ـمملكة السيوفـ

وبعد انتصاف النهار، سارع الثلاثة إلى المسابقة لمشاهدة المبارزة الثانية. كانت المبارزة الثانية مليئة بعدم الخبرة، فقد كان المتنافسان عديمي الخبرة للغاية، ورغم سعيهما للفوز بأي طريقة، إلا أنهما لا يملكان من المهارات أو القوة شيئًا، مما أدى إلى مبارزة مملة للغاية، جعلت كايدن يتساءل: "لماذا قد يفعل الإنسان هذا بنفسه؟"

مال؟ مكانة؟ لم يكن يعلم، مما تركه في حيرة من أمره.

في تلك الأثناء، عندما كانت المباراة على وشك الانتهاء، ذهب الناس إلى بيوتهم من شدة الملل، بينما ذهب يوجين ورين إلى النزل ليرتاحا فيه، وبقي كايدن في حيرته. فجأة، جاء رجل ذو قلنسوة سوداء ولحية كثيفة، يرتدي في وجهه شيئًا يشبه القناع، ليخبر كايدن، الذي كان متخفيًا بدوره، بأنه يجب عليه الذهاب إلى مكان معين وصفه له.

أجاب كايدن، مستغربًا:

ولماذا عليَّ ذلك؟

رد الرجل:

= ستعرف، سيكون ذو منفعة كبيرة لك فيما بعد.

ـ في ماذا قد ينفعني؟

= في الأمور البحرية وتلك التي تتطلب عددًا كبيرًا من الرجال. قل، أريد مقابلة "فريز".

ـ ولماذا قد يساعدني ذلك "فريز"؟

= بسببي.

ـ ولماذا تساعدني أنت؟

ابتسم الرجل، ثم أدار ظهره مغادرًا، مجيبًا على كايدن:

"هذا ليس مهمًا الآن، كايدن. ولكن يمكنك قول إنه تكفير عن خطأ قمت به."

مسك كايدن سيفه بسرعة، وأصبح في وضع حذر وخوف. كيف له أن يعرفه بعد تخفيه وإزالة كل ما يتعلق بعائلته؟ وتلك الابتسامة؟ لم تكن ابتسامة غريب أبدًا.

بقى كايدن في مكانه للحظات بعد رحيل الرجل، متسائلًا عن هويته وكيف استطاع معرفة اسمه رغم كل الاحتياطات التي اتخذها. لكنه أدرك أن الوقوف في الحيرة لن يوصله إلى شيء، فقرر الذهاب إلى المكان الذي وصفه له الرجل ذو القلنسوة.

وصل كايدن إلى مرفأ جانبي بعيد عن أعين العامة، كان المكان يبدو وكأنه مهجور للوهلة الأولى، لكن مع اقترابه بدأت تظهر علامات حياة. سفن ضخمة كانت راسية هناك، بعضها يحمل علامات القراصنة الواضحة، والآخر يبدو وكأنه جزء من أساطيل تجارية مشبوهة. الرجال كانوا يتحركون بنشاط، يحملون البضائع ويتبادلون الحديث بصوت عالٍ، بينما الحراس يراقبون المكان بأسلحتهم.

دخل كايدن بناءً خشبيًا كبيرًا وسط المرفأ، حيث أشار إليه الرجل ذو القلنسوة. في الداخل، كان الجو مشحونًا برائحة الملح والبارود، وأصوات الصراخ والضحك تعلو في الأرجاء. كان فريز جالسًا على منصة مرتفعة في نهاية القاعة، رجل ضخم ذو وجه مليء بالندوب، وملامح تدل على خبرته الطويلة في الحياة البحرية والقراصنة.

عندما اقترب كايدن، أشار فريز بيده لحراسه ليبتعدوا.

إذن، أنت الذي أرسله عين الصقر؟

نعم، قال إنك ستساعدني.

ضحك فريز بصوت عالٍ قبل أن يجيب:

= أأنت فتى عائلة براين؟ آه، ذلك الشخص لديه طريقة غريبة في اختيار من يرسلهم لي. أخبرني، ما الذي تحتاجه؟

قال إنك خبير في الأمور البحرية ولديك رجال يساعدونك.

= صحيح. لدي رجال من كل الإمبراطوريات. أجمعهم بطرق مختلفة، بعضهم جاء بنفسه بحثًا عن فرصة، والبعض الآخر... حسنًا، لنقل إنني وجدته بطريقة أخرى. حتى عين الصقر نفسه كنت قد "قابلته" بهذه الطريقة، لكنه أثبت قيمته وأصبح شخصًا أثق به.

كايدن شعر بالغرابة من كلام فريز، لكن لم يعلق، واكتفى بالسؤال:

ما الذي تريده في المقابل؟

= الأمر بسيط. عندما تحتاجني، تدفع الثمن، سواء كان مالًا أو خدمة ،لكن انت، لن أحتاج منك مقابل.

- ولماذا ذلك؟

ضحك فريز قائلا: هذا ليس مهما الآن يا كايدن،ولكن يمكنك أن تقل أنه رد دين.

والآن ماذا تريد؟

صمت كايدن قليلا ثم قال: حسنا إليك طلبي...

بعد أن غادر كايدن المكان، ظل يفكر في عين الصقر وكلام فريز.

وبينما يسير في طرقات مدينة "أورين" بدأ الناس حوله في الشوارع يهمسون بأحاديث لم يكن يتوقع سماعها.

هل سمعت؟ يقولون إن الكونت، قد تم حبسه.

الكونت براين؟ مستحيل!

يبدو أن المحكمة ستجتمع قريبًا لمناقشة مصيره مرة ثانية.

توقف كايدن عن السير فجأة، وارتجف قلبه. حبس والده؟ ومحكمة قادمة؟ الثانية منها؟ ماذا حدث أثناء غيابه؟

قرر كايدن الذهاب إلى يوجين ورين ليتعرف على ما يجري.

ما إن دخل النزل حتى اكتشف أن يوجين ورين كانا يبحثان عنه بالفعل. صعدوا إلى غرفتهم بعد أن علموا أن سبب سجن ألبيرت هو ابنه. صُدم كايدن بهذا الخبر وضاق صدره. أسرع في هلعٍ محاولًا العودة إلى البيت، لكن يوجين أوقفه بسرعة حتى هدأ، ثم قال بنبرة حزينة: "كايدن، أعلم أن ما سأقوله سيكون صعبًا عليك، لكن لا يمكنك العودة الآن. إذا كان سبب سجن والدك هو أنت، فستكون في خطر دائم. ليس فقط عندما ترجع، بل في جميع أنحاء الإمبراطورية من الآن فصاعدًا. يجب علينا التخفي بأقصى طريقة ممكنة."

قال كايدن بتعجب: "ماذا تقول يا يوجين؟ أتقول أن أترك والدي مسجونًا بسببي؟ أن أترك عائلتي وحيدة بينما حياة أبي على المحك؟ لا أصدق هذا الكلام. يجب أن أرجع الآن."

مسك يوجين كتفه بقوة كبيرة، مثبتًا كايدن في مكانه، ثم رد عليه بقسوة: "أعلم أن هذا صعب عليك أيها الأحمق، لكن فكر في الأمر. ماذا ستجني من العودة سوى أنهم سيمسكون بك؟ نحن حتى لا نعلم سبب حدوث هذا، فالواقع قد يكون الأمر له علاقة بما حدث في أندورا. إذا كان الأمر كذلك، ربما عوقب كأب لخائن. وبما أنه سُجن ولم يتخلى عنك، فهذا يعني أنه يثق بك ولم يشكك في قراره. وأيضًا، هناك أدريان في المنزل، إنه أخوك الكبير يا رجل. أعلم أن العاطفة تسيطر عليك الآن، لكن صدقني، هذا أفضل لكل الأطراف."

جلس كايدن على سرير في غرفتهم، وهو مصدوم مما حدث. ما يحصل صعب عليه حتى يستوعبه.

في محكمة العاصمة تم إحضار ألبيرت مرة أخرى للمحاكمة ،من الواضح أنهم يريدون التخلص منه سأل القاضي ألبيرت: هل لديك أي شيئ تدافع به عن نفسك؟

رفع ألبيرت رأسه بثقة، لكن قبل أن يتحدث، قُطع الصمت بدخول مفاجئ لشخصية مهيبة. كان البارون ديكلان، رجلٌ يُعرف بنبله وحكمته، وصديق ألبيرت المقرّب منذ سنوات طويلة.

"مولاي القاضي!" قال ديكلان بصوت قوي وهو يتقدم نحو المنصة. "أطلب تأجيل الحكم على الكونت ألبيرت. سأتولى مسؤولية التحقق من الوضع بنفسي."

رفع القاضي حاجبيه بدهشة، لكنه سرعان ما استعاد هدوءه. "هل تفعل ذلك لأنه صديقك القديم، يا بارون؟"

ابتسم ديكلان ابتسامة واثقة وقال بحزم: "سأراهن على مكانتي النبيلة بهذا القرار. إن كنت مخطئًا، فدعوا سمعتي تكون الثمن."

في تلك اللحظة، فقد ألبيرت رباطة جأشه ظناً منه أن هناك خفايا حول هذا التدخل، وصاح بغضب: "ديكلان! لا تجرؤ على الاقتراب من ابني!"

لكن ديكلان رفع يده بهدوء، إشارةً للتمام، ونظر إلى ألبيرت بابتسامة لطيفة تحمل معاني الصداقة الصادقة. "لا تقلق يا صديقي، كل شيء سيكون على ما يرام."

حينها، أدرك ألبيرت أن ديكلان لم يتدخل إلا لحمايته وحماية ابنه كايدن. كان يتصرف كصديق وفيّ، حتى لو وضع سمعته النبيلة على المحك.

في مملكة السيوف، في الليل، كانت مدينة أورين تستقبل المزيد من الثوار الذين جاءوا لمشاهدة المبارزة الثالثة التي تجمع بين إيلياس وذلك الرجل الغامض الذي هزم "كيران". كان الثلاثة هناك، منتظرين بداية المبارزة.

وفيما كان الصمت يعم المكان، كسره رين قائلاً: "إن إيلياس من أمهر الموهوبين في مجموعة الثوار. دائمًا ما يمتاز بالخفة والمهارة، وكان من الصعب هزيمته. من المؤسف أنه يفضل العمل وحيدًا، لكنه يمتلك القدرة على ذلك."

في وسط ساحة غارقة بضوء القمر، وقف ذلك الرجل، بوجه بارد وعيون تشعّ بالثقة، يحمل سيفه كأنه امتداد لذراعه. على الجانب الآخر، وقف إيلياس، ذو الشعر الأسود الكثيف الذي تناثرت خصلاته بفعل الرياح. نظراته لم تكن تقلّ حدة عن خصمه، وسيفه اللامع يتمايل بخفة في يده، وكأنه يتنفس معه.

بدأت المبارزة بصمت ، تتراقص فيه الأقدام بخطوات حذرة فوق أرض الساحة الترابية. كانت الأنفاس خافتة، والعيون تحدّق بلا رمشة. فجأة، اندفع إيلياس كسهمٍ منطلق، وسيفه يخطّ مساراً خاطفاً نحو كتف الرجل، الذي تراجع بخطوة واحدة سريعة، رافعاً سيفه ليصدّ الضربة في لحظة بدت كأنها أبدية.

صوت ارتطام السيوف قطع السكون، ورنّ كصدى معركة مصغّرة. كان الرجل يهاجم بحسابات دقيقة، كل حركة محسوبة كأنها جزء من خطة مدروسة. في المقابل، كان إيلياس يتحرك برشاقة متقنة، يقاتل بسيفه كأنما ينسج خيوط الريح.

دارت بينهما جولة من الهجمات والتصدّيات، كل منهما يحاول قراءة الآخر. مع كل خطوة يخطوها ذلك الرجل، كان إيلياس يرد بخطوة مماثلة، وكأنهما انعكاس لبعضهما البعض. لكن كان يبدو أن ذلك الرجل كان يخبّئ شيئاً خلف هدوئه القاتل، وكأن السيف في يده يحمل وزناً أكبر من مجرد نصل.

باندفاع مفاجئ، نفّذ إيلياس حركة دوران، محاولاً خداع خصمه وتوجيه ضربة نحو الجانب الأيسر له. لكن الأخير بخبرة المحاربين، انحرف بجسده بمهارة، وسيفه يخترق الفراغ بينهما بحركة خاطفة نحو يد إيلياس. كاد السيف يصيبه لولا أن الثائر قفز للخلف بحركة متقنة، تاركاً المسافة تتسع بينهما.

"ليس سيئاً،... ولكن هذا ليس كافياً لإسقاطي!" قال إيلياس بابتسامة ساخرة، وسيفه يتوهّج تحت ضوء القمر.

"القوة ليست بالعرض، بل في الدقة. ستدرك ذلك قريباً." ردّ الرجل بلهجة هادئة ولكنها تحمل تهديداً مضمراً.

اشتدت المعركة، وأصبحت ضربات السيوف أسرع وأكثر ضراوة. كانت حركات إيلياس تتسم بالشراسة، كأنما يقاتل من أجل قضية أكبر منه. في المقابل، كانت ضربات الرجل تحمل وزناً من المهارة المكتسبة عبر سنوات من التدريب.

وفي لحظة حاسمة، بعد سلسلة من الهجمات المتبادلة، تمكن ذلك الرجل من استغلال ثغرة في دفاع إيلياس. بحركة خادعة، استدار ليضرب جانب سيف خصمه بقوة أربكت توازنه، ليجد إيلياس نفسه مضطراً للتراجع. وقبل أن يتمكن من استعادة موقعه، كان سيف الرجل قد توقف على بعد شعرة من عنقه.

"انتهت المبارزة." قالها بصوت هادئ ولكنه صارم.

لم يتحدث إيلياس، لكنه تنفّس بعمق، مزيج من الخيبة والإعجاب يعكس في عينيه. خفض الرجل سيفه بخطوة هادئة، وأدار ظهره، قائلاً:

"تعلم من هذا، إيلياس. القتال ليس شجاعة فقط، بل حكمة أيضاً، مازلت كما أنت."

استغرب إيلياس من كلامه، ولكنه فهم عندما رأى وجهه بوضوح.

في تلك اللحظة، شعر الحاضرون أن المبارزة لم تكن مجرد صراع بين سيفين، بل كانت مواجهة بين فلسفتين، بين من يقاتل بعقلٍ بارد ومن يقاتل بقلبٍ مشتعل.

بعد ذلك القتال الرائع، وصدمة الجميع بخسارة إيلياس، واستغراب الدوق ألكسندر من هوية هذا الشخص، شرع كايدن في التوجه نحو ذلك الرجل، وهو على وشك المغادرة، سائلاً إياه عن معلمه وكيفية تعلمه لتلك المهارات، خاصة آخر مهارة قام بها. لكن الرجل لم يعرف كايدن ولم يهتم به، فلم يكلف نفسه عناء الرد.

كان يوجين يركض بأقصى سرعة خلف كايدن، وعندما وصل، قال بصوت عالٍ حتى يسمع ذلك الشخص: "متى ينتصر السيف بلا قتال؟"

توقف الرجل فجأة، وأزاح الغطاء الذي كان يغطي رأسه، مستديرًا قائلاً: "يوجين؟"

أجاب يوجين قائلاً: "يا إلهي، ماذا تفعل في مثل هذا المكان ومثل هذه المسابقة؟"

عندما وصل رين، فوجئ عندما رآه: شعر أشقر داكن، متوسط الطول، عيناه حادتان بلون داكن.

ظل رين

يراقب الرجل قليلاً ثم قال في تعجب: "فهمت الآن. إذاً كان أنت فبإمكانك هزيمة إيلياس. لم أكن أتوقع أن ألقاك في مثل هذا المكان.

مرحبًا بك، آرون."

2025/01/16 · 17 مشاهدة · 1643 كلمة
نادي الروايات - 2025