بعد تيقن إبراهيم من رحيل كافة عمال شركة الشحن و التقنيين المختصين بتركيب الكبسولات حتى قام بالبحث بعناية في شقته عن أي شيء قد يثير ريبته . لم تدم رحلة بحثه طويلا حيث وجد سريعا عددا من الأماكن الغير واضحة لمن ينظر بشكل عام للغرفة , هذه الأماكن وجد فيها كرات سوداء صغيرة بدت أشبه بقطرات الزئبق . ما إن اكتشف وجود هذه الأجسام الغريبة حتى أدرك أن هؤلاء التقنيين قاموا بتركيب أجهزة تجسس في شقته . إنهم سيراقبون كل شخص سيلعب اللعبة . دفعه ذلك للتفكير في معضلة أهم , هل يوجد مثل هذه الأجسام داخل الكبسولات التي لديه ؟ لو صح ذلك فمحاولة هروبه و خطته التي يعتمد عليها ستفشل . لذا قام في سرعة بتفكيك الكبسولات من الحوائط المثبتة فيها و قام باستخدام سكين مطبخه في فتح قلب كل كبسولة . أفادته خبراته السابقة , فحين عرف الجميع أهمية اللعبة انتشر شغف عام لدى المصريين لمعرفة تفاصيل تلك الكبسولة . لا يتذكر كم مرة فكك كبسولته لقطع صغيرة ثم ركبها سويا , حتى أنه كان هناك موضوعا مشهورا للغاية عن سباق زمني لأسرع من يفكك و يعيد تركيب كبسولته آنذاك في كثير من المنتديات باللعبة . إنه يحفظ مكونات الكبسولة عن ظهر قلب . لم يكن يتخيل أن تفصيلة صغيرة كتلك بدأت كلعبة مرحة من بعض المصريين آنذاك ستنقذ حياته الآن . بعدما فكك أول كبسولة و أزاح الغطاء عنها حتى وجد ثلاث قطع من تلك الكرات السوداء في الداخل . لم يتوقف بعدها وقام بتفكيك الكبسولة إلى قطع صغيرة . بعدما انتهى اكتشف وجود نوعين من الأجسام الغريبة في داخل الكبسولة , أحدهما كان تلك الكرة السوداء و التي توقع أنها تسجل الصوت , و أخرى كانت رمادية على هيئة مكعب صغير خمن أن له علاقة بتحديد الأماكن أو ربما كانت على تواصل مع الأقمار الصناعية بالفضاء لبث ما تسجله الكرات السوداء , أو ربما للاثنين وظائف أخرى . لم يهتم بذلك و قام بإزالة كل هذه الأجسام عن الكبسولات ثم قام بتجميع تلك القطع المريبة في مكان الكبسولة السابق . لم يقم بإعادة تجميع الكبسولة بل توجه صوب كبسولة أخرى . أعاد الكرة مجددا مع بقية الكبسولات . وجد في النهاية أن كل كبسولة مملوءة بعدد متساو من تلك الأجسام الغريبة . كل كبسولة تحتوي على عدد ثلاثين قطعة مختلطة من تلك الأجسام الغريبة . فكر إبراهيم في التخلص منهم لكنه عدل عن ذلك , فربما لا يحتاجوا لتشغيل الكبسولة كي يقوموا بالتجسس عليه . لو قام بالتخلص منهم سينبه المسئول عن متابعتهم و سيصبح فورا في قائمة المطلوبين . قرر أن يتركهم تذاكارا لمن سيأتي لشقته فيما بعد بغرض التخلص منه . ضحك على هذه الفكرة قبل أن يقوم بالتواصل مع الشركة التي اشترى منها السيارة العملاقة ليؤكد على ميعاد وصولها لجراج ضخم أسفل الأرض بالقرب من الميدان الموجود في نهاية شارع شقته . بعدها قام بالتواصل مع شركة محلية مقرها قريب منه متخصصة في توريد عمال لنقل المفروشات و قام من خلالها بتأجير عربات صغيرة تكفي لنقل قطع الكبسولات المفككة من شقته نحو الجراج . فكل كبسولة تحتوي على عدد من القطع المختلفة الأحجام و الأشكال و الأوزان لا يقل عن مئتي قطعة . بعدما انتهى من هذا كله قام بإرسال رسائل لأعضاء فريقه , سبعة أخبرهم بأنه سيمر عليهم الليلة ليركب لهم الكبسولات , و الأربعة الآخرين اتصل ليتأكد من حصولهم على الكبسولات و يخبرهم بأنه سيقوم بزيارتهم . مثّل هؤلاء الأربعة صداعا له , فكبسولاتهم التي سيقتنوها ستكون مليئة بتلك الأجسام الغريبة . إن قام بإزالتها و تركها في حجراتهم فلن يجدي هذا أي نفع على الإطلاق . كذلك بم عليه أن يخبرهم حين يرونه يقوم بتفكيك كبسولاتهم و إخراج تلك الأجسام الغريبة منها ؟ لو كان فردا منهم لشك على الفور في نواياه . هذه المرة ندم على عدم شرائه لكافة الكبسولات بنفسه , حينها كان سيخرج من تلك الورطة . لكن في ذكرياته لم يرد ذكر وجود أي أجسام تجسسية في الكبسولات . جلس على فراشه محاولا التفكير في حل للخروج من هذا المأزق . هداه تفكيره في النهاية إلى فكرة إنشاء مقرات مؤقتة لأعضاء فريقه باسم سفنكس . هكذا سيكون من السهل عليه أن يقوم بتفكيك و إعادة تركيب الكبسولات من جديد . كذلك يمكنه أن يترك الأجسام الغريبة تلك في أماكنها و يطلب من اللاعبين الإنتقال للعيش بشكل دائم في تلك المقرات . راقته الفكرة رغم أنها مكلفة للغاية بالنسبة له لإضافة إلى أنها لم تكن آمنة تماما . فهؤلاء الأربعة سيعودون مؤكدا إلى منازلهم في بعض الأوقات و حينها لن يضمن ألا يثرثروا بما يقومون به في اللعبة . رغم ذلك لم يجد حلا أفضل سواه لذا قرر على مضض تنفيذه . قام على الفور بالتواصل مع شركات متخصصة في الإستثمارات العقارية و انتقى أربع شقق صغيرة كشقته التي يعيش فيها الآن في محافظات المنصورة و المنيا و اسيوط و أسوان . قام بعدها بمنح عناوين تلك الشقق للاعبين الأربعة و أخبرهم بضرورة استعدادهم للإنتقال إلى تلك الشقق في أسرع وقت ممكن . أما عن كبسولاتهم فأخبرهم أنه سيتولى بنفسه عملية فكهم و تركيبهم . لم يكن إبراهيم قلقا من عدم تقبلهم لذلك , فمن الشائع جدا أن يقوم أعضاء الستوديوهات بالعيش بشكل كامل في مقراتها بالمحافظات المختلفة . كلفه ذلك قرابة عُشر ما تبقى من الأموال في حسابه البنكي . رغم ذلك لم يندم على ما فعل , فهذا هو الحل الوحيد الذي استطاع التوصل إليه لحل هذه المشكلة .

بعدما انتهى من كل ذلك قام بتجهيز حقيبته الخاصة و ملأها بملابسه و بمختلف التذكارات الخاصة بحياته القديمة . بعدما انتهى من هذا كله وجد تنبيه على هاتفه بوصول عمال النقل تحت شقته . أشار لهم من نافذة حجرته ليصعدوا للأعلى . لم يكن قلقا منهم , فهؤلاء العمال معتادون على نقل أي شيء مادام بإمكانهم حمله . استغرق العمال قرابة ساعة في نقل قطع الكبسولات المفككة من شقته و قاموا برصها بعناية في خمس سيارات نقل كبيرة . وقف إبراهيم في منتصف شقته يحدق في كل جانب منها . شهدت هذه الشقة الصغيرة كثير من ذكرياته الحلوة و المرة . قام بغلق الباب خلفه و معه أغلق صفحة حياته الماضية , فمنذ الآن سيصبح إبرو .

منذ هذه اللحظة حياته صفحة بيضاء له كامل التحكم فيما سيكتبه فيها .

خرج من باب بيته و ركب أحد السيارات متجها معهم صوب الجراج . كانت السيارة العملاقة واقفة كوحش عظيم في الجراج الفسيح . ما حدث بعدها أنه قام بإنهاء إجراءات استلام السيارة من قبل مندوب الشركة , ثم طلب منه تفعيل خدمة السائق الآلي و تعلم منه في خلال دقائق معدودة طريقة إدارة السيارة . في هذا العصر من السهل جدا أن تصدر أوامرك للسائق الإلكتروني الذي سيقوم بتولي مهمة توصيلك للمكان الذي تريده . يمكنك أن تختار السرعة المناسبة للسفر , تختار هدفا أو عدة أهداف عبر إدخال إحداثيات الأماكن تلك و سيتكفل السائق الإلكتروني بالباقي . بعدما انتهى إبرو من تعلمه أساسيات القيادة الآلية و كيفية تعامله معها وجد أن العمال أوشكوا على الإنتهاء من رص القطع في المقطورة العملاقة الملتصقة في حجرة القيادة . انتظر لدقائق قبل أن ينتهوا ثم انتظر حتى غادروا و توجه بعدها نحو مقصورة القيادة . حين وقف أمام المقصورة شعر أنه يقف أمام مبنى ضخم من طوابق ثلاث . لم يكن يبالغ في شعوره فالمقصورة مقسمة إلى طابقين ضخمين يصل بينهما سلم معدني ملتوي ذي تقنية التحرك الآلي للدرج الخاص به . الطابق الأول يحتوي على منضدة و بعض من المقاعد الوثيرة إضافة إلى لوحة تحكم خاصة بالعربة العملاقة . من خلال هذه اللوحة قام بتفعيل خاصية السائق الآلي ثم قام بكتابة إحداثيات الأحد عشر فردا داخل اللوحة . اختار أن يقوم السائق الآلي بالتحكم في سرعة السفر و طريقة التحرك سواء بالسير بواسطة العجلات الهوائية أم التحرك باستخدام تقنية الطفو الحديثة . بعدها تحرك حاملا حقيبته نحو الطابق الثاني ليجد فراشا صغيرا و إلى جواره رف متراص فوقه قطع مختلفة من الأطعمة المجمدة بتقنية التجميد الآني و التي تفقد تجميدها و تتحول لدرجة حرارة الغرفة فور أن يقوم بفك ما يلف هذه الأطعمة . جلس على الفراش و شعر ببدء تحرك السيارة من الجراج . لم يكترث بعدها بما حوله و بدأ يسترجع شريط تسجيل حركة عربات الشحن من السفينة إلى شقته بتركيز بالغ .

2020/02/04 · 579 مشاهدة · 1299 كلمة
Ranmaro
نادي الروايات - 2024