بدا التردد واضحا على جميع من أمامه لكن بعد ثوان جاءت كلمات الحاكم حاملة القرار الفصل في هذا الموضوع :

-لا مشكلة , فوجودنا في عالم رينالت ليس مجرد زيارة بسيطة . سنقوم بتأسيس قاعدة كبيرة بالقرب من كل مدينة من المدن الثلاث تسمح لنا بالتجوال و الإستكشاف في عالم رينالت . تأخرك عنا يومين أو ثلاثة لن يؤثر في مسار بحثنا عن المناجم . فقط لا تتأخر كثيرا فنحن سنضيع وقتا طويلا في البحث عن المناجم و تأمينها و بعدها مهمة إستخراج المعادن من باطن الأرض . هذه هي لفافات الذهاب لعالم رينالت الخاصة بمدنه الثلاث التي أخبرتنا عنها . حين تنتهي من أمورك الخاصة يمكنك الذهاب إلى أي مدينة منها و سننتظرك هناك .

شعر إبرو بالإمتنان إزاء تعامل الحاكم معه . الحقيقة أنه من الوهلة الأولى و هو يشعر أن الحاكم يتعامل معه بطريقة مختلفة أشعرته كما لو كان يعامل أحد من أسرته و ليس غريب عنه . لم يتمادى إبرو في التفكير كثيرا في هذه النقطة فلا وقت أمامه الآن لتضييعه هنا . أمسك باللفافة في سرعة مكتفيا بهز رأسه احتراما و تقديرا للحاكم ثم اختفى من مكانه بعدما خرج من اللعبة . فتح غطاء الكبسولة في سرعة و قفز من داخلها ليمسك بهاتفه في توتر . لم يكن في مقدوره بمفرده أن ينقذها . لو صح تخمينه فهي الآن تتعرض للإستجواب و قريبا سيكتشف من حولها هناك تواصلها معه . سيكون نتيجة ذلك أن يقوموا بعقابها نتيجة إخفائها تلك المعلومة المهمة لكن مهما بلغ بهم من العقاب فلن يتمادوا , فهي الوحيدة التي على صلة به . رغم أن تلك النقطة كفيلة بشعوره بالإطمئنان لكن هذا لم يكفي . طالما هي بين براثنهم هو لن يهدأ . بمفرده لن يقدر على \

تغيير كل ذلك لكنه يمتلك في جعبته سلاحا قويا سيستغله بحكمة . إنه يعرف تفاصيل المستقبل و منها سيبدأ في توسيع سلطته و قدراته قد المستطاع . أمسك بالهاتف الموجود في الجناح و طلب إستقبال الفندق . طلب منهم تحضير عربة صغيرة تسمح له بالسفر , فرغم إمتلاكه لعربة ضخمة إلا أن التنقل بها سيثير الشبهات لاريب . بعد دقائق جائه اتصال من قبل الفندق يخبره بجاهزية العربة التي طلبها في الأسفل . تحرك في سرعة و عيناه متعلقتان بشاشة هاتفه . كان يبحث عن اسم شخص معين قد سمع عنه قبل ذلك من عدة أصدقاء يثق بهم . كان هذا الشخص يمتلك مقدرة فريدة في الوقت الراهن لحل مشكلته الحالية . ما إن هبط الفندق حتى وجد سيارة من أحدث طراز تنتظره في الحديقة . اتجه صوبها ثم أمسك بمفاتيحها من العامل الذي كان بإنتظاره . أما عن ثمنها فقد حوله و هو بجناحه لحساب الفندق . ما إن ركبها حتى أدخل مجموعة من الإحداثيات التي استخرجها من هاتفه . أمامه صدر صوت معدني خافت ليعلن بدء تحرك العربة صوب هدفه و امامه شاشة صغيرة مكتوب عليها الوقت الذي أمامه حتى يصل إلى مبتغاه . كان أمامه قرابة ساعة و نصف حتى يصل إلى المكان لذا أراح ظهره و أغلق هاتفه و بدأ عقله يعمل في إسترجاع كل المعلومات المتاحة عن سراج و تنظيم ما سيقوله له و كيفية إقناعه بمساعدته . لو لم يقدر على إقناعه فستصبح مهمة إنقاذ آية أكثر تعقيدا و صعوبة .

-سراج , أو محمد سراج . ما أتذكره عنه من حديث رفقائي أنه شخص صعب التعامل معه . يبدو معك هادئا و طيبا لكنه كالثعبان إن سنحت له فرصة للدغك لفعل . شكاك بدرجة مريض نفسي . لو كان يحب القيادة و أن يكون في مقدمة الصفوف لكان من السهل علي التعامل معه لكني كما سمعت عنه يتغاضى كل مجال يمكن تسليط الضوء عليه . هذا الشخص الذي يحب دوما اللعب في الظلال سيكون عسيرا علي أن أروضه . رغم سعة حيلته و عشقه للمكائد و الدسائس إلا أنني مضطر للتعامل معه . ليس فقط من أجل إنقاذ آية بل كي يمكنني تلقين أولئك الملاعين درسا لن ينسوه .

صمت إبرو لفترة طويلة يفكر في كل السيناريوهات المتاحة لإقناع رجل مثل سراج بقضيته . بعد مرور قرابة نصف ساعة كاملة من الصمت بدأ إبرو يحدث نفسه مجددا قائلا :

-المشكلة الكبرى في سراج ليس في نجاحي أو فشلي لإقناعه بإنقاذ آية . المشكلة تكمن في أن شخص شكاك مثله لن يثق بي تمام الثقة مهما حدث . هذا يعني أنني كلما أردت شيئا منه سأواجه نفس المعاناة و العناد و الشك . لهذا لو أردت أن أؤجل أي مشكلة للمستقبل فلا أضمن أن يساعدني . لهذا لا يوجد أمامي سوى طريق واحد , علي أن ألقي بكل المشاكل أمامه دفعة واحدة . أما عن مقدرتي في إقناعه فهذه النقطة أنا متيقن منها تماما إن سارت خطتي كما رسمت لها .

أمضى ما تبقى من الوقت داخل عربته يعيد التفكير في طريقة التعامل مع سراج . أما قلقه البالغ على آية نحاه جانبا قدر المستطاع رغم عدم مقدرته على أزاحته تماما عن عقله . بعد مرور قرابة الساعة وجد أن السيارة قد تباطئت سرعتها بشكل ملحوظ لتقف في النهاية إلى جوار مبنى

عملاق يتجاوز إرتفاعه الثلاثين طابقا . خرج إبرو من السيارة و تفقد الشارع الذي يقف فيه الآن . كان الشارع خالي من المارة بشكل مثير للريبة , لكنه يعرف في داخله أن هذا أمر طبيعي . فالمبنى العملاق الذي يقف أمامه هو مبنى المخابرات المصرية و هو يوجد في أحد أحياء مدينة العاصمة الإدارية التي كانت تشغل عاصمة لمصر لفترة من الفترات الماضية . بعد تأسيس مدينة القاهرة الحديثة صارت العاصمة الإدارية شبه خاوية , فكافة المباني الرسمية تم نقلها بشكل كامل منها عدا المبنى العملاق الذي أمامه . أما عن سبب تواجده ها هنا أمام هذا الوحش الأسمنتي العتيق فالإجابة بسيطة : إن سراج يعمل هناك .

تحرك إبرو بخطوات ثابتة متجها صوب البوابة الرئيسية الخاصة بالمبنى . كانت البوابة تقع على مسافة بعيدة من المبنى نفسه يفصلها عنه طريق أسمنتي يختبيء في الأفق بين صفين من الأشجار الكثيفة الطويلة . أما البوابة نفسها فكانت بسيطة للغاية عبارة عن ثلاثة أكشاك صغيرة تقع خلف بوابة معدنية إلكترونية . لاحظ إبرو وجود خمسة أفراد يقفون إلى جوار البوابة . أما من بداخل الأكشاك فلا يعرف عدد من يقبع داخلها . جذب ظهور إبرو في المكان إنتباه الأفراد الخمسة و الذين بدوا من القوات الخاصة نظرا لأجسادهم الطويلة الضخمة و وقفتهم العسكرية الحادة رغم ملابسهم الرسمية المدنية . لم يشك إبرو أن كل منهم يحمل سلاحا قاتلا مختبيء خلف تلك الملابس الرسمية . رغم ذلك لم يشعر بالقلق , فلا يمثل أي منهم تهديد له . إن كل ما يقلقه هو ذاك الرجل الذي يسعى لمقابلته . ما إن اقترب من البوابة حتى سارع أحد الواقفين فيها بالتساؤل بلهجة جادة جامدة :

-من أنت ؟ وماذا تريد ؟

-إسمي إبراهيم , و أنا هنا لمقابلة محمد سراج .

-هل لديك موعد مسبق معه ؟

-للأسف لا , لكن يمكنك أن تنقل له رسالة مني بعدما يسمعها سيوافق على لقائي .

صمت الرجل قليلا كما لو كان يوازن بين طلب إبرو و بين ما يجب عليه أن يفعل , في النهاية قرر أن يجرب فلن يخسر شيئا حيث قال :

-ما فحوى الرسالة ؟

-أخبره أنني أعرف كل أسرار ريونيد .

-لتنتظر هنا و لا تتحرك .

-حسنا .

راقبه إبرو و هو يتحرك مبتعدا في الطريق ليختفي عن بصره . رغم أنه لم يقابل سراج من قبل إلا أنه عرف من المعلومات المنتشرة عنه أنه كان من أوائل الذين شكوا في لعبة ريونيد حين طُرحت للأسواق أول مرة . رغم شكه فيها لكنه لم يقدر على إيجاد شيء ملموس يمكّنه من كشف أسرارها . لذا ظل سراج دوما يراقب اللعبة عن كثب و في النهاية حين كُشف كل شيء شعر بالندم لأنه لم يثق في حدسه حينها و يحاول عن كثب سبر أغوارها . لم تمر دقائق حتى عاد الرجل من جديد بنفس مشيته الجادة . ما إن وصل إلى إبرو قال بملامحه الجامدة :

-تفضل معي فإنه بإنتظارك .

-شكرا لك .

تحرك إبرو بخطوات واثقة خلف الرجل . كان الطريق المختبيء خلف الأشجار يتلوى أكثر من مرة قبل أن ينتهي إلى ساحة واسعة تتوسطها نافورة صغيرة وسط بحيرة كبيرة نسبيا . بدت مقدمة المبنى أشبه بمقدمة قصر عتيق , فالسلالم الرخامية التي ترك الزمن أثرا عليها تمتد لمسافة طويلة نحو الأعلى . شعر إبرو أنه صعد ثلاثة طوابق من السلالم حتى انتهى إلى داخل المبنى . على الرغم من ضخامته إلا أن ردهته الرئيسية كانت عملية بشكل كبير . فلا يوجد فيها سوى عدة مناضد و مقاعد صغيرة و أغلب ما تحتويه الردهة هو عدد من المصاعد الحديثة . توجه الرجل نحو مصعد منهم و قام بالضغط على زر صغير موضوع إلى جانب المصعد . برزت لوحة صغيرة شفافة وضع عليها الرجل يده لوهلة قبل أن تصدر ضوءا أخضرا براقا صاحبه صوت معدني لفتح أبواب المصعد . تحرك الرجل و خلفه إبرو تجاه المصعد ثم قام الرجل بكتابة رقم على الشاشة الصغيرة داخل المصعد لتوصد أبوابه في سرعة و تبدأ رحلة صعودهما للأعلى في سلاسة . أثناء ذلك كله لم يتجاذب إبرو أطراف الحديث مع الرجل , فمن جهة هو لا يرغب في إثارة حفيظته , و من جهة أخرى لا يهمه الحديث إلى هذا الغامض أمامه . إن هدفه هو شخص واحد فقط , فهو الوحيد في المبنى الذي شعر بالشك تجاه ريونيد . كل ما عليه الآن هو التركيز معه و محاولة إستغلال تلك الجزئية لضمه لصفه . في غضون لحظات توقف المصعد بشكل لم يدركه إبرو إلا حين فُتحت أبوابه ليخرج الرجل منه عابرا طرقة طويلة مكسوة أرضها بالسجاد الثقيل و جوانبها

بالخشب المنمق لتحجب كل الضوضاء التي يمكن أن تصدر عن السير فيها . حدت جوانب الردهة عدد كبير من الأبواب الخشبية المغلقة . لم يشعر إبرو بالفضول لمعرفة ما الذي يدور خلفها فعالم الجاسوسية لا يستهويه . توقف الرجل بعد مسيرة طويلة قبالة باب مكتوب فوقه بأحرف دقيقة : مئتي و خمسة .

-إنه ينتظرك بالداخل , تفضل !

2020/02/09 · 528 مشاهدة · 1570 كلمة
Ranmaro
نادي الروايات - 2024