العشاء

عند فقدان شخص قريب، تقوم بدفنه و بداخلك جرح، جرح يعالجه الزمن.

لكن فقدانه و هو حي، يفتح جرحًا، و كل ما يقوم به الزمن هو وضع الملح عليه.

قمتُ بالحلاقة و الاستحمام، و أنا متجه نحو المكتب، قررتُ تغيير وجهتي.

اتجهت نحو المنزل، نعم، منزلي. إنها الثامنة مساءً، وقت العشاء الذي يعد أمرًا مقدسًا في عائلتي.

اتكأت على إحدى الأشجار، و أنا أراقب عائلتي التي اجتمعت حول المائدة.

سأعطي كل ما لدي من أجل لحظة واحدة معهم، لا أريد الكلام، فقط مراقبتهم.

رؤية ابتسامة أمي، سماع مزاح أبي، انزعاج أخي، ضحكة أختي، أن أكون هناك حتى لو لم يروني، يكفي أن أشمّ رائحتهم.

فجأة، بدأت تمطر، كأن السماء تبكي معي.

مسحتُ وجهي من الأمطار... بل في الحقيقة، من دموعي، فقد كانت هي الأكثر على خدي.

سرتُ مبتعدًا في سواد الليل، و في داخلي نار، نار ستحرق ألسنتها الجميع.

توجهتُ صباحًا إلى المشفى، أخذتُ رحمة إلى منزلها، كما أخبرتها بلقاء حمزة.

كانت تريد الحضور، لكني لم أسمح لها. من الأفضل أن تبتعد عن الأحداث قليلًا،

لكنها جعلتني أعدها أن أزورها بعد العشاء.

ماذا نفعل؟ إن وعدت، ستفي.

الآن، سأرى القصة التي سيرويها حمزة، ثم سأهتم بالعجوز و الأفعى...

سلاح و أمور عديدة، لا زال هناك أمر كبير يُخفيانه.

بعدها نعود إلى اللعبة اللعينة من جديد، لكن هذه المرة سألعبها على أصولها.

اتصل حمزة، أعطاني عنوان المطعم.

ارتديت أفضل ملابسي، و حان الوقت.

توجهتُ إلى المكان، مطعم فاخر، كل شيء مرتب،

مكان ليس للأغنياء، بل لفاحشي الثراء، السجادة الفاخرة عند المدخل، الثريات التي تبدو من الكريستال.

أرشدني النادل إلى الطاولة. إنه يبدو كعريس في يوم زفافه بسبب الطقم الذي يرتديه.

كان حمزة بلباس كلاسيكي أسود و فخم، و ملاك بثوب خاص للسهرات بلون أبيض مع عقد من الألماس الذي إن أطلت النظر اليه ستعمى.

بادرت بمصافحتهم. طلبنا الأكل، أو بالأحرى حمزة من فعل.

كل ما في الأمر مواضيع بدون أهمية، حتى سؤال ملاك لي:

"لِمَ تعاملني هكذا؟"

فمنذ أن جلست، كنت أتجاهلها، و أتجنب الحديث إليها، بينما رددتُ عليها بحدة

"هل يمكن أني تركتكِ مع عمر، و الآن أنتِ متزوجة من صديقه؟"

تكفّل حمزة بالدفاع

"الأمر ليس كما يبدو. بعد وفاة عمر، أغلقت ملاك على نفسها.

بعد مدة، طلب والدها المساعدة، و أنا قدمتُ الدعم لها.

لكن الأمر تطور مع الوقت حتى وصل إلى الزواج."

توقفتُ عن الضغط عليهم فورًا. لم أرد أن أسبب توترًا.

"أنا أتفهم، فقط الأمر غريب قليلًا. فبعد كل تلك المدة في السجن لا زلت لم أعتد على الحياة المدنية، لكن هناك أمر لم أفهمه... أنا لم أترككِ هكذا، كيف حدث ذلك؟"

"معجزة. بعد سجنك بمدة، ظهر لأبي ورثة، أعطاني القليل و بدأتُ مشروع بيع و شراء في السيارات.

تعرف، صديقك خُلق لذلك.

طورتُ التجارة حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن."

"جيّد، على الأقل أحدنا حقق أحلامه، أليس كذلك؟"

و أظهرتُ ابتسامة، لقد كانت صادقة.

"سأسألك، في الأمس قلتَ عن عماد و أمير كلبين، لماذا؟"

مسحتُ فمي من الأكل:

"هي، في الحقيقة، الكلب بريء منهما.

على كل حال، كانا هما من ورّطاني، كل شيء من تحت رأسيهما."

"كيف ذلك؟ أأنت متأكد؟"

"مع الأسف، الأمر كذلك. لقد أفسدا حياتي.

لنُنْهِ الحديث عنهما، على الأقل لا يُفسدان السهرة."

أكملنا العشاء، ثم افترقنا.

هم غادروا المكان، أما أنا فغيّرتُ الطاولة.

ذهبت حيث كان يجلس الأفعى، فقد طلبتُ منه مراقبة الأمور أثناء العشاء.

"حسنًا، أهناك أمر غريب؟" بادرتُ بالسؤال.

"لا، ماذا عنك؟"

"لا شيء. إذن، في النهاية، ربما بقي لديّ صديق من الماضي...جيّد. سأذهب إلى رحمة، و نلتقي في المقهى صباحًا.

علينا البدء بالتخطيط... لقد حان وقت الرد، و يجب أن يكون ردّنا لا يُنسى..."

2025/08/29 · 1 مشاهدة · 566 كلمة
Raouf Raouf
نادي الروايات - 2025