شعر إبرو بالغرابة , هل بالفعل هذه القرى جاءت من قبل عالم نرو ؟ هذا يعني أن كل مدن اللعبة في الأرض و في العوالم المختلفة تم بناءها على أسس تكنولوجيا نرو . على ما يبدو أن ماضي هذا العالم أعقد مما كان يتخيل .

-كيف إذن يمكنكم معرفة أماكن تلك القرى ؟ فمن الطبيعي أن تكون مناطق خطرة ولا يسمح للتواجد فيها عن طريق الخطأ .

-أنت محق , فهذه القرى تعتبر بؤر خطرة للغاية . كل من حاول دخولها من قبل لم يعد أدراجه قط ! لا أحد يعلم لماذا صمدت تلك القرى حتى الآن . قديما أرسلت أبيدون جيوشا لتحرير القرى من قبضة الوحوش , بعدها تم تأسيس هذه المدن العظيمة . بعد وقت طويل تم إرسال جيوش أخرى لتحرير ما تبقى من قرى عالمنا لكن للأسف تخلو اللفافات التاريخية عن أية تفاصيل لتلك المعارك . فقط جميعها تشتمل على عبارة واحدة : هزيمة نكراء !

توقف إبرو لينظر بدهشة نحو ميلار و هو يقول متسائلا :

-لم توجد أي تفاصيل بشأن تلك المعارك ؟ هذا غريب يا ميلار .

-لم يعش أي فرد ذهب لتلك المعارك حتى يقص علينا أحداث ما جرى .

-لم يعد أي شخص قط ؟! أليس هذا بغريب ؟

-بلى , لكن بعد تدمير تلك الجيوش الكبيرة لم تجرؤ أي مدينة على إرسال جيوش أخرى حتى الآن .

فكر إبرو قليلا ثم قال :

-لقد لاحظت أن مستوى الجميع هنا مرتفع للغاية كذلك أغلبهم يمتلك معدات أسطورية . لماذا لا يقدرون على تجميع جيوش من جديد ؟

-هذا لأن وحوش نرو تتميز بالقوة الشديدة . لا يغرك المستوى المرتفع للجميع هنا , ففي الأغلب لا نقدر على صد هجوم وحوش نرو علينا إلا بصعوبة .

تسائل إبرو مستفسرا :

-هل تقوم الوحوش بالهجوم على المدن ؟

-بلى , كل شهر تقوم الوحوش بالهجوم على كل المدن الحرة التابعة لسلطة أبناء ريونيد . لهذا السبب نفقد بشكل دوري عدد كبير من المقاتلين المهرة و هذا ما يجعلنا أكثر ضعفا مع مرور الوقت . أما عن تلك المعدات التي تتحدث عنها فهي تكاد تكفي لجرح أي وحش من نرو , لكن لقتلها علينا أن نتكالب بأعداد كبيرة عليها حتى نقدر على قتلهم .

فكر إبرو قليلا ثم تسائل :

-وماذا عن اللفافات الأسطورية ؟

ضحك ميلار بمرارة غريبة ثم قال :

-هذه اللفافات قوية للغاية لكن للأسف عددها نادر جدا ! أغلب اللفافات الموجودة الآن تعتبر إرثا من قديم الزمان و من يملك واحدة منها لا يقدر على إستخدامها حتى لو كان على وشك الموت . ‍

تذكر بالري و اللفافة الأسطورية التي وجدها معه و لم يستخدمها ولو لمرة واحدة , كذلك تذكر اللفافة التي منحها إياه حاكم المدينة . شعر أن ميلار صادق تماما فيما قاله له , لكن لو كان إبرو في مكان أي مقاتل هنا لما تردد في استخدام تلك اللفائف على الفور . حين فكر في كلمات ميلار متجاهلا الوصف المسهب الذي كان يقوله عن تاريخ كل منطقة في المدينة وجد أن المعضلة الأساسية تكمن في قلة عدد من يأتي لعالم ريونيد خاصة أن من يموت مرة واحدة يفقد كل ذكرياته عن المكان و بهذا يفقد ريونيد دوما بشكل ثابت قوته الأساسية و من ينضم إليه من العوالم الجديدة لن يكون كافيا لتعويض هذا العجز . تذكر كذلك مهنة الفوراز , فعلى ما يبدو أن لهم دورا خطيرا في تقليص هذا المدد بشكل كبير . الآن فهم مدى صعوبة تكوين جيش للهجوم على تلك القرى حول سور أبيدون . فكر كذلك في صعوبة صنع اللفافات السحرية . لكي يقوم ساحر بصنع اللفافات يجب أن يكون مستواه قد تجاوز المئة حتى يقدر على صنع لفافات من النوع البلاتيني , أما الأسطوري فقد خمن البعض قديما أنها بحاجة لمستوى يفوق المئتين . أما عن المواد المستخدمة في صنعها فعادة ما تكون من المستوى الأسطوري و هذا ما يمثل الصعوبة الكبرى لصنع اللفافات . فمستوى الجميع هنا يجعلهم قادرون على صنع اللفافات بسهولة , لكن على ما يبدو أن المواد الضرورية ليست متوفرة بشكل كامل هنا . فجأة لمع في عقله اسم مكان قد تردد في الآونة الأخيرة باللعبة قبل أن يعود للماضي . كان هذا المكان قد اكتشفه بعض من لاعبي النطاق الصيني من قبيل المصادفة و هو عبارة عن بوابة إنتقال لمكان اعتبره البعض سرداب أسطوري لكنه بعدما عرف خبايا عالم ريونيد أصبح غير متفق على تلك الآراء . ذلك السرداب هو عالم كامل يشبه عالم الأرض . لكن المميز في هذا العالم هو خلوه من السكان المحليين إلا ما ندر و هم عادة في مستوى متدني للغاية و يتميزون بطريقة حركة غريبة تشبه الزومبي في أفلام الرعب . يتميز هذا المكان بوفرة المواد الخام الخاصة باللعبة . لذلك أصبح هذا السرداب بمثابة الشرارة التي أشعلت فتيل حروب عالمية في اللعبة آنذاك . ما كان يتذكره حينها أن السبب الرئيسي الذي ولد هذا النزاع الضخم إكتشاف أولئك اللاعبين الصينيين لمناجم عملاقة لمواد تصنف على أنها من المستوى الأسطوري أو ما يفوق ذلك . للأسف طريقة دخول هذا العالم لم يتم كشفها عبر المنتديات حينها نظرا لأن الجميع اعتبرها سرا حربيا خطيرا , لكن هو ليس بحاجة لمعرفة تلك الطريقة . فقط عليه أن يسأل حاكم المدينة عن لفافة الذهاب لذلك العالم و سيقوم حينها بالسيطرة على موارد هذا العالم و إحتكاره . جال بخاطره أنه ربما لا يكون هذا العالم متفردا بذاته و ربما تكون هناك عوالم كثيرة تشبهه , لكن معلوماته محدودة فقط بهذا العالم . رغم أنه قد وضع خطة من قبل لتنفيذها مع آية لكنه نحاها جانبا الآن , فأمامه فرصة ثمينة عليه إقتناصها في أسرع وقت ممكن . نظر لميلار الذي كان منغمسا في حديثه عن تاريخ منطقة ما بالمدينة لم يهتم إبرو بشأنها ثم قال مقاطعا ثرثرته بهدوء :

-هل يمكنني رؤية الحاكم ؟

توقف ميلار و نظر لإبرو نظرة مريبة ثم قال مستفسرا :

-هل تريد رؤيته الآن ؟

أومأ إبرو برأسه فصمت ميلار قليلا قبل أن يقول :

-لقد أخبرني الحاكم أن بإمكانك رؤيته إن كان هناك ضرورة ملحة في ذلك .

-هناك ضرورة ملحة الآن يا ميلار . هل يمكنك أن تأخذني إليه ؟ فلازلت غير معتاد على المدينة و شوارعها .

صمت ميلار مترددا . لم يندهش إبرو من ذلك , فمنصب هام للغاية كحاكم مدينة عملاقة كتلك دائما ما يكون مشغولا و ليس متفرغا . بعد فترة من التردد قال ميلار :

-حسنا , سأخذك إلى هناك .

كانت رحلة الذهاب لمقر الحاكم طويلة و مملة بالنسبة لإبرو الذي تجاهل كم الكلام الذي ألقاه ميلار في وجهه و بدأ يفكر في تنظيم كل ما يعرفه عن هذا العالم في رأسه . الحقيقة أن المعلومات المنتشرة آنذاك كانت بمثابة الترند المنتشر بغرابة بين جميع المنتديات . أغلب تلك المعلومات كانت توقعات و إشاعات بشأن هذا العالم لكن بعض منها كانت حقائق مسلم بها مثل ندرة عدد سكان العالم و خلوه من الوحوش بشكل عام . كذلك كانت هناك إشاعات بشأن أماكن كثير من المواد الخام و أنواعها لكن لم يقم أي ممن ذهب لهناك بتأكيد أو نفي تلك الإشاعات . لم يشغل باله بمثل تلك الأمور لكن ما كان يهمه هو أن يقوم بتنظيم معلومات المواد الخام التي كانت أسمائها غريبة عن آذان الجميع آنذاك . حين وصلوا إلى قصر الحاكم الذي قد زاره إبرو من قبل . لم يتوقف ميلار عن سيل الحديث حتى تسائل إبرو من أين يأتي بكل هذه الطاقة ! تحرك إبرو بخطوات سريعة قاطعا بوابة القصر الفخم دون أن يوقفه أحد , فعلى ما يبدو أن الحاكم قد أصدر تعليمات لحرسه بشأن إبرو , أو ربما لوجود ميلار إلى جواره .عبر بوابة المدخل نحو الردهة الفسيحة التي زارها من قبل ليجد الحاكم كما تركه , يتحدث وسط نفس الأشخاص الذين رآهم إبرو في زيارته السابقة. جاء ظهوره بغتة ليجذب أنظارالجميع إليه و معها سكتت كل الأصوات الموجودة في الردهة . تحرك إبرو مبتعدا عن ميلار مقتربا من الحاكم ثم قال مبادرا :

-مرحبا بك سيدي الحاكم . أعتذر عن دخولي هكذا في المكان لكن هناك أمر طاريء أريد أن أتحدث إليه معك .

رغم معرفته لاسم الحاكم إلا أنه قرر أن يحدثه دوما بلقبه إحتراما منه لمكانته و لأنه منذ أن رآه و هو يحاول على الدوام مساعدته . تنهد الحاكم كما لو خمن هدف زيارة إبرو له ثم قال في هدوء :

-كنت أتوقع زيارتك يا إبرو , مؤكد أنك تريد الحديث بشأن ما مررت به بعدما خرجت من هنا . اسمح لي بساعة أنتهي فيها من بعض الأمور الهامة ثم أتفرغ لك .

أدرك إبرو أن الحاكم يظن أنه جاء كي يعرف تفسيرا لما مر به من قبل أليتا لكنه لم يأت ها هنا الآن بسبب هذا , الحقيقة هو تجاوز تلك الأزمة في سرعة و لا حاجة له للحديث عنها .

-لم أحضر من أجل هذا السبب سيدي الحاكم . لدي سبب أهم من ذلك بكثير .

-ما هو ذاك السبب يا إبرو ؟

نظر إبرو نحو الرجل الذي أحضر له اللفافات , فهو يعرف جيدا أن مهنته ساحر إن لم تكن مهنة مميزة ربما متفرعة منها . جذبت نظرات إبرو لهذا العجوز إنتباه جميع من حولهما , فقال في هدوء و تجاعيد وجهه تتحرك ببطء غريب :

-هل هناك خطب ما يا إبرو ؟

-أريد أن أسألك سؤالا يا سيدي , فهل سمحت لي ؟

-بالطبع اسأل ما تريد .

-أعرف أنك مسئول المكتبة في المدينة , و لهذا خمنت أنك ساحر و أن مستواك قد تجاوز حاجز المئتين . لذا سأتحدث قليلا قبل أن أسأل سؤالي فأرجو منك الصبر . ما أعرفه أنه كي تقوم بصنع لفافة أسطورية عليك أن تستعين بساحر يفوق مستواه المئتين و أن يكون هناك مجموعة كبيرة من المواد التي تحتاجها كل لفافة و يجب ألا يقل مستوى تلك المواد عن المستوى الأسطوري . فهل هذا صحيح ؟

لم تتبدل ملامح الرجل العجوز حيث قال بتلقائية بحتة مرتكنا على عصاته الغليظة القصيرة :

-بلى , أنت محق في كل تخميناتك يا بني .

-إذن سؤالي حول سبب ندرة اللفافات السحرية في عالم ريونيد . هل له علاقة بندرة المواد الخاصة لصنع كل لفافة ؟

لم يجبه العجوز مباشرة حيث تبادل النظرات الصامتة مع حاكم المدينة . لم يعرف إبرو ما معنى نظرته تلك . لم يكن إبرو مهتما بكل ذلك , هو بحاجة لإجابة منه لتأكيد تخمينه .

-بلى يا إبرو , فعالم ريونيد عالم قديم للغاية و موارده قد نضبت بشكل كامل منذ أمد بعيد .

نظر إبرو حينها للحاكم نظرة ذات مغزى فقال الحاكم في هدوء :

-لا تقلق يا إبرو , كل من يوجد في هذه الغرفة أثق فيه تماما .

ثم نظر نحو ميلار الذي شعر بالتوتر بغتة فقال بصوت بدا الإرتباك فيه جليا :

-لقد تذكرت أنني نسيت شيئا مهما سأضطر للذهاب إلى , حسنا سأذهب .

2020/02/08 · 506 مشاهدة · 1695 كلمة
Ranmaro
نادي الروايات - 2024