تفاجيء سراج لسؤال إبرو الغريب لكن لم يمنعه ذلك من الرد بتلقائية عليه :

-لا يمكنني إخبارك فهذا سر من أسرار عملي .

-لأغير سؤالي إذن . أنت تعرف أن رئيس الصين في زيارة رسمية لمصر , هل بمقدورك تنظيم لقاء بيننا و بينه ؟

-ماذا تريد من رئيس الصين ؟ يمكنني عقد لقاء مع سفير الصين في مصر , لكن الرئيس الصيني لا يمكنني أن أقترب منه بدون سبب جاد و مهم . هناك أجندة ملتزمون بها دبلوماسيا ولا يمكنني العبث بها بسهولة .

-لا تقلق , فقط أرسل رسالة للوفد الصيني أخبرهم فيه عن رغبتي في مقابلة الرئيس الصيني . أما فحوى الرسالة فأخبرهم فيها أنني أعرف مكان إرث شي هوانج , أو إمبراطور كين .

-إرث شي هوانج ؟ الحديث مع الوفد الصيني لمقابلة رئيسهم ليس مزحة يا إبرو , فنحن نتحدث عن علاقات دبلوماسية بين الدول .

ضحك إبرو , فمن الطبيعي ألا يفهم سراج مدى أهمية كلماته , لكن من ماضيه يعرف جيدا أن الصين كانت تبحث بسعي حثيث عن تراث مؤسس إمبراطورية كين , لكن لسوء حظهم لم يقدروا على إيجاد أي دليل بشأنه . حتى قبل إنتهاء عشر سنوات على بدء اللعبة اكتشف الصينين مؤامرة قادتها أمريكا و أوروبا حيث قاموا بشراء مجموعة من اللاعبين الصينيين و استطاعوا الحصول على تراث هذا الإمبراطور و تدميره . لهذا خسرت الصين سلاحا قويا كان ليغير الكثير من وضعها في اللعبة . فرغم أن الصين بدأت كدولة عظمى من الدول الثماني إلا أن مؤامرات الدول ضدها قد دفعتها نحو هاوية السقوط عن عرشها . لو حصلت الصين على هذا التراث في وقت مبكر ولم تخسره لما استطاع هؤلاء الدول إحداث هذا الكم الهائل من الضرر بها . هذه المرة هو يهدف لمساعدتها في سبيل إحداث أكبر قدر ممكن من الفوضى في الموقف الحالي و المستقبلي على حد سواء .

-لا تقلق , إن كنت أتحدث بشكل لا تفهمه فهم سيفهمون ما أعنيه . كي تكون مستريحا فإن لم يطلبوا منك لقائك في أسرع وقت ممكن فحينها يمكنك أن تحتجزني كما تريد و سأخبرك كذلك بمصدر معلوماتي .

-لقائي ؟ لماذا تتحدث كما لو كنت أنا من سأقابلهم و لست أنت ؟

-نسيت أن أوضح لك هذه النقطة . منذ الآن و صاعدا نحن الاثنين شركاء , و دورك كشريكي في المستقبل أن تتولى الظهور أمام الجميع في حين سأختبيء أنا خلفك . في مقابل ذلك سأمنحك كثير من الأسرار التي لا يعرفها أحد سواي .

صمت سراج مفكرا بإمعان في كلمات إبرو . لو كان كل ما قاله إبرو خاطئا فلا يهم هذا العرض , لكن ماذا لو كان صحيحا ؟ حينها سيصبح هو في مواجهة مدافع كل الدول بينما هو سيبقى في الظل . حينما فكر مرة أخرى في الموضوع وجد أن طلب إبرو يبدو منطقيا , فهو شاب صغير لا يملك أي شيء يحميه في حين أنه ينتمي لجهاز مخابرات الدولة أي أن بمقدوره حماية نفسه . بهذه الخطوة البسيطة بالتعاون بينهما سيمتلك إبرو أقوى حماية ممكنة له و بالتالي لن يخشى على حياته قط . شعر بالإعجاب من طريقة تفكير هذا الشاب , إنه لا يعتبره شاب صغير حديث السن بل يعتبره الآن ندا له و شخصا في مثل مكانته إن لم يكن أعلى . هذا بالطبع شرط أن يكون كل ما قاله إبرو صحيحا , و يكون قادرا على إثباته . اكتشف في هذه اللحظة أن إبرو يخاطر بالكثير في مقابل إثبات صحة ما يدعيه . فهو قد كشف نفسه و خاطر بحريته و يرهن إنقاذ شريكته في مقابل إثبات صحة ما يقوله . لكن ما علاقة هذا كله بمقابلته برئيس الصين ؟ ولماذا رئيس الصين تحديدا ؟ من الأسهل لقاء السفير , فالعواقب الدبلوماسية حينها ستصبح أقل خطورة بكثير عن مقابلته للرئيس نفسه ! صمت سراج يحاول تجميع كل الأفكار الكثيرة المشتتة داخل عقله ليقرر

في النهاية أنه لن يكون أقل جرأة من الصغير الذي أمامه . مادام هو يخاطر بكل شيء في سبيل إثبات صحة كلماته فهو أيضا سيراهن عليه و سيخاطر بالحديث مع الوفد الصيني خارج إطار بروتوكول الزيارة الدبلوماسية . لم يدرِ سراج أنه برهانه ذاك في هذه اللحظة قد غيّر مستقبله بالكامل .

-حسنا , اتفقنا سنكون شركاء سويا بشرط أن تثبت صحة كلماتك , و إلا فستكون ملكي و ستخبرني بكل ما تعرفه عن أسرار و مصدر معلوماتك في مقدمة تلك الأسرار .

وقف إبرو و مد يده مصافحا سراج في قوة و هو يقول بثقة :

-صدقني لن تندم يوما قط على قرارك هذا سيد سراج .

-لتخاطبني دوما باسمي في اللعبة .

ابتسم إبرو و هو يقول :

-حسنا مئتي و خمسة . الآن عليك بالتواصل مع الوفد الصيني و إنتظار نتيجة رسالتك لهم .

-سأرسل رسالة لهم الآن , هل تريد أن أذكر اسمك في الرسالة ؟

-بالطبع لا , عليك أن ترسل الرسالة باسمك أنت .

ابتسم سراج و جلس و أخرج هاتفه و أخذ يكتب الرسالة للوفد الصيني . كان ككل رموز الجهاز يملكون وسائل التواصل مع كافة الوفود الدبلوماسية المهمة الموجودة في البلد . بعدما انتهى قام بإرسال الرسالة دون تردد , فلقد حزم أمره . بعدها أخرج علبة سجائر جديدة و فضها و أخرج سيجارة منها ثم أشعلها بتوتر واضح . بعدها أخذ نفس عميق ليخرج معه كل التوتر المشحون داخله . لو تسبب في إحداث أزمة دبلوماسية برسالته فحينها سيتم تعنيفه من قبل قائد الجهاز و ربما يتأخر في الترقيات . لكن هذا لا يهم الآن , فهو يشعر في داخله بصحة كل ما قاله إبرو له .

أخذ أنفاسا متلاحقة من سيجارته و الصمت يخيم على المكتب شكل تام . بعدما أنهى سيجارته سارع بإشعال سيجارة أخرى و عيناه مثبتتين فوق شاشة هاتفه . لم يكد يصل لمنتصف سيجارته الثانية حتى وصلته رسالة قصيرة من الوفد الصيني تردد في فتحها لوهلة قبل أن يقتل ما تبقى من السيجارة في المنفضة المخصصة للسجائر على مكتبه ثم فتح الرسالة في سرعة و عيناه تتنقلان بين الكلمات المكتوبة فيها . عاود قراءة الرسالة أكثر من مرة قبل أن يضع الهاتف على المكتب و يخرج نفسا عميقا من فرط توتره ثم نظر لإبرو ليجده كما اعتاده , هادئا ثابتا واثقا لا يبدو عليه أي ذرة توتر أو قلق . تسائل في داخله كيف تبدل بهما الحال ليصبح هو المتوتر و من أمامه بكل هذا الهدوء والثقة .أخرج سيجارة جديدة و أشعلها قبل أن يخرج نفسا منها ثم يقول :

-لدي فضول , لماذا لا أراك متوترا و أنت تراهن على أشياء أكثر خطورة بكثير مما راهنت أنا ؟

-هذا لأنني واثق تمام الثقة من ردة فعل الوفد الصيني لرسالتك .

-وماذا تعتقد سيجيبون على رسالتي ؟

-سيطلبون منك فورا مقابلتهم في أسرع وقت ممكن . أليس هذا هو فحوى ردهم عليك الآن ؟

لم يفت على إبرو ردة فعل سراج حينما أمسك بهاتفه الآن . رغم أنه يرسم صوة الهاديء الواثق امامه إلا أنه كاد يذوب من فرط التوتر و القلق , لكنه لم يظهر أي ذرة من ذلك على وجهه و ملامحه بالخارج . لم يكن يرغب في أن يكتشف أحد ولو حتى مئتي وخمسة توتره و قلقه , فإن اكتشف ذلك ربما سيتسبب في بزوغ أفكار أخرى داخله , و هو لا يأمنه قط . هو لا يخشى على نفسه لكن كل ثانية يضيعها في هذا المكتب سيجعل آية في وضع أكثر خطورة .

-بلى , لقد طلبوا مقابلتي على الفور و هم بإنتظارنا في مقر إقامة الوفد الصيني في أحد المباني الملحقة بالقصر الجمهوري الذهبي في القاهرة الحديثة .

-ماذا ننتظر إذن ؟ هيا لنذهب إليهم .

نظر سراج له محاولا اختراق تلك الهالة الغامضة التي تحيط به دون جدوى . أخذ نفسا آخر من سيجارته ثم قام من مكانه و هو يقول :

-اتبعني .

تحرك إبرو خلفه في صمت مطبق . غادرا المكتب و سارا في الرواق الطويل حتى وصلا إلى مجموعة من المصاعد تذكر إبرو أنه حين قدم إلى هنا جاء عبر أحد منهم . في غضون دقائق كانا يركبان في سيارة رسمية خاصة بالجهاز تتحرك في سرعة صوب القصر الجمهوري . تحدث سراج محاولا فهم ما يحاول إبرو فعله قائلا :

-ماذا سنفعل هناك يا إبرو ؟ هل تريدني أن أتولى دفة الحديث معهم ؟

-لا , فأنت لا تملك بعد الخبرة الكافية للتعامل معهم . دع هذا الأمر لي . من سيقابلنا هناك ؟

لا املك الخبرة الكافية ؟ من تظن نفسك ؟ ابتلع سراج كلمات إمتعاضه من تعليق إبرو ثم قال :

-على حد علمي من مضمون رسالتهم أن من سينتظرنا قائد الوفد نفسه .

-وماذا عن الرئيس الصيني ؟

لم يكن إبرو مهتما بشخص عدا الرئيس الصيني نفسه . فخطته لا يمكن لأحد مساعدته فيها سواه . نظر سراج بشك من جديد تجاهه ملاحظا أن إبرو يريد مقابلة الرئيس الصيني نفسه لا شخص غيره . فكر لوهلة أن ربما هذه مكيدة من إبرو ليقوم بالهجوم على الرئيس الصيني لكنه تراجع عن هذه الفرضية على الفور , فما الذي سيستفيده إبرو من وراء ذلك ؟

-لماذا تريد مقابلة الرئيس الصيني ؟ رئيس الوفد يملك سلطة قوية و يمكنه مساعدتك فيما تريد .

-أنت لا تفهم , أي شخص عدا الرئيس الصيني لا يمكنه مساعدتنا .

صمت سراج قليلا ثم قال في النهاية :

-هذه مشكلة لأن جدول أعمال الوفد الصيني يجعل من الرئيس الصيني الآن بصحبة رئيسنا بالقصر في نقاشات سرية خاصة بعلاقات البلدين .

-مادام بالجوار فلا مشكلة في رؤيته إذن .

-هذا مستحيل فالزيارات الدبلوماسية تلتزم بشكل جاد تماما بجدول أعمالها . لن تقدر على رؤية الرئيس الصيني اليوم في ظني .

...

2020/02/09 · 490 مشاهدة · 1503 كلمة
Ranmaro
نادي الروايات - 2024