-القصر الملكي، العاصمة سان بريدرج، مملكة هاسبرغ-

"نلتقي مرة أخرى، السير ماثيو،" مد فرانز يده لمصافحة الرجل الأطول منه بكثير، على الرغم من انزعاجه من وصول هذا الرجل الغير معلن عنه، والذي يكن له بغض خفي، إلا أنه لم ينس أن يظهر إبتسامة مجاملة على فمه، لا يزال يتعين عليه إظهار موقف كريم ومتحضر تجاه ضيوف المملكة، كملك لهذه الأمة.

"من دواعي سروري لقاء كم صاحب الجلالة الملك." هز ماثيو يده المتشابكة مع يد فرانز بحرارة، قال بطريقة مهذبة ومرتبكة، "من فضلك، اجلس سنناقش بالتأكيد أي مشكلة تواجه دول المنطقة الجنوبية." شعر فرانز بأن كلمات الملك المراهق أمامه كانت قاسية قليلًا، لكنه قرر تجاهل ذلك والتركيز على الأهم، كان معروف لدى بلدان القارة التي عانت تحت وطئة إمبراطورية ناهارغ، أن هاسبرغ هي الأمة الوحيدة التي جابهت الإمبراطورية بجدارة واستطاعت تحقيق انتصارات عليها، خاصة في حرب تران الثانية التي استمرت لأربع سنوات، انتهت بتوقيع الطرفين على معاهدة صلح.

قال:"أود أن أنقل لجلالتك الموقرة تحيات جلالة الملك نايل السادس عشر الحارة وأمنيته هي أن تزدهر أمة هاسبرغ تحت عهدك، كما أنني أقدم خالص شكري لجنابك الموقر استعدادك لمقابلتي."

كان ماثيو يهز قدمه بتوتر وهو يفرك يديه ببعض، تابع:"صاحب الجلالة، لقد تم إرسالي من قبل جلالة ملكي لأجل التعاون مع هاسبرغ."

سأل فرانز رافعًا حاجبه:"ما نوع التعاون الذي ترغب به مملكتك كالوفر في الحصول عليه مع مملكتي، أيها السير ماثيو؟"

لا زال السير ماثيو يشعر بالتوتر قليلًا من مقابلة ملك أقوى مملكة في القارة بعد الإمبراطورية التي استطاعت الحاق الهزيمة بجيش الإمبراطورية المعروف بأمجاده العسكرية، ولقبه 'الجيش الذي لم يهزم في أيّ معركة'.. أجاب بتواضع:"جلالة نايل السادس عشر يرغب في إعلان الحرب على كاينا، ولكنه يخشى من أن تشارك الإمبراطورية بإرسال قوات عسكرية للدفاع عن عرش حليفها التابع، لذا يطلب جلالته من هاسبرغ مباركتها لهذه الحرب، وكما أنه لا يخفى على الجميع رغبة جلالتكم في التوسع إلى دول شبه جزيرة كوريكا، ولتحقيق ذلك فإن المملكة بحاجة إلى الساحل الشمالي لكاينا، لأجل بناء قاعدة صلبة تتمكن من خلالها البحرية الملكية من منع سفن الإمبراطورية الحربية من المرور فيما إذا حاولت تقديم المساعدة لدول كوريكا، بعبارة أخرى يا جلالة الملك، إن جلالة نايل السادس عشر على استعداد لمنح الساحل الشمالي لـ هاسبرغ فيما إذا كانت ستعلن مباركتها لهذه الحرب."

لم يرد فرانز، التقط فنجان الشاي الخزفي ورشف منه عدة رشفات، بينما شرد في التفكير في هذا العرض، كانت رغبة كالوفر في مهاجمة كاينا يثير اهتمامه حقًا، أما عرضها في منح المملكة الساحل الشمالي لكاينا عرضًا مغريًا لا يمكن مقاومته بأي حال من الأحوال، في كل الأحوال فإن مباركة المملكة لهذه الحرب التي تشنها كالوفر على كاينا، بمثابة رسالة للإمبراطورية، تنص على 'إذا ما فكرتِ في التدخل فإننا ملزمون بالتدخل لأجل حماية حليفنا.' وعلى الرغم من وجود احتمالية انخراط الإمبراطورية في هذه الحرب إلا أنه احتمال قليل، لذلك كان لابد من المجازفة.

كان من المعروف أن كالوفر دولة صغيرة، لا تمتلك بحرية نظامية قوية، لذلك ولأجل تأمين الأراضي التي ستفوز بها من كاينا، خططت لمنح الساحل الشمالي لهاسبرغ، لجعلها حاجز صد أمام هجمات الإمبراطورية.

بينما كانت الفوائد التي ستحصل عليها المملكة من هذا العرض لا تقدر بثمن، ستتمكن المملكة من ربط جزيرة نوفرس بساحل البر الرئيسي للمملكة والساحل الشمالي لمنطقة القارة الجنوبية مما يمنح المملكة القدرة على التحكم في الممرات المائية لبحر كالبرج إضافة لتحكمها المسبق في مضيق بيلفن.

في المقابل كان ماثيو ينظر إلى فرانز ذو الشعر البني المتعرج والعينان العُشبيتان كخضرة المرجة، كان له فك حاد وأنف مستقيم، يرتدي ثوبًا ملكيًا مطرز بشريط، شعر بالتوتر وهو ينتظر إجابته، وعلام يبدو أنه لا يظهر أدنى إهتمام.

كان قبل أن يدخل القصر، قام بإجراء تحقيق خاص به في هاسبرغ، كان حقًا معجبًا بقوانينها، الأنظمة الحكومية، الجيش الدائم، العملة النقدية، البنوك، مشاريع التنمية في كل مكان بمقاييس عالية.

قد تبدو هاسبرغ مزدهرة وقوية من الخارج، لكنه بشكل شخصي لا يعتقد أن هذا هو الحال، فعلى الصعيد الخارجي،تمكنت الإمبراطورية في فرض حصار جيوغرافي وأن تصل إلى عمقها الإستراتيجي، بعد أن تمكنت من ضم دوقية إنفيريا، لذلك تحاول المملكة بشكل بائس من إيجاد مخرج من هذا التوسع الإمبراطوري المفاجئ، بينما على الصعيد الداخلي فإن المملكة تواجه خلافات عميقة بين طبقة النبلاء المحافظة التي تمنع الإصلاحات الملكية وبين الإصلاحيين الذين يريدوا التحرر من قيود الإختلافات الطبقية وغيرها من السياسات، لذلك من وجهة نظره فإن الملك المراهق أمامه واقع في موقف لا يحسد عليه، لذلك هو بلا شك يحتاج إلى القيام بخطوة لإثبات قدرته أمام أعضاء مجلسه وشعبه، ودعم موقفه أمام الإصلاحات التي يحاول تحقيقها.

لذلك هو واثق أن فرانز لن يقاوم هذا العرض مطلقًا.

في هذا الوقت كشف فرانز عن إبتسامة خفيفة، قال وهو يمد ظهره للأمام قليلا ليضع فنجان الشاي ضد الصحن فوق المنضدة:"في الواقع إن مجرد الحصول على الساحل الشمالي ثمن قليل بالنسبة لصداقة كالوفر مع هاسبرغ، كما ذكرت سابقًا فإن المملكة تسعى لتوحيد دول شبه جزيرة كوريكا، ولأجل تحقيق هذا فنحن بحاجة لمساعدة كالوفر، ما رأيكم في تأجير ميناء نورست لمدة عشرة أعوام، إضافة لمنح المملكة حق استخدام أراضي كالوفر الحدودية مع شبه الجزيرة، هل هذا عادل؟"

توقف ليضيف:"ولأجل التأكيد على صدقنا، فإن المملكة ستزود جيش كالوفر بمئة بندقية ومدفعين، إضافة لعشرين صندوق من الذخائر، واثق مع التدريب الجيد لجنودكم وهذه الأسلحة من أن كالوفر ستحقق نصرًا ساحقًا على كاينا."

*

2023/08/24 · 62 مشاهدة · 824 كلمة
قاسم
نادي الروايات - 2025