رغما عنه ابتسم إبرو من كلماتها ليجدها على وشك أن تقفل المحادثة فسارع بالقول في عجلة :
-لا تقفلي , حقا هناك كارثة كبرى تحيط بي و بكِ .
توقفت آية عما كادت أن تفعله و نظرت لإبرو في تساؤل و الغضب لازال باديا عليها :
-ما هذه الكارثة يا إبرو ؟
-لا أقدر على شرح كل شيء لكِ , فربما ستزدادين غضبا تجاهي .
جزت أية على أسنانها في حنق بالغ و هي تقول بكلمات بطيئة :
-أخبرني يا إبرو بما تعرفه حتى لا آت إليك و أقتلك بنفسي .
كانت ملامحها و طريقة حديثها طريفة للغاية له , لكنه تمالك نفسه عن الإبتسام مجددا حتى لا يجعلها تغلق المحادثة في وجهه . أخذ إبرو نفسا عميقا ثم قام بتلخيص ما قالته أليتا له بدون أن يخل بأي نقطة هامة . أثناء حديثه اختفى الغضب من على ملامحها لتظهر ملامح الخوف و الذعر لتصبح شاحبة للغاية حين انتهى من سرد كل شيء . تنهد بقلق قبل أن يقول :
-أعرف أنكِ الآن خائفة جدا , أنا مثلك تماما . هذا ذنبي لقد أخبرتكِ بكل شيء عن ريونيد و جعلتك تصبحين تحت وطأة الخطر .
ابتلعت آية ريقها عدة مرات و حاولت أكثر من مرة الحديث قبل أن تصمت مبتلعة ما أرادت قوله . بعد دقائق من الإرتباك البادي عليها قالت :
-أنت لم تكن تعرف كل هذا حين أخبرتني عن ريونيد يا إبرو ؟
-أقسم أنني لم أعلم أي شيء و لم أشك قط أن إخباري لك قد يتسبب بتلك المصيبة !
أخذت آية نفسا عميقا ثم قالت بهدوء غريب :
-إذن لست غاضبة منك . الآن يجب أن أعرف هل أنا في نفس موقفك أم لا . ثم علينا بعدها التفكير فيما سنفعله لاحقا .
اكتفى إبرو بإيماءة من رأسه فهذه هي أهم خطوة الآن . لم يخبرها بعد بخطته الخاصة فربما لا تكون في حاجة لها . أغلقت آية المحادثة ثم اختفت لدقائق طويلة . ظل إبرو منتظرا عودتها بفارغ الصبر . بعد نصف ساعة كاملة عادت لترسل له طلب محادثة من جديد ليجد ملامحها لم تتبدل قط . لم يكن بحاجة لمعرفة الإجابة فملامح الذعر الذي عليها إجابة كافية للغاية . أخذ إبرو أنفاس عدة , فلقد صارت هي كذلك معه في نفس القارب . أخبرها بعدها بخطته التي انتواها . لم تقاطع حديثه حتى انتهى منه ثم قالت في هدوء :
-خطتك جيدة يا إبرو . أعتقد أنها ستكون مناسبة للوضع الذي نحن فيه الآن .
-علينا أن نتكيف يا آية . الآن نحن نختلف عن كل لاعبي اللعبة . علينا أن نفكر بشكل مختلف عن الجميع .
-معك حق . متى تنوي أن تبدأ خطتك ؟
-الآن . سأعود أدراجي لمدينة شونتي و سأقوم بإقتناء عدد كاف من لفافات العودة للمدينة من أجلي و أجلك .
-وماذا عن عملات أبيدون التي معي ؟
-ابقيها معكِ بأمان حتى أعود خاصة أن من ضمنها عملتي الخاصة .
-لكني لا أعرف ما هي عملتك الخاصة , فكلهم متماثلين تماما .
ضحك إبرو بمرارة و هو يقول :
-أنا أيضا لا أعرف . لهذا حافظي عليهم جميعا .
-وماذا عن عملتي التي سأدخل بها عالم ريونيد ؟
صمت إبرو قليلا ثم قال :
-سأحاول البحث في هذا الأمر حين أعود لشونتي . ربما يملك الحاكم إجابة على هذا السؤال.
ترددت آية قليلا ثم قالت ببطء :
-اعتني بنفسك يا إبرو هناك .
ابتسم إبرو بسعادة مغايرة للموقف الذي هما فيه الآن . فقد أسعده شعوره بخوف آية عليه , رغم أنه كان يتوقع ردة فعلها أن تكون مختلفة تماما عما يراه أمامه لكنه غير مستاء من ذلك . قال لها بنبرة إمتنان واضحة :
-أعدك أن أعود على قيد الحياة . لا تقلقي فالمدينة محمية بشكل قوي للغاية .
-أتمنى ذلك يا إبرو .
نظر لها نظرة طويلة قبل أن يغلق المحادثة معها . نظر للسماء الصافية بالأعلى في صمت و عقله لا يفكر في أي شيء بينما قلبه تزداد ضرباته بشكل ملحوظ للغاية . هز رأسه في قوة ليزيح كل تلك المشاعر المتضاربة عنه , هذا ليس الوقت المناسب لذلك . عليه بالتفكير في خطواته التالية . بحث في مخزنه ليتذكر أنه لم يستخدم بعد النقاط الخاصة بترقيه في المستوى , فقام بفتح صفحته الخاصة ليجد شيئا غريبا ! من المفترض أن يحصل على كل مستوى يرتقي فيه على عشرة نقاط , لكن أمامه وجد هذا العدد مضاعفا عشر مرات ! هل عنت أليتا بتعويض اللعبة له أن يحصل على عشرة أضعاف النقاط الخاصة حين يترقى في المستوى ؟ لم يكن مستاءا من تلك المفاجأة الصغيرة , فهي ستعينه للغاية في طريقه الطويل . قام في سرعة بتوزيع النقاط كما خطط من قبل . حين انتهى تذكر خطته القديمة و الخاصة بمهنته و مهنة آية و بقية الرفاق . حين تذكر أولئك الكسالى جال بخاطره لوهلة أن يمنحهم تلك العملات عقابا منه لهم على تقاعسهم . لكنه سرعان ما تراجع , هذا ليس عقابا بسيطا بل لعنة أبدية . عليه أن يفكر مليا قبل أن يمنح أحد ما العملة , فربما يكون هذا الشخص مختلا عقليا و يؤدي لدمار الأرض تماما ! أفزعه هذا التفكير فقرر ألا يستخدم هذه العملات إلا بحذر بالغ . الحل الأمثل في نظره هو أن يخبئ تلك العملات في مخزنه الخاص بإهناسيا . فهذا المخزن سيكون بمثابة بوليصة تأمين له و لآية على حياتهما . عاد لينظر من جديد نحو مخزنه الخاص و قام بالتقليب بين اللفائف الكثيرة التي تملؤه حتى وجد لفافة العودة لمدينة شونتي . عليه أن يعود أدراجه إلى هناك ليعرف المزيد عن تاريخ هذا العالم ثم يقوم بشراء مجموعة من لفافات العودة للمدينة و بعدها يعود أدراجه لإهناسيا . أخرج اللفافة الخاصة بشونتي و كاد على وشك تمزيقها ليتذكر نقطة هامة غابت عن عقله , إنه لا يمتلك لفافة عودة لإهناسيا ! على الرغم من توفرها في شونتي لكن هي باهظة الثمن للغاية ! هو بحاجة لملئ مخزنه الشخصي بتلك اللفافات قدر المستطاع , سواء له أو لآية . تحرك في سرعة متجها صوب أحد الشوارع المتفرعة من الميدان ليجد محلا خاصا لبيع اللفائف السحرية . لم يكترث لتفحص اللفافات الموجودة بالمكان ولم ينتبه لطريقة تعامل الأغو الذي يمتلك المحل بشكل يحمل إحتراما بالغا له , كان تفكيره و تركيزه كله منصبا على اللفافات الخاصة بإهناسيا . قام بشراء رزم كبيرة منها ليتجاوز عدد اللفافات في مخزنه قرابة المئتي لفافة . قام بعدها بإرسال مئة منها لآية . لم يكن بحاجة لشرح أي شيء فهي بالتأكيد ستخمن الهدف منها . بعدها أمسك بلفافة شونتي و قام بتمزيقها في سرعة . في غضون ثوان خمس أحاطت به هالة من الضوء الأبيض المعتم ليختفي داخلها بعد خمس ثوان ليجد نفسه في ميدان مشابه لما كان فيه لكنه كان أكثر إتساعا , و المباني حوله كانت أكثر ضخامة و فخامة و قدما عن مثيلاتها في مدينة إهناسيا . تلفت حوله ليجد الزحام الذي كان يفتقده في إهناسيا ليسأل نفسه : لماذا يشعر بالراحة لوجوده في هذا العالم ؟ هل مقدر له بالفعل أن يكون له دورا هاما في تحديد مصير ريونيد ؟
-مرحبا بك , أنت سيد إبرو أليس كذلك ؟
نظر إبرو تجاه الصوت الذي يحدثه ليجد شابا في مقتبل العشرينيات يقترب من عمره كثيرا يتحرك وسط الحشد المكتظ بالمكان بصعوبة . الإنطباع الذي اكتسبه إبرو عنه أنه شخص متهور من خلال إندفاعه عبر الحشود بدون تمهل . كذلك شعر من خلال عدم تنسيق ملابسه الواضح أنه إنما جاء إلى هنا في سرعة بالغة قبل أن يقوم حتى بتنظيم ملابسه أو أنه ذي طبيعة غير منظمة . لم يعرف من هو لكنه خمن هويته , مؤكد أن حاكم المدينة قد أرسله لإستقباله حين يعود . هل كان الحاكم متيقنا من عودته بتلك السرعة ؟
-بلى أنا إبرو , من أنت ؟
وصل الشاب إلى إبرو بصعوبة ثم قال و هو يأخذ أنفاسه بشكل سريع :
-اسمي ميلار , و قد أرسلني الحاكم لإستقبالك حين تعود إلى المدينة .
ابتسم إبرو في مرارة فقد صح تخمينه . قال في فضول :
-لم أخبر الحاكم أنني سأعود بتلك السرعة , كيف خمن ذلك ؟
-لا أعرف , فلم يخبرني الحاكم بأي تفاصيل عدا أنني يجب أن أسرع للميدان الكبير هنا لأنتظرك .
-وكيف علمت أنني هذا الشخص الذي تنتظره ؟
-لقد أخبرني الحاكم أن مستواك ضعيف مقارنة بالجميع لذا كان من السهل علي أن أجدك . ألا تلاحظ نظرات الجميع نحوك ؟
نظر إبرو حوله ليكتشف أن كل من بالميدان ينظر نحوه نظرات شك و دهشة . على ما يبدو أن سمته في هذا العالم أنه ضعيف للغاية . تذكر أن مستواه قد تجاوز الثمانين لكنه لم يقم بعد بإستخدام نقاطه . لم يكن هناك وقت لإضافتها لكنه كان شغوفا لمعرفة إن كانت سيتم مضاعفتها كما هو الحال في عالمه . نظر لميلار الذي بدا غير مكترثا بوجود إبرو في المدينة على نقيض التعامل الذي رآه من الحاكم و أعوانه . ربما خطط الحاكم لذلك حتى يبعد الشبهات عن إبرو الذي قال :
-الآن ماذا سنفعل ؟
ابتسم ميلار إبتسامة كلها فخر ثم قال مشيرا لنفسه :
-سأقوم بأخذك في جولة بالمدينة , فالحاكم أخبرني أن هذه هي أول زيارة لك بها . كذلك سنقوم بعدها بإنتقاء مكان مناسب لك لتقطن فيه . لا تقلق فطالما أنت معي لن تشعر بأن هذه المدينة غريبة عليك , بل ستعتبر شونتي بيتك .
لم يشعر إبرو بالثقة التي تحملها كلمات هذا الشاب الأرعن لكنه تجاوز شعوره و بدأ يسير خلفه . كان ميلار يصطدم بمن حوله بمعدل شخص كل ثانية , بدا ككارثة تسير على الأرض ! تنهد إبرو في إستسلام , فهو لا يقدر على توجيه أي نصيحة لهذا الشخص في مكان لا يعرفه كهذه المدينة . شعر أنه حتى لو حاول فإن محاولاته ستفشل . أخذ يسير بتؤدة متبعا خطوات ميلار المتعثرة فيمن حوله حتى خرجوا من نطاق الميدان الضخم . سار ميلار في شارع عريض للغاية على جانبيه بيوت مبنية من معدن يمتاز بما تمتاز به معادن ريونيد , إنها تنبض بألوان مختلفة من داخلها .
-هذا الشارع أهم شارع في المدينة , إنه يعتبر الشريان الرئيسي للمدينة فهو يبدأ من البوابة الشرقية للمدينة و هي البوابة الرئيسية لشونتي ثم يمر عبر القسم الشرقي و الشمالي للمدينة ثم يجتاز بعضا من القسم الغربي قبل أن ينتهي في الميدان الكبير . هذا الشارع اسمه شارع المجد نظرا لأنه قديما سارت عليه جيوش شونتي لتقوم بتدمير كل الوحوش الموجودة في القرية القديمة و التي تحولت بعدها لهذه المدينة العظيمة .
-هل كانت هذه المدينة قرية قبل ذلك ؟
-بلى , فأغلب المدن في ريونيد عادة ما بدأت كقرية احتلتها وحوش نرو بعدها تم تحرير هذه القرى و تحولت للمدن العظيمة .
-هل لازال هناك قرى محتلة من وحوش نرو ؟
-للأسف نعم , خاصة في النطاق الحدودي المتاخم لسور أبيدون .
فكر إبرو قليلا ثم ألقى بسؤاله لميلار قائلا :
-معي خريطة خاصة بعالم ريونيد . لكن في الخريطة لم أجد أي علامة لأي قرية في هذه المنطقة التي أشرت لها يا ميلار .
-هذا لأننا لا نعترف بوجود هذه القرى كذلك لا يوجد حصر فعلي كامل لعدد القرى المحتلة من قبل نرو . هناك أقاويل قديمة تقول أن تلك القرى أسستها وحوش نرو و لم تكن موجودة من قبل في ريونيد , لكن لا أحد يقدر على معرفة حقيقة ذلك .