تنفّس الصعداء

في الحياة، هناك لونان، أبيض و أسود.

لكن البعض يؤمن بوجود لون بينهما، الرمادي.

أظن أن سبب معاناتي الأساسي هو هروبي من لوني الحقيقي.

وصلنا إلى المشفى، فحص الطبيب رحمة.

كانت علامات القلق و التوتر بادية على وجهي، فلو أصابها شيء بالتأكيد سأجنّ هذه المرة، فهي الشخص الوحيد في حياتي الآن.

أما الأفعى، فلم يزح عينيه عني منذ كلامي في السيارة.

بقية الرجال أرسلهم، و لم يبقَ منهم سوى اثنان.

انتهى الطبيب من فحص رحمة، هجمت عليه فور خروجه من غرفتها سائلًا عن حالتها، لكنه طمأنني بأنه لا توجد أي مشكلة، مجرد إرهاق بسبب الضغط النفسي، و الإجهاد البدني في الأيام الماضية.

أعطاها سيرومًا و مهدّئًا، و أضاف أنها ستكون أفضل في الصباح.

تنفّست الصعداء أخيرًا، جلست على أحد الكراسي و شعرت بالراحة لأول مرة منذ اختطافها.

حصلت الكثير من الأحداث و الأشياء الغريبة آخر فترة، لكني الآن لا أريد سوى أن أرتاح.

حلّ الصباح، دخلت الى الغرفة و كانت رحمة قد استيقضت، لكنها لا تزال تبدو متعبة.

أردت تغيير الجو الكئيب الموجود حولها.

"أوو، صباح الخير حضرت المحامية، كِيف الحال؟ لكن بصراحة، أنا أحسدك على هذه النومة، ليكن في علمك."

ابتسمت

"مزاح مضحك كعادتك... أين أنا الآن؟"

"سأخبرك بشيء، أنتِ ميتة الآن."

"تبًّا، بما أنك هنا، لا بد أننا في الطريق نحو الجحيم."

ضحك الأفعى من الخلف، حيث كان يقف أمام الباب، بينما جلست على الكرسي بجوار سريرها

"آه، لكنك تكسرين قلبي... لا تخافي، نحن في نفس المشفى الذي تنام به أختك.

أما ما أصابك، فمجرد إرهاق. فلترتاحي و ستصبحين بخير."

"أعدنا للصفر مجددًا؟ أحقًّا أعطيتهم كل شيء؟"

سألت مباشرة، لكني أردت تجنّب الحديث في الموضوع.

"لا عليكِ، ارتاحي الآن، نتحدّث لاحقًا."

لكنها أصرت على فتحه.

"أخبرني... كيف تعطيهم كل شيء؟ أخبرني أن لديك نسخة أخرى من الملفات!"

"لا... ليس لدي أي نسخة."

فكرة خروجنا بلا شيء أحزنتها و أغضبتها في نفس الوقت.

"لكن لماذا؟ أرجوك، أخبرني... لماذا أرجعتنا إلى القاع مجددًا؟"

كانت قد أمسكت بالغطاء الذي عليها بقوة.

عدّلت جلستي، و بصوت جاد و صارم جدًا، تحدّثت بطريقة لم أتحدث بها من قبل:

"حسنًا، أولًا، لم يكن بإمكاني المخاطرة بحياتك.

ثانيًا، مهما عشت أو سوف أعيش، هناك شيء لن أتخلى عنه، و هي مبادئي.

عند إعطائي وعدًا، لن أتراجع عنه، و إن كان رأسي سيُقطع.

أعطيتهم وعدًا و وفّيت.

لا يهمني غدرهم أو حقارتهم، ما يهمني هو كلمتي.

لن أسمح لأحد بعد موتي أن يقول إني أخلَفت وعدًا، بل سأجعل أعدائي يعترفون بإيفائي بوعودي قبل أصدقائي حتى."

نهضت من مكاني، نظرات الأفعى ازدادت حدّة نحوي،

أما رحمة، فظهرت في عينيها الطمأنينة و ربما القليل من التفهّم.

بدأ حزنها و غضبها يتلاشى.

أكملتُ،

"ارتاحي الآن... نلتقي لاحقًا."

خرجنا من الغرفة، فور ذلك جاء أحد رجال الأفعى و أخبرنا أن هناك شابًّا و امرأة يسألان عن غرفة رحمة.

استدرت نحو الأفعى

"شاب و امرأة؟ حمزة و ملاك بالتأكيد..."

ففي النهاية، حمزة الوحيد المتبقي من أصدقائي القدامى الذي لم يظهر أمامي.

لم أكَد أُكمِل كلامي حتى ظهر كلاهما في الرواق، حيث كنت أقف واضعًا يديّ في الجيب.

في تلك اللحظة، توقّف الزمن، خاصة عند لقاء عينَيّ بعينَيهما...

إنها مواجهة أخرى مع الماضي.

2025/08/25 · 1 مشاهدة · 493 كلمة
Raouf Raouf
نادي الروايات - 2025