"أأ، في الواقع.. جلالتك، هذا قد يكون غـ.. غير مناسب نوعًا ما، أعني، رجاءً تفهم موقفنا، في حال سمحت مملكتنا لهاسبرغ بإستخدام أراضيها الحدودية مع شبه جزيرة كوريكا، فهذا سيجعلنا في حالة صراع مع دول شبه الجزيرة، وهذا ما لا يريده جلالة ملكنا."
إرتبك ماثيو وهو يقول، كان من المزعج بالنسبة له أن يخوض مثل هذه المعارك الكلامية مع قادة الدول، في العادة كان سيكون بخير لو كانت الدولة في مكانة متساوية أو متقاربة مع مكانة بلاده، لكن هاسبرغ ليست كأي دولة، إنها يومًا بعد يوم، تصبح وجودًا مهيبًا كالإمبراطورية.
لا زال وجه فرانز لم يتغير، وبرؤية ذلك أضاف ماثيو وهو يقول بلهجة كئيبة:"إضافة لساحل كاينا الشمالي يمكننا خفض سعر البرتقال الذي تستورده هاسبرغ منا، ما رأيك بهذا، سنخفض السعر بنسبة ٣٠ في المئة، لذلك جلالتك الموقرة يرجى فهم موقفنا، إنه تنازل كبير جدًا من جانبنا، لا زال إقتصادنا يقوم على زراعة البرتقال."
وضع فرانز قدم على أخرى، أسند ظهره على الأريكة، أردف يقول:"في الواقع نحن لا مصلحة ذات أهمية كبيرة لنا في ساحل كاينا الشمالي، معلوم لديكم أننا نمتلك خط ساحل طويل جدًا يمتد على طول شبه جزيرة كوريكا، لذا أقولها لك الثمن الذي تدفعه كالوفر غير كافٍ لتحريك جنودي، مهما يحدث فليس لهاسبرغ أي مصلحة في حدوث هذه الحرب التي ترغب بلادك بشنها ضد كاينا."
توقف قليلًا ليضيف وهو ينقر على ذراع الأريكة الموسد بالجلد الأخضر:"وقد يتعين على جنودي الذهاب مرة أخرى إلى حرب مع الإمبراطورية، لذلك نحن بحاجة إلى ثمن باهظ لا ثمن بخس."
فكر ماثيو لبعض الوقت قبل أن يسأل:"ومتى تخطط المملكة في شن هجوم شامل على كوريكا؟"
زم فرانز شفتيه بإهمال، أجاب يقلب عينيه:"الوقت المحدد لا زال سر من أسرار الدولة التي لا يمكن البوح بها،.. لا يتعين على كالوفر القلق حول توقيت الهجوم، عليها التركيز على خطتها العظيمة في توحيد دول الساحل الجنوبي للقارة، سيكون من الممتع وجود دولة عظمى أخرى لمحاصرة الإمبراطورية."
"صاحب الجلالة يرجى تفهم مخاوفنا، إننا نشعر بالقلق من إمكانية أن تصبح أراضينا الشرقية جبهة حرب، وهذا شيء لا يرغب ملكي برؤيته قط، إذا ضمنت لنا هاسبرغ منع حدوث ذلك بوثيقة ملكية، فإنني لا أجد أي مانع يمنع من موافقتنا على عرض جلالتك الموقرة."
"حسنًا، أنا موافق."
عدل فرانز جلسته وقال بجدية، أضاف:"دعنا إذًا نوقع الإتفاقية."
بعد ساعة أنهى سكرتير لجنة المراسم والمعاهدات البارون فيلدرونس صياغة بنود المعاهدة، وبعد مراجعتها وقع كلًا من فرانز بصفته ملك مملكة هاسبرغ، والسير ماثيو بصفته ممثل ملك مملكة كالوفر، نايل السادس عشر على الإتفاقية التي عرفت بإسم 'معاهدة كلوبرت'
وبعد الإنتهاء من مراسم التوقيع التي حضرها المستشار الملكي، اللورد ويلتون، رئيس مجلس الوزراء، غادر السير ماثيو مكتب فرانز بسعادة، كان يشعر بالرضا على الإنجاز الذي حققه في مهمته الدبلوماسية، بينما سرح في خياله الواسع وهو يخمن ما هي نوع المكافئه التي سيحصل عليها من الملك؟!
أما عند فرانز، كان جالسًا خلف المكتب وأمامه يجلس اللورد ويلتون، وهو رجل نحيف،. أصلع الرأس يرتدي بذلة سوداء قطنية مزينة بشريط أحمر وميدالية فضية على ياقته.
تحدث يقول لفرانز الذي كان يطلع على المستندات:"ماذا لو كان موقف الإمبراطورية هذه المرة غير متوقع، ستقرأ المعاهدة على أنها تحالف ضد نفوذها في المنطقة الجنوبية، قد تدفع إلى حصول اشتباك غير ضروري في هذا الوقت الذي لا زال جيشنا عالق فيه في أرخبيل آرتميس، دولة سترانا تظهر مقاومة ثابتة بفضل الدعم الذي تلقته من الإمبراطورية، قد لا تسير الأمور لصالحنا هذه المرة."
رد فرانز بينما تحجب الوثيقة وجهه عن اللورد ويلتون:"كنت أريد مناقشتك في هذا الموضوع، وبعد أن ذكرتها، لدي نية في تغيير القائد العام لمنطقة الأرخبيل العسكرية، ما رأيك؟"
تابع:"قد يتغاضى جدي فليخلد الرب ذاكره للأبد عن فشل الجنرال جوثن في هذه المعركة، لكن أنا لا يمكنني تحمل ذلك، لقد فشل أكثر من مرة، إننا نستنزف الكثير من الجنود والمعدات، إذا استمر على هذه الحال، هل يريد الجنرال إلحاق الهزيمة بنا في الأرخبيل؟"
قال اللورد ويلتون:"الذي حال دون إقالة الجنرال جوثن هو عمه، المارشال أوسيلو، لقد ترافع عنه عند جلالة الملك الراحل فليخلد الرب ذكراه للأبد."
تابع:"لذا إذا كان جلالتك مُصر على إقالته فيجب ان تكون الإقالة بسيطة دون ضجة."
"ماذا تقصد؟"
ترك فرانز الوثائق من يده وسأل.
"أعني، الإجراء الطبيعي، مجرد تغيير في المنصب فقط."
تفاجئ فرانز ليقول بدهشة خفيفة:"ولماذا أفعل ذلك، يستحق الجنرال جوثن محاكمة عسكرية!"
قاطعه اللورد ويلتون:"والمارشال أوسيلو؟"
"إذا تجرأ على الترافع عنه ستكون هذا عُذر جيد لي لإقالته من منصبه، لا أخفيك يا عزيزي اللورد لدي رغبة في تعيين الجنرال فيغو، القائد العام للجيش الثالث عشر على رأس وزارة الحرب."
وسع اللورد ويلتون عينيه التي تحيط بها التجاعيد متفاجئًا، لكنه سرعان ما استعاد تعبيره المعتاد، فأردف يقول:"الجنرال فيغو، الذي قاد معركة تيثروفستخ؟ إنه ينحدر من خلفية عامة، فهل هو مناسب لهذا المنصب يا جلالة الملك؟"
أومأ فرانز:"لن تكون خلفيته كعامة مشكلة، إنني معجب به كخبير عسكري يتمتع بإستراتيجيات وحيل واسعة، وجود جنرال على رأس وزارة الحرب مقيد بخلفيته العائلية لن يكون ذا فائدة للمملكة.."
"جلالتك، أستميحك العذر لكن الوقت غير مناسب، اقترح تأجيل ذلك لما بعد معركة سترانا."
أضاف:"ولأجل تلبية رغبة جلالتك، أقترح الترويج للجنرال فيغو أولًا، ما رأيك في تعينيه بديلًا عن الجنرال جوثن، في منصب القائد العام لمنطقة الأرخبيل العسكرية؟"
خبط فرانز على المكتب بفرح:"رائع، رائع.. هل أخبرتك أيها اللورد أنني مفتون بك."
احنى اللورد ويلتون رأسه بتواضع:"مهمتي هي مساعدة جلالتك."
"أنت كنز الأمة الهاسبرغية."
*