قبل أن يتمكن أي منهم من الرد، ظهرت امرأة شابة من داخل البوابة. كانت تحمل ملامح ناعمة وعيوناً مليئة بالحنان والحكمة، لكنها اتسعت بدهشة عند رؤية يوجين.
قالت بصوت مليء بالمشاعر: "لا يمكن... أنت تشبهه تماماً..."
كانت كلماتها غير مكتملة، لكن تأثيرها كان واضحاً. نظراتها كانت تحمل ذكريات الماضي وأسراراً لم تُفصح عنها بعد.
وقف يوجين في مكانه مدهوشاً، بينما كانت المرأة تقف على عتبة البوابة تحمل نظرات مزيجاً من الدهشة والحنين. اقتربت بخطوات بطيئة، وعيناها موجهتان نحو وجه يوجين كأنها تبحث عن إجابة.
قالت بصوت مرتجف: "لا أصدق... أنت... تشبهه تماماً، لكنك لست هو... كيف يمكن هذا؟"
أجاب يوجين بصوت خافت وكأنه بالكاد يستطيع التحدث: "أتعرفين والدي؟ هل كنتِ تعرفين ويليام؟"
تقدمت المرأة أكثر حتى أصبحت على مقربة منهم، ووضعت يدها على صدرها، تحاول كبح مشاعرها المتدفقة. قالت: "ويليام... كان أكثر من مجرد صديق. كان الأخ الذي لم أحظَ به، والمعلم الذي علّمني معنى السلام. كان يأتي هنا كثيراً..."
قاطعتها الفتاة الصغيرة التي أمسكت بيدها وقالت بحماسة: "أمي، أليس هو العم؟ ألم تقلّي لي إن العم ويليام كان دائماً يساعد الناس هنا؟"
نظرت المرأة إلى ابنتها بعطف، ثم عادت بنظرها إلى يوجين وقالت: "أنا آسفة إن سببت لك الحيرة، لكن... وجهك يشبهه تماماً، عدا عينيك. تلك العينان تحملان غضباً لم يكن موجوداً في ويليام."
صمت الجميع للحظات، قبل أن يتقدم كايدن خطوة للأمام وقال بحزم: "يبدو أن ويليام كان له علاقة وثيقة بهذه المملكة. هل يمكن أن تخبرينا عن ذلك؟ نحن هنا لأمر متعلق به."
---
جلست المجموعة داخل منزل بسيط قريب من البوابة، والمرأة تقدم لهم أكواباً من الشاي الدافئ. عرفوا أن اسمها كالين، وأنها تعيش في هذه المملكة منذ سنوات طويلة.
قالت كالين وهي تنظر إلى كوبها: "ويليام كان رجلاً استثنائياً. كان يرى في هذه المملكة مثالاً على العالم الذي أراد بناءه. كان يأتي إلى هنا بين الحين والآخر ليهرب من فساد الإمبراطورية، وكان يتحدث دائماً عن تغيير العالم. كان يعتقد أن السلام يبدأ من هنا."
سأل رين بشيء من الفضول: "لكن إذا كان يأتي هنا، هل تعرفين شيئاً عن الكتب التي تركها؟ نحن نبحث عنها."
هزت كالين رأسها وقالت: "كان يتحدث عن كتبه، لكنه لم يترك أي شيء هنا. قال لي مرة إن الكتب تحمل عبئاً ثقيلاً، وإنها ليست للسلام، بل للحرب."
بعد الحديث الطويل، قرر الأربعة البقاء في المملكة لبعض الوقت لاستكشاف أسرارها وفهم العلاقة التي كانت تربط ويليام بها.
في اليوم التالي، خرج يوجين ليتمشى في شوارع المملكة، محاولاً استيعاب ما سمعه. كان كل شيء هنا يبدو مختلفاً عن الإمبراطورية، وكأن هذا المكان يحمل ذكرى والده في كل زاوية.
وفي الوقت نفسه، كان كايدن ورين يبحثان عن خيوط قد تقودهم إلى الخطوة التالية في رحلتهم. أما إيلياس، فقد بدا منجذباً لهدوء المملكة وكأنه يجد فيها راحة افتقدها طويلاً.
بينما كان الأربعة يخططون لخطوتهم التالية، اقترب رجل عجوز من كالين في السوق، وهمس لها بشيء جعل ملامحها تتغير تماماً. عادت إلى المنزل بسرعة، ووجّهت نظرة جادة إلى كايدن وقالت: "هناك شخص يريد مقابلتكم. يقول إنه يعرف شيئاً عن الكتب... وعن ويليام."
في قصر الإمبراطور
كان الإمبراطور جالسًا على عرشه، عابسًا، وهو يتابع تفاصيل الاستعدادات العسكرية على الخريطة. كانت الأخبار القادمة من مختلف الجبهات تشير إلى أن الثوار والمتمردين كانوا يستعدون للانتفاضة ضد حكمه. كان يعلم أن عليهم التحرك بسرعة لمنع انهيار سلطته.
قال الإمبراطور، بنبرة غاضبة: "نحن في حاجة إلى خطة حربية محكمة، لن نسمح لهؤلاء الثوار بالتمكن من إسقاطنا. سيرافين، هل لديك ما يغير الموازين؟"
رد سيرافين، مستشار الإمبراطور الاستراتيجي البارع: "جلالتك، لدينا خيارات عدة، ولكننا بحاجة إلى استراتيجية محكمة لتفريق صفوفهم. الأمر يتطلب فكرًا مبدعًا واستخدام جيوشنا بكفاءة. سأركز على الهجوم النفسي والعسكري في آن واحد."
ابتسم الإمبراطور وقال: "أريد أن أراها تُنفذ على الأرض، سيرافين. قدم لي خطتك."
---
الخطة الحربية: "القبضة الحديدية"
وقف سيرافين أمام الخريطة، يشرح تفاصيل خطته العسكرية.
"أولاً، سأنشئ شبكة من المناورات السريعة لشل تحركات الثوار قبل أن يتمكنوا من التوحد. سيكون لدينا فصائل صغيرة تتسلل إلى الأراضي التي يعتقدون أنهم آمنون فيها، وتهاجمهم فجأة. في الوقت نفسه، سنقوم بحرب نفسية، بنشر إشاعات عن خطط هجوم مضادة تجعلهم يعتقدون أن الجيش الإمبراطوري يحشد قوات ضخمة في أماكن لم يتوقعوها. هذه الحيلة ستجعلهم يترددون في الهجوم بشكل مباشر."
واصل سيرافين حديثه، بينما كان يركز على الخريطة: "في نفس الوقت، سنرسل وحدات استطلاع للإيقاع بالقادة الرئيسيين للثوار. يجب أن تكون الضربة موجهة إلى القيادة، وليس الجيوش الصغيرة فقط. ما يهم هو شل القدرة القيادية في اللحظة الحاسمة."
وأضاف: "نحن بحاجة أيضًا إلى إخفاء تحركاتنا حتى اللحظة الأخيرة. سنعتمد على الوحدات التي لا يعلم عنها الثوار شيئًا، مثل القوات المتنكرة. سنحشد جميع عناصرنا بالقرب من المناطق التي يتوقع الثوار أن تكون آمنة لهم، مثل الغابات والجبال، وبعدها، ستكون الضربة قاضية."
بينما كانت الخطة العسكرية تُنفذ، كان البارون ديكلان وفيونا يعملان في الظل، يُنسقان مع بعض صفوف الثوار. كان لديهم أهداف خاصة: نشر الشائعات حول الخلافات حول الإمبراطور، وتشويه سمعته أمام الجنود العاديين.
قال ديكلان بابتسامة خفية: "الامبراطور لا يعرف أنني أضع هذا الفخ. أنا أعرف كيف أزرع الفتنة بينهم."
وفي نفس الوقت، كانت فيونا تتنقل بين أروقة الممالك السرية، تُحاول جمع مزيد من المعلومات حول تحركات الإمبراطورية.
ـ مملكة السلام -
الرجل: "يوجين ابن ويليام، وكايدن النبيل، من كان يظن أنكم ستأتون بمفردكم دون ويليام يومًا ما؟ على أي حال، أنا أعلم بعض الأشياء عن الكتب، وسأكون سعيدًا بمساعدتكم بالطبع."
بدأ يوجين يتحدث بسرعة: "عندما رأيت خريطة الإرث في كتاب آرون، لم أتمكن من العثور على مكان الكنز في أي جزء من الإمبراطورية. أين عساه أن يكون؟"
صمت الرجل قليلاً ثم قال: "بالطبع، لن تجده في الإمبراطورية، لأن إرث ويليام العظيم في مملكة السلام."
قال يوجين: "هذا يوضح الكثير. كان من الصعب على آرون العثور على الإرث في كل حال."
قاطعهم كايدن قائلاً: "إذاً، فلنذهب إليه بسرعة. فريز يقول إنه ليس أمامنا وقت طويل، الإمبراطور يخطط لشيء ما."
أومأ الجميع بالإيجاب، ثم توجهوا إلى المكان المحدد في الخريطة.
عند وصولهم، لم يجدوا شيئًا، لكنهم بدأوا في الحفر في المكان المذكور في الكتاب. وبعد ساعات قليلة، وجدوا صندوقًا كبيرًا. وعند فتحه، فوجئوا بوجود أموال طائلة قد تعيد إعمار مملكة كاملة وأكثر.
فرح الجميع بشدة، فهذا يساعدهم كثيرًا. ثم قال كايدن: "الآن نريد أن نعرف كيف سنستفيد من هذه الأموال لتساعدنا على الفوز."
قال يوجين: "لو كان والدي هنا، لوضعنا خطة استراتيجية محكمة."
ثم استغرب الرجل قائلاً: "هل تظنون أن ويليام هو من كان يضع الخطط؟"
قال الإثنان في وقت واحد بدهشة: "أليس هو؟"
ضحك الرجل ورين وإيلياس، ثم قال الرجل: "هاهاها، لا، ليس هو، بل هو فاليريان، مستشار مملكة السلام."
في نهاية المطاف، كانت خطة سيرافين قد وضعت الإمبراطورية في موقف قوي. لم تكن الهجمات العسكرية وحدها هي التي ستحدد النصر، بل كانت الحرب النفسية والتكتيك العسكري الذكي هما العنصر الحاسم.
قال سيرافين للإمبراطور، وهو يتأمل الخريطة: "الجيوش على أتم استعداد. سنبدأ الهجوم في الأسبوع التالي، بعد أن تكتمل الفوضى بين صفوفهم."
وأضاف مبتسمًا: "لن يكون لديهم أي فكرة عما ضربهم."
أجاب الإمبراطور بابتسامة باردة: "ممتاز، سيرافين. ولكن تذكر، لا مجال للفشل."
وصل كايدن ويوجين إلى قريه نائية في أقاصي الأراضي، حيث كان هناك رجل يُدعى "فاليريان". كان هذا الرجل معروفًا بعبقريته في التخطيط الحربي، وأسطورته كانت تتحدث عن كيفية قيادته لجيوشٍ انتصرت رغم الأعداد الضئيلة مقابل قوات أكبر وأقوى. كانت السمعة التي بناها في الأرض المحرومة من الحروب تُثير الفضول حوله، فقد كان يُعتبر "عقل الحرب" الذي لا يُهزم.
عندما التقيا به، كان الرجل جالسًا في خيمة صغيرة وسط الأراضي المهجورة، يراقب خريطة مفصلة للأراضي المحيطة. كانت ملامح وجهه حادة وعيناه مليئة بالتركيز. نظر إليهما مبتسمًا قليلًا، وقال:
"أهلاً بكما، أعرف لماذا جئتما. لكن دعوني أخبركما شيئًا: العقول الكبيرة لا تحتاج إلى جيش كبير لتحقيق النصر، بل تحتاج إلى أن ترى الحرب من زاوية مختلفة."
قال كايدن وهو يحاول قراءة ردود فعله: "إذا كنت قادرًا على إيقاف سيرافين، نحن بحاجة إلى مساعدتك. الإمبراطورية قوية، ونحن نواجه تحديات ضخمة."
رد فاليريان بنبرة واثقة: "سيرافين عبقري، ولكن هناك دائمًا نقطة ضعف في كل خطة. إذا كنتم ترغبون في قلب موازين المعركة، عليكم التفكير بشكل غير تقليدي. الاستراتيجية ليست فقط في الهجوم والدفاع، بل في القدرة على تغيير ميدان المعركة بذكاء."
بعد عدة ساعات من النقاش والتخطيط، قدم فاليريان خطته المضادة للإمبراطورية:
"لن نواجه جيوش سيرافين مباشرة، بل سنجعلهم يقاتلون أنفسهم. أولاً، نحتاج إلى زرع الفوضى داخل صفوفهم. سأجعلهم يعتقدون أنهم محاطون في مناطق لا يمكن الهروب منها، باستخدام المعلومات المضللة والمناورات التكتيكية الدقيقة."
ثم شرح قائلاً: "سنبدأ بتقسيم الجيوش الإمبراطورية إلى فرق صغيرة، وننقل هذه الفرق بسرعة بين الجبال والغابات باستخدام فرق استطلاع متخصصة. سنجعلهم يظنون أن العدو يهاجم من عدة اتجاهات مختلفة في وقت واحد. سنزرع الشكوك بينهم، بحيث يصبح كل قائد في الجيش الإمبراطوري في حالة من التردد."
أضاف فاليريان: "وفي اللحظة التي يبدأ فيها سيرافين بتوجيه المزيد من القوات لمواجهة العدو الوهمي، سننفذ هجومًا مفاجئًا على قلب القوات الإمبراطورية. نحن لن نواجههم بجيوش كبيرة، بل سنعتمد على ضربات سريعة وموثوقة تستهدف القادة العسكريين الرئيسيين، كل ذلك سيكون تحت اشرافكم انتم والثوار عندما تعودون سأقول لكم الخطة فقط."
عندما خرجوا من الخيمة، سألهم الرجل: "لماذا ترغبون في الانقلاب على الإمبراطورية؟ هل هناك سبب؟ هل الإمبراطور الحالي سيء؟"
أجاب يوجين بغضب: "هناك فساد في الإمبراطورية وتمييز بين الطبقات. وعندما أرى فضائحه في كتابي، أراه مُدانًا بالكثير، بالكثير جدًا."
ثم أضاف: "كما أن كايدن يعتقد أنه هو من أرسل القتلة لقتل ويليام."
قال الرجل: "من المؤسف أن تكون هذه حال الإمبراطورية. أرجو أن تواصلوا ما بدأه ويليام، واستفيدوا من كل شيء تركه: الكتب، المال، الأصدقاء، الجيش، والأسلحة."
أجاب كايدن: "هذا ما نحن على وشك القيام به بالفعل."
ثم قال كايدن: "إذاً، متى سوف نعود؟ إذا بدأ الإمبراطور تنفيذ خطته، سيكون أصدقاؤنا في ورطة. يجب أن نخبرهم بخطة فاليريان."
قال يوجين: "من الصعب علينا العودة الآن. يجب أن نرتاح أولًا. يمكننا الذهاب غدًا."
عادوا إلى وسط المدينة.
في وسط ساحة مملكة السلام، جلس كايدن تحت شجرة وارفة الظلال. كان المكان يعج بالحياة، الأطفال يلعبون، والباعة ينادون على بضائعهم، لكن وسط كل ذلك، كان كايدن في عالم آخر. أمسك بجعبة صغيرة، ثم أغلق عينيه وبدأ بالغناء بصوت عذب شجي، كأنه ينسج حكاية وسط السكون:
"حين يغيب القمر خلف الغيوم،
ويصبح الحلم مجرد هموم،
أنظر للسماء وأجدد النور،
فأنا السائر في درب يدوم.
في القلب شعلة رغم الجراح،
تضيء الطريق وتُزيل الرياح،
صوت الحق ينادي من بعيد،
وأملي يقودني نحو الفلاح.
لا تَخشَ الليل إن طال ظلامه،
ففي داخلك شمس تدرك مقامه،
كن كما كنت دائمًا شجاعًا،
واجعل قلبك قوة وسلامه."
بينما كان صوته ينساب كالموج، بدأ الناس يتجمعون حوله، وكأن الأغنية جذبتهم بسحر خاص. بين الحشد، ظهرت تلك الفتاة ذات الشعر الأسود الطويل التي قابلها فور وصوله إلى المملكة. كانت تحمل سلة من الورود، وعندما سمعت صوته، توقفت في مكانها تنصت بانبهار.
عندما أنهى كايدن الغناء، ساد الصمت للحظة، ثم بدأ الحاضرون يصفقون بحرارة. اقتربت الفتاة منه بابتسامة خجولة.
الفتاة: "أنت تغني؟ لم تخبرني بذلك عندما تحدثنا أول مرة!"
رفع كايدن عينيه إليها وابتسم بلطف.
كايدن: "الغناء... شيء لا أفعله كثيرًا، لكنه يساعدني على التعبير عن ما لا أستطيع قوله بالكلمات."
جلست بجانبه وهي تضع السلة بجانبها.
الفتاة: "كلماتك كانت جميلة... وكأنها تخاطب قلوبنا. هل كتبتها بنفسك؟"
كايدن: (بهدوء) "هي ليست كلمات فقط، بل جزء مما أحمله في داخلي. أحيانًا، تحتاج إلى البوح، حتى لو لم يكن هناك من يفهم."
نظرت الفتاة إليه بصمت للحظة، ثم قالت:
الفتاة: "أتعلم؟ عندما تغني، يبدو وكأنك تتحدث إلى العالم بأسره، لكن بطريقة تجعل كل فرد يشعر أنك تغني له وحده."
ابتسم كايدن لتلك الكلمات، ثم نظر إلى الأفق حيث كانت الشمس تلامس أطراف الجبال.
كايدن: "ربما الغناء ليس سوى طريقة أخرى لنقول للعالم إننا ما زلنا هنا، نحلم ونأمل."
ساد الصمت بينهما للحظة، لكنه لم يكن صمتًا ثقيلًا. كان صمتًا مليئًا بالفهم. نظر كايدن إلى الفتاة وقال:
كايدن: "شكرًا لأنكِ أتيتِ... حضوركِ جعل هذه اللحظة أفضل."
كان يوجين وإيلياس ورين يقفون بعيدًا خلف إحدى الأشجار، يراقبون المشهد بصمت. بدا كل منهم متأثرًا بطريقته، حيث اتخذت تعابيرهم مزيجًا من الفخر والإعجاب.
رين: (يبتسم بخفة وهو يعقد ذراعيه) "كايدن يغني؟ لم أكن أظن أنه يمتلك هذه الموهبة. يبدو وكأنه شخص آخر هناك."
إيلياس: (يضع يده على ذقنه) "هو دائمًا كان يمتلك شيئًا خاصًا. كلماته تحمل ثقلًا من المشاعر... كأنه ينقل ما في قلبه مباشرة إلى قلوب الآخرين."
يوجين: (بصوت هادئ وهو ينظر إلى كايدن) "هذا ما يجعله مميزًا. كايدن لا يتحدث كثيرًا عما يشعر به، لكنه يُظهر كل شيء من خلال أفعاله... أو في هذه الحالة، من خلال صوته."
رين: (يضحك بخفة) "لم أكن أعلم أنك شاعر، يوجين. لكن لا أستطيع أن أنكر... ما فعله اليوم شيء مدهش. الناس هنا ينظرون إليه وكأنه بطل."
إيلياس: (يبتسم) "لأنه كذلك. كايدن يحمل شيئًا لا يستطيع كثيرون فعله... القدرة على لمس القلوب، سواء بالسيف أو بالكلمات."
يوجين: (يشرد قليلاً، ثم يقول بهدوء) "ربما هذا ما يجعله القائد الذي نحتاجه. هو لا يسعى فقط لتحقيق العدالة أو تغيير العالم، بل يسعى لجعل الجميع يؤمنون بأنه يمكنهم أن يكونوا أفضل."
رين: (ينظر إلى يوجين بابتسامة جانبية) "هل هذا اعتراف من يوجين بأنه فخور بصديقه؟ لم أكن أتوقع أن أسمع هذا منك!"
يوجين: (يضحك بخفة) "لا أحتاج أن أقول ذلك. كايدن يعرف."
إيلياس: (ينظر إلى كايدن بإعجاب) "أتعلمون؟ ربما في يوم من الأيام، ستكون هذه اللحظة جزءًا من الحكاية التي تُروى عنه. ليس فقط كمناضل أو مقاتل، بل كإنسان يعرف كيف يمنح الأمل."
غادر الثلاثة المكان بهدوء، تاركين كايدن وسط الناس، محاطًا بالحب والتقدير، وقلوبهم مليئة بالفخر تجاه قائدهم وصديقهم.
في العاصمة
آرون، المعروف بدهائه وحنكته في بناء العلاقات، استطاع كسب ثقة عدد من الشخصيات المؤثرة في البلاط الإمبراطوري. بفضل قدرته على التلاعب بالكلمات وإظهار الولاء، شق طريقه ليقترب من الإمبراطور نفسه. وفي إحدى القاعات المزخرفة للقصر الإمبراطوري، وقف آرون أمام الإمبراطور، يروي له تفاصيل رحلته وحجته ضد كايدن ورفاقه. قال آرون بنبرة تمزج بين الغضب والحزن: "جلالتك، هؤلاء الشباب ليسوا سوى خونة متنكرين تحت ستار العدالة. لقد أخذوا مني شيئًا أثمن من حياتي، شيئًا لن يعود أبدًا." لم يكن الإمبراطور متأثرًا بكلماته فقط، بل بدا وكأنه يتفهم مدى الألم الذي يشعر به آرون.
مع مغادرة كايدن ورفاقه مملكة السلام، كانت الأجواء مشحونة بالقلق والتوقعات، البحر الهادئ يعكس ضوء القمر الخافت، وكأن كل شيء في العالم ينتظر لحظة الحسم. لم يكن الطريق إلى مملكة السيوف سهلاً، إذ كان كل خطوة نحوها تعني الاقتراب من مصير مجهول. بينما اقتربوا من شاطئ المملكة، قطع صوت سفينة تراقب الأوضاع الهادئة الأفق، وهي تتحرك بسرعة نحوهم، وكأنها تجسد عاصفة قادمة لا مفر منها.
فجأة، انفجر البحر بقوة مع انطلاق قذيفة مائية هائلة تجاههم، مما دفعهم للتفرق بسرعة، عيونهم مليئة بالدهشة والذعر. كان الأمر أشبه بكابوس يلاحقهم. في تلك اللحظة، انزل "عين الصقر" ذو القلنسوة قاربًا صغيرًا، لكن القارب لم يتسع للجميع. شدد نظره على كايدن ويوجين، قائلاً بنبرة هادئة لكن ثقيلة، "كايدن، إذا لم آتي، فأرجوك، أخبر أبيك أنني آسف."
ثم خلع القلنسوة، وكأنها كانت تحفظ سرًا طويلاً. لم يستطع كايدن أن يصدق عينيه، فالرجل الذي أمامه كان يشبهه بشكل غريب، وبنظرة تأملية، اكتشف الحقيقة: كان هذا هو عمه، الرجل الذي طالما سمع عنه في القصص ولكنه لم يعرفه قط. كان وجهه يحمل نفس الملامح، نفس النظرة الثاقبة، التي لطالما رأها في مرآة نفسه. وفي تلك اللحظة، كان الزمن قد توقف، وكأن البحر نفسه انتظر للحظة حاسمة.
بينما انطلقت الكلمات من فم "عين الصقر" كرصاصة في قلب كايدن، بدأ القارب الذي حمله مع يوجين بالتحرك نحو الشاطئ. الأمواج تدفعه بقوة، وكأنها كانت تحاول إيقافه. لكن، مع كل دفعة من الأمواج، اقترب القارب أكثر من الشاطئ، ليترك كايدن في حالة من الحيرة، بين شكوكه حول ما سمعه، وبين هذا اللقاء الغريب.
---
عندما وقف على الشاطئ مع يوجين، تداخلت كل الأفكار في ذهنه. ماذا يفعل؟ ما هي خطوته القادمة؟ وبينما كان يجري، كان يوجين يلاحقه ويحاول تهدئته، حتى استوقفه شخص أشقر. وعندما لاحظ كايدن ملامحه، بدأ يتحدث باستغراب:
"ميشيل؟ ميشيل أخو ماكسويل؟ ما الذي جاء بك إلى هنا؟"
أجاب ميشيل: "كايدن، هناك شيء مهم جدًا يجب أن أخبرك به."
رد كايدن بغضب: "هذا ليس مهمًا الآن، ميشيل. ما الذي يمكن أن تخبرني به أنت وفي وقت كهذا؟" ثم تابع جريه نحو المملكة.
في
تلك اللحظة، صرخ ميشيل بأعلى صوته ليصل إلى أذن كايدن بوضوح: "كايدن!!!"
توقف كايدن للحظة وقال: "ماذا الآن؟"
أجاب ميشيل: "متى ينتصر السيف بلا قتال؟"
تجمد كايدن في مكانه وكأن صاعقة أصابت عقله، تحجرت الكلمات على لسانه.