الحرية
خرجتُ من السجن أخيرًا. كلمات العجوز لا تزال في أذني.
وقفتُ أمام الباب، نظرتُ إلى الخلف، رأيتُ الحراس على باب السجن، استدرتُ مجددًا، لا يوجد أحد.
وحيد مرة أخرى، لكن في عالم ضخم، هذه المرة.
بدأتُ بالمشي مبتعدًا... أبنية، سيارات، محلات، أناس تمشي.
أنا؟ كنتُ كالغريب الذي يزور بلدًا لأول مرة.
الأمر الصعب هو عدم وجود مكان للذهاب إليه.
فجأة، توقفت سيارة بجانبي، نظرتُ، فإذا بالزجاج الخاص بالباب الجانبي ينزل:
"هيا، اركب."
كانت المحامية.
لم أفكر كثيرًا، بل ركبتُ مباشرة. في النهاية، لا يوجد مكان أو شخص أقصده.
"آسفة، تأخرت، علِقتُ في الزحام."
"لا بأس، يقولون: أن تصل متأخرًا خيرٌ من أن لا تصل."
"صحيح." كلمة واحدة كالعادة.
"ما هو اسمك؟"
سألتُها بدون مقدمات، ربما لأنه لا يوجد ما أتكلم به. و أكملتُ:
"أنتِ محاميتي، لكني لا أعرف اسمك."
"رحمة."
بكل برود. ردها البارد يجعلني أشعر بالقشعريرة.
"من وضع اسمك؟ دَعَواته غير مقبولة، أتعرفين ذلك؟"
"و لماذا؟"
"انظري لنفسك... الدعوة 'رحمة'، و النتيجة عديمة شفقة."
"أمزاحك سيئة هكذا دائمًا؟"
"مع الأسف. إلى أين الوجهة؟"
"إلى المكتب. أتوقع أنه ليس لك مكان لتذهب إليه، يمكنك البقاء هناك لفترة."
أشرتُ برأسي، و بقيتُ أتأمل في الطريق، مع صوت الرياح، و رائحة المدينة، أشياء اختفت منذ مدة.
وصلنا إلى المكتب الخاص بها. ليس بكبير، و ليس بصغير. منظم، يبدو أنه مكان مريح.
"ارتَحْ قدر المستطاع، فحسب رأيي، ستأتي أيام تجعلك تشتاق... ليس للراحة، بل للسجن حتى."
بعدها، تركت المفاتيح و خرجت.
نظرتُ للمكان. الجدران بألوان هادئة، مع مكتب متوسط بلون بني يميل إلى السواد، كراسي، كما كانت لديها كنبة.
استلقيتُ عليها ليرتاح جسمي، فعقلي لم يتوقف عن الأسئلة.
هل أنا حرّ مجددًا؟ أم أنه مجرد سجن آخر؟ لا أعلم، لكن الأيام ستكشف ذلك بالتأكيد.
مرّ اليوم الأول على خروجي.
في الصباح، جاءت رحمة، أحضرت معها الفطور.
"كيف كانت ليلتك؟"
"جيدة، على ما أعتقد."
"إليك هذه، أحضرت لك بعض الثياب، هاتف، و توجد بعض النقود أيضًا."
"شكرًا، و لكن أليس هذا كثيرًا؟ أنتِ المحامية، المفروض أني من يدفع، لا العكس."
"و من قال إنك لن تدفع؟ ستدفع، لكن ليس مالًا... بل مساعدة."
"أي مساعدة؟"
"كشف الحقيقة. من طعن أختي؟ لماذا أُلقيت التهمة عليك؟ من وجّهني لإخراجك؟ ستساعدني للإجابة عن كل شيء."
"اسمعي، من يدير لعبة بهذا الحجم، لن يصعب عليه التخلّص منا. تعرفين ذلك؟"
ردّت كأن الموت لا يهمها:
"مهما يكن، سأكون الطرف الذي يُفسدها."
عدّلتُ جلستي، و قلتُ:
"أنتِ مخطئة، لستِ من سيفسدها... بل أنا. لن أكتفي بإفسادها، بل سأصبح مديرها.
سأجعلهم يندمون، سأذيقهم من الكأس التي أذاقوني منها.
سأكون كالطوفان عليهم... صدقيني، لن ينجو أحد."
في نفسي، أعترف أنني ربما تحمستُ قليلًا في الكلام، لكن عند التفكير بما مررتُ به، حان وقت التخلي عن الدفاع و محاولة الهجوم.
وضع الجديّة ظهر مجددًا:
"لقد اتخذت قراري، لن أتراجع. سيدفع الجميع الثمن."
بعد خطابي العظيم، غيّرتُ ثيابي، و رميتُ بنفسي للخارج.
عكس السجن، الوقت هنا يمر كالبرق.
ربما الآن مشيتُ أطول مسافة في حياتي.
فجأة، الشمس تغيب، و قررتُ العودة.
في طريقي إلى المكتب، إذا بصوت ينادي من الخلف:
رجل يرتدي ملابس سوداء، قناعًا على وجهه، وفي يده سكين:
"أنت... لم يكن عليك الخروج من السجن أبدًا!"....