زيارة تقطع الوحدة

مرت ثلاث سنوات دون جديد، تغيّر بعض السجناء فقط، حتى إنني لا أذكر معظمهم، لأني لست بالشخص الاجتماعي.

لكن، منذ بضع أشهر، أحضروا رجلًا كبيرًا في السن، حوالي الستين تقريبًا، أسمر، متوسط القامة، بشعر و لحية بيضاء.

عند النظر إليه ترى الحكمة و هي تتقاطر على وجهه، خاصة و هو يقرأ تلك الكتب.

كما أنه قليل الكلام.

صوت في داخلي يقول: "يوجد به أمر غريب".

لم نتحدث أبدًا، لكنه بالتأكيد يملك سرًا ما.

لكن الوقت طويل هنا، لا بد من ظهوره عاجلًا أو آجلًا.

أما الآن، فلا يهم كثيرًا.

طوال المدة: لا زيارات، لا رسائل، لا طعام، و لا أموال.

لم يصلني شيء منذ دخولي. كنتُ رسميًّا لا أحد.

أما اليوم، فهو مختلف.

فـقبل وقت الخروج إلى الساحة، جاء الحارس.

هو شخص مغرور و فظّ.

"أنت، لديك زيارة"، قالها بصوته المتعالي كعادته.

رفعت رأسي.

"من أنا؟"، سألت كالأبله،

لأن الأمر كان مفاجئًا. حتى من شدّة غرابته، الجميع كان ينظر إليّ.

"نعم، أنت. هيا، أسرع!"

نهضت من سريري و توجّهت نحو غرفة الزيارات.

إنها أول مرة.

أحسست أنني أمشي لسنوات حتى وصلت.

طوال الطريق، سؤال واحد في رأسي: "من؟؟؟"

دخلت إلى غرفة الزيارة، و كانت الصدمة...

لا أحد هنا.

استدرت نحو الحارس بغضب، لدرجة أحسست أن عروقي ستنفجر.

"أنت، أتسخر مني؟!"

لم يردّ، فقد دخلت فتاة أول مرة أراها.

سحبت الكرسي و جلست أمامي، بينما بقيت واقفًا بنفس الغضب.

ربما لأني مشتاق... مشتاق لحضن أم، لنظرة أب، لصوت أخت و أخ.

تأملت في عائلة لم أرها سوى في أحلامي.

ذلك الغضب ما هو إلا ألم الوحدة و الفقدان.

أما الأمل، فهو إحساس فُقد عندي منذ زمن، تخلّيت عنه،

لكن في النهاية، أنا إنسان.

نعم، تأمّلت... وخِبت.

"من أنتِ؟"، قلتها بغضب، لأنه لم يزل بعد.

بينما ردّت بكل برود:

"محامية."

"أظن أنك مخطئة... ليس لدي محامية."

"أنت المخطئ. من اليوم، أنا كذلك."

"مؤسف... صاحبة جمال مثلك بهذا الغباء! هه، محاميتي؟!"

سحبت الكرسي و جلستُ مقابلها، وأنا أنظر إليها باستهزاء.

في الحقيقة، كانت شديدة الجمال:

بيضاء، ذات جسد مثالي كأنها عارضة أزياء، أعين خضراء، و المزيد من صفات الجمال...

كانت كالخيال.

لكن لسانها كان كالسيف،

كل كلمة تخرج من فمها كانت قاتلة.

"المرأة."

"أي امرأة؟"

"التي طعنتها."

توقّف الوقت عندي.

رغم براءتي، إلا أن نبضات قلبي زادت، تغيّر لون وجهي، و انقطع نفسي.

قلتُ بصوت مخنوق:

"أ... ماتت؟"

ما زاد اختناقي برودتها:

"لا. استيقظت، و حالتها مستقرة حاليًّا."

أخرجت من فمي هواءً، كأن الروح رجعت إلى جسدي.

كما أنها أكملت كلامها:

"لقد عادت قضيتك مرة أخرى إلى الواجهة، لكن لا تفرح.

فالطبيب قال: يجب تفادي الحادثة حاليًا، حتى استقرار حالتها العقلية و تكيّفها مع الحياة مرة أخرى."

"كم؟"، قلتها بجدّية.

"لا أعلم، لكن هناك أمل لخروجك من هنا.

إن كنت بريئًا، ستخرج."

أخرجت بعض الأوراق و أضافت:

"وقّع على هذه لإكمال إجراءات التوكيل."

أمسكت القلم الذي مدّته لي، و بينما أوقّع، سألتها بفضول:

"الأمل، هه، حسنًا... لكن لماذا؟"

بقيت صامتة حتى انتهيت من التوقيع، جمعت الأوراق، و ردّت ببرود مرة أخرى:

"لماذا أدافع عنك؟ هه... لأني أريد الانتقام."

قلت في نفسي:

"عن أيّ انتقام تتحدث؟"

بينما أجابتني، كأنها تقرأ أفكاري:

"انتقام أختي."....

2025/07/26 · 6 مشاهدة · 492 كلمة
Raouf Raouf
نادي الروايات - 2025