عاد إبراهيم مجددا للتحديق لمن حوله في صمت و ترقب . لو كان هناك من يراقب آية عن كثب فمؤكد أنه قد أثار شكوكهم بما فعله للتو . لكنه لا يشعر بالندم , فعلى الرغم من أن كافة المعلومات المتعلقة بحياة آية درويش معروفة للجميع إلا أن معلومة واحدة فقط غير معروفة لأي شخص قط .. اسم آية درويش في اللعبة ! لا أحد يعرف اسمها ولا أحد يعرف السبب في ذلك السر قط . لو لم يكن عالما باسمها في اللعبة فكيف سيتواصل معها ؟ لذلك فقد هداه عقله أن يخبرها باسمه الذي كان يلعب به من قبل . لم يحدد قبلا إن كان سيختار الاسم نفسه هذه المرة لكن بعدما أخبرها فلن يستطيع تغييره وإلا لن تقدر على إيجاده . أما عن مدينة طيبة فهو لم يخطط أن يبدأ منها بل من مدينة منف , لكنه خشى في اللحظة الأخيرة أن يمد من يراقبها بمعلومات مجانية إضافية قد تساعدهم في المستقبل على تحديد هويته بسهولة لذا قرر تضليلهم بمنحهم اسم مدينة مختلفة عما سيبدأ فيها . يكفيهم الحصول على معلومة اسمه في اللعبة بشكل مجاني و هذه خسارة يمكنه تقبلها الآن . لم يكن قلقا من عدم تواصلها معه باللعبة , فمهما كان فاللعب داخل الألعاب الأونلاين يجعل المرء يشعر بأريحية و أمان لا يجده في الواقع , خاصة من كان في نفس وضع آية . أخذ نفسا عميقا حين شعر أنه غير مراقب من أحد , لقد مر اللقاء بسلام , أو هكذا يأمل . لم تمر دقائق حتى وقع بصره على شخصين يسيران بذهول تام نحوه . كانت عيناهما تتنقلان بين كافة البوثات المنتشرة بالمكان كما لو كانا في وسط مغارة علي بابا . لم يحتج إبراهيم لمعرفة هويتهما فقد خمن ذلك بالفعل . من غيرهما سيأتي إلى هذا المكان و يتلفتان حولهما بتلك الطريقة الغريبة ؟ إنهما راجح و خالد اللاعبين اللذين قاما بسلسة من المعارك الإعجازية ضد الصهاينة . كما كان يخمن الجميع , هما كانا صديقين في الواقع قبل دخولهما للعبة . ما إن شاهدا لافتة البوث الخاص بإبراهيم حتى تحركا بخطوات مسرعة أشبه بالركض تجاهه .

-مرحبا اسمي راجح

-وأنا خالد , مؤكد أنك إبراهيم ؟

-بلى , مرحبا بكما في ستوديو سفينكس . أخبراني هل وجدتما المكان بصعوبة ؟

تحركا ليجلسا على المقعدين الفارغين أمام إبراهيم قبل أن يقول خالد :

-لم تقل لنا كيف استطعت العثور علينا يا إبراهيم ؟

لم يتفاجأ إبراهيم من سؤاله , فهو يعرف جيدا أن خالد هو من يحب التفكير أما راجح فعاشق للحديث بشكل هستيري . أخبره إبراهيم بالإجابة التي حضرها مسبقا لمن يسأل مثل هذا السؤال قائلا بتلقائية :

-قمت بالبحث في أسماء أنجح من قام باللعب في أشهر عشر ألعاب أونلاين ثم استبعدت من ينتمي لأي ستوديو مهما كانت شهرته ثم راسلت من لم ينضم بعد لأي كيان . أعتبر نفسي محظوظا بموافقتكما على المشاركة في ستوديو الخاص بي .

تدخل راجح قائلا في سرعة :

-لم أتخيل أنني سأنضم يوما لستوديو كبير للألعاب , فهذا كان حلم خاص بي منذ الطفولة . ما إن استلمت رسالتك حتى ظننت أنها دعابة من أحدهم لولا أنني حين تحدثت مع خالد وجدته قد استلم رسالتك أيضا لذا أيقنت من صحة عرضك . لا أخفيك قولا فحتى إن لم تعطينا أي مبالغ مادية في العقد ما منعني ذلك من الإنضمام لكيانك , فأن..

ضغط خالد على قدم راجح في قوة ليمنعه من مواصلة ثرثرته التي اعتاد عليها . خالد كان العقل بينما راجح هو العضلات .

-لا تكترث بأمره فإنه يصبح هكذا إن كان متحمسا لشيء ما . لقد بحثت عن ستوديو سفينكس ولم أجد سوى موقع واحد له دون أي تجارب سابقة في أي لعبة , هل هذا حقا ستوديو حديث النشأة ؟

-إنه بالفعل ستوديو حديث أنشأته بالأمس . هل هذا لا يرضيك يا خالد ؟

أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم , ومن يمتاز بعقل متزن مثل خالد حين تباغته يرتبك على الفور . هذا ما حدث لخالد الذي ظن أنه حين يفتح الحديث عند هذه النقطة سيحاول إبراهيم التملص منها بأي أعذار ثم سيبدأ في محاولة إستمالتهم قدر المستطاع . الحقيقة باغتته إجابة إبراهيم الصريحة و التي لم يكن مستعدا لها لذا سارع بالقول بنبرة مهتزة :

-لا .. لم أعنِ ذلك .

ثم صمت لا يعرف ماذا عليه أن يقول . كان إبراهيم مدركا لما يرغب فيه خالد , فهو يعرف جيدا أنهما جاءا من بيئة فقيرة للغاية لذا قال بنبرة هادئة :

-لا تقلق نفسك بشأن خبرة سفينكس , فأي ستوديو لا قيمة له إن لم يمنح أعضاءه إمتيازات فلا يحق له أن يكون ستوديو في هذا المجال . هذا بغض النظر عن حقيقة أنكما من أوائل المنضمين لستوديو سفينكس و هذا ما يجعلكما من المؤسسين للستوديو . و هذا يعني أنكما ستحصلان على إمتيازات مختلفة عن الأعضاء العاديين في أي ستوديو .

-إمتيازات ؟ إمتيازات مختلفة ؟ هل سنحصل على إمتيازات ؟ هذا رائع يا خالد . لم أتصور قط أنني سأحصل على إمتيازات فور إنضم..

وكزه خالد بكوعه هذه المرة ليسكته قبل أن يقول :

-لماذا ستمنحنا كل هذه الإمتيازات ؟ نحن لم نبدأ اللعب بعد , فربما لن نكون لاعبين جيدين يستحقان هذه الإمتيازات .

ابتسم إبراهيم في داخله بثقة تامة في مقدرته على ضم هذين المخضرمين إلى صفه , فقال بهدوء تام :

-الإمتيازات التي ستحصلون عليها هي كبسولة واحدة مجانية لكل فرد منكما . هذه الكبسولة سيتحمل سفنكس كافة تكاليفها و تكاليف تركيبها . أما عن راتبكما فسأقوم بمضاعفته ثلاث مرات . بالطبع هذه الإمتيازات ليست دائمة , فأنا أدير ستوديو تجاري ها هنا . ستكونان مثل جميع من ينضم للستوديو تخضعان دوما لرقابة قوية مني مع تقييم دوري لدوركما في اللعبة . إن رأيت أنكما تتخاذلان أو تتقاعسان عن اللعب بجدية فحينها سأنزل من رتبتكما و معها إمتيازاتكما الخاصة لتصبحا مثل أي لاعب عادي . إمتيازات اللاعب العادي في سفينكس لا تتضمن الحصول على الكبسولة كذلك ستحصلون فقط على راتب شهري عادي و ليس مضاعفا . إن واصلتم التقاعس حينها سأضطر آسفا إلى طردكما من الستوديو .

صمت قليلا ليمنح لكلماته التأثير المرجو منها . فلم يبدأ في الإجابة على سؤال خالد الذي طرحه , من جهة يحاول إستمالتهما بشكل قوي بالمغريات المادية التي على يقين أنها ستلعب دورا محوريا في قبولهما بالإنضمام له . و من جهة أخرى يقدم تبريرا منطقيا لتلك الإمتيازات لهما و لمن قد يكون مراقبا لإجتماعهم الصغير . كذلك حاول بإجابته في شكل غير متماشي مع سؤال خالد أن يقول لهما بشكل خفي : أنا القائد هنا و ليس أحد آخر .

-بالنسبة للسبب فهو بسيط للغاية . حين أسست سفنكس وضعت ميزانيته بناءا على إنضمام مئة عضو على الأقل إليه , لكن في الحقيقة من قبل دعوتي لا يتجاوزون خمسة أشخاص حتى الآن . لهذا فمن السهل علي أن أقوم بمنحكما هذه الإمتيازات .

لم يرغب في إخبارهما بحقيقة العدد الذي يوجد لديه . ربما أحد عشر من خمسة ليس بالفارق الكبير لكن لو كان هناك من يستمع إلى حديثهم الآن سيدرك أن هذا الستوديو مشروع سيفشل قبل أن يبدأ . أي لا توجد خطورة من قبلهم تجاه مخططاتهم , و بالتالي لن يراقبونهم عن كثب .

-هذا رائع ! أنا متشوق حقا لبدء في لعبة ريونيد . أخبرني هل سنقوم بعمل دعاية وسط الستوديوهات الأخرى ؟ هل لديك أي خطة لجذب أعضائهم ؟ يجب أن نعمل بجد لزيادة عدد أعضائنا , فكلما كثر العدد كلما كان المرح أكثر . لماذا لا تقوم بالدعاية على الإنترنت ؟ أو نرسل رسائل على الهواتف ؟ هناك طرق كثيرة لفعل ذلك لو ت..

قاطعه هذه المرة إبراهيم بعدما شعر أن منحى حديثه الحماسي قد يتسبب في لفت أنظار غير مرغوب فيها إضافة إلى معرفته العميقة بطبيعة راجح , إن تحمس لشيء فسيفعل قبل أن يفكر , و ربما يتسبب ذلك في مشاكل لا حصر لها كما اعتاد دوما التسبب في المصائب باللعبة .

-لا أظن أن زيادة العدد سيكون في مصلحتكما , فكلما زاد العدد قلت الإمتيازات أو عدمت !

-لا تسمع كلامي السابق إذن . نحن ستوديو ناجح بخمسة أفراد فقط . لماذا سنحتاج عدد كبير في سفينكس ؟ نحن الخمسة أفضل من خمسين أفضل من خمسمائة . لا تفكر في أي اقتراح قلته , فالدعايا ليست بالضرورة ستجذب لاعبين محترفين مثلي و مثل خالد . أرجو أن تكون واثقا من قدراتنا !

تبدل موقفه تماما ! هذا الشاب لا يفكر قبل أن يتحدث . لم يعبأ إبراهيم بما قاله في حين لم يهتم كذلك بما قد يفكر فيه خالد . فمهما شك أو فكر في وجود مؤامرة ما بالموضوع فإن حسابهما البنكي سيكون كفيلا بإقناعهما . بعد فترة طويلة من ثرثرة راجح و نقاش خالد حول اللعبة القادمة و خطط إبراهيم لها كان الإجتماع قد انتهى و بدأ الجميع في إزالة البوثات الخاصة بهم . رغم أن إبراهيم أبدى حماسة في نقاشاته مع راجح و خالد , إلإ أنه كان دائم الحذر من كل ما يحيط بهم . حتى لحظة خروجه من المكان و ركوبه للسيارة الطائرة كانت أعصابه مشدودة للغاية و يكاد يتلفت كل برهة محدقا في من حوله . حين غادرت السيارة مدينة القاهرة الحديثة حتى بدأ يتنفس الصعداء . كانت تجربة حادة مليئة بالمخاطر , لكن في النهاية استطاع أن يصل إلى هدفه . ما إن وصل شقته حتى راجع مجددا العقود التي أبرمها مع الأحد عشر فردا من فريقه الجديد ليتيقن من عناوينهم . نظر لساعته فوجدها قاربت على التاسعة مساءا فقام بطلب طعام للعشاء ثم غط في نوم عميق .

2020/02/04 · 618 مشاهدة · 1496 كلمة
Ranmaro
نادي الروايات - 2024