قام بعدها بإخبارها مجموعة من الأرقام الخاصة بالهاتف الذي يحمله . رغم أنه يعرف أن في ذلك مجازفة إلا أنه يثق بها و يعرف أنها لن تقوم بإخبار أي شخص برقمه . بعدها شاهدها تغادر اللعبة و تختفي من أمامه ليقوم هو كذلك بإختيار الخروج من اللعبة ليجد نفسه داخل الكبسولة من جديد . أخذ نفسا عميقا فما حدث أثناء اللعبة رغم قصر الوقت إلا أنه كان كثيرا . فتح الكبسولة و خرج منها في سرعة فهو يعلم جيدا أن لكل ثانية ثمنها . أول شيء فعله كان فتح هاتفه و قام بالإتصال بأعضاء فريقه فردا فردا . كما توقع كانت أعذارهم جميعا واحدة , فهم قد انبهروا بجو اللعبة الغريب عنهم و انخرطوا في اللعب فيها و نسوا التواصل معه . قام بتعنيفهم بشكل جاد أخرج فيه كل الضغط العصبي الذي تعرض له أثناء اللعبة . بعدما وعدوه بالعودة للعبة فورا و إضافته لقائمة الأصدقاء و التواصل معه بشكل دوري حتى هدأت ثورة غضبه قليلا . ما ساعد على ذلك أيضا أن مستواهم في اللعبة كان حول المستوى السابع . هذا يعني أن أمامهم خمس أيام على الأكثر حتى يقدروا على الوصول للمستوى العاشر . نظر في ساعته فوجد نفسه قد استهلك قرابة ساعة من الحديث معهم . هذا ما يعني أنه ضاع من وقت اللعبة قرابة خمس ساعات كاملة .

من المفترض أن يقوم بالدخول في اللعبة الآن لكنه لازال منتظرا مكالمة آية له . أثناء إنتظاره لمكالمة آية لاحظ أن الغرفة التي هو فيها نظيفة تماما فأدرك أن عمال الفندق يأتون بإنتظام إلى هنا . لم يكترث بهم فهو واثق من أن وجوده لن يثير حاليا أي ريبة لدى أحد . فكر أن عليه أن يظهر كل بضعة أيام أمام الجميع حتى يعتادوا على روتين إختفائه داخل اللعبة عن أعينهم . فربما لو اختفى فترة طويلة لأثار ذلك شكوك البعض تجاهه . حينما رأى أن أمامه بضع من الوقت قبل دخوله للعبة قرر أن يطلب وجبة من الفندق ريثما تتواصل معه آية . في غضون دقائق كانت الوجبة أمامه في الجناح ليشرع في تناولها بنهم و رضا تام عن جودة الطعام في الفندق . بعدما انتهى من طعامه قام بطلب خدمة الغرف لأخذ بقايا الطعام . قام بالحديث كذلك مع العاملتين اللتين أتيتا إلى جناحه ولم ينسَ أن يذكر أنه منهمك في لعبه بالألعاب الأونلاين و التي يقتات منها قوت يومه . حاول أن يُظهر لهما صورة اللاعب المحترف بشكل كامل حتى يزيل أي ذرة شك قد تولدت لدى الموجودين في الفندق تجاهه . في النهاية بعدما ودعهما اكتشف أنه قد تجاوز الوقت المحدد للقاء الحاكم بكثير . شعر بالقلق يجتاحه بشكل مريب خاصة أنه قد أكد على آية أن تقوم

بالتواصل معه فور خروجها من اللعبة . نظر لساعة هاتفه من جديد ليجدها قد تجاوزت الساعتين . ندم حينها أنه لم يحصل على رقم هاتفها حيث كان بإمكانه أن يتصل بها . بدأت أفكار تشاؤمية تجتاح عقله و هو جالس في مكانه قبالة الكبسولة المفتوحة ممسكا بهاتفه في عصبية و كل ما تراه عيناه في شاشة هاتفه هي الساعة التي تشغل حيز صغير في القسم العلوي منها . بعدما مرت الساعة الثالثة دون أي إتصال من قبل آية لم يتمالك إبرو نفسه و قام على الفور بدخول الكبسولة ثم إغلاق غطائها ليدخل مباشرة في اللعبة . وجد نفسه قد ظهر في منطقة تقع إلى جوار الميدان الكبير الخاص بمدينة شونتي . كانت تلك هي البقعة التي اختفى هو و آية فيها خارجين من اللعبة . أول شيء فعله هو فتح قائمة التواصل مع أصدقائه ليجد طلبات صداقة من قبل أحد عشر لاعبا . لم يكترث إبرو لتلك الطلبات فهو يعرف أنهم أعضاء فريقه فقام بقبولهم بشكل تلقائي ثم بدأ يبحث عن اسم آية ليجدها غير موجودة في اللعبة . شعر بالقلق العارم و بدأ شعور سيء حيال ما حدث لآية يجتاحه في عنف . هل تم اكتشاف علاقتها به ؟ أم تم الشك فيها أنها تخفي الكثير عن الجميع ؟ هل هي الآن مسجونة ؟ هل سيقومون بقتلها ؟ بدأت سلسلة من الأفكار

السوداوية تضربه في قوة واحدة تلو الأخرى ليشعر معها أنه ورقة هشة وسط عاصفة هوجاء . وجد نفسه قد تحرك من مكانه ليقف أمام باب القصر الفخم . أمام عينيه تراصت أعداد كبيرة من أبناء مدينة شونتي . سار عابرا بوابة القصر ليجد في انتظاره مجموعة لا يقل عددها عن الآلاف . لاحظ أنهم يتجمعون في تجمعين منفصلين إحداها تتميز بعددها الكبير مقارنة بالمجموعة الأخرى و ملابسهم و عتادهم منحه شعور قوي بأنهم جزء من جيش نظامي قوي . لم يكن بحاجة لمعرفة هوية كل من الفئتين فالكبرى هي الجنود الذين أحضرهم دوزير و الصغرى التي لا يتجاوز عددها الألفي شخص هم المسئولون عن التنقيب و البحث عن المناجم و في مقدمتهم تلك السيدة الشابة المتأنقة أولي . جاء ظهور إبرو ليجذب إنتباه الجميع في حين تحرك نحوه مجموعة من قادة شونتي على رأسهم روليف حاكم المدينة الذي بادر بالقول :

-لقد تأخرت كثيرا يا إبرو !

بدا الإمتعاض جليا على ملامحه و ملامح من حوله لكن إبرو لم يكترث لهذا فما كان يجول في عقله أثقل وطأة بكثير عن تأخيره .

-معذرة كنت مرتبطا بعدة مواعيد في عالمي لهذا تأخرت .

-بذكر عالمك هناك شخص قد جاء إلى هنا من عالمك . إنها تُدعى أويا .

لمعت عينا إبرو بغتة و عادت ملامحه للحياة من جديد ثم اندفع متسائلا :

-أين هي ؟ هل لازالت بالقصر ؟

اندهش جميع من أمامه لردة فعله الحادة و التي أدرك إبرو أنها غريبة عليهم فاستدرك موضحا :

-إنها من أقرب الناس لي و كنت بإنتظارها فترة طويلة و لكني لم أقدر على التواصل معها .

-أفهم موقفك يا إبرو . لكن أنت لن تقدر على التواصل معها في الفترة الحالية .

هز روليف رأسه في بطء و نظرات عينيه تحمل تفهما لموقف إبرو الذي شعر بغرابة كلامه فقال متسائلا :

-لماذا لن أقدر على التواصل معها الآن ؟

-هذا لأنها قد تركت لك رسالة , هذه الرسالة حين منحتها لي أخبرتني أنها ستختفي من اللعبة لفترة و لن تقدر يا إبرو على التواصل معها . هي شرحت كل شيء في هذه اللفافة .

قالها و مد يده نحو إبرو لتظهر لفافة من العدم . كانت لفافة عادية من الورق المنتشر في اللعبة . أمسكها إبرو بلهفة و قلق ثم فتحها ليجد كلمات صادمة أمامه .

-أهلا بك يا إبرو . كنت أتمنى أن أقول لك هذه الكلمات وجها لوجه , لكن أنا لن أقدر على التواصل معك في الفترة المقبلة . لا أعرف ما الذي حدث لكن هناك في المكان الذي أتواجد فيه قسرا عن إرادتي بدأ كل من مثلي في الخضوع لبحث و إستجوابات شديدة بشأنك . لم أكترث في البداية لكل تلك الإستجوابات لولا أنني اكتشفت استخدامهم لترياق سري يجبر كل من يتناوله على الحديث عن أسراره الخاصة . لا يوجد وقت لدي للهرب أو لإيجاد حل لهذا الترياق , لكن كل ما يمكنني فعله هو حمايتك . أحتاجك أن تعرف أن وجودك إلى جواري في الأيام القليلة التي لعبناها في اللعبة كان مهما للغاية لي و شعرت معك بأمور لم أشعر بها منذ زمن طويل . لقد أشعرتني بالراحة و الطأمنينة و الثقة . لا تقلق علي فسأتجاوز هذه المحنة لاريب . أما أنت فكل ما يمكنني فعله بشأنك هو أن أنساك قدر المستطاع . أتمنى أن يكون ما أخبرتني به عن نسيان كل شخص لأسرار ريونيد و ما دار فيها حقيقة , فأنا الآن لا أملك إلا أن أموت مرة واحدة حتى أنساك و أنسى كل ذكرى و تفصيلة حدثت معك بشأن ريونيد . ربما سيكتشفون علاقتي بك في اللعبة خاصة حين أخبرتني بشأن أجسام التجسس في الكبسولة لكن لن يجدوا أي معلومة ستفيدهم بشأنك ,

خاصة رقم هاتفك الذي سأنساه بالتأكيد بعدما أموت مرة واحدة , أو هكذا آمل . عدني أن تظل على طريقك قويا صلبا و استمر في نضالك و مغامراتك و اعرف أنني كنت أتمنى وجودي إلى جوارك أثناء هذا كله لكن ما باليد حيلة . على أقل تقدير سأعرف أنك بأمان و لن أكترث بما يصيبني مهما حدث لي فأنت ستظل دوما شوكة في خصرهم . أنا أثق بك و لا أجد لدي وسيلة أخرى سوى أن أنساك لأحميك . كن دوما بخير وتجنبني في اللعبة قدر المستطاع فأنا لا أعرف ردة فعلهم بعد إكتشافهم لعلاقتي بك . ابتعد عني فأنا قنبلة موقوتة لا تقدر على تحمل عواقب إنفجارها في وجهك يا إبرو . و أخيرا سأشتاق لك , و أتمنى أن كانت الظروف مغايرة فحينها ربما كنا سنظل سويا . صديقتك المقربة : أويا .

رغم صمته و عدم تبدل ملامحه إلا أن من حوله شعروا أن الشاب الذي أمامهم قد تعرض لصدمة عنيفة و كارثة مخيفة . ظل إبرو ممسكا بالرسالة المكتوبة من قبل أويا و عيناه لا تفارقان اسمها المدون في نهايتها . إنه يشعر بالغضب , ليس من أعدائه إنما من نفسه . غضب لأنه محدود المقدرة لا يستطيع أن يحمي أويا . حتى بعد عودته من المستقبل مسلحا بكل ما يعرفه من أحداث مستقبلية إلا أنه لازال ضعيفا . في النهاية لم يستطع أن يغير من مصيرها , ولا مصيره . إنه غاضب من عجزه , حانق من ضعفه . شعر الآن أنه مهما فعل لن يقدر على تغيير أي شيء . شعور مرير و صعب لم يعرفه يوم قط بدأ يجتاحه , شعور بالعجز . حتى في أحلك الظروف و حينما وجد نفسه مثله مثل الجميع عبيد إلا أن الشعور ذاك لم يساوره ولو لوهلة . طيلة الوقت كان يحارب و يعاني من أجل تحسين أوضاعه . ثائرا على كل القواعد و القوانين , لكن الآن ما

الفائدة ؟ إنه لا يقدر حتى على حماية أويا , فهل يقدر فعلا على حماية الجميع كما كان يتمنى ؟ أدرك الآن كم كانت أحلامه صبيانية لا تمت للواقع بصلة . إن أراد فعلا أن يحمي أحد عليه أن يمتلك القوة الغاشمة التي تمكنه من ذلك . هنا و في هذه اللحظة شعر أن كل ما خطط له من قبل لم يكن كافيا , أو بالأدق لم يكن واقعيا بالشكل الكافي . كيف يمكنه أن يحارب مخططات دول عظمى بمفرده ؟ ربما لو أتيح له وقت كاف لصار أقوى بكثير عن الآن لكن الواقع المفروض عليه يجبره ألا يمتلك تلك الرفاهية , إنه لا يحارب الدول العظمى ولا مخططاتهم بل إنه يحارب الوقت . طريقته القديمة في التعامل بحرص لا تتماشى في صراعه مع الوقت , فالوقت سلاح خطير لا يتوقف قيد أنملة , لا يعترف بالحرص ولا بالحذر ولا الخوف ولا التردد . إنه يتمادى في السير للامام دون هوادة أو رحمة . إن أراد حقا أن ينتصر في تلك المعركة عليه ألا يتحرك ببطء , عليه ألا يتردد . من الآن عليه أن يكون أكثر جرأة و أن يجازف . كيف ظن أن بمقدوره الإنتصار بحرصه الشديد ذلك و خطواته البطيئة تلك ؟ إن لم يجازف بكل شيء كيف سينتصر إذن ؟ لا نصر بدون معاناة و لا مجازفة . هذه العبارة انتشلته من براثن الإحباط و اليأس و الفشل . هذه العبارة هي التي ترددت كثيرا آنذاك و كان مصدرها هي من يحاول إنقاذها الآن . عليه ألا يركن لطلبها و يبتعد , بل عليه أن يسعى حثيثا لإنقاذها .

-إبرو هل أنت بخير ؟

انتفض منتبها إلى أنه لازال وسط مدينة شونتي في باحة القصر الفسيحة و يحيط به عدد ضخم من الناس . نظر لمحدثه ليكتشف نظرا القلق الواضحة على روليف . ابتسم إبرو إبتسامة باهتة و هو يقول بهدوء :

-لا شيء , فقط أخبار غير سارة لا أكثر .

-يبدو لي أنها أكثر من أخبار سيئة .

-لا تقلق سيدي الحاكم . فقط هناك أمر طاريء علي أن أتناوله في عالمي لذا فلن أقدر على الدخول معكم الآن لعالم رينالت .

-ماذا تقصد يا إبرو ؟

-أنا فقط أحتاج قرابة يومين في عالمي . خلالهما يمكن للجميع أن يسبقني في عالم رينالت . بعدما أنتهي سألحق بكم في أسرع وقت ممكن .

2020/02/09 · 493 مشاهدة · 1886 كلمة
Ranmaro
نادي الروايات - 2024