نظر الحاكم لإبرو في دهشة و قال متعجبا :

-هل تريد عشرة بالمئة من نسبة اللفافات التي نصنعها بموارد رينالت ؟ ماذا ستفعل بهم ؟

-فهمتني خطأ سيدي الحاكم , أنا عنيت عشرة بالمئة من كل اللفافات التي يتم تصنيعها بواسطة موارد جاءت من عالم رينالت و عوالم أخرى شبيهة به . فأنا صاحب الفكرة و لولاي لما كان لهذا المشروع وجود قط . نسبتي من هذا المشروع هي عشرة بالمئة .

لم يجبه الحاكم مباشرة لكنه أطال النظر نحو إبرو كما لو كان يعيد إكتشافه من جديد . لم يعرف إبرو إن كان سيوافق على طلبه أم لا لكنه كان مستعدا بشكل قوي للجدال و التفاوض بشأنه لكن تفاجأ بالحاكم يقول له :

-لا مشكلة , سأطلب من مساعدي تحضير وثيقة خاصة لهذا الإتفاق .

صمت إبرو لثانية ليستوعب فيها قبول الحاكم بسرعة لطلبه . هل كان عليه أن يطلب نسبة أعلى ؟ فكر في هذا الإحتمال و لام نفسه على طلبه المتواضع . لكن هون على نفسه أنه قد فاز بمنجم ذهب . ما سيعود عليه من مكاسب نتيجة تلك الإتفاقية سترسخ مكانه في هذا العالم . ابتسم للحاكم ثم قال :

-سأعود إلى هنا بعد ست ساعات لنتحرك بعدها نحو رينالت .

لم يبعد الحاكم نظره عن إبرو و هو يتحرك مبتعدا خارجا من الردهة . هذا الفتى قد فاق توقعاته و أثار فضوله في معرفة سبب طلبه الغريب . لم يكن الحاكم مندهشا من طلب إبرو مقابل خدمته العظيمة تلك , لكنه لم يتوقع أن يكون طلبه نسبة من اللفافات التي سيتم إنتاجها بواسطتهم . هو يعرف جيدا أن كم هذه اللفافات سيكون مهولا و سيصبح من يملك نسبة منهم ذي ثروة عظيمة إن قام ببيعهم . لكن شيء ما بداخله يخبره بأن إبرو لن يقوم ببيع أي لفافة منهم , فماذا إذن يحتاج إبرو هذه اللفافات ؟ تلك اللفافات خاصة بعالم ريونيد فقط و لن يقدر أي شخص على استخدامها خارج نطاق هذا العالم . هل لإبرو خطط خاصة به تجاه عالم ريونيد ؟ هذا ما أثار فضول الحاكم و جعله يوافق على طلب إبرو رغم أنه ذي تكلفة عالية بعض الشيء إزاء خدمته لهم لكنه يريد أن يعرف ماذا سيقدر على الصغير على فعله في هذا العالم الرتيب .

تحرك إبرو خارجا من القصر الكبير ليجد نفسه وسط متاهة من الشوارع التي لا يعرف عنها شيئا . هذه المرة افتقد ميلار بثرثرته التي لا تنتهي . سار في أحد الشوارع الكبيرة و حاول تخمين مكان المكتبة لكنه بعد نصف ساعة من السير استسلم و بدأ في سؤال من حوله . بعد وقت قصير عرف أنه في الشارع الصحيح لكنه كان يسير في الإتجاه الخاطيء , فقام بالعودة من جديد ليستغرق قرابة ثلاث أرباع ساعة حتى وصل في النهاية إلى مبنى عظيم بدا لإبرو أنه مجموعة من المباني ملتصقة ببعضها البعض . توقف أمام باب المكتبة العملاق و المفتوح على مصراعيه بدون أي حرس على خلاف المكتبات التي زارها في اللعبة من قبل . صعد الدرج المصنوع من حجر يشبه الرخام المصقول لكنه ينبض بلون فضي خافت من داخله . صعد الدرج القصير ليعبر مدخل المكتبة ليجد نفسه في ردهة عظيمة على هيئة نصف دائرة عملاقة تتخللها عدد من الطرقات ضيقة المساحة كثيرة العدد . أما في منتصف الردهة فهناك مكتب صغير يجلس عليه رجل يعتمر قبعة عريضة غريبة الشكل و أمامه عدد كبير من الأوراق التي يطالعها . تلفت إبرو حوله لكنه لم يجد سوى هذا الشخص في هذه الردهة فتحرك بخطوات واسعة و صوت أقدامه تصدح في المكان الخالي . وقف إبرو أمام الرجل المنهمك بتركيز غريب في قراءة الأوراق التي أمامه . بعد دقائق من الصمت و عدم التفات الرجل له تنحنح إبرو ليجذب إنتباه الرجل أخيرا . نظر الرجل له نظرة غريبة كما لو أن من أمامه كائن فضائي غريب بعدها تبدلت ملامح الدهشة من على وجهه لتحل محلها السعادة و هو يقول :

-أهلا و سهلا بك . نادرا ما يأتي شخص إلى هنا في الآونة الأخيرة فاعذرني لم أنتبه لوجودك .

لم يجد إبرو كلمات الرجل بغريبة فهو حين أتى إلى هنا لم يجد شخصا واحدا يدخل أو يخرج من المكان , هذا خلاف أن المكان خالي تماما من أي شخص عداه . نحى بتساؤلاته حول السبب الذي جعل الجميع يتجنب مكان مهم كالمكتبة ثم قال للرجل :

-كنت أريد شراء مجموعة من لفافات العودة للمدينة . بكم سعر اللفافة ؟

-أنت وافد جديد على المدينة ؟ مرحبا بك , بما أنك جديد هنا فسيكون لك خصم كبير على شرائك للفافات العودة للمدينة . سعر اللفافة الأصلي عشر عملات أبيدونية لكل لفافة لكنك يمكنك شرائها بعملتين اثنتين فقط .

-أريد عشرين لفافة إذن .

ظهر في يد الرجل في لحظة عصا خشبية طويلة مصقولة بعناية عدا نهايتها التي كانت متشعبة بشكل ذكر إبرو بالشعر المشعث له حين يصحو من النوم . بعدها تمتم الرجل ببضع كلمات لتظهر عدد من اللفائف بغتة أمام مكتبه . قام إبرو بمبادلة اللفافات بالعملات في حين قال الرجل بترحاب :

-يمكنك أن تحصل على خصم لشراء أي لفافة من هنا طالما لا تنتمي للفئة الأسطورية لمدة عام كامل . مرحبا في في مدينتنا شونتي .

-شكرا لك .

أجابه إبرو بإبتسامة مهذبة ثم تحرك مغادرا بهو المكتبة الفارغ ليجد نفسه من جديد وسط زحام الشارع الواسع . شعر بالتناقض بين حال الشارع و حال المكتبة , و تسائل في داخله إن كان من بالمكتبة يشعر بالملل من جراء هذا الخلو الغريب للزوار . نظر نظرة طويلة للمكتبة ثم أخرج لفافة عودة لمدينة إهناسيا من جديد . هذه اللفافات خاصة به و بآية . لم يعرف إن كان بمقدورها أن تنتقل لمدينة شونتي قبل أن تصل للمستوى العاشر لكن نظريا يمكن ذلك . ظهر من جديد في الميدان الذي اعتاده ثم فتح قائمة أصدقائه ليجد آية بمفردها . تذكر أولئك الكسالى من جديد و قرر أن عليه أن يلقنهم درسا حتى لا يضيعوا الوقت من جديد في اللعب و التسلية . قام بإرسال خمس لفافات عودة لآية التي سارعت على الفور بالإتصال به . قبل الإتصال ليجدها واقفة أمامه ممسكة بأحد اللفافات التي أرسلها لتوه و على وجهها إبتسامة غريبة .

-هل هذه هي لفافات عالم ريونيد يا إبرو ؟

-نعم , استخدميها للذهاب الآن إلى هناك حتى يمكنك أن تخرجي من اللعبة .

-هل تريدني أن أذهب الآن ؟

-نعم , ألا تريدين الخروج من اللعبة الآن ؟

نظرت آية نحو اللفافة بفضول أنثى و هي تقول :

-لكن هل يمكنني استخدامها قبل وصولي للمستوى العاشر ؟

-حقيقة لا أعرف , لكن ماذا سنخسر ؟ استخدميها و سنعرف الإجابة .

-لكن ماذا إن تلفت ؟ هذه اللفافة تبدو باهظة الثمن يا إبرو .

-لا تقلقي , فلدي عدد كبير منها و يمكنني أن أحصل على المزيد بسهولة . الآن جربيها .

-حسنا .

نظر إبرو بترقب و آية تقوم بتمزيق اللفافة أمامه . تغطت آية لخمس ثوان بهالة من الضوء الأبيض ليجدها قد اختفت بغتة من أمامه و معها انقطع الإتصال . لم يتأخر إبرو و قام بإخراج لفافة عودة لشونتي و قام بتمزيقها على الفور لتحيط به نفس الهالة . بعد ثوان خمس وجد نفسه وسط الميدان المزدحم من جديد . لم يجد صعوبة في إيجاد آية حيث جاء ظهورها ليصاحبه جلبة كبيرة نظرا لأن مستواها كان ضعيفا للغاية . تحرك إبرو مخترقا الحشود التي كانت تحيط بآية كما لو كانت شخصا غريبا و جذبها من يدها و تحرك في سرعة متجها خارج نطاق الميدان وسط نظرات الجميع نحوهما . لم يكترث بإبرو بنظراتهم و ما إن خرج من الميدان حتى تحرك إلى أحد الشوارع الجانبية المتفرعة من الشارع الذي دخلا فيه . ما إن اختفيا عن أنظار الجميع حتى تلفت إبرو ليجد آية على وجهها علامات الذعر و هي تقول :

-إبرو لقد حاصروني و أخذوا يلقون علي بأسئلة كثيرة . لقد شعرت بالخوف العظيم هناك .

شعر إبرو بالشفقة تجاهها , هو يتفهم مدى خطورة الوضع هناك . لو لم يظهر إبرو و يأخذها بعيدا عنهم لفكر الجميع أنها قد تكون عميلة لنرو و قد تكون العواقب حينها وخيمة . تنهد إبرو ثم قال محاولا طمأنتها :

-لا تقلقي نفسك كثيرا بما حدث , فهم ظنوا أنكِ قد تكونين عميلة لنرو . هذا رد فعل طبيعي لظهور شخص لا يعتادونه مثلكِ .

-هل سأتعرض لنفس الموقف كلما جئت إلى هنا يا إبرو ؟

صدمه سؤالها كالصاعقة . لم يفكر إبرو في هذه الفرضية من قبل . صمت قليلا ليجد الحل في سرعة . أخبرها عن العالم الذي سيذهب إليه و شرح لها تفاصيل الموضوع بشكل عام دون أن يخبرها بمصدر معرفته لمعلومات عالم رينالت . كلما تحدث أكثر كلما هدأت ملامحها و بدت أكثر طمأنينة من ذي قبل ثم قالت بعدما انتهى إبرو من حديثه :

-هل تريدني أن أذهب معك إلى عالم رينالت ؟ لكن هل يمكنني من هناك الخروج من اللعبة ؟

هز إبرو رأسه ثم قال :

-للأسف لا . كي نخرج من اللعبة يجب أن نكون في عالم ريونيد .

قبل أن تعاود ملامح الهلع الظهور على وجهها من جديد سارع إبرو بالإستطراد قائلا :

-لكن لا تقلقي , فحين تظهري هنا عليكي الخروج فورا من اللعبة أو نتفق سويا على الظهور في وقت واحد حتى أقدر على مساعدتك . كذلك حين تظهري بمفردكِ هنا عليكي استخدام لفافة العودة على الفور . سأتحدث كذلك مع حاكم المدينة كي يخبر الجميع بوجودك و هذا سيسمح للجميع يتقبلكِ .

-إن تدخل الحاكم سيصبح الموضوع أكثر سهولة .

-بالتأكيد . سأقابل الحاكم في غضون خمس ساعات تقريبا . عليكِ بالخروج من اللعبة و الإنتهاء من كافة الأمور الخاصة بكِ في الواقع و العودة إلى هنا في غضون هذا الوقت . بالمناسبة هذا رقمي الشخصي احفظيه و لا تخبري به أحد . قبل دخولك للعبة أخبريني و لن أدخل اللعبة قبل إتصالك بي .

-لا تقلق , لن أخبر أحدا برقمك مهما حدث .

2020/02/09 · 498 مشاهدة · 1553 كلمة
Ranmaro
نادي الروايات - 2024