آس البستوني

.

.

لكل لعبة قواعدها.

قواعد الروليت بسيطة:

ريفولفر، رصاصة واحدة، تدير العجلة و تُطلق على رأسك.

للعب، لا بد من اتباع القواعد....

"ألو؟ ألو؟ رحمة؟"

"ششش... إن أردتَ رؤيتها مرة أخرى، فلتسمع ما سأقول. بكل بساطة، ستحافظ على الصندوق و تنتظر اتصالي القادم. سيكون على الخامسة مساء، تأكد من الإجابة على الهاتف... هههه، إلى اللقاء، اعتنِ بنفسك."

أغلق الخط بينما بدأت ألتفت و أنظر في كل الاتجاهات. لا بد أن أحدهم يراقبني... لكن لا أحد.

كنت قد ذُقت كل الأحاسيس من قبل، لكن أول مرة أتذوّق طعم العجز و عدم القدرة على القيام بأي شيء.

صراخي دائمًا كان بسبب الغضب، الحقد وحتى الخوف... لكن هذه المرّة، كان بسبب العجز.

ركبت السيارة ومشيت.

كنت أسير بلا وعي، غارقًا في أفكاري، بألم يزداد في كل دقيقة. و ليس أي ألم، إنه ألم تأنيب الضمير. فالشخص الوحيد الذي وقف معي، في وقت حتى عائلتي تخلت عني، كنت السبب في جميع مآسيه.

توقفت أمام باب السجن.

نظرتُ إليه مطولًا. في حياتي اللعينة أثق بشخصين: أحدهما اختُطف، و الآخر ينام بالسجن. فالعجوز هو الأمل الوحيد لدي، لعله يفيدني بشيء ما.

دخلتُ السجن، غرفة الزيارة مرة أخرى، لكن هذه المرة كزائر.

جاء العجوز، و فور دخوله الغرفة، وقفتُ من مكاني.

كان يبدو عليه السرور لرؤيتي، بادرت بالسؤال:

"كيف حالك أيها العجوز؟"

"بخير، و أنت؟" جلستُ على الكرسي، و بصوت مثقَل:

"في وضع سيّئ أيها العجوز، بل في وضع مزرٍ حتى."

جلس هو الآخر.

"أخبرني، ما الذي حصل؟"

"اتبعتُ كلامك، بدأتُ في البحث، وصلتُ للحقيقة. فور إمساكي بأوراق براءتي، قاموا باختطاف المحامية. قاموا هذه المرة بكسري... لقد فازوا."

سأل بصوت الحكيم كعادته، بهدوء كأن شيئًا لم يكن:

"استسلمت؟"

أما أنا، فأجبتُ بضعف:

"وكأني أملك حلًا... سأعطيهم ما يريدون، هه... بالرغم من أنهم سيقتلوننا بعد الحصول عليها، كما حصل مع صديقي عمر. و لكن على الأقل، سأحاول..."

"أتَعرف ما هو خطؤك؟ أنت تلعب لعبتهم، لكنك لا تتبع القواعد. من أجل الفوز، عليك اتباع القواعد، بعدها استغلالها لصالحك. عند السيطرة على اللعبة، يأتي دورك في وضعها، و يضطر الجميع لاتباعها."

تنهدتُ:

"أظن أن الوقت قد مرّ على هذا الكلام. هذه المرة، لم أخسر معركة، بل الحرب. حتى و إن لم يقتلوني اليوم، اكتشفتُ أني لن أستطيع مواجهتهم. هم دوري محترفين، و أنا درجة رابعة... الفرق شاسع بيننا."

ردّ العجوز بصرامة هذه المرة:

— "قلّص الفارق إذًا!"

أخرج العجوز ورقة وقلم، كتب عليها عنوانًا و أعطاني إياه، ثم أضاف ورقة الآس البستوني إلى يدي، و أكمل حديثه:

"اذهب إلى هذا العنوان، ابحث عن شخص يُدعى بالأفعى. قل له: أرسلني الأب جمال، و أعطه ورقة اللعب. أخبره بهمّك، و سيساعدك لتعديل الكفّة. هيا، لكن فلتتبع القواعد هذه المرة... بكل تأكيد."

خرجتُ من الزيارة، و هذه المرة خفتُ مما ستؤول إليه الأمور. لكن عند نظري إلى الساعة التي كانت تشير إلى الرابعة و النصف، عرفتُ أنه ليس لدي حل سوى اتباع العجوز.

كنتُ أعلم أنه يُخفي شيئًا، و ربما حان موعد اكتشافه.

و أنا في الطريق، رنّ الهاتف:

"ألو؟" قلت، بينما أجاب نفس الصوت:

"اسمع، أرسلتُ لك العنوان. احضر الوثائق وخذ الفتاة، بكل بساطة. أي خدعة... تودّع الجميلة للأبد. موعدنا منتصف الليل، إلى اللقاء مجددًا."

أغلق الخط، و لم يعطني فرصة للكلام حتى.

وصلتُ إلى وجهتي، ودخلتُ المقهى. سألتُ العامل عن الشخص المطلوب.

فور ذكر اسم الأفعى، التفت الجميع إليّ. حتى تكلّم أحدهم، كان يجلس في الزاوية جثة ضخمة في الأربعين من عمره، ذو نظرة حادة، يمتلك وشم أفعى على يده اليسرى.

"إنه أنا... لكن من أنت؟"

لم أهتم بالمقهى أو الأشخاص الذين ينظرون إليّ و مستعدون للهجوم، فكل تفكيري كان برحمة.

توجّهتُ لطاولته:

"لقد أرسلني الأب جمال، و أخبرني بأن أعطيك هذه."

أخرجت ورقة اللعب و وضعتها على الطاولة.

بعد سماع اسم الأب، أحسستُ بزيادة في حدّة النظرات.

أما هو، فقد دعاني للجلوس:

"أخبرني، ما المشكلة؟ و كيف يمكن مساعدتك؟"

"باختصار... أحدهم اختطف صديقتي، و يريد بعض الأوراق. سأبادله، لكن في الغالب، هناك فخ."

لم يتزعزع هو الآخر، كأن الأمر مزحة:

"بما أنه أرسلك الأب، لا تخف... الأمر عندي."

نهض من مكانه و اتجه لمنتصف المقهى، قام بالتصفير، فتوجّهت كل الأنظار إليه:

"فليسمع الجميع: الأب جمال أرسل الصديق لمساعدته، و نحن سنفعل! فليستعد الجميع جيّدًا!"

قفز الجميع من مكانهم و خرجوا من المقهى، بعدها استدعى اثنين و أرسلهم لاستكشاف مكان اللقاء.

توجّه إلى خلفية المقهى و عاد، أخرج مسدّسًا و أعطاه لي:

"تفضل."

مسدّس فضي، منقوش على ذراعه 'آس البستوني'.

في هذه اللحظة المليئة بصخب الرجال و حركتهم، و السيارات التي تحركت في الحي، الصوت الوحيد الذي سمعته داخل رأسي... هو صوت الغراب.

2025/08/20 · 2 مشاهدة · 715 كلمة
Raouf Raouf
نادي الروايات - 2025