نظرت له آية بغضب كما لو قام بإهانتها . زفرت بعدها في ضيق ثم قالت :

-لماذا تشعرني أن قلقي عليك لم يكن ضروريا ؟ أكره ذلك يا إبرو . حسنا سأخبرك , لقد لاحظ البعض هنا نشاطك في اللعبة فبدئوا في البحث و التقصي عن أخبارك . ما وصلوا إليه هو أنك تلعب في مدينة منف , فهي المدينة الوحيدة التي لا تحتوي على أي لاعب يتحكمون به . لذا أرسلوا لاعبا ليلعب في أحد القرى التابعة للمدينة و في غضون يومين سيكون هناك .

ضحك إبرو على ما سمعه بشكل أغضب آية للغاية منه لكنه سارع بالقول :

-لا تغضبي , هل نسيتي أنني في مدينة إهناسيا الآن و لست في منف ؟ لقد أخبرتك بهذا من قبل . هل نسيتي ذلك ؟

أجابته آية بغضب :

-لا لم أنسَ , لكن بحثهم عنك يتضمن الواقع أيضا . هل أنت أيضا مختفي جيدا في مصر بحيث لا يقدرون على إيجادك ؟

لم يجبها إبرو مباشرة لكنه اكتفى بغمزة من عينه اليمنى أثار حنقها أكثر و أكثر ليجد إبرو المحادثة معها قد انتهت من طرفها بشكل مفاجيء . تسمر في مكانه قبل أن يتمتم بخفوت :

-إنها مجنونة ! إنها بالفعل مجنونة !

لم يعرف من قبل أن لها مزاجا حادا بهذا الشكل . ظل إبرو واقفا في مكانه للحظات يستوعب ما قامت به آية تجاهه . حاول بعدها محادثتها أكثر من مرة ليجدها ترفض المحادثة كل مرة . تنهد في ضيق ثم قرر تركها فترة لتهدأ . تلفت حوله في سرعة ليجد المكان خاويا من أي شخص عداه ليشعر مجددا بالوحدة . شتان ما بين الحال هنا و الحال في شونتي . قرر أن يقوم بالخروج من اللعبة . لقد فقد إحساسه بالوقت و لا يعرف كم من الوقت مر في الحياة الواقعية . عليه أن يأخذ قسطا من الراحة فمستواه الحالي يضمن له الأفضلية على الجميع . كذلك هو بحاجة للضغط على أولئك الرفقاء الكسالى حتى يعيدهم إلى الدرب الصحيح . اختار إبرو قائمة اللعبة و قام بالضغط على زر الخروج منها . ما أدهشه أنه لم يخرج من اللعبة للواقع لكنه عاد من جديد للعالم الذي قابله أول مرة دخل فيها اللعبة . تلفت حوله في دهشة ليجد هالة الضوء تظهر بسرعة من بعيد أمامه . في غضون لحظات تجسدت آليتا الفتاة التي قابلته حين بدأ اللعبة . كان إبرو مصعوقا لوجوده في هذا المكان للدرجة التي لم يتسمر كعادة كل اللاعبين الذكور أمام جمال آليتا . أول ما نطقه لها كان سؤالا مباشرا :

-لماذا أنا هنا ؟!!

-مرحبا بك أيها اللاعب إبرو . لم يفت وقت طويل على رؤيتك و الآن لقد وصلت إلى هذه المرحلة .

شعر إبرو بالحيرة حيث قال مستفسرا :

-أي مرحلة ؟

-مرحلة إكتشافك لأسرار عالم ريونيد .

لم يكن إبرو متفائلا من الطريق الذي ينحاه الحديث حيث قال بتوتر مستفسرا :

-ما علاقة معرفتي بأسرار عالم ريونيد بوجودي في هذا المكان ؟ لقد طلبت الخروج من اللعبة و الآن أنا هنا !

-لا تشعر بالتوتر يا إبرو . عادة حين يذهب أحد إلى عالم ريونيد و يعرف أسراره إما أن يموت هناك و يفقد ذكرياته و إما أن يختار يبقى هناك للأبد , تلك هي القواعد .

-لا أفهم ما الذي يجعل أحد يختار البقاء في هذا المكان الخطير .

-لا تتسرع بالحكم عليهم فكلهم مجبرون على فعل ذلك . أعتقد أنك من خلال معرفتك بعض أسرار ريونيد اكتشفت أن اللعبة التي تلعبها منتشرة في كواكب كثيرة . كذلك أعتقد أنك قد خمنت أن عمر هذه اللعبة قديم للغاية .

تردد إبرو قليلا ثم أومأ برأسه , فهو بالفعل قد خمن كل ذلك . تابعت أليتا حديثها قائلة :

-ما لا تعرفه أن هدف اللعبة الأصلي ليس مجرد اللعب و الترقي في المستوى . هدف اللعبة الأساسي متعلق بالغزو الذي قدم إلى هذا العالم منذ سنوات طويلة لا أعرف عددها تحديدا .

كان هذا أيضا ضمن ما خمنه إبرو من قبل . لم يتحدث و ظل صامتا منتظرا القنبلة التي ستلقيها أليتا في وجهه . لم ينتظر مطولا حيث قالت أليتا :

-لهذا السبب وضعت قانونا منذ البداية أن من يدخل في عالم ريونيد و يعرف أسراره حينها يجب عليه أن يظل هناك . لكن حتى أجعل كل اللاعبين يرضخون لهذا الأمر قمت بمنع خروجهم من اللعبة إن عادوا لعالمهم الأصلي . لهذا السبب لن تقدر على الخروج من اللعبة طالما أنت في أحد نطاقات عالمك الأصلي . و في هذا حماية لك ولعالمك يا إبرو .

صدمه ما قالته أليتا كقنبلة كمية فتاكة ! إنها تخبره أنه لن يقدر على الخروج من اللعبة طالما هو في أحد مدن عالمه . إذن كيف سيخرج من اللعبة إذن ؟ و ما علاقة ذلك بحمايته و حماية الأرض ؟ شعر أنه تائه و لا يفهم من كلماتها شيئا . جال بخاطره أن ذلك ربما مكيدة أخرى من اللعبة تجاهه , لكنه تخلى عن تلك الفرضية خاصة حين تذكر وجود هذا العدد الهائل من البشر في عالم ريونيد و الذين رآهم في مدينة شونتي . فما الذي يجعلهم يبقون في ريونيد و لا يعودون إلى عوالمهم ؟ لو صحت كلمات أليتا فهذا يقدم مبررا منطقيا لتلك النقطة التي حيرته من قبل .

-هل يمكنني الخروج من اللعبة حين أذهب لعالم ريونيد ؟

-بالطبع يمكنك ذلك .

-لكن مستواي الآن ضعيف للغاية يا أليتا .

-هذه مشكلتك , فأحيانا الطمع يكون سببا في دمار الفرد .

صمت إبرو محاولا الإلمام بأبعاد الكارثة التي هو فيها الآن . سبب كل ما حدث له بدأ منذ قرر أن يقوم بتدمير القرية و ليس السيطرة عليها . تذكر مجددا تحذير اللعبة له . على ما يبدو أنه اكتشف سمة جديدة في نفسه لم يكن عالما بها من قبل , فهو عنيد و يكره أن يقوم أحد بالسيطرة على قراراته , كذلك على ما يبدو أنه يحب الإنتقام ممن يحاولون أذيته مهما كانوا , حتى لو كانت اللعبة نفسها , حتى لو كان نتاج ذلك كوارث جمة كالتي هو فيها الآن . سبب آخر جعله يصل إلى موقفه الصعب الحالي و هو عدم معرفته الكاملة لكل أسرار عالم ريونيد , حتى شخص مثله عاد من المستقبل لازال يكتشف هذه اللعبة و أسرارها الدفينة و التي على ما يبدو مخفية بشكل إحترافي يصعب على أي شخص أن يجدها بسهولة . ما لفت إنتباهه حين استرجع كلماتها هي طريقة الحديث التي تتحدث بها إليه . إنها تتحدث بطريقة تختلف جذريا عن طريقة أليتا المشهورة في حياته الماضية . إنها تبدو كشخص مختلف تماما .

-هل يمكنني أن أسأل عن هويتك ؟

ما إن ألقى بسؤاله حتى وجد ملامح أليتا المعروف عنها الجمود و السكون تتبدل إلى إبتسامة واسعة سرعان ما تحولت لضحكة عالية أتبعتها بالقول في نبرة حملت مرحا غريبا :

-أنت ذكي يا إبرو . أنا بالفعل لست أليتا , أو يمكنك اعتبار أن أليتا هي جزء بسيط مني .

حين فكر قليلا في كلماتها استنتج حقيقة مذهلة , فقال في دهشة :

-هل أنتِ ريونيد ؟

-أنت ذكي و لماح كذلك ! لنقل أنني من يمكنك وصفه بريونيد .

صمت إبرو قليلا ليفكر في المعلومات التي قالتها لتوها . إن اللعبة نفسها تتناقش معه بشأن عدم مقدرته للخروج منها طالما هو في عالم الأرض . الآن فهم بشكل واضح السبب الذي جعل أولئك الناس يبقون في ريونيد . لكنه ضعيف للغاية و إن عاش هناك فمستواه سيقل جدا و سيفقد ميزته عن غيره , ناهيك أن المستوى الخاص به في ريونيد لا يؤثر على مستواه في اللعبة هنا . فحتى لو صار رجلا قويا في المستوى المئتين مثلا في ريونيد فسيظل دوما اللاعب الضعيف ذي المستوى الخامس عشر في الأرض . كذلك إن كان حاله هكذا فماذا عن آية ؟ لقد أخبرها بكل ما يعرفه عن أسرار ريونيد , فهل قام بلعنها أيضا ولن تقدر على الخروج من اللعبة ؟ أصعقه هذا الإحتمال , فلو كان صحيحا لفقد كل مميزات عودته للماضي من المستقبل , بل و لقام أيضا بتدمير مستقبل آية معه . ما كان يحنقه أنه قد وضع خطط كثيرة لن يقدر الآن على تنفيذ أي منها . شعر بالتوتر و القلق يسيطران على عقله من جديد ليستفيق بغتة متذكرا المآسي التي مر بها و هو في مثل تلك الحالة . عليه الآن أن يعرف أغلب المعلومات الخاصة عن عالم ريونيد و عن أبعاد موقفه بالضبط حتى يمكنه الحكم بشكل أكثر واقعية , فربما يجد شيئا قد ينقذه من تلك الأهوال . كذلك فتلك المعلومات ستحدد مصيره و مصير آية !

-لدي أسئلة كثيرة أود طرحها , هل سأحصل منك على أجوبة ؟

-أنت تملك سمات قيادية ! هذا جيد . عالم ريونيد مليء باللاعبين لكنه فقير للغاية في القادة . أغلب من يعش هناك يهتم فقط بحياته دون أن يفكر في الصورة كاملة . هؤلاء هم السبب الرئيسي في تدهور حال عالم ريونيد . نحن بحاجة للقادة , القادة هم الأساس يا إبرو تذكر هذا دوما . أما عن أسئلتك فبما أنك انضممت رسميا لعالم ريونيد و تعرضت لما تسميه باللعنة فبإمكانك أن تسألني أي شيء شئت .

تسمر إبرو في مكانه للحظات ثم تسائل في ذهول :

-هل تقرئين أفكاري ؟

ضحكت أليتا ثم قالت بنفس نبرة المرح الغريبة :

-أنت تناسيت أنك جئت إلى هذا العالم عن طريق اللعبة التي أتحكم بها يا إبرو . لا أعرف فقط أفكارك بل أعرف أفكار الجميع .

هذه المرة كان مذهولا للدرجة التي شُُل عقله عن التفكير . أول شيء جال بخاطره بعد لحظات من الصمت هو عودته من الماضي , هل تعلم كذلك بذلك الأمر ؟

-لا تسألني عن ذاك فتلك نقطة ستعرف كل ما يتعلق بها في المستقبل البعيد . الآن اسألني عن شيء آخر .

2020/02/08 · 553 مشاهدة · 1524 كلمة
Ranmaro
نادي الروايات - 2024