أصدقاء الطفولة
المزيد من العقبات و المجاهيل،
في رحلة البحث عن الإجابات، كل ما تم إيجاده هو المزيد من الأسئلة.
جلسنا في إحدى المقاهي، طلبنا قهوة.
كانت عبارة عن لحظة صمت، فرحمة تأثّرت بأم عمر؛ فمهما كانت تبدو قاسية، فلا بد من إعطاء اسمها حقّه، كما قالها العجوز.
لم يدم الصمت كثيرًا حتى قمتُ بكسره:
"حسنًا، الخطوة القادمة: سكين الجريمة. كيف وصلت هناك؟"
"ألديك أي فكرة؟"
"أتتذكرين سؤالك لي عن الموضوع في السجن؟"
"نعم، و أنت أنكرت."
"في الحقيقة، لقد كذبت... تلك السكين هي لي."
"كيف السكين لك؟ أهي مزحة؟"
تغيّر وجه رحمة في هذه اللحظة من حزن إلى غضب، كان الأمر باديًا على وجهها، لذا سارعتُ بالشرح لها:
"أتمنى ذلك... فالسكين اختفت قبل الحادثة ببضعة أشهر، عندما كنا في رحلة على الشاطئ، حيث لم أرها منذ ذلك اليوم إلى غاية اليوم الذي أراني فيه المحقق السكينة التي وُجدت في الحادثة و عليها بصماتي. كنتُ قد شككتُ بذلك، أما الآن فهي بالتأكيد كانت لي. لم أخبر أحدًا عنها إلى الآن، أي أنتِ فقط."
"لِمَ أخفيت عني؟ كيف سنسير معًا إن كنا لا نثق ببعض، ها؟"
قالت ذلك بنبرة صارمة، و كانت محقة في ذلك.
"في ذلك الوقت لم أكن أعرفك بعد، أما الآن، صدقيني، إنك الوحيدة التي أثق بها.
كما أني لم أخبرك لأني للآن لا أعرف من الذي أخذها."
"أخبرني، من كان في الرحلة؟"
"كنا خمسة: أنا، عمر السائق، و ثلاثة آخرين: حمزة، عماد، أمير."
"من هم؟ من الأقرب لذلك؟"
"أصدقائي من الطفولة.
عماد كان دائمًا التلميذ المجتهد، الناجح و المتفوق، كما أنه قليل الحركة و الكلام.
أمير عكس عماد، كثير الكلام و معظمه كذب و تأليف، لا يمكن الوثوق بكلامه أبدًا، حتى لو أقسم؛ فهو يقسم بالكذب دون أي مشكلة، ذلك بسبب حبه للظهور أمام الآخرين.
الأخير، حمزة... إنسان لعوب، زير نساء، مخادع من الصف الأول، لكني أعرفه قبل الجميع، فقد سكنا في نفس الحي قبل أن ننتقل، لكن رغم ذلك، بقينا نلتقي، لأن منزلنا الجديد لم يكن بعيدًا عن الأول، بضعة أحياء فقط.
أما بخصوص من منهم فعل ذلك، فلا أعرف."
"متى نزورهم؟"
"أوپ، توقفي هنا. اتركي أمر الثلاثي لي، أما أنتِ، فتحرّي عن موت عمر."
"و لِمَ ذلك؟ ما الذي يهمّنا في موت عمر؟" سألت بحيرة.
"عمر إنسان حذِر، لا بد أن يأخذ احتياطَه.
إن كان قد قُتل، علينا الوصول إلى أغراضه، لعلّنا نجد طرف خيط قد تركه لنا."
في الحقيقة، كان لديّ سبب آخر، لم أكن أعرف ماذا سيحصل مع الآخرين، لذلك اردت إبعادها.
بعد انتهاء القهوة، أخذت رحمة السيارة و ذهبت، أما أنا، فتوجّهتُ إلى المكان الذي أجد فيه عماد.
توجّهتُ إلى حيّه القديم، عرفت من بعض الأشخاص أنه انتقل.
لحسن الحظ، حصلت على العنوان الجديد، و هنا كانت الصدمة: منزل فاخر غير متوقع، فعماد من عائلة متوسطة.
بقيت أراقب الوضع حتى المساء، حين نزل عماد من سيارة فاخرة و دخل المنزل.
أما أنا، فاتجهتُ للعنوان الثاني، و هو أمير.
هو الآخر انتقل، لكن دون عنوان، فما بقي لي إلا حمزة.
وصلتُ إلى مكان سكنه، عائلته لا تزال تقيم هناك، أما هو، فقد انتقل، كما أنه تزوّج.
غريب، كيف لزير نساء مثله أن يتزوّج؟
حصلتُ على العنوان، و توجّهتُ مباشرة إلى هناك، لكن لا أحد.
بقيتُ يومين أنتظر، لم أفكّر في الذهاب أبدًا قبل مجيئه.
توقّفت سيارة فاخرة أخرى، بقيتُ أراقب... كان حمزة و زوجته.
قلتُ بصوت خافت و أنا أراقبه من بعيد:
"حمزة أيضًا حصل إذًا على واحدة، هاه؟
دقيقة... الفتاة التي معه... حمزة تزوّج بملاك؟".....