كان أكيرا ملقى على الأرض في الزنزانة المظلمة، يئن من الألم الذي كان يشعره به في كل أنحاء بجسده المرهق. لقد تلاعبت تيراكولا في حركة مجرى الدم في جسده وجعلتها سريعة جداً لدرجة أنه شعر بأنه على وشك الانفجار. مرت ساعتين منذ أن حصلت تلك الحادثة، استعاد أكيرا وعيه، وكانت عيونه مطفأة خالية من كل تعبير سوى اليأس الذي كان يشعر به، وكأن العالم كله قد تخلّى عنه.
نظر إلى الجدران الباردة والمظلمة من حوله، وغمره شعور العزلة. لم تكن هناك نوافذ في الزنزانة، ولا ضوء سوى من خارجها. نظر إلى يده فاكتشف بأنه مكبل تماماً ولن يستطيع الحركة.
أكيرا (بهمسات محطمة، وهو يتنفس بصعوبة): “لماذا…لماذا ما زلت حياً؟”
بعيداً عن كل ذلك، يعود الزمن إلى الوراء ما قبل 21 عاماً، في أحد الأيام المظلمة والمليئة بالغموض في داركوفا، كانت الأضواء في المدينة ضعيفة، والشوارع مظلمة تحت تأثير الضباب الكثيف. كانت هناك امرأة تبدو في العشرينات من عمرها، بشعر بني طويل وعينان حمراوتان متوهجتان، تمشي لوحدها في الشارع، وبينما كانت تمشي صادفت شخصاً غير حياتها بالكامل، كان ذلك الرجل بشعر أسود وعينان عسليتان، كان يبدو في العشرينات من عمره هو أيضاً.
إنه مجرد شخص عادي وبسيط من مواطني داركوفا، وكان يسير في تلك الليلة، عائداً إلى منزله بعد يوم طويل من العمل، وعندما لاحظ تلك المرأة، شعر بأنها تائهة وتحتاج إلى المساعدة.
الرجل : “مرحباً يا آنسة، هل تحتاجين إلى المساعدة؟ لا يجب على آنسة جميلة مثلكِ أن تمشي بمفردها في ليلة كهذه.”
المرأة: “شكراً لك، لكنني لا أحتاج إلى مساعدة، فقط أمر بأوقات عصيبة.”
الرجل: “يمكنني مساعدتك، فقط أخبريني، ماذا يمكنني أن أفعل من أجلك؟”
ابتسمت المرأة بلطف، وشعرت بأن هذا الرجل كان مختلفاً عن غيره.
المرأة: “في الواقع.. أنا لست من هذه المدينة، كنت أبحث عن فندق يأويني، ولكن ليس لدي أي نقود."
الرجل (بابتسامة لطيفة، وهو ينظر إليها بعطف): “لا داعي للقلق بشأن المال. هناك دائماً مكان للراحة في هذه المدينة. إن كنتِ بحاجة إلى مكان آمن، يمكنكِ المبيت في منزلي حتى تجدي لكِ عملاً أو نقوداً."
المرأة (تتردد للحظة، ثم تنظر في عينيه بتمعن): “أنت… حقاً متأكد؟”
الرجل (بثقة، وهو يخطو خطوة نحوها): “بالطبع. لا يمكنني ترك امرأة جميلة مثلكِ تنام في الشارع، أنتِ تحتاجين منزلا يأويكِ، وخاصة في هذا اليوم البارد."
ميرا (تخفض رأسها قليلاً، وملامح الخجل تظهر على وجهها): “أنت طيب جداً، لكنني… لا أريد أن أكون عبئاً عليك.”
الرجل (مبتسماً برقة): “لا داعي للتفكير هكذا، أنا فقط أفعل ما يجب فعله، لن أتركك وحدكِ هنا.”
بينما كان يبتسم بلطف، نظر إلى عينيها الحمراوتان، كانت تُشعِره بشعور غريب، ولكن يبدو أنه وقع في حب هذه الأعين. ومن هنا شعر الرجل بأن المرأة التي أمامه مختلفة، وزادت لديه الرغبة في معرفة المزيد عنها.
المرأة (بعد لحظة من الصمت، ترفع رأسها وتنظر إليه بابتسامة خفيفة): “أ-أنا… أعتذر، لم أقدم نفسي بعد، اسمي ميرا.”
الرجل(بابتسامة دافئة، يمد يده): “ميرا، اسم جميل. أنا فيليبو، سعيد بلقائك.”
ميرا (تأخذ نفسًا عميقًا ثم تبتسم خجلاً، وهي تعطيه يدها بلطف): “تشرفت بلقائك، فيليبو.”
تبادلا نظرات صامتة مليئة بالفضول المتبادل، كل منهما يحاول قراءة الآخر. كان هناك شيء غريب ولكنه مريح في اللقاء.
فيليبو (وهو يبتسم أكثر): “لنذهب الآن، منزلي قريب من هنا.”
شعرت ميرا بحالة من الارتياح في وجود فيليبو، فوافقت بصمت، وتابعت خطواته. بينما كانوا يتجهون نحو منزله، كان هناك شيء ما في قلب ميرا يزداد قوة. لم تكن تعرف ما هو، لكنها شعرت بالراحة لأول مرة منذ فترة طويلة.
فيليبو (وهو يفتح الباب أمامها): “المنزل ليس فخماً، لكنني أعتقد أنه سيكون مناسباً لكِ.”
ميرا (تبتسم، وهي تدخل المنزل لأول مرة): “لا مشكلة، المهم أنني وجدت منزلاً.”
فيليبو (وهو يؤشر على غرفة تمتلك باباً أحمر): “تلك هي غرفة الضيوف، إذا كنتِ بحاجة لأي شيء يا ميرا، فلا تترددي بإخباري”
ميرا (بتردد، ثم تنظر إليه بابتسامة خفيفة): “شكرًا لك، فيليبو… أنا ممتنة أكثر مما أستطيع قوله.”
فيليبو (بابتسامة دافئة): “لا داعي للشكر ميرا، أنا سعيد لأنكِ مرتاحة هنا."
توجه فيليبو نحو الغرفة ثم فتح لها الباب، فدخلت وبدأت تتأمل في الديكورات التي لم تكن سيئة ولم تكن فخمة في نفس الوقت، فبدأت ترتب أغراضها بينما ترك فيليبو الغرفة بهدوء ليمنحها خصوصيتها، وأغلق الباب وراءه.
بعد مرور شهر من العيش في منزل فيليبو، شعرت ميرا بأن هذا المكان أصبح يشبه المنزل بالنسبة لها،وكانت علاقتها مع فيليبو قد تطورت بشكل هادئ وطبيعي. كانت الأيام تمر، وفي كل يوم كان فيليبو يظهر لها جانباً جديداً من نفسه: الهدوء، اللطف، والاحترام. ولم تعد ميرا قادرة على تجاهل تلك المشاعر التي بدأت تتسلل إلى قلبها، مشاعر كانت ترفضها في البداية لكنها بدأت تتأقلم معها.
ميرا (وهي تنظر إلى فيليبو أثناء تحضير العشاء): “أنت حقًا طباخ ماهر يا فيليبو، أنا لم أتخيل أبداً أنني سأعيش في منزل يشبه هذا.”
فيليبو (يبتسم بلطف وهو يحرك الطعام في المقلاة): “شكراً لكِ، إنني سعيد لأنكِ تشعرين بالراحة هنا."
ميرا (بصوت هادئ، واحمرار في وجنتيها): “فيليبو، هناك شيء يجب أن أقوله لك.”
فيليبو (ينظر إليها بتساؤل، بينما يبتسم بهدوء): “ماذا هناك، ميرا؟”
ميرا (تتنهد قليلاً، ثم تقترب منه): “أنت شخص جيد، أنت تعني لي الكثير حقاً، ولكنني… أعتقد أنني بدأت أشعر بشيء أكثر من مجرد امتنان.”
فيليبو (يقف ببطء، متوجهاً نحوها): “هل تعنين أنكِ…؟”
ميرا (تبتسم بخجل، تحاول أن تتجنب النظر في عينيه): “نعم، ولكنني لا أعرف إذا كان هذا صحيحاً. كل هذا جديد بالنسبة لي، ولكن كلما قضيت وقتاً معك، شعرت بأنني لا أريد أن أفقدك.”
فيليبو (ينحني قليلاً ليلتقط يديها برقة، ثم ينظر في عينيها مباشرة): “ميرا، أنا أيضاً أشعر بذلك. لم أكن أظن أنني سألتقي بشخص مثلك في حياتي، كل يوم أكتشف جانباً جديداً منك، وأدركتُ بأنكِ بدأتِ تجعلين حياتي أفضل.”
ميرا (بهمسات منخفضة، وهي تشعر بحرارة يديه على يديها): “هل تعتقد أن هذه بداية لشيء حقيقي؟”
فيليبو (بابتسامة دافئة، وهو يقرب وجهه منها): “نعم، وأعتقد أننا معًا يمكننا بناء شيء جميل، إذا كنتِ مستعدة.”
بدأ الإثنان يحدقان ببعضهما بخجل وسعادة بنفس الوقت، وفي كل ثانية يقتربان من بعضهما أكثر.
بعد شهرين من العيش مع فيليبو، بدأ كل شيء في حياة ميرا يأخذ مجرى جديد. فكان حبهم ينمو أكثر فأكثر كل يوم. كان فيليبو دائماً بجانب ميرا كداعم ومحب لها. ولكن في صباح أحد الأيام، اكتشفت ميرا شيئًا غير متوقع.
كانت قد تأخرت في دورتها الشهرية، وعندما أجرت اختبار الحمل، كانت النتيجة واضحة تماماً، لقد كانت ميرا حاملاً! كانت تجلس في المطبخ، تنظر إلى الاختبار في يديها، غير قادرة على تصديق ما رأت. وفجأة، دخل فيليبو إلى المطبخ مبتسماً وهو يقترب منها ويحمل كوباً من القهوة.
فيليبو (بابتسامة هادئة): “صباح الخير ميرا، هل نمت جيداً؟”
ميرا (بصوت منخفض، ولم تستطع إخفاء نظرة الدهشة على وجهها): “فيليبو… هناك شيء يجب أن أخبرك به.”
فيليبو (يقف أمامها وينظر إليها بفضول): “ماذا هناك؟”
ميرا (تنظر إليه وتتنهد، ثم تضع الاختبار أمامه): “أنا… أنا حامل.”
فيليبو (يتجمد في مكانه للحظة): “حقاً؟”
ميرا (بتوتر): “نعم… أنا خائفة، فيليبو، كيف سنواجه هذا؟”
فيليبو (يأخذ يدها برفق، ويحمل نظرة عميقة في عينيها): “أنتِ لستِ وحدكِ، ميرا. سنواجه هذا معاً، وأنا هنا لأدعمكِ في كل خطوة. وهذا الطفل سيكون جزءاً منا ومن حبنا.”
كانت ردة فعل فيليبو مريحة ومطمئنة جداً لميرا. وبعد انقضاء 9 أشهر من الحمل، أخيراً جاء اليوم المنتظر. كانت ميرا في المستشفى وهي مستعدة للولادة، بينما كان فيليبو ينتظر في الخارج وهو متحمس جداً.
وفي اللحظة التي أعلن فيها الطبيب عن قدوم الطفل، كانت ميرا تنفث أنفاسها بصعوبة، ولكنها شعرت بشيء غريب. كانت تلك اللحظة مليئة بالتوتر والدهشة، حيث شعر الجميع في الغرفة بشيء غير عادي. وعندما تم إخراج الطفل، تغير كل شيء في تلك اللحظة.
الطفل الذي كان من المفترض أن يكون أكبر فرحة بالنسبة لهم، لم يكن طبيعياً أبداً. المفاجأة الكبيرة كانت عندما كشف الطبيب عن آذان ذئب صغيرة كانت تظهر من رأسه، وأيضاً ذيل صغير يمتد من أسفل ظهره. كانت الممرضة تحدق في الطفل بدهشة، وحاول الطبيب أن يبقى هادئاً، لكن ارتباكه كان واضحاً.
فيليبو (مندهشًا، وهو ينظر إلى الطفل): “ما هذا؟ هذا… هذا ليس طبيعياً!”
ميرا (بنظرة مصدومة): “ولكن… كيف؟”
الطبيب (محاولًا الحفاظ على هدوئه): “هذا أمر غريب، هذا الطفل يبدو أنه يمتلك خصائص غير طبيعية. قد يكون هناك تفسير بيولوجي لهذا، ولكن لا أستطيع الجزم في هذه اللحظة."
في تلك اللحظة، كانت ملامح وجه فيليبو مشوشة بين الدهشة والحيرة، تارةً ينظر إليها وتارةً أخرى ينظر إلى هذا الطفل الغريب الذي كان يبكي بين يدي ميرا.
فيليبو (بصوت منخفض، لكنه كان مليئاً بالغضب): “ميرا… ما هذا؟”
ميرا (بتوتر): “ماذا؟”
فيليبو (وهو يحدق في الطفل بعينين مشوشتين): “أنتِ… كيف تفسرين هذا؟ كيف يمكن لهذا الطفل أن يكون… لماذا لديه هذه الآذان؟ وهذا الذيل؟ إنه ليس بشرياً! ميرا، هل كنتِ تخفين عني شيئاً؟!"
ميرا (تنظر إلى فيليبو وعينيها مليئتان بالدموع): “فيليبو… أنا… أنا لست بشرية...”
فيليبو (ينظر إليها بعينين مليئتين بالصدمة والدهشة، ويكاد لا يصدق ما يسمعه): “ماذا؟ ماذا تعنين؟”
ميرا: “أنا ذئبة متحولة. أستطيع التحول إلى بشرية، كنت أخشى أن تكتشف ذلك وتكرهني.”
فيليبو (يغضب فجأة ويرفع صوته): “أنتِ ماذا؟ أنتِ ذئبة؟ هل كنتِ تكذبين عليّ طوال هذه الفترة؟ كيف استطعتي فعل هذا؟!"
ميرا (بحزن شديد، وهي تنظر إلى الطفل الذي كان ما زال يبكي بين يديها): “كنت أخشى فقدانك، فيليبو. كنت أخشى أنك لن تقبلني إذا علمت الحقيقة، هذا هو السبب في أنني أخفيت عنك كل شيء. أنا لم أكن أريد أن أخذلك، أو أن أخسرك، اعتقدت بأن الطفل سيولد بشرياً ما دمت على هذه الهيئة، فيليبو… أنا آسفة."
فيليبو (ينظر إلى الطفل بانزعاج واشمئزاز): “وأنتِ الآن تقولين لي أن هذا هو طفلنا؟! هذا المسخ لن يصبح ابني أبداً!”
ميرا (تتساقط المزيد من الدموع من عينيها): “نعم، هذا هو طفلنا. هذا الطفل هو نتيجة حبنا، وإنه… إنه ليس مخطئاً، إنه مجرد طفل، مثل أي طفل آخر.”
توقف فيليبو عن الحديث للحظة، ينظر إلى الطفل الذي يصرخ في السرير، ثم تنفجر مشاعر الغضب فيه مرة أخرى.
فيليبو (وهو يبتعد عن ميرا): “أنتِ لا تدركين كم أنني صدمت. لا أستطيع أن أكون معكِ بعد الآن… كيف لي أن أعيش مع مخلوق غريب مثل هذا؟!"
ثم اتجه فيليبو نحو الباب، تاركاً ميرا مع طفلها في الغرفة، بينما كانت عينيها مملوءة بالحزن والدموع. وبعد مغادرة فيليبو، بقيت ميرا تحدق في ملامح الطفل الذي استسلم للنوم أخيراً، كان يبدو جميل المظهر ولكنه لم يكن ينتمي لأي أحد.
ميرا (بهمسات، وهي تمسح دموعها): “كيف سأكون أماً لهذا الطفل وحدي؟… كيف سأربيه في هذا العالم، خاصة بعد أن رفضه والدُه؟”
وضعت ميرا الطفل في سريره، وفجأة، خطر في ذهنها اسم كان قد مر في بالها عدة مرات.
ميرا (وهي تبتسم بحزن): “أكيرا… نعم، سيكون اسمه أكيرا.”
ثم أغمضت عينيها للحظة، وهي تفكر في مستقبلها مع أكيرا. كيف ستنجح في تربية طفل من فصيلة مختلفة تماماً عن الآخرين؟ وكيف ستواجه تحديات الحياة بمفردها؟
ميرا (بإصرار): “سأفعل كل شيء من أجل أكيرا… لن أتركه أبداً ولن أسمح للجميع بأن ينبذونه.”
بعد فترة، عادت ميرا إلى عائلتها بعد أن قررت مواجهة الحقيقة. كانت عائلتها تعيش في أعماق غابة داركوفا المظلمة، وكانوا بعيدين عن البشر. كان أفراد عائلتها ليسوا مجرد ذئاب عادية، فقد كانوا مخلوقات ذكية للغاية، يمتلكون قدرات عقلية متقدمة مشابهة للبشر ويعيشون حياة مشابهة لهم، على عكس الذئاب البرية العادية.
عندما وصلت ميرا إلى موطنها القديم، كان قلبها مثقلًا بالخوف والتوتر. لم تعرف كيف تصارح عائلتها بهذا الطفل الهجين، كان يشبه البشر في المظهر ولكنه يمتلك آذان ذئب وذيل، وهذا يجعله مخلوق جديد تماماً. كانت ميرا وقتها بهيئة الذئب البني، وكانت قد ربطت أكيرا فوق ظهرها وبدأت تركض به في أنحاء الغابة، حتى وصلت إلى الكوخ العائلي الذي كانت تبحث عنه. وعندما دخلت، جاء أفراد عائلتها لاستقبالها، بمن فيهم والديها الذين كانت قد ابتعدت عنهم لفترة طويلة، كان والديها ذئاب بنية اللون مثلها تماماً.
ميرا (باستسلام): "أمي، أبي، لقد عدت."
ما إن نظر والدي ميرا إليها حتى ركزوا على أكيرا الذي كان نائماً على ظهرها.
والدة ميرا: "ميرا، لماذا تحملين طفلاً بشرياً على ظهرك؟!"
والد ميرا (بدهشة): “إنه ليس بشرياً، أنظري إلى آذانه! كم هو غريب.”
ميرا (تنظر إليهما بعيون حزينه، وهي تحاول ضبط أعصابها): “إنه طفلي ويدعى أكيرا، وهو نتيجة تزاوجي مع بشري… أنا آسفة جداً يا أمي وأبي…"
والد ميرا (بنبرة مندهشة، عينيه مليئتين بالغضب): “ماذا قلتِ؟! أنتِ… كيف استطعتِ؟ كيف تجرأتِ على فعل شيء كهذا؟ لقد خالفتِ قوانيننا جميعاً! نحن ذئاب، ولسنا مخلوقات ممزوجة بالبشر!”
ميرا (بصوت منخفض، عيونها مليئة بالدموع): “أنا أعلم أن هذا لا يصدق. ولكن أنا أحب أكيرا، وهو جزء مني. أرجوكم، لا تديروا ظهوركم لي الآن، هو يحتاج إلينا جميعاً!”
والدة ميرا (تنظر إليها بغضب، وعينيها مليئتين بالشك): “هل فكرتِ فينا؟ في عائلتنا؟ ماذا سيحدث إذا اكتشف بقية الذئاب عن وجود هذا الطفل؟ نحن لا يمكننا أن نسمح لهذا الوحش أن يتواجد بيننا!”
والد ميرا (بغضب متزايد): “لقد جلبتِ لنا العار يا ميرا، اذهبي وتخلصي منه حالاً!"
ميرا (بخوف): "أنا لن أفعل ذلك أبدا!"
بينما كانت ميرا تدافع عن طفلها أكيرا، كانت نظرات الغضب من والديها تتزايد. في تلك اللحظة، حدث شيء غير متوقع. من خلفهم، خرج أخ ميرا الأصغر، وهو ذئب قوي ومخيف يُدعى كاليكس. كانت نظراته قاسية وعيناه الحمراوان كأنها خارجة من الجحيم.
كاليكس (بنبرة خالية من العاطفة): “إذا كنتِ مصممة على إبقاء هذا الطفل بيننا، فإننا سنكون مضطرين إلى تصحيح الأمور بأنفسنا.”
نظر كاليكس إلى أكيرا الذي كان ما زال طفلاً رضيعاً نائماً على ظهر ميرا.
ميرا (مفزوعة، تنظر إلى أخيها بنظرات مليئة بالخوف): “كاليكس، لا! هذا الطفل ليس مذنبًا! أرجوك، لا تؤذيه!”
ولكن كاليكس لم يستمع لندائها، فقد اندفع نحوهما بسرعة كبيرة. كان غضبه ظاهراً في كل خطوة، اقترب منها وأمسك بأكيرا بعنف من فمه، رافعاً إياه من ظهرها.
كاليكس (بصوت خشن وحاد): “أنتِ تمسكين بمسخ يا ميرا. هذا الطفل يُعتبر تهديدًا لكِ ولعائلتنا، ويجب القضاء عليه.”
ميرا (بصوت متوتر، وهي ترفع يديها محاولةً صدّه): “لا! إنه طفلي! لا يمكنك أن تقتله!”
وضع كاليكس أكيرا الذي استيقظ وبدأ يبكي على الأرض، وجهز مخالبه الحادة لكي يستخدمها في قتله.
ميرا (بصوت مرتجف، محاولة إيقافه): “كاليكس، لا يمكنك قتله! أرجوك، لا تفعله! هذا الطفل بريء!”
ولكن كاليكس كان متمسكًا بغضبه العارم، فرفع مخالبه ليصيب أكيرا، لم تتمكن ميرا من الوقوف مكتوفة الأيدي، فقد قفزت أمامه، وأغلقت يديها على مخالبه في محاولة لإيقافه. فأصابتها مخالب كاليكس الحادة، وتدفق الألم في جسدها فجأة، وبدأت يدها اليمنى تنزف.
ميرا (بصوت مبحوح، تنزف وهي تبكي): “أرجوك… لا تقتله… سأفعل أي شيء، أي شيء لأجعله يعيش، سأظل أحتفظ بسرّه ولن أسمح لأي شخص آخر أن يعرف عنه!"
كانت ميرا تتنفس بصعوبة، ويدها ملطخة بالدماء بينما كانت تبكي بحرقة، وكانت عيونها مليئة بالألم والخوف على طفلها.
كاليكس (بغضب، يتراجع قليلاً بعد أن شعر بالذنب ولكنه لا يزال متردداً): “ميرا… ماذا فعلتِ؟”
نظر إلى أكيرا الذي كان يبكي على الأرض، ثم إلى ميرا التي كانت تئن من الألم. فبدأ يهدأ ويتراجع.
وبعد أربع سنوات، وتحديداً في أحد الأيام العادية في الغابة، كان أكيرا الذي يبلغ من العمر أربع سنوات يلعب بالقرب من الكوخ. كان يلهو لوحده، يركض بين الأشجار ويلعب بالأشياء التي يجدها في الطبيعة.
في تلك اللحظة، جاء كاليكس الذي كان يبدو غاضباً كالعادة. فهو لا يزال يكره أكيرا ولم يشفق عليه أبداً.
كاليكس (بغضب): “أنت… ما الذي تفعله هنا؟”
أكيرا (ببراءة وهو يحاول الابتسام): “أنا ألعب، هل تريد أن تلعب معي يا خالي كاليكس؟”
لكن كاليكس لم يعطه فرصة للحديث أكثر. بخطوات غاضبة، تقدم نحوه وأمسك به من ذراعيه.
كاليكس (بصوت مرتفع): “أنت مجرد مسخ! كيف تجرؤ على التواجد هنا بيننا؟ لا تنسى أنك لست واحداً منا! أنت لست ذئباً! لهذا فأنت لا تنتمي إلى عائلتنا أبداً!”
أكيرا (بتردد، يحاول الإفلات من قبضته): “لكن… لكن أمي قالت لي…”
قبل أن يكمل أكيرا حديثه، كان كاليكس قد دفعه بعيداً. سقط أكيرا على الأرض بشدة، شعر بألم في جسده الصغير، وتفاجأ بما يحدث.
ميرا (تقترب منهم ببطء، وتنظر إلى كاليكس بنظرة حادة): “كاليكس! توقف! إنه مجرد طفل!”
لكن كاليكس لم يتوقف. تجاهل كلمات ميرا واستمر في معاملة أكيرا بقسوة، ثم بدأ كاليكس يلكم أكيرا وهو على الأرض. كانت ضرباته متتالية، وأكيرا المسكين كان يحاول الهروب، كانت عيناه مليئتان بالدموع، جسده الصغير لم يكن يملك القوة الكافية للدفاع عن نفسه.
ميرا (بغضب، وهي تبعد يد كاليكس عن ابنها): “كاليكس! توقف! هل تريد أن تقتل طفلاً؟!”
توقف كاليكس عن ضرب أكيرا الذي سقط على الأرض، كان جسده ملطخاً بالتراب ومليئاً بالخدوش، وعينيه تغمرها الدموع، وقلبه كان مليئاً بالألم العميق، لم يكن يفهم لماذا كان يُعامل بهذه الطريقة من قبل عائلته.
ميرا (بصوت ضعيف، وهي تمسك بأكتاف أكيرا بحذر): “أكيرا، أنا آسفة… أنا آسفة حقاً… لكنني لا أستطيع فعل شيء.”
أكيرا (بصوت مبحوح من الألم): “لماذا… لماذا لا يحبوني؟”
كان أكيرا طفلاً بريئاً لم يعرف بعد أن العائلة التي ينتمي إليها ليست كما كان يعتقد، تمسك أكيرا بأمه بقوة وهو يبكي، لم يكن يعرف معنى الكراهية والتمييز، لكنه بدأ يشعر بثقل الحياة التي فرضها عليه العالم من حوله.
ميرا (تمسح دموعه وتنظر إليه بحزن): “أنا لن أسمح لأحد أن يؤذيك يا أكيرا، ولا شيء سيمنعني من حبك.”
أكيرا (بصوت منكسر): “أنا… لست مثلهم، أليس كذلك؟”
ميرا (تنظر إليه بعينيها المملوءتين بالحزن، وتلفه بذراعيها بحنان): “أنت… أنت أفضل منهم يا أكيرا، ستصبح شيئاً عظيماً يوماً ما.”
لكن الكلمات لم تكن كافية لعلاج جراحه، لقد كان يشعر في أعماقه أن العالم قاسياً جداً عليه، وأنه سيضطر لمواجهة كل شيء بمفرده.
يتبع…