ابتلع إبرو ريقه بصعوبة , فمن الصعب أن تكون أمام شخص يعرف كل أسرارك . لكنه فهم منها أن عودته من المستقبل لم تكن من قبيل الصدفة قط . بدأ يرتب أفكاره ببطء ثم أخذ يفكر في الأسئلة التي يمتليء بها عقله . طرح أول تساؤل قائلا :
-حين كنت في ريونيد أخبرني الحاكم بضرورة عدم تعرضي للقتل أكثر من عشر مرات في عالمي . لماذا هذا إذن ؟
-الحاكم محقا في تحذيره . ألم تتسائل لماذا أطلق الفيرازي اسم نرو على العالم المعروف بريونيد ؟
-بلى , لكني شعرت أن العالم ذاك قد يحوي على أكثر من اسم .
-هذا المارق لم يعني عالم ريونيد بوصفه ذاك , بل هذا هو اسم العالم الذي غزا ريونيد . هذا الخائن يعمل لحسابهم .
صمت إبرو قليلا محاولا التفكير في معنى تلك الكلمات دون جدوى فتسائل :
-وما علاقة ذلك بتحذير الحاكم لي ؟
-حين يأتي لاعبون من عوالم خارج ريونيد إلى ريونيد فهم يبدئون طريق إنتقال بين عوالمهم و ريونيد . كذلك هم يبدئون دون قصد منهم بوابة إنتقال بين عالم نرو لعوالمهم . أي أن بمقدور عالم نرو أن يرسل بعض من وحوشه أو عملائه لعوالم أولئك اللاعبين . إن نجحوا في قتل أحد لأكثر من عشر مرات في عالمه حينها يقدرون على التحكم في شخصية اللاعب نفسه , فيصبح اللاعب من أحد أتباع عالم نرو . أما اللاعب نفسه فيتعرض للموت فورا في الحقيقة . و نظرا لأن اللاعب قام بفتح بوابة الإنتقال من نرو فهم يستخدمون هذا اللاعب الذي أصبح كالدمية ليفتح لهم البوابة على مصراعيها .
-لكنه لا يعرف شيئا عن تلك البوابة .
-هو لا يعرف لكن وحوش نرو تعرف , كذلك لا تنسى أن اللاعب نفسه قد مات و أن من بجسده هو وحش من نرو . كل وحوش نرو يعرفون طريقة تشغيل البوابة و إن نجحوا في ذلك فسيتحول عالم ذلك اللاعب إلى خراب تام و سيموت كل اللاعبين فيه كما حدث للاعب نفسه .
شحب وجه إبرو في الحال ! هذه الكلمات لا تعني فقط أنه بمفرده عرضة للخطر و الموت الحقيقي بل كافة اللاعبين في اللعبة . نعم هو عاد من المستقبل محملا بضغائن عدة تجاه لاعبي بعض من الدول , لكن هو لا يرغب بالتسبب في سرطان يحتل الأرض بالكامل و يدمر الكوكب عن بكرة أبيه !
-لا تكن خائفا هكذا . حتى يقدر أحد من هذا العالم على عبور البوابة التي فتحتها يا إبرو فأنت بحاجة ألا تظل في عالمك فترة طويلة . تحديدا لا أحد يعلم مقدار الفترة بالضبط حتى أنا , لكن أقل الفترات دائما لا تزيد عن شهر . و أثناء كل تلك المدة عليك أن تظل حيا و ألا تتعرض للقتل أكثر من عشر مرات و إلا سيتعرض عالمك للدمار الشامل .
تذكر إبرو التردد الذي حال بالحاكم حين أخبره بضرورة عودته لعالمه . على ما يبدو أن الحاكم ود إخباره بتلك الأنباء الغير سارة لكنه خشى على عدم تصديق إبرو لذلك . الحقيقة أن الحاكم لو كان قد أخبره حينها لما صدقه قط ! الآن عليه أن يتعامل مع هذه الحقائق و يجب أن يبني حياته عليها ! الذهاب إلى خلف أسوار أبيدون فكرة حمقاء للغاية , يجب ألا يجعل أي من اللاعبين يقدم على هذا العمل قط حتى يكون الجميع في مستوى يسمح لهم بذلك . تذكر الشرط الذي أخبره الحاكم به , عليه أن يصل للمستوى المئة و خمسين حتى يقدر على حماية نفسه , أو بالأحرى على حماية الأرض ! لكن كيف عليه أن يفعل ذلك و لا يمكن له البقاء في ريونيد الأرض فترة لا تزيد عن شهر ؟ أي كلما مكث شهرا في اللعبة بريونيد الأرض عليه أن يتحرك منها نحو ريونيد ليقطع فترة تواجده في اللعبة .
-لا تقلق نفسك بكل هذه الأفكار , فأنت حالة خاصة يا إبرو . أما بقية اللاعبين فلن يقدر أي منهم على الحصول على عملة أبيدون إلا بعد وصولهم لمستوى معين .
تذكر العملات التي منحها لآية , عليه أن يسترجعها كلها .
-ماذا إن مت في عالم ريونيد ؟
-حينها ستفقد كل ذكرياتك المتعلقة بهذا العالم و ستعود من جديد للعب في عالمك الحالي .
-وماذا عن البوابة أو الطريق الذي قلت أنني فتحته ؟
-هذه البوابة معتمدة بشكل كامل على ذكرياتك يا إبرو , لذا حين تموت تفقد ذكرياتك حماية لعالمك من أي غزو من قبل نرو .
-إذن علي أن أموت مرة واحدة هناك فأعود طبيعيا ؟ حينها سأنسى كل شيء و أواصل لعبي كالمعتاد دون أن أتسبب في نهاية العالم .
-بالطبع نعم و للأسف لو كنت في مكانك لما اخترت هذا الخيار قط .
شعر إبرو بالغرابة لكن تشاؤمه عاد من جديد ليلوح له في الأفق . تذكر شيء ما حدث له أثناء وجوده في ريونيد فقال بمرارة :
-هل لأنك تواصلت معي هناك ؟
هزت أليتا رأسها نافية ثم قالت :
-لم أكن أنا التي تواصلت معك هناك .
-إذن من كان ؟
-إنه وعي ريونيد الأصلي الذي لازال باقيا يحاول حماية العالم من نرو .
شعر إبرو بالإرتباك أكثر فأكثر , فتابعت أليتا شرحها قائلا :
-إنني مجرد شيء قام بصنعه ريونيد من أجل خطته لحماية العالم . لكن حين تصل لعالم ريونيد لا أملك أي شيء لأفعله تجاه أي لاعب هناك , و إلا لقمت بتدمير كل الخونة الذين انقلبوا على قضيتنا و قاموا بالعمل لصالح نرو .
-إذن أنتِ تقولين أن ريونيد نفسه قد تواصل معي ؟
-بلى , و أنت حين تموت ستفقد ذلك التواصل معه , و ذلك لأنك ستفقد ذكرياتك كلها عن ريونيد .
حينما لاحظت تردد إبرو و عدم فهمه فتابعت موضحة :
-طيلة تاريخ ريونيد الطويل لم يقم وعي ريونيد قط بالتواصل مع أي لاعب . لا أعرف لماذا اختارك لكن يمكنني أن أقول لك و بكل ثقة أنك تملك فرصة لا تقدر بثمن . إن تخليت عنها فلن تخسر فقط تلك الفرصة بل كل عوالم ريونيد سيخسرونها . عليك ألا تفقدها يا إبرو قط .
لزم إبرو الصمت ليستوعب كم المعلومات المتدفقة عليه . إن ريونيد مؤسس مدينة أبيدون و أول من وطأت قدمه هذا العالم قام بالتواصل معه . لكنه تواصل معه على نفس هيئة اللعبة , فلماذا لم يتواصل معه شخصيا ؟ لم يحتج إبرو لطرح سؤاله فقد عرفته أليتا على الفور ثم قالت مجيبة عليه :
-فعل هذا ربما كي لا يجعلك تشعر بالحيرة أكثر . لا تنسَ أنك حينها كنت وافد جديد على العالم لا تعرف أي شيء و تحاول الهرب من كل ما يتحرك خوفا على حياتك . و ربما لأنه مات و ليس موجود على قيد الحياة . الحقيقة أنني لا أعرف الإجابة تحديدا فمنذ صنعني ريونيد و فقدت كل سبل التواصل معه . أنت أول شخص يتواصل معه بعد إختفائه يا إبرو .
ابتسم إبرو في مرارة ثم قال :
-هذا جيد , لكن حين أعود إلى شونتي سأموت إن خطوت بقدمي خطوة واحدة خارج أسوارها .
-لهذا السبب قام حاكم المدينة الحكيم بدفعك لوعده بعدم خروجك من المدينة حتى تصل لمستوى معين .
-لكني إن بقيت مكاني هناك فلن أقدر على الترقي قط !
لم تتحدث أليتا بل اكتفت بإبتسامة غريبة على وجهها . إبتسامة شعر معها إبرو أنه قد نسى شيء ما . هذه ليست المرة الأولى التي ينسى فيها أشياءه المهمة نتيجة استسلامه لمشاعره ! هدّأ كثيرا من روعه و أخذ يسترجع كل ما عرفه من معلومات بشأن ريونيد ببطء شديد و تركيز جم . بالفعل قد غفل عن نقطة في غاية الأهمية , أو بالأحرى نقطتين . نظر لأليتا كما لو اعتاد على قرائتها لأفكاره منتظرا إجابتها على سؤاله . لم تتأخر عن ذلك حيث قالت في سلاسة :
-السبب الذي جعل حاكم المدينة يخبرك بمدى سرعة وصولك للمستويات العليا هو بسيط للغاية . فأنت حين تعود من ريونيد محملا بذكرياتك و بكل تلك الأعباء الجمة نتيجة ما تعرفه تحصل على تعويض بسيط لذلك . كل خبرة تحصل عليها تصبح مضاعفة خمس مرات .
سارع إبرو بالتساؤل :
-هل لهذا وقت محدد ؟
-لا وقت محدد لذلك عدا أن تموت و تفقد ذكرياتك مرة واحدة حينها تفقد كل شيء .
-وماذا عن آية ؟
-إنها مثلك ستحصل على تعويض لكن خبرتها ستزداد ثلاث مرات فقط .
صمت إبرو و كاد أن يسألها عن السبب وراء الفرق بينه و بين آية لكنه فطن للإجابة على الفور . إن اللعبة تتحيز له هذه المرة و تريد مساعدته , ليس حبا فيه و لكن تقديرا لقيمته فهو الوحيد القادر على التواصل مع وعي ريونيد . بدأت ملامح خطة جديدة بالتجسد رويدا رويدا داخل عقله . بعد دقائق من الصمت و السكون التام ارتسمت إبتسامة واسعة على وجه إبرو في حين قالت أليتا و على وجهها أكبر إبتسامة رآها إبرو على ملامحها :
-لقد أخبرتك من قبل , عالم ريونيد بحاجة ماسة لقادة بمثل معدنك يا إبرو . بالتوفيق , سأقوم بإعادتك من جديد لمدينة إهناسيا . أنت تعرف ماذا عليك أن تفعله هناك .
أومأ إبرو برأسه في حزم , لقد قرر أن ينفذ خطته تلك خطوة بخطوة . لمع ضوء باهر من جسد أليتا ليغمض عينيه عنوة ثم يفتحها ليجد نفسه من جديد واقفا وسط الميدان الفسيح الذي كان قد غادره للتو . تلفت حوله و هذه المرة مشاعره المختلطة داخله تجعله غير قادر على الشعور بنفس سعادته حين عاد من ريونيد إلى هنا . أخذ نفسا عميقا و تذكر خطوات خطته . الأهم الآن هو أن يتيقن من وضع آية الحالي . رغم أنه فهم من تلميحات أليتا أن آية أصبحت في نفس الموقف الشائك مثله , إلا أنه تمسك ببصيص من الأمل . حاول التواصل معها لكنه وجدها رافضة لأي إتصال من قبله . هذه الغاضبة ستستشيط غضبا أكثر و أكثر إن كان حالها كحاله . تردد قليلا , هل ينتظر حتى تهدأ ثم يقوم بإغضابها مجددا أم يزيد من غضبها هذه المرة و هي مرة و ستنتهي ؟ مال أكثر للإحتمال الثاني فقام بإرسال رسالة قصيرة لها قال لها فيها أنه عرف بكارثة كبيرة تحيق به و بها و عليها أن تتواصل معه فورا حين تتلقى تلك الرسالة . لم يخبرها بأي شيء لكن بعدما أرسلها بثوان وجد طلب محادثتها أمامه . استقبلها ليجد ملامح الغضب لازالت ظاهرة عليها و هي تقول بصوت غاضب :
-هل قمت بإرسال الرسالة كي تدفعني للتواصل معك مجددا ؟