الغراب الأسود
الممر مرة أخرى... لو وضعوا دراجة نارية لقطعه، لكان الأمر رائعًا.
دخلتُ الزنزانة مجددًا، جلستُ على الطاولة، و جلس العجوز أمامي فورًا:
"ههههه، جيد، لم تجنّ هذه المرة."
بينما أجبتُ بيأس:
"أجل، لدي جلسة الأسبوع المقبل، المحامية تقول سأخرج."
"جيد، لكنك لا تبدو فرحًا."
"الأمر معقد، المحامية تقول إن اللعبة كبيرة، و أنا لا أعتقد أني أستطيع المواجهة."
"مواجهة من؟"
"هاااه، هنا المشكلة."
ضربتُ بيدي على الطاولة و أكملت:
"أنا داخل صراع بين قوتين، حسب المحامية، أحدهما يريد إبقائي هنا، و الآخر إخراجي، و أنا بقيت كالكرة بين الأرجل."
"كالكرة بين الأرجل؟ سأسألك شيئًا... ما هو اسمك؟"
"ماذا!؟"
"اسمك، اسمك، ما هو اسمك؟"
"ما علاقة اسمي بالموضوع؟"
سألتُ بحيرة.
"هيا، أخبرني."
"كوزغون."
"أتعرف معناه؟"
أخرجتُ بعض الهواء من فمي:
"بالتأكيد، كان قد وضعه جدي. أمي لم يعجبها، لكنها تقبلته فيما بعد. معناه الغراب الأسود، الشيء الذي يطاردني دومًا."
"حسنًا، أتعرف على ماذا يدل الغراب؟"
"يدل على الموت، هو نذير شؤم، و عند النظر إلى حالتي ستتأكد من ذلك."
"لا، أنت مخطئ، فهو يدل على الحكمة، على الذكاء، و على القدرة على إيجاد الحلول مهما كانت المشكلة. يبدو أن جدك يعرف الكثير."
"واو، لم أتوقع كل هذا."
تفاجأتُ لأني لا أعرف هذه المعلومة.
"إذًا، لتعطِ اسمك حقه. قلت نذير شؤم و موت؟ حسنًا، اجعله إحساس أعدائك عند سماعه، و اجعله حكمة و ذكاء بالنسبة لأصدقائك. اجعل جدك فخورًا."
سألته بفضول.
"ماذا عنك، ما هو اسمك؟"
(العجوز كان يعرف اسمي، لكن الغريب أن لا أحد يعرف خاصته).
"فلتفكر في كلامي جيدًا."
أمسك كتابه من جديد و غادر نحو سريره، بينما بقيتُ وسط أفكاري.
يوم المحكمة وصل.
ارتديتُ أفضل ثيابي، و اتجهت نحو الشاحنة.
ركبتُ شاحنة النقل مرة أخرى، و قد مرّت ثلاث سنوات و شهران و تسعة أيام عن المرة السابقة.
دخلتُ قاعة المحكمة، هذه المرة شبه فارغة، لكن الغريب انتهاء الأمر بسرعة، كأن أحدهم أراد إنهاءها على الفور.
فالقاضي لم يُطل.
وضع الملف أمامه، و سأل سؤالًا واحدًا:
"كيف وصلت بصماتك للسكين؟"
بينما كانت إجابتي بكل بساطة:
"لا أعلم."
أما العرض الحقيقي، فقامت به المحامية؛ فقد كانت تدافع عني كالجندي الذي يدافع عن وطنه.
كلماتها كانت وابلًا من الرصاص، لم تترك فرصة لأحد.
برداء المحامية و نظرتها الثاقبة، كانت نجمة المسرح.
جاء قرار المحكمة:
"قررت المحكمة إطلاق سراح المتهم حتى اكتمال التحقيقات."
<طَف>
"رُفعت الجلسة."
نظرتُ للمحامية مباشرة، كانت علامات الفرح بادية على وجهها.
صحيح، هي لم تفز بالحرب، لكن في هذه المعركة، حققت انتصارًا ساحقًا.
أما أنا، فكنت مستغربًا، فالقرار كان مُقرّرًا من البداية.
عدتُ للزنزانة مرة أخرى، لجمع أغراضي و توديع الرفاق.
لقد تركتُ كل شيء من ثياب، فهي الشيء الوحيد الذي أملكه، لعلهم يستفيدون منها.
و دّعتُ الجميع، وبقي العجوز للأخير:
"إلى اللقاء، أيها العجوز."
وضع يده على كتفي بعد عناقي له، و قال بصوت الحكمة خاصته:
"سأخبرك بشيء:
في الروليت، الأغبياء يختارون رقمًا و يضعون رهانهم. الفوز كبير، لكن احتماله ضئيل.
أما الذكي، فيراهن إما أسود أو أحمر؛ الربح صغير، لكن نسبته كبيرة.
لا يهم حجم الربح، كما يهم الربح بحد ذاته.
رافقتك السلامة، و من يدري... لعلنا نلتقي مرة أخرى...."