بعد أن أمضى آكيو وكين وآن ساعات في التجول داخل داركوفا وجمع المعلومات، عثروا على فندق صغير واستأجروا غرفة صغيرة بالكاد تتسع لهم. الغرفة كانت باردة، الجدران خشبية قديمة، والفراش لا يبدو مريحًا أبدًا.

خرج الثلاثة من الغرفة وجلسوا في مطعم الفندق حول طاولة خشبية قديمة، وقد اشتروا بعض الطعام المحلي لتجربته. كين جلس بهدوء، يحتسي الشاي الأسود الموجود أمامه، أما آن فكانت تتناول حساءً. أما آكيو فقد أخذ لقمة كبيرة من قطعة لحم غريبة المظهر، وبدأ يمضغ بحماس. لكن بعد لحظات... تغير لون وجهه بالكامل.

آكيو (يفتح عينيه بصدمة): "إ-إيه... لحظة... هذا الطعم غريب..."

آن (ترفع حاجبها): "ما مشكلتك الآن؟"

آكيو (يصمت للحظة، ثم يصرخ): "آاااااااااااااه!!! هذا ليس لحمًا طبيعيًا!! إنهم آكلي لحوم البشر!!"

رمي الشوكة من يده، وبدأ يلهث وكأنه تسمم، بينما كان يضع يده على بطنه وكأنه يحتضر.

كين رفع حاجبه ببرود، ثم نظر إلى صحن آكيو وقال بهدوء: "إنه مجرد لحم غزال... توقف عن التصرف كالأطفال."

آكيو (بصدمة وهو يشير إلى طبقه بعشوائية): "ماذا؟! غزال؟! ومنذ متى الغزال قابل للأكل؟!!"

آن (وضعت يدها على وجهها بإحباط، ثم قالت بسخرية): "يالك من غبي! إن الغزال أشهر أكلة شعبية في داركوفا."

آكيو (باشمئزاز): "هذا مقرف! لا أستطيع أكله، أريد بعض السوفليه!!"

آن (وهي تضحك): قصة آكيو مع السوفليه هي قصة حب لا تنتهي! ولكن قصة حبي مع كين شيء آخر تماماً!

تجاهل آكيو طبق لحم الغزال وقرر أن قرر أن يأخذ رشفة من كوبه، لكنه لم يكن يعلم بأنه أخذ الكوب الخطأ. كان ذلك كوب كين، ويوجد بداخله الشاي الأسود، وبمجرد أن تذوقه... تجمد في مكانه. ثم فتح عينيه عن آخرهما، وبصق جميع ما شربه على وجه كين.

شعر كين بالصدمة لمجرد أن استوعب بأن وجهه وملابسه كلها ملطخة بالشاي الذي بصقه آكيو، ولأول مرة شعر كين بالغضب، وأصبح وجهه غاضب بطريقة كوميدية، ثم قام بلكم آكيو على وجهه فسقط على الأرض، وبعدها أمسك به من ملابسه ورفعه.

آكيو (يبكي تقريبًا): "انتظر! انتظر! كان ذلك مجرد حادث!! أنا آسف، لقد كان ما شربته مقززاً!!!"

كين (بعينين مشتعلة): "حـادث؟! بصقت الشاي على وجهي! هل لديك فكرة كم هو حار؟!!"

آن، التي كانت تمسك بملعقتها وتراقب المشهد وكأنه عرض كوميدي، وضعت يدها على فمها وهي تحاول كتم ضحكتها، لكنها لم تستطع المقاومة.

آن: "أوه... يا إلهي... هذا أفضل شيء رأيته في حياتي! إن كين سان غاضب! لم أتوقع أن أراه هكذا أبداً!"

كين، الذي كان لا يزال غاضباً، رفع آكيو أكثر، ثم قام بإلقائه مباشرة على الطاولة الخشبية!!

"بووووووم!!!"

تحطم جزء من الطاولة تحت آكيو، واهتزت الأطباق، وسقطت بعض الكؤوس، مما جعل الجميع في المطعم يلتفتون إليهم بدهشة. لكن كين لم ينهِ عقوبته بعد، اقترب منه وسحبه من ياقته، ثم...

"بوووووووووم!!!"

لكمة أخرى، هذه المرة مباشرة إلى رأس آكيو، جعلته يطير في الهواء لثوانٍ، قبل أن يسقط مجددًا على الأرض، فأصبح وجه آكيو متورماً بشكل مضحك.

آكيو (بوجه متورم): "أ-أنا... لست بخير..."

آن، التي كانت تمسك بطنها من شدة الضحك، بالكاد استطاعت أن تلتقط أنفاسها.

آن (تحاول التحدث بينما تضحك): "آكيو... أعتقد أنك للتو... أيقظت الوحش النائم داخل كين سان!"

بعد أنت انتهى كين من ضرب آكيو، أخرج علبة السجائر من جيبه ثم وضع واحدة في فمه وأشعلها، وبدأ يمشي تاركاً آكيو وآن خلفه.

كين(ببرود): "أنا ذاهب للاستحمام."

ينتقل المشهد إلى في قاعة العرش القوطية في قصر تيراكولا، حيث كانت تجلس على عرشها، وكانت تمسك بكأس مليء بدماء لتشربه كعادتها. بينما تتأمل حراسها الثلاثة الذين يقفون أمامها. أكيرا كعادته كان متكئًا على الحائط بذراعيه المتقاطعتين، بينما نيورو كان جالسًا على أحد المقاعد الفاخرة، يلعب بخنجره بملل. أما ستيف، فكان واقفًا بثبات بالقرب من الباب، ذراعيه متشابكتان، وعيناه تراقبان تيراكولا بصمت.

تيراكولا أخذت رشفة من كأسها، ثم رفعت عينيها بابتسامة ماكرة وقالت بصوت ناعم لكن يحمل هيبة مخيفة:

"أيها الأولاد... في ليلة الغد، سنقيم حفلة راقصة في القصر."

أكيرا، الذي بدا كان يبدو منهمكاً في التفكير، فتح عينيه على الفور، وكأن شيئًا أيقظه من سباته.

"حفلة؟! أتعنين حفلة حقيقية؟ مع موسيقى... ونساء؟!"

تيراكولا ابتسمت بلؤم وهي تهز كأسها ببطء.

"بالطبع، عزيزي أكيرا. النبلاء من جميع أنحاء داركوفا سيحضرون، وهذا يعني... الكثير من السيدات الجميلات."

أكيرا رفع قبضته بحماس وكأن روحه عادت للحياة.

نيورو(بسخرية): "أوه، بالطبع، طالما هناك نساء، فجأة يصبح أكيرا مهتمًا بشيء آخر غير التذمر."

أكيرا وضع يده على صدره بتمثيل درامي ورد عليه: "بالطبع! يا رجل، النساء هن الحياة! كيف يمكن العيش بدونهن؟"

ثم أغمض عينيه، ورفع رأسه قائلاً بأسلوب مبالغ فيه: "إنهن الزهور التي تزين هذا العالم القاسي... النجوم التي تنير ظلام قلوبنا..."

نيورو لم يستطع منع نفسه من الضحك، بينما تيراكولا نظرت إليه بنصف ابتسامة ممتعة. أما ستيف، فقد ظل صامتًا، لكنه أخيرًا تحدث لأول مرة منذ فترة.

ستيف: "حفلة، إذاً..."

تيراكولا: "أجل، ستيف. سيكون هناك نبلاء، رجال أعمال، وأشخاص مهمون... وأريد منك أن تكون هناك أيضاً."

ستيف: "إذا كنتِ تريدينني هناك، فسأكون موجوداً."

أكيرا نظر إليه بتعجب، ثم ابتسم ابتسامة مشاكسة: ستيف، يا رجل، ألا تتحمس قليلاً؟! أعني، هل لديك مشاعر حتى؟!"

ستيف (بصوت هادئ لكن عميق): "لست مهتمًا بالحفلات السطحية، ولا بالرقص، ولا بالأحاديث الفارغة مع أشخاص متصنعين."

أكيرا تجمد في مكانه للحظة، ثم وضع يده على ذقنه وقال: "هممم... إذاً، ماذا يثير اهتمامك، أيها السيد الغامض؟"

ستيف نظر إليه للحظة، ثم أجاب ببساطة: "الصمت."

نيورو (انفجر ضاحكًا وهو يصفق بيده على الطاولة): "أوه، هذا رائع! ستيف يا رجل، أنت رسميًا أكثر شخص ممل في القصر!"

أكيرا (وهو يضحك): "حسنًا حسنًا، على الأقل حاول أن تستمتع، ربما تجد فتاة هادئة مثلك، وستجلسان في الزاوية تحدقان في بعضكما البعض دون أن تتحدثا أبداً!"

ستيف لم يرد، فقط نظر إليه ببرود وكأنه يحاول أن يجعله يدرك ما يقوله، أما تيراكولا فقد استمتعت بالمشهد بالكامل، ثم وقفت من عرشها بخفة وقالت بصوت مرح لكنه يحمل أمرًا واضحًا:

"في ليلة الغد... أريدكم أن تكونوا في أفضل حالاتكم. لا تفسدوا الحفلة، ولا تفعلوا شيئًا يثير الفوضى."

ثم التفتت نحو أكيرا ورفعت حاجبها قليلاً وقالت: وأنت، أكيرا... حاول ألا تحطم الأثاث وأنت تلاحق الفتيات."

تركت تيراكولا عرشها وخرجت من القاعة بخطوات كعبها العالي، أما أكيرا فقد استدار نحو نيورو وصفق بحماس.

أكيرا: "إذاً... هل أنت مستعد ؟ أنا شخصياً سأكون ملك الحفلة!"

نيورو ابتسم بمكر وقال: "أوه، لا تقلق، أكيرا. سنرى من سيخطف الأضواء الليلة."

أما ستيف، فقد زفر بهدوء وهو يتمتم لنفسه: "يا له من إزعاج..."

بعد عدة ساعات، وبينما كان الجميع منشغلين بالتحضيرات للحفلة، وجد أكيرا نفسه يتجول بلا هدف في أروقة القصر. دون أن يفكر كثيرًا، صعد الدرج المؤدي إلى الطابق العلوي، حيث كانت زنزانة الطفل هناك. وصل إلى الزنزانة وفتح الباب بالمفتاح.

عندما دخل، وجد الطفل جالسًا في زاوية الزنزانة، مغطى ببطانية رقيقة بالكاد تحميه من البرد. كان جسده الصغير يرتجف، ووجهه شاحبًا، وعيناه الذهبيتان الواسعتان نظرتا إلى أكيرا برعب عندما رأى الباب يُفتح. لكن أكثر ما لفت انتباه أكيرا... هو صوت معدة الطفل التي كانت تصدر أصواتًا من الجوع.

أكيرا: "أنت تتضور جوعًا، أليس كذلك؟"

الطفل لم يرد، فقط نظر إليه بخوف، لكنه لم يستطع منع نفسه من وضع يده الصغيرة على بطنه، وكأنه يحاول كتم صوت الجوع. أكيرا زفر بصوت مسموع وهو يمرر يده في شعره الأسود.

أكيرا: "يا إلهي... حتى تيراكولا لم تفكر في إطعامك؟ هل يريدونك أن تموت هنا ببطء؟"

لم يتفوه الطفل بأي كلمة، اكتفى فقط بالاستماع، نظر إليه أكيرا للحظة، ثم استدار فجأة وخرج من الزنزانة، مغلقًا الباب خلفه. وبعد عدة دقائق، عاد أكيرا وهو يحمل معه قطعة خبز وبعض اللحم المجفف الذي سرقه من مطبخ القصر. فتح الباب مجددًا، ورمى الطعام للطفل.

أكيرا: "كل."

الطفل نظر إلى الطعام أمامه، ثم رفع عينيه ببطء إلى أكيرا.

الطفل: "هل... هل هذا لي؟"

أكيرا رفع حاجبه وقال بسخرية: "لا، هذا لديكور الزنزانة. بالطبع لك، أيها الأحمق الصغير."

الطفل لم يهتم بسخرية أكيرا، بل أمسك بالطعام بسرعة وبدأ يأكل بنهم، وكأنه لم يرَ الطعام منذ أيام.

وبعد أن انتهى من أكل نصف الكمية، نظر إليه أكيرا مجدداً وقال: "ما اسمك؟"

الطفل (بتوتر): "ءءء اسمي... اسمي هو ليونيل، شكراً لك يا أخي المستذئب!"

أكيرا تجمد للحظة، لم يكن معتادًا على سماع كلمات الشكر. أدار رأسه بعيدًا وهو يتظاهر بعدم الاهتمام، لكنه شعر بشيء غريب في صدره، شيء لم يكن يريد الاعتراف به.

أكيرا (بصوت جاف): "لا يجب عليك أن تشكرني، فأنا من أحضرتك إلى هنا.."

ظل ليونيل ينظر إلى أكيرا بعينين واسعتين، وكأن كلماته الأخيرة لم تكن تعني شيئًا بالنسبة له. كان هناك شيء غريب في نظرة الطفل، لم تكن مليئة بالخوف فقط، بل كانت تحمل شيئًا آخر... شيئًا لم يستطع أكيرا تفسيره.

ليونيل (بصوت خافت): "لكنك لم تؤذني."

أكيرا عبس، ثم زفر بضجر وهو يمرر يده في شعره الأسود.

أكيرا: "هذا لا يعني أنني لن أفعل لاحقًا، لذا لا تعتقد أنني شخص جيد أو شيء من هذا القبيل."

ليونيل لم يرد، فقط نظر إليه بصمت. ثم، بعد لحظات، ابتسم ابتسامة صغيرة جدًا، ابتسامة لم تكن تهدف إلى الاستفزاز أو التحدي، بل كانت بريئة تمامًا.

ليونيل (ببراءة): "لكنك شخص جيد."

أكيرا تجمد في مكانه للحظة، وكأنه لم يسمع هذا الكلام من قبل.

أكيرا (بتذمر وهو يبعد نظره): "يا إلهي، هل جميع الأطفال مزعجون هكذا؟!"

جلس على الأرض أمام الزنزانة، مسندًا ظهره إلى الجدار الحجري البارد، وهو يعبث بأظافره الحادة وكأنه غير مهتم بالمحادثة.

ليونيل: "هل أنت مستذئب حقيقي؟"

أكيرا (متكئًا برأسه على الجدار): "ليس بالكامل."

ليونيل (بفضول): "ماذا تقصد؟"

أكيرا: "يعني أنني لست بشريًا بالكامل، ولست مستذئبًا بالكامل. عالق في المنتصف، تماماً كالوحش."

ليونيل لم يفهم تمامًا، لكنه أومأ برأسه وكأنه مقتنع بما سمع.

أكيرا: "اسمع يا ليونيل، يجب علي الذهاب الآن."

ليونيل (وهو ينظر إليه بحياة): "هل ستعود غدًا؟"

أكيرا تجمد للحظة، لم يكن مستعدًا لهذا السؤال. نظر إلى ليونيل للحظة، ثم نهض ببطء، واستدار متجهًا نحو الباب.

لكنه قبل أن يخرج، توقف للحظة عند الباب، ثم قال بصوت منخفض دون أن يلتفت: "نعم، وأعدك بانني سأحررك!"

ثم أغلق الباب خلفه، تاركًا ليونيل وحده، لكن هذه المرة، لم يشعر ليونيل بالخوف كما كان في الليلة الأولى. لأنه، لأول مرة منذ وصوله إلى هذا المكان، شعر أن هناك شخصًا واحدًا على الأقل... ربما لن يتركه يموت هنا.

بينما كان أكيرا يسير في ممرات القصر، شعر بأن أنفاسه أصبحت أثقل وكأن هذا الطفل قد بدأ يذكره في نفسه عندما كان طفلاً، بدأ أكيرا يتذكر بعض المواقف التي مر بها في طفولته!

في إحدى الأزقة الضيقة والمظلمة... كان هناك طفل صغير يبلغ السابعة من عمره، جالسًا على الأرض المتسخة، منحنيًا على نفسه وكأنه يحاول أن يختفي عن الأنظار. ملابسه كانت ممزقة، وركبتيه مليئتان بالكدمات، وجهه شاحب، وشفتيه جافتان من الجوع.

لم يكن يعلم متى كانت آخر مرة أكل فيها. ربما قبل يومين؟ أو ثلاثة؟ لم يعد يستطيع التمييز... كان كل شيء ضبابياً من حوله. أمامه، كان هناك مجموعة من الأطفال الجانحين، أكبر منه قليلًا، وتظهر عليهم القوة. كانوا يحيطون به ويتبادلون الضحكات، بينما ينظرون إليه وكأنه حشرة يجب سحقها.

"ما هذا؟ أنظروا من وجدنا في هذا اليوم الكئيب! إنه النكرة الذي تغيب عن المدرسة لمدة أسبوع!"

"انه أكيرا الوحش! يعتقد بأنه سيصبح بشرياً مثلنا لو درس في مدرستنا!"

"إنه مجرد نكرة... لا ينتمي إلى أي مكان!"

أكيرا لم يرد. لم يكن لديه القوة للرد، لكنه شعر بالدموع تحرق عينيه... ليس لأنه خائف، بل لأنه كان يعلم أنهم على حق، فهو لم يكن ينتمي إلى أي مكان. لم يكن البشر يقبلونه، لأنه لم يكن بشريًا بالكامل، ولم يكن المستذئبون يقبلونه، لأنه لم يكن واحدًا منهم بالكامل، كان مجرد خليط غريب... بلا هوية.

أحد الأطفال ركل أكيرا في بطنه، وجعل جسده النحيف يلتف من الألم.

"أوه، آسف! كنت أريد فقط أن أرى إن كان لديه مخالب مثل المستذئبين!"

ضحكوا جميعًا، بينما كان أكيرا يحاول أن يتنفس بصعوبة، طفل آخر أمسكه من قميصه الممزق، رفعه قليلاً عن الأرض، ثم بصق على وجهه.

"أنت مثير للشفقة... حتى لو حاولت القتال، لن تربح أبداً."

ثم دفعه بقوة، فسقط على الأرضية الباردة، ووجهه ارتطم بالحجارة المتناثرة، شعر بألم شديد في فكه، لكنه لم يتحرك.

تغير المشهد... وبدأت الذكرى تتلاشى... أكيرا كان يمشي في ممرات القصر وعلى وجهه نظرة شخص يحاول إخفاء كل ما بداخله.

يتبع...

2025/02/11 · 20 مشاهدة · 1882 كلمة
Sara Otaku
نادي الروايات - 2025