دخل إبرو على موقع شركة الشحن من جديد و استعان بالكود الخاص بشحنته لإعادة متابعة خط سير الرحلة . هذه المرة لم يكن بحاجة إلى تضييع أي وقت نظرا لأن الرحلة كانت مسجلة فقام بالذهاب مباشرة إلى موقع الشحنة قبل مدينة العلمين الحديثة . وجد أن الشحنة ما إن وصلت إلى مدينة العلمين حتى اختفت . قام بتسريع التسجيل مجددا ليجدها حين وصلت مدينة الضبعة القديمة عاودت الظهور من جديد . أعاد ذلك المقطع أكثر من مرة و حاول تقليل سرعة التسجيل و تقريب الخريطة قدر الإمكان . الشحنة تختفي فور عبورها نطاق مدينة العلمين لتعود للظهور مجددا ما إن تصل إلى حدود مدينة الضبعة . ظل محدقا في تلك المنطقة التي تمتد لمسافة عشرين كيلومتر تقريبا و في داخله تساؤل واحد : ماذا هناك ؟

خرج من موقع الشركة ثم قام بكتابة إحداثيات تقع في منتصف تلك المسافة . وجد صفحات كثيرة متعلقة بالمكان الخاص بتلك الإحداثيات . تصفحها في سرعة ليجدها جميعا تتحدث عن شيء واحد : محطة العلمين الكمية . صدمه الأمر بغتة ليدرك حقيقة ما يوجد هناك . إنها محطة حديثة لتوليد الطاقة عبر إستخدام تقنية الكم . نظرا لأن طاقة الكم المنبعثة من المحطة تقوم بالتشويش على الموجات الكهرومغناطيسية و غيرها من الموجات القديمة , لهذا السبب فلا يمكن للأقمار الصناعية المعتمدة على التقنيات الأقدم التجسس على تلك المنطقة قط . بحث في أكبر قدر ممكن من الصفحات التي تتحدث عن تلك المحطة و تأثيرها على المنطقة حولها ليتقين من صحة تخمينه . ارتسمت إبتسامة واسعة على وجهه ..

-أخيرا قد وجدتك !

كان أمامه مخطط لمدينة صغيرة حجمها لا يشبه حجم المدن لا من قريب ولا من بعيد . هذه المدينة الأشبه بالقرية تقع إلى جوار المحطة مباشرة و تقوم بخدمة عمال المحطة و توفير الموارد اللازمة لهم . أخذ يبحث عن كل المعلومات المتعلقة بقرية " سباي " و التي نظرا لصغر حجمها و قلة تواصلها على الإنترنت و لموقعها القريب للغاية من المحطة الكمية فلم يقدر على إيجاد الكثير من المعلومات بشأنها . أشعره هذا بطمأنينة أكثر , أما عن تواصله باللعبة فلم يكن قلقا . فعلى حد علمه الأقمار الصناعية المسئولة عن توفير التواصل بين اللاعبين قد تولى النيزك الغريب مهمة صنعها بتقنيات متقدمة للغاية لا يعرفها البشر . كذلك تقع سيطرة تلك الأقمار بشكل تام في يد النيزك . لهذا فسيقدر على اللعب كما يريد دون أن يخشى من مراقبة أحد له .

قام بالبحث عن أي شركة تقوم ببيع عقارات بالمدينة الصغيرة . لم يكن بحثه سهلا كما توقع , فأغلب المباني الموجودة بها تقع تحت ملكية المحطة الكمية لتوفر مكان لإقامة العاملين فيها . بعد وقت طويل من البحث وجد نزلا مخصصا لاستقبال التقنيين الأجانب المسئولون عن أعمال الصيانة و توفير المواد الخام و التقنيات اللازمة للمحطة . لم يكن نزلا كبيرا بالمعنى المعروف إنما من خلال صورته التي ظهرت على شاشة هاتفه استنتج أنه مبنى لا يتجاوز الخمسة طوابق إرتفاعا تحيط به حديقة من كل الإتجاهات يحدها سور حديدي يمنع المتطفلين من الدخول إلى حرم النزل . أعجبه جو الخصوصية و الغموض المحيطين بهذا النزل رغم بساطة تصميمه و عدم توفر كثير من المعلومات عنه سوى رقم الهاتف لحجز الغرف . لم يتردد لحظة على الرغم أن مخزونه المادي قد استنفذ منه الكثير في الأيام السابقة إلا أنه حين تواصل مع النزل عبر الهاتف و عرف أسعار الغرف كان على ثقة تامة بمقدرته على تحمل تكلفة تأجير غرفة بالنزل لثلاث سنوات على أقل تقدير . من الأسعار التي سمعها من عامل الهاتف أيقن أن ظروف المنطقة الخاصة جعلت مالكي النزل يقللون كثيرا من أسعار الغرف في محاولة لجذب أكبر عدد ممكن من العملاء . لو كانت أسعار النزل كغيرها من نزل الإسكندرية الحديثة لما قدر إبرو على تأجير غرفة صغيرة فيه لفترة تصل إلى عام واحد . أما الآن فقد استأجر أكبر جناح بالنزل لسنوات ثلاث كاملة .

بعدما أخذ بيانات النزل الإلكترونية قام بتحويل مبلغ يكفي إقامته هناك للمدة كاملة . كانت الإقامة تشمل خدمة الغرف و الوجبات الثلاث و أي انتقالات خاصة في المدينة و خارجها . رغم تردده لوهلة في اختيار كل هذه الخدمات نظرا لخوفه أن يجذب وجود كبسولة في الجناح الخاص به أنظار عاملي النزل إلا أنه تجاوز ذلك بسرعة , فالكبسولات المخصصة للألعاب منتشرة للغاية في مصر الآن . ما الغريب إذن في وجود كبسولة بجناحه ؟ أما عن إمتلاك شاب صغير مثله لثروته الصغيرة التي ضاع قسم كبير منها للتو فكان التبرير الأمثل لوجودها و الذي سيستنتجه الجميع هو أنه لاعب محترف لإحدى الألعاب الأونلاين ممن يسمعون عنهم طيلة الوقت و المعروف عنهم دائما بغرابة تصرفاتهم و عشقهم للعب في مناطق غريبة . بعدما فكر في هذا كله شعر بالراحة لإختياره مدينة سباي . بعدها دخل مجددا لحساب شركة الشحن و قام بمسح سجل رحلة شحن كبسولاته . لم يكن قلقا من أن يثير إختفاء سجل رحلته الشكوك فأولا هناك عدد كبير من اللاعبين في المنطقة و في مصر سيلعبون اللعبة و من ثم فالأعين ستكون مشتتة بين عدد ضخم منهم . ثانيا كان موقن أن سجل شحن الكبسولات له لن يتعقبه أحد سوى إن استطاع جذب الأنظار إليه حينها سيكون أقل مشاكله هو سجل الرحلة الذي حذفه . أما النقطة الأخيرة فتمثلت في أن إزالته لسجل الرحلة سيضع كثيرا من العراقيل أمام من سيتولى مهمة النبش خلفه , و ربما يكون محظوظا و لن تقدر الشركة على استعادة التسجيلات الكاملة حينها و سيكون فقط أمامهم سجلا بنقطتي بداية و نهاية الرحلة . مهما كان فتلك الخطوة لن تعرضه للخطر و ربما تكسبه بعضا من الوقت الثمين في المستقبل .

لم يطل مكوثه في العربة كثيرا , حيث وصل إلى مقر إقامة كل لاعب من فريقه و قام بالحديث قليلا معهم . قام بعدها بتركيب الكبسولات في منازلهم و طلب منهم عدم الحديث مع أحد بشأن لعبهم في لعبة المستقبل متعللا بأنه يرغب في إضفاء جو من الغموض بشأن ستوديو سفينكس وسط مجتمع اللاعبين . لم يكن واثقا من أن طلبه ذاك سيمنعهم من إفضاء أسرار اللعبة في منازلهم لكنه على الأقل حاول أن يحجم من كم الأضرار التي قد تحدث حين يكونون في منازلهم . أما بشأن اللاعبين الأربعة الذين يمتلكون كبسولاتهم فقام إبرو بكل سهولة بتفكيك كل كبسولة منهم و قبل نقلها من منازلهم نحو المقرات الجديدة قام بإزالة الأجسام الغريبة بمهارة و توزيعها في الغرفة التي كانت الكبسولة بها مستغلا إنشغال اللاعبين بنقل أجزاء الكبسولة خارج منازلهم إلى سيارته العملاقة . ساعده على ذلك صغر حجم الأجسام الغريبة تلك حتى أنها لا تُلاحظ من على بعد قط . استغرقت رحلته تلك قرابة يوم كامل استغرق أغلبه في التنقل بين محافظات مصر المختلفة . لم يتبقَ على إنطلاق لعبة ريونيد سوى أقل من يوم واحد فقط . كان الآن داخل سيارته العملاقة في مدينة سانت كاترين القديمة . المسافة بينها و بين مدينة سباي شاسعة للغاية , فهو في أقصى الشرق الآن و عليه أن يكون متواجدا في أقصى الغرب في أقل من نصف يوم . أصدر أوامره للسائق الآلي حتى ينطلق بأقصى سرعة ممكنة له . خلال هذه الفترة جلس إبرو بمفرده داخل حجرته الصغيرة بطابقه الثاني ممسكا بدفتر ورقي قد اشتراه أثناء التجمع الذي حضره في القاهرة الحديثة . خلال أربع ساعات و هو الوقت الذي استغرقته العربة في التنقل من سانت كاترين وصولا إلى سباي قام بكتابة كل ما يمكن تذكره بشأن لعبة ريونيد . رغم أن المعلومات حاضرة في ذهنه الآن لكنه خشى أن ينسى بعض من التفاصيل خاصة أنه على وشك خوض مغامرة جديدة سيكتسب فيها ذكريات شتى . لم يرغب فقط في مساعدة نفسه بتلك المعلومات التي بحوذته , إنما يريد كذلك مساعدة أعضاء فريقه الاثني عشر . إنه يريد مساعدة آية . بعدما وصل إلى النزل بسهولة قام بركن السيارة العملاقة و التي لفتت أنظار جميع قاطني المدينة إليه في مكان فسيح داخل أسوار النزل . أنهى إجراءات دخوله للنزل في سلاسة بعدها تحرك صعودا صوب الطابق الخامس . لم يكن بحوذته سوى حقيبته الصغيرة المحتوية على ملابسه , أما عن أجزاء الكبسولة خاصته و الموجودة في مقطورة سيارته فقد كلف بعض من عمال النزل بنقلها بحرص إلى جناحه الخاص . كان الجناح مكون من ثلاث غرف كبيرة و صالة تقارب في حجمها حجم الغرف الثلاث جميعا . رغم أنه لم يعلق آمالا على جودة النزل و فخامته إلا أنه حين تجول داخل أرجاء مكانه الجديد شعر بالرضا التام عنه . فالجناح يحوي أثاثا يمكن إعتباره بالجيد . رغم خلو الجناح من مظاهر الفخامة إلا أن أناقة الألوان المتداخلة و التوزيع المريح للأثاث منحه دفئا أشعره أنه في منزله . لقد أحب إبرو هذا الجناح .

لم ينتظر كثيرا حتى انتهى العمال من نقل كل أجزاء الكبسولة إلى جناحه . بعدها قام بتركيب الكبسولة في سهولة , و بعد ربع ساعة تقريبا كانت كبسولته جاهزة للاستخدام . قام بعدها بتجربة الكبسولة فوجدها كما توقع متصلة بخوادم اللعبة عبر الأقمار الصناعية . الآن كل شيء جاهز وما عليه سوى الإنتظار لساعات قبل بدء اللعبة . كما كان يتذكر من الماضي فإن بدء اللعبة سيكون في تمام الثانية عشر ليلا . قام بتخزين إسطوانات السوائل المغذية في حجرة من حجرات الجناح ثم قام بتوصيل عشرة إسطوانات بالكبسولة . كل إسطوانة لا يزيد حجمها عن حجم كف اليد تقريبا لكن في جعبة كل منها ما يكفي تغذيته لأسبوع كامل . عشرة إسطوانات لعشر أسابيع متواصلة من اللعب المستمر . نظر لساعة هاتفه ليجدها قاربت على الخامسة عصرا . لازال أمامه سبع ساعات حتى بدء اللعبة . جلس على أحد المقاعد المريحة و بدأ في كتابة كل ما يتذكره عن تفاصيل اللعبة منتظرا بدء اللعبة .

2020/02/04 · 544 مشاهدة · 1511 كلمة
Ranmaro
نادي الروايات - 2024