في وسط كل هذا الدمار الذي احدثته الحرب على مملكة روبي، كان يقف طفلان صغيران تائهان لا يعرفان كيف سيكملان حياتهما بعد موت عائلتهم، ولا يعرفان ماذا يخبئ لهما المستقبل، كان هذان الطفلان هما كين ويوكو، يمشيان وسط الركام ممسكين بيد بعضيهما، ويستمعان لأصوات صرخات الناس تحت الأنقاض، وتبدو عليهما نظرات الرعب والحزن. بينما يمشيان يتفاجئان بوجود فتى مراهق أمامهما، كان جالسٌ في وسط الركام، يبدو في الخامسة عشر من عمره، وله شعر أشقر وعينان خضراوتان، جسمه ووجهه كان مليء بالندوب والجراح، وما إن رآهما حتى وقف واتجه نحوهما.

الفتى: مرحباً أتحتاجان إلى المشاهدة؟

كين(بأسى وتبدو عليه نظرات الإرهاق): نحن لا نعرف أين نذهب.. منزلنا تدمر وفقدنا عائلاتنا.

الفتى(وهو يحاول أن يكتم بكاءه):حصل لي نفس الشيء.. في الواقع اعتقدت بأنني سأموت، لقد تم قصف منزلي وسقط فوقي الكثير من الركام، ولكنني استطعت الخروج منه، ووجدت أهلي كلهم ميتين...

يوكو(بحزن شديد): ماذا سنفعل الآن؟ هل سنذهب إلى دار الأيتام؟

الفتى: ربما.. على أي حال، اسمي هو راندي.

كين: أنا كين وهذه يوكو.

راندي: لقد تذكرت.. ما رأيكم بأن نهرب إلى جزيرة أوراكانو؟ إنها قريبة من هنا، لدي قاربٌ صغير سيوصلنا إلى هناك، آمل بأنه لم يتحطم.

كين(وهو ينظر إلى أنحاء المدينة المدمرة): أظن بأنه لا يوجد لدينا خيار آخر.. بلادنا قد تدمرت بالكامل.

راندي: إذاً تعاليا معي.

أخذ الطفلان يمشيان وراء راندي وهما يحاولان تخطي كل الأحداث التي حصلت لهما في ذلك اليوم الكئيب، وبعد مدة قصيرة وصلا إلى الشاطئ الذي كان هو المكان الوحيد الذي لم يُقصف ولم يتغير، وكان قارب راندي الخشبي الصغير ما زال في مكانه، فركب الثلاثة بداخله وبدأ راندي يجدف القارب بمساعدة يوكو وكين، كان الصمت سائد بينهما، ولم يحتمل كين ويوكو كثيراً حتى ناما نوماً عميقاً في القارب من شدة التعب، وناما في حضن راندي الذي كان مصدوماً ولم يعرف كيف يتعامل مع الأمر، ولكنه واصل التجديف لمدة أطول، وما كان له إلا وأن يغط في نوم عميق هو الآخر، فكان عليهم أن يستريحوا بعد ذلك اليوم الكئيب.

في صباح اليوم التالي استيقظ كين من النوم، وكانت هذه أول مرة يستيقظ فيها في مكان ليس سريره، ولم تكن أمه بجواره تناديه لتناول طعام الإفطار، ما إن استيقظ كين حتى تذكر كل ما حدث الليلة الماضية وأجهش بالبكاء، فاستيقظت يوكو هي وراندي بعد سماع بكاء كين، فضمه راندي إلى حضنه محاولة منه للتخفيف عنه، فأصبح صوت بكاءه أخف ولكن هذا بسبب أنه تعب من البكاء. بعدها بدأ راندي يجدف مجدداً.

راندي: أعتقد بأننا سنصل إلى جزيرة أوراكانو في غضون ساعة.

واصل الثلاثة التجديف بصمت تام، وهم يتأملون بمنظر البحر الأزرق الذي تنعكس عليه أشعة الشمس الصافية وبعض الغيوم المتناثرة، مع بعض نسمات الهواء التي جعلت الجو منعشاً. وبعد ساعة تقريباً، بدأت اليابسة تظهر أمامهم.

كين: أهذه هي جزيرة أوراكانو؟

راندي: نعم، لقد وصلنا.

يوكو: وهل هي كبيرة؟

راندي: ليس كثيراً، فيوجد بها مليون ونصف من السكان فقط، ولكنها جميلة، لقد زرتها من قبل.

بعد عدة دقائق وصلت السفينة إلى اليابسة، فنزل الثلاثة منها، وكان منظرهم يبين للناس بأنهم قد خرجوا من حرب، فكانوا يمشون وسط نظرات الغرباء ومن الواضح بأنهم قد عاشوا شيئاً فوق طاقتهم.

يوكو: إذا.. إلى أين سنذهب الآن؟

راندي: لا أعلم...

وفجأة التفت إليهم احد أفراد الشرطة واتجه إليهم فوراً.

الشرطي: مرحباً، هل جئتم من مملكة روبي؟

راندي: نعم.. لقد تم قصف منازلنا وقتل عوائلنا، فهربنا بواسطة قارب.

الشرطي: لقد هرب الكثير من الأهالي إلى هنا ليلة الأمس، يمكنكم الذهاب والبحث عن أشخاص تعرفونهم للعيش معهم.

لوح الشرطي بيده إلى الوراء وقال: انهم هناك، اذهبوا.

مشي الثلاثة متجهين إلى مساحة كبيرة من الشاطئ وكان يوجد بها الكثير من الكراسي والكثير من الأهالي الذين يحملون امتعتهم وينتظرون بكل أمل أن يعثروا على أهاليهم المفقودين. وفجأة لمح راندي شخصاً يعرفه وسط هذا الحشد الكبير، فركض باتجاهه.

صاح راندي: خالي! خالتي! لا أصدق بأنكما هنا!

كين: هذا جيد، لقد وجد راندي أقاربه، ولكن هل يا ترى سنجد نحن أقاربنا؟

يوكو: لا نعلم..

وفجأةً ظهرت امرأة بشعر أسود قصير وعينان زرقاوان، وما إن نظرت إلى يوكو حتى صاحت: يوكو! أهذه أنتِ؟!

يوكو: عمتي!

ركضت يوكو إلى حضن عمتها وبدأ بالبكاء: عمتي! لقد ماتوا جميعهم!

عمة يوكو: أعلم... لقد ظننتكِ قد متِ أيضاً! ولكن الحمدالله بأنكِ ما زلتِ حية يا عزيزتي!

يوكو: عمتي، هل ستدعيني أعيش معكِ؟

عمة يوكو: بالطبع.

يوكو: وماذا عن كين؟ إنه صديقي، لقد فقد جميع أفراد أسرته.

نظرت عمة يوكو إلى كين بانزعاج وقالت: ليس لدي الوقت للعناية بأطفال الآخرين، سأعتني بكِ أنتِ فقط!

يوكو: ولكن يا عمتي! أين سيعيش كين؟!

عمة يوكو: هذا غير مهم، المهم بأنكِ بخير، لنذهب ونبحث لنا عن منزل الآن.

كان كين مصدوماً من ردة فعل عمة يوكو وانزعاجها منه، فسحبت العمة يوكو من يدها فصرخت يوكو: انتظري يا عمتي! أريد أن أودع كين!

ولكن العمة لم تستجب لها وواصلت السير وهي ممسكة بيدها وسط نظرات الصدمة على وجه كين ويوكو.

صرخ كين وعيناه مليئتان بالدموع: وداعاً يا يوكو! سنلتقي مجدداً بالتأكيد!

وبعدها مرت الساعات حيث كان كين جالساً وينتظر رؤية أي شخص يعرفه، ولكنه لم يجد أحداً، فأخذ يراقب الأهالي وهم يلتقون ببعضهم وبدأ عدد الناس يقل حتى أصبح كين جالساً لوحده بعد غروب الشمس، كان يشعر بالوحدة والحزن ولا يعرف إلا أين سيذهب، فبدأ بالبكاء مجدداً بصوت خافت وهو جالس على كرسي خشبي خارج نطاق الشاطئ، فسمعه رجل عجوز وذهب إليه, كان يبدو في الثمانينات من عمره وشعره مليء بالشيب، وله عيون زرقاء لامعة، وما زالت تبدو عليه علامات الوسامة التي كان يتمتع بها في شبابه. اتجه الرجل العجوز إلى كين ليكلمه.

العجوز: مرحباً يا صغير، هل أنت تائه؟

كين(وهو يمسح دموعه): أنا لا أعرف إلى أين أذهب...

العجوز: لهجتك مختلفة، هل أنت من مملكة روبي؟

كين: أجل... لقد فقدت كل شيء! ليس لدي أم، وليس لدي أب، ولا حتى اخوة!

العجوز: ما هو اسمك؟

كين: اسمي كين.

العجوز: يمكنك أن تناديني بالجد لاود.

كين: حسناً.. أيها الجد لاود.

لاود: أليس لديك أقارب آخرين؟

كين: لا، ليس لدي أحد..

لاود: إذاً يمكنك أن تعيش معي.

نظر كين إلى العجوز وقال بفرح: حقاً؟!

لاود: أجل، أنا وحيد أيضاً، يمكنني أن أصبح جدك.

وهكذا أصبح كين يعيش مع العجوز لاود في منزل متوسط الحجم ويلبي كل احتياجاته، وبدأ يتأقلم على معيشته الجديدة وكان سعيداً ومرتاحاً معه، ولكن للأسف توفي العجوز لاود عندما أصبح عمر كين 11 سنة، وترك له بعض من المال بالإضافة إلى هذا المنزل، وقتها قرر كين بأنه سيبدأ بالتدريب ليصبح قوياً لمواجهة سيروس، فنرى مشاهد لكين وهو في فناء المنزل يلوح بالسيف، وكان هذا تمريناً يجعله يستخدم السيف بمرونة ويتعود على حمله. ونرى أيضاً مشاهد أخرى لكين وهو يحاول استخدام فاكن النار ويتخيل بأن سيروس أمامه، ويبدأ برمي النيران على الأرض وهو يشعر بالغضب، ولكن بعدها يقوم بإيقافها لكي لا يحترق المكان.

يتبع....

2025/02/11 · 14 مشاهدة · 1057 كلمة
Sara Otaku
نادي الروايات - 2025