة . في محيط هذا الميدان الواسع توجد مبان كبيرة مميزة يعرفها إبرو عن ظهر قلب . هناك مبنى حاكم المدينة . أما هناك فالمبنى الخاص بالتجار و الذي يمتاز بوجود أدوات سحرية و مواد خاصة باللعبة مثل اللفائف السحرية و التمائم الخاصة ببعض المهام إضافة إلى النباتات و المعادن المميزة و التي يحتاجها دوما من يلعب في المهن الحياتية المتعددة . أما هذا المبنى الضخم فهو المكتبة . أما ذاك فهو الخاص بحرس المدينة و هو آخر مبنى تود الدخول إليه , فعادة من يدخل إليه يكون محتجزا لمخالفته قوانين المدينة . تلفت حوله ليجد المكان خاليا عداه . قبل أن يخطو خطوة واحدة في المكان جاءه تنبيه خاص بطلب آية للحديث معه . وافق على المحادثة ليجد آية تقف في منطقة خالية من أي مبان على مد البصر و ملامح وجهها تعبر عن مدى قلقها و ضيقها البالغين . شعر إبرو بالقلق تجاهها فقال في سرعة :

-هل أنتِ بخير ؟ أنا الآن في مدينة إهناسيا و يمكنني الذهاب إلى قريتك في وقت قصير !

-كيف أكون بخير بعد كل ما أرسلته لي دون أي تفسير يا إبرو ؟ هل تعرف حجم المعدات و الأدوات السحرية التي أرسلتها لي ؟ إن كلها من المستوى الأسطورية يا إبرو !! لقد جعلتني أشك في أن هناك خطب ما حدث لك خاصة أنني لم أقدر على التواصل معك قط حتى الآن !

شعر إبرو بالدهشة , لم يفكر قط أن يكون هذا هو رد فعلها تجاه ما أرسله لها . لكن النقطة الأخيرة التي أثارتها جذبت إنتباهه حيث قال :

-هل لم تقدري على التواصل معي قط ؟

-نعم يا إبرو , فلدي عشرات الأسئلة التي أردت أن أسألك إياها لكنك كنت مختفي تماما ! هذا أمر مريب للغاية . لقد خرجت من اللعبة و أجريت بعض الأبحاث حول تلك الجزئية لكن لم أستطع إيجاد حالة واحدة قد يحدث فيها ذلك باللعبة . ماذا حدث يا إبرو ؟

-لقد أخبرتك من قبل أنني ذاهب إلى مدينة أبيدون الأسطورية .

-هل وجودك هناك يجعلك لا تقدر على التواصل مع أحد ؟ لكنك أرسلت لي أشياء كثيرة من هناك . ما المشكلة إذن ؟

-الوضع هناك مختلف تماما عما قد تتخيلينه . ألم تقرئي رسائلي التي أرسلتها لكِ بصحبة ما أرسلته من عملات و أدوات ؟

بدا على آية الحيرة و هي تقول :

-لم تصلني أي رسالة منك يا إبرو !

هذه المرة كان الدور على إبرو ليشعر بالدهشة . هل بالفعل أي تواصل بين العالم هناك و هنا مقطوع تماما ؟ لو كان هذا صحيحا فيبدو أن حظ إبرو لم ينفذ بعد فلو كان قد تعرض للموت مرة واحدة لفقد كل ذكرياته بشأن ذلك العالم و ما كان يعرف أهمية العملة الخاصة به و التي أرسلها لآية خاصة أنه لم يرسل لها عملته فقط بل أضاف إليها عشرين أخرى . لم تصبر آية على صمته حيث اندفعت متسائلة :

-الآن أخبرني ما الوضع في أبيدون ؟ لماذا لم أقدر على التواصل معك ؟ وما تلك الرسائل التي أرسلتها ولم تصلني ؟ وماذا عن تلك العملات الكثيرة التي أرسلتها لي , من أين حصلت عليها ؟ ماذا عن تلك الأدوات الغريبة التي أرسلتها لي ؟ حاولت استخدام أي منها دون جدوى عدا لفافة أرض النار لكني لم أستخدمها قط . هل تريدني أن أعيدهم لك ؟ ولماذا لا أقدر على استخدامهم ؟

قبل أن تتمادى في أسئلتها رفع إبرو يده ليوقفها قبل أن يقول :

-أسئلتك كثيرة و كلها منطقية لا أنكر ذلك , لكن بعضها لا يمكنني أن أجيبك عليه تفصيلا . بإختصار بالغ مدينة أبيدون مسمى خطأ لما ذهبت إليه . لم أصل إلى مدينة أبيدون لكني وصلت إلى منطقة معروفة بأنها ما يقع خلف أسوار أبيدون . ما فهمته من هناك أن هذه المنطقة شاسعة للغاية و هي تعتبر عالما متفردا بذاته قديم قدم الزمن نفسه . أول من قطن هذا العالم شخص يُدعى أبيدون قام بتأسيس مدينة هناك . هذه المدينة تقع في منتصف العالم تقريبا و بعيدة للغاية عن المكان الذي ظهرت فيه . العالم هناك تم غزوه من قبل كائنات غريبة أشبه بالوحوش , كدت أتعرض للموت أكثر من مرة على يد الوحوش و على يد قاطني العالم أنفسهم الذي يمتهن بعضهم مهن تقوم بإصطياد من يأتي لهذا العالم من العوالم الحديثة مثل عالمنا يا آية . لسنا بمفردنا في الكون و لسنا الوحيدين الذين يلعبون اللعبة . حتى أقدم الناس هناك قد لعبوها من قبل . هذه الأدوات و العملات التي أرسلتها لكِ حصلت عليها من قتل شخص واحد هناك . لكِ أنت تتخيلي مدى ثروة و قوة من يوجد هناك . من قابلتهم مستواهم يفوق مستوى المئة بكثير يا آية . نحن مقارنة بهم لا شيء على الإطلاق .

شعر إبرو بالرضا من مقدار الصدمة التي أحدثتها كلماته فيها . هو أيضا شعر بنفس صدمتها حين كان هناك , لكن حينها كانت حياته على المحك فلم يقدر على التفكير بتمعن فيما عرفه إلا و هو يتحدث لآية الآن . إن العالم ذاك في غاية الصعوبة و الغرابة و الخطورة . بعدما فكر في هذا كله شعر أنه محظوظ للغاية أن يعود بحياته سالما إلى إهناسيا .

-أنت تقول أن هذا العالم يحضر إليه كثير من اللاعبين من أكثر من كوكب مثل كوكب الأرض !

-لا أدري يا آية . مستواي هناك كان ضعيفا للغاية و لم أقدر على معرفة الكثير من المعلومات عن حقيقة الوضع هناك . لكن ما أنا متيقن منه أن العالم يضج بلاعبين قدامى أقوياء للغاية قدموا من كواكب مختلفة لكنهم الآن يقطنون في هذا العالم و يحاربون تلك الوحوش على ما أعتقد .

-وماذا عن تلك العملات ؟

-إنها العملة الرسمية في هذا العالم . لكن ما فهمته أنه لا يتم توزيعها في العالم نفسه بل يتم توزيعها على العوالم الحديثة مثل عالمنا لذا يمتهن بعض من سكان العالم مهنة إصطياد أشخاص مثلنا للحصول على العملات الخاصة بنا .

-يبدو الوضع هناك خطيرا للغاية .

-بالفعل . ما إن ظهرت هناك حتى تعرضت للهجوم من قبل وحش لم أراه في حياتي قط ! لولا الصدفة البحتة و حسن الحظ لقتلني هذا الوحش أو هذا الصياد الذي كان بإنتظاري .

-أنت تخيفني يا إبرو من هذا العالم . صحيح ماذا يحدث إن تعرضت للموت هناك ؟

-أولا ستفقد كل ما تملك من معدات و أدوات و أي شيء من المستوى الأسطوري أو ما يفوقه . كذلك ستفقد ذاكرتك بشأن كل المعلومات المتعلقة بهذا العالم . بعدها تعود من جديد للعالم الذي أتيت منه و تنسى تماما كل شيء متعلق بهذا العالم .

-ستفقد كل ما تعرفه عن هذا العالم ! هذا يجعل أي شخص يموت هناك ينسى كل شيء قام به أو حصل عليه بالعالم !

-بالطبع , و هذا مكمن الخطورة الأساسي في هذا العالم . الشرط الوحيد لإستعادة ذاكرتك هي أن تسترجع عملتك الأولى التي جئت بها للعالم .

-لهذا أرسلت لي هذه العملات ؟

-بلى , فمن ضمنها عملتي التي أدخلتني للعالم .

-هذا يفسر الكثير إذن . لا أتخيل أن تتعب لسنوات في هذه البيئة الشاقة و غلطة واحدة تجعلك تفقد كل شيء . هذا وضع مأساوي للغاية يا إبرو .

-هو فعلا وضع صعب و مخيف , لكن الغريب أنه رغم كل تلك المخاطر فالناس هناك قد اختاروا البقاء دون العودة لعالمهم . لم أعرف السبب وراء ذلك لكن مؤكد أن هناك خبايا في العالم لا أعرفها بعد .

-نقطة منطقية يا إبرو , لن يقبل أحد بتلك المجازفة دون سبب . هل تنوي العودة إلى هناك ؟

نظر لها إبرو في صمت . هو يرغب حقا في العودة للعالم و استكشافه و نبش أسراره و خباياه , لكنه يعرف أن بمستواه الحالي لن يقدر على خطو خطوة واحدة للأمام إلا و تعرض للقتل . تذكر كذلك الوعد الذي منحه لحاكم المدينة . على الرغم من أنه وجد لفافات عودة للمدينة ضمن اللفافات التي بحوذته إلا أنه يمكنه أيضا العودة من خلال عملة أبيدون ليظهر بعيدا عن المدينة . إن ظهر بعيدا عن شونتي فلن يكون قد نكث بوعده لحاكمها , أليس كذلك ؟

-أخطط بالطبع للعودة لكن حين يصل مستواي لأكثر من مئة و خمسين .

-مئة و خمسين !! هذا في المستقبل البعيد يا إبرو .

-أعرف , لكن لو ظهرت هناك بمستوى أقل من ذلك سأتعرض للموت طيلة الوقت . لا أريد أن أكرر تجربتي المريرة , هذه المرة هربت بأعجوبة , من يدري المرة القادمة ربما ينفذ حظي .

-معك حق . الآن أنت في إهناسيا ؟

-بلى , هل أنتِ هنا ؟

-لم أستطع الوصول للمستوى العاشر بعد . أنا الآن في المستوى الثامن . أحتاج من ثلاث لخمس أيام حتى أقدر على الإنتقال إلى إهناسيا .

-حسنا سأنتظرك .

صمتت قليلا و لاحظ إبرو ترددها البادي على ملامحها المشوبة بالقلق و التوتر , فقال بلا مبالاة :

-أخبريني , ما الأخبار السيئة التي تعرفينها ؟

2020/02/07 · 545 مشاهدة · 1514 كلمة
Ranmaro
نادي الروايات - 2024