في صباح مشمس في غابة الذئاب، قرر أكيرا الصغير الخروج للعب، وبدأ يركض بين الأشجار ويلاحق الفراشات وهو سعيد. أما ميرا فكانت تحضر الطعام لأكيرا بداخل الكوخ. ابتعد أكيرا قليلاً عن الكوخ وشعر بشيء غريب، في تلك اللحظة، عبرت مجموعة من الذئاب من خارج عائلة ميرا أمامه، كانت هذه الذئاب رمادية اللون. وعندما نظروا إلى أكيرا أصبحت نظراتهم حادة، فقد لفت انتباههم مظهر أكيرا الغريب

ذئب 1 (بدهشة، وهو يحدق في أكيرا): “ماذا… ما هذا المخلوق الغريب؟"

ذئب 2 (مندهشاً أيضاً): “هذا الطفل يمتلك خصائص بشرية وذئبية في نفس الوقت!”

كان أكيرا يمر بلحظات من التوتر والخوف وهو يواجه هؤلاء الذئاب الذين لم يكن يعرف كيف يتعامل معهم.

أكيرا (بتردد، وقد بدأت عيناه تتسعان من الفزع): “أ-أنا… أنا فقط… أريد اللعب…”

لكن الذئاب لم يقتنعوا بكلامه، استمروا بالوقوف أمامه وهم يتفحصون كل جزء من مظهره.

ذئب 3 (بغضب): “كيف يمكن لهذا المخلوق أن يكون جزءاً منا؟! نحن لن نسمح لأشباه البشر اللعينون بأن يسيطروا علينا!”

أكيرا (بصوت خفيض، محاولاً أن يهرب): “أمي! أمي! أين أمي؟”

في تلك اللحظة، سمعت ميرا صوت صرخات أكيرا وبقية الذئاب، وركضت مسرعة نحو المكان الذي كان فيه. وعندما رأت الذئاب يحاصرون طفلها، خافت بشدة.

ميرا (وهي تندفع نحوهم بغضب وتوتر): “ابتعدوا عن طفلي! لا تلمسوه!”

كانت عيناها متوهجتين بالغضب، وأسنانها تظهر وكأنها مستعدة للهجوم. كانت تحاول منع الذئاب من الاقتراب من أكيرا بأي ثمن.

ذئب 2 (بشراسة): “أنتِ تدافعين عن عار! كيف تتجرئين على إبقاء هذا المخلوق هنا؟”

اختبأ أكيرا خلف والدته بخوف وعيناه مليئتان بالدموع.

ميرا: “إنه طفلي، وهو جزء مني! لن أدعكم تلمسوه أبداً!”

ذئب 3 (بصوت منخفض وعينيه مليئتين بالغضب): “هذه ليست عائلة، هذه خيانة!"

كان كاليكس في الظلال يراقب المشهد بصمت، وبداخله كان غاضباً جداً، فموضوع أكيرا قد كُشف عند بقية الذئاب، تدخل كاليكس بسرعة في الموقف بغضب شديد.

كاليكس: “يجب أن نضع حداً لهذا، لا يمكننا أن نسمح لهذا الطفل بأن يظل بيننا، إنه تهديد لا يمكننا تجاهله بعد الآن.”

ذئب 1: “لو كنتِ حقاً متعلقة بهذا الطفل، فأعيديه إلى عالم البشر قبل أن نقتله!”

في تلك اللحظة، بدأت الذئاب تحيط بميرا وأكيرا من كل اتجاه.

كاليكس (بغضب شديد، وهو يحدق في ميرا): “لقد تجاوزتِ حدودكِ يا ميرا، لا أستطيع أن أحتمل العيش مع شبه البشري هذا لسنوات أكثر! يجب أن ننهي هذه المسألة والآن!"

ميرا (بصوت متألم، وهي تحاول حماية أكيرا بكل قوتها): “كاليكس! كيف لك أن تكون بهذه القسوة؟ ألم تتعلم شيئاً طوال هذه الأربع سنوات؟!”

تمكنت الذئاب الرمادية من اختطاف أكيرا الذي كان يختبأ وراء ظهرها، وما إن انتبهت ميرا حتى بدأت تحاول استعادته ولكن بدون جدوى، فقوتها كانت ضعيفة أمامهم.

ذئب 1 (بصوت خالي من الرحمة، وهو ينظر إلى ميرا باحتقار): “هذا الطفل اللعين سيكبر، وبعدها سوف يقتلنا جميعاً ويهاجمنا كبقية البشر! والآن إذا أردتِ انقاذه حقاً، أخبرينا عن عنوان والده أو سنقتله أمامكِ.”

ميرا (وهي تلتفت نحو أكيرا، وعيناها مليئتان بالدموع، صوتها يرتجف من الألم): “أرجوكم… لا تأخذوا ابني مني… أرجوكم!!"

كاليكس: “ميرا، يجب عليك أن تتخلي عن هذا الطفل إذا كنتِ تحبينه حقاً، أخبرينا عن مكان والده وسنأخذه إليه."

كان أكيرا بين أنياب أحد الذئاب، وكان يبكي بشدة وهو لا يستطيع الإفلات.

ذئب 3 (بصوت خشن وهو يقترب من أكيرا، تلمع في يده مخالبه الحادة): “لا مكان لهذه العاهة بيننا، يجب أن ينتهي كل شيء هنا.”

أكيرا (وهو يبكي بشدة): “أمي… أمي!”

ميرا (بنبرة يائسة، وهي تتنفس بصعوبة): “لا! أرجوكم… لا تلمسوه!”

كان قلب ميرا يكاد ينفجر من الألم، وأعينها مليئة بالدموع. كانت ترى أمامها الوحش الذي سيقتل طفلها في لحظات، ومع ذلك كانت عاجزة تماماً عن إنقاذه. تقدّم الذئب 3، وقبضته على أكيرا كانت تزداد قوة استعداداً لضربه. كانت المخالب على وشك أن تغرز في جسد أكيرا الصغير، حينها، شعر أكيرا بالرعب الشديد واستمر بالصراخ بأعلى صوته.

أكيرا (وهو يبكي بشكل متقطع): “أمي…أمي، لا أريد أن أموت!”

في تلك اللحظة، لم تجد ميرا أي خيار سوى الاستسلام. كانت ستفقد كل شيء إذا لم تفعل.

ميرا (وهي تبكي وتصرخ بألم): “أرجوكم! سأخبركم! سأخبركم عن مكان فيليبو! فقط أرجوكم، دعوه يعيش! دعوه يعيش!”

وقف الذئب 3 مترددًا للحظة، ثم أخيراً رفع يده عن أكيرا وأوقف هجومه.

كاليكس (بصوت بارد): “لقد فعلتِ الشيء الصحيح يا ميرا، لا تدعي حبك لهذا الطفل يعميك عن رؤيته كمصدر خطر لنا جميعاً.”

ميرا (وهي تبكي، وتلتقط أنفاسها بصعوبة): “سأخبركم… والده فيليبو يعيش في… في العاصمة "نوكسار". في منزل صغير قريب من… من مكتبة داركوفا الكبرى، شعره أسود كأكيرا تماماً… سأتركه لكم، فقط… فقط لا تقتلوا ابني!”

في تلك اللحظة، أُزيلت قبضة الذئب 3 عن أكيرا، وسقط الطفل على الأرض. قفز بسرعة إلى حضن والدته وهو يبكي بشدة.

أكيرا (وهو يصرخ بأعلى صوته، ممسكاً بأمّه): “أمي! لا تتركيني! أمي! لا تتركيني أنا أريدكِ!”

ميرا (وهي تحتضنه بشدة، ودموعها تتساقط عليه): “أكيرا… أنا آسفة.. أرجوك سامحني!”

بينما كانت ميرا تحتضن طفلها بحزن وألم، اقترب الذئب 1 منهما بسرعة، ورفع أكيرا من ملابسه باستخدام أنيابه، كان أكيرا يريد الصراخ مجدداً، لكن ميرا أسرعت بإغلاق فم طفلها بخوف ودموع.

ميرا (بصوت متألم، وهي تضع يديها على وجه أكيرا لتمنعه من الصراخ): “أكيرا، لا تخف… سوف تذهب إلى عالم البشر عند والدك، وستعيش حياة أفضل من هنا، صدقني!"

الذئب 1 (بصوت خشن، وهو يحمل أكيرا بعيداً): “لقد حصلنا على ما أردناه، والآن سنأخذ هذا المستذئب إلى العاصمة نوكسار، حيث يمكنه العيش مع البشر بعيداً عنّا."

في هذه اللحظة، كان الألم يعتصر قلب ميرا وهي ترى طفلها يُختطف أمام عينيها. كانت دموعها تتساقط بغزارة، وأصوات أكيرا الباكية لا تزال تتردد في أذنيها، لكنه كان يبتعد شيئاً فشيئاً.

أكيرا (وهو يبكي): “أمي… أمي!”

ميرا (بصوت ضعيف، وهي تقف في مكانها): “أكيرا… صغيري… أنا آسفة… أنا آسفة جداً… ولكنني… لا أستطيع أن أفعل شيئاً… أنا لا أريد أن أتركك، لكنك ستعيش في مكان أفضل. ستجد والدك هناك، وستكون بعيداً عن هذه الحياة… لا تخاف، ستحصل على كل ما تحتاجه.”

ثم بدأ الذئب 1 وكاليكس بالتحرك وهو يحملون أكيرا نحو العاصمة “نوكسار”.

ميرا (وهي تصرخ): “أرجوك يا أكيرا، اعلم أنني أحبك، لا تكرهني… أرجوك لا تكرهني!"

أكيرا (وهو يبكي بصوت خافت، قبل أن تختفي أصواته مع الوقت): “أمي… أرجوك…”

ميرا (وهي تهمس): “لن أنساك أبداً… سأظل أحبك إلى الأبد، أكيرا.”

بعد فترة، بدأ الثلاثة يقتربون من حدود عالم البشر، كانت الغابة المحيطة بهم تبدأ في التلاشي شيئاً فشيئاً، وتحل محلها طرقات ضبابية وسهول خالية من الأشجار. ومع اقترابهم بدأ الذئب 1 وكاليكس يتحولان إلى هيئتهما البشرية، تحول كاليكس أولاً، حيث بدأت هيئته الذئبية تتلاشى تدريجياً، وظهر بدلاً منها شخص بشري. شعره كان بنياً مثل شعر ميرا، وعيناه الحمراء كانت تحمل بريقاً غريباً وشرساً. كانت هيئته البشرية تعكس القوة والصلابة التي كان يملكها في صورته الذئبية.

أما الذئب 1، فقد تحول أيضاً إلى هيئته البشرية، ليظهر بشعر رمادي، وعينين صفراوان. أكيرا الذي كان يمشي باستسلام بجانبهما، شعر بالدهشة وهو يشاهد هذا التحول العجيب، فهو لم يرى بشرياً من قبل في حياته، وأدرك بأنه يشبههم قليلاً.

الذئب 1 (بنبرة باردة): “ستبدأ حياتك هنا، أكيرا، هذا هو عالم البشر، لن تكون هناك فرصة للرجوع، تذكر ذلك جيداً.”

بينما كان أكيرا ينظر إليهم، كان يشعر بالخوف الشديد، كانت بقايا الدموع ما زالت في عيناه ولكنه تعب من البكاء وأصبح أكثر هدوءاً. وأخيراً دخلوا ثلاثتهم إلى عالم البشر وتحديداً العاصمة "نوكسار". كانت المدينة مكتضة بالحياة اليومية، والناس يتنقلون بين الأسواق والمنازل دون أن يلاحظوا أي شيء غير طبيعي. ولكن بمجرد أن اقتربوا أكثر من الحشد، بدأ الناس يحدقون في أكيرا الذي كان يسير بينهما، وخصوصاً عندما لاحظوا مظهره الغريب. فلم يكن أحد قد رأى شخصاً بهذه الملامح الغريبة في عالم البشر من قبل.

شاب عابر (بتعجب، وهو يحدق في أكيرا): “يا إلهي، انظروا إلى تلك الأذنين! هل هو… من البشر؟ أم… شيء آخر؟”

الذئب 1 (وهو يراقبهم بنظرات حادة): “ابتعدوا."

لم يشعر أكيرا بالراحة أبداً من أصوات الناس ونظراتهم وكلماتهم المحيرة. كان يعلم بأنه ليس مثلهم تماماً، ولكنه لم يتخيل أبداً أنهم سيرون فيه شيئا غريباً لهذه الدرجة. كان يسير بصمت وهو يمسك بيد كاليكس.

أكيرا (بهمسات خافتة، وهو ينظر إلى الأرض): “ل-لماذا ينظرون إليّ هكذا؟ أنا لا أفهم…”

بينما كانوا يواصلون السير، انتشرت الهمسات حول أكيرا أكثر بين الحشود. لكن الذئب 1 وكاليكس لم يهتما بنظرات البشر. كان هدفهم الآن هو إيصال أكيرا إلى منزل والده فقط. وصلوا أخيراً إلى مكتبة داركوفا الكبرى، وهي واحدة من أقدم وأشهر المكتبات في المدينة. كان المبنى ضخم ومصنوع من الحجر الداكن. توقف كاليكس قليلاً في الساحة الكبيرة، وعيناه تتنقلان بين الحشود.

كاليكس (بصوت هادئ، وهو يلتفت إلى أحد المارة): “مرحباً، هل تعرف أين يقع منزل فيليبو؟ إنه يعيش هنا لوحده بالقرب من مكتبة داركوفا الكبرى، شعره أسود، وطوله 183 تقريباً.”

المار (ينظر إلى كاليكس بحذر، ثم يجيب بصوت منخفض): “فيليبو؟ نعم، أنا أعرفه، إنه يعيش في المنزل الذي بجانب المكتبة مباشرة، في الجانب الأيمن.

كاليكس: “شكراً لك.”

بدأ الثلاثة يتجهون نحو المنزل بينما كان أكيرا هادئاً جداً ويراقب الوضع فقط. واخيراً وصلوا إلى المنزل،

توقف كاليكس أمام الباب، وهو يلتفت إلى أكيرا الذي كان لا يزال يحمل مشاعر مختلطة من الخوف والارتباك.

كاليكس (بصوت منخفض، وهو يوجه حديثه لأكيرا): “هذا سيكون منزلك الجديد، أكيرا. نحن نعرف ما نفعله، أنت لست ذئباً ولا تستطيع العيش معنا، عالم البشر سيكون أفضل لك.”

ثم رفع كاليكس يده ودقّ الباب، فتح فيليبو الباب بعد وهلة، وفي عينيه كان هناك مزيج من التعب والإرهاق، كما لو أنه كان يمر بيوم طويل، وكانت هناك سيجارة في فمه. وما إن رأى أكيرا حتى اتسعت عيناه من الدهشة والصدمة. لم يكن يتوقع يوماً أن يرى أكيرا مجدداً، ولم يكن مستعدًا لاستقباله.

فيليبو (بصوت منخفض، وهو يحدق في أكيرا بصدمه): “أنت… كيف؟ مالذي تفعله هنا؟!”

كاليكس (بهدوء، وهو ينظر إلى فيليبو): “هذا هو ابنك أكيرا. جلبناه إليك لأن والدته لن تستطيع تربيته بعد الآن، إنه ليس كباقي الذئاب، ولكنه ليس بشرياً بالكامل أيضاً.”

فيليبو (وهو ينظر إلى أكيرا بصدمة، ثم يوجه نظراته القاسية إلى كاليكس): “ما الذي تفعله هنا، يا أكيرا؟! لماذا لم تتركوه مع أمه؟ كيف أواجه هذه الفوضى الآن؟!"

أكيرا (بصوت ضعيف، عينيه مليئة بالخوف): “هـ-هل أنت أبي؟”

فيليبو (يصرخ وهو يحاول التحكم في مشاعره): “أنتَ لستَ ابني! كيف يمكنني العيش معك؟! كيف يمكنني أن أربيك؟ أنت مسخ بشري!”

أكيرا (عيناه متسعتان من الصدمة): “ولكن… أبي….أمي قالت بأنني سأعيش معك…”

فيليبو (يحاول إبعاد أكيرا عنه بعنف): “أنت تظن أني سأحتفظ بك هنا؟ أن أعيش مع وحش مثلك؟ أخرج من أمامي! لا أريدك هنا.”

وفي تلك اللحظة، شعر أكيرا بتلك الكلمة مثل طعنة في قلبه. نظر إلى وجه والده الغاضب بعينان متسعتان وبدأت الدموع تتساقط منها.

فيليبو (بحزم، وهو يدير ظهره ويشير إلى الباب): “اذهب، إذهب إلى أي مكان آخر، لا أريد أن أرى وجهك مرة أخرى.”

كاليكس (بغضب متزايد، وهو يتقدم نحو فيليبو ويقف أمامه): “كيف تجرؤ على التحدث هكذا؟! أنت والد أكيرا سواءاً قبلت به أو لم تقبل!"

فيليبو (يحدق في كاليكس، ملامحه مشوشة من الغضب والارتباك، لكنه يحاول التماسك): “أنت لا تفهم! لا يمكنني العيش مع شيء كهذا! لا أستطيع تحمل فكرة أنني أربي مخلوقاً قبيحاً كهذا!”

كاليكس (بنبرة صارمة، وهو يقترب من فيليبو أكثر): “أنت من اخترت أن يكون لديك طفل، وأنت من ارتكبت هذا الخطأ! لكن هذا لا يعني أنك تستطيع أن تتركه لمصيره بهذه السهولة. ميرا فعلت كل ما بوسعها، والآن نحن هنا لتصحيح الأمور. أنت مسؤول الآن عن هذا الطفل، سواءاً أردت ذلك أم لا!"

أكيرا (بصوت منخفض، وهو يبكي بصمت وهو يراقب المشهد من بعيد، يشعر بالضياع الكامل): “أبي… لماذا تكرهني؟ لماذا لا تريدني؟”

فيليبو (بتردد، وهو يلتفت إلى أكيرا): “ماذا سيقول الناس عندما يعلمون بأنني أقمت علاقة مع ذئبة لعينة؟ ليتك لم تولد أبدا يا أكيرا!"

استمرّت الدموع بالتساقط من عينا أكيرا الذي لم يتوقع أبداً بأن والده سيكرهه لهذه الدرجة.

كاليكس (يصرخ بغضب شديد): “هذا يكفي!! بما أنك والده فمن واجبك أن تتحمل المسؤولية، أتفهمني؟!”

فيليبو (يهز رأسه بتردد، ثم يلتفت إلى أكيرا بحركة مفاجئة، ويمسك به من ذراعيه بعنف، قائلاً): “حسناً إذاً، لك ذلك، ولكن لا تتوقع أن تكون حياتك سهلة هنا.”

حمل فيليبو أكيرا بين يديه بعنف، ثم تقدم نحو المطبخ، وبهدوء مليء بالقسوة، رمى أكيرا في المطبخ كما لو كان شيئاً غير مهم.

فيليبو (بصوت حاد، وهو يحدق في أكيرا): “ستعيش هنا، لكن إذا لم تستمع لي، سأجعلك تعيش في الشارع كما يستحق الأشخاص مثلك. إذا كنت تظن أنني سأتعامل معك مثل البشر العاديين، فأنت مخطئ تماماً. ستبقى هنا، وأنت بحاجة إلى التعلم كيف تعيش في هذا المكان دون أن تثير أي مشاكل، أفهمت؟”

أكيرا (بدموعه التي لا تتوقف، وهو ينظر إلى والده بصمت): “أ-أنا… آسف يا أبي… لأنني وُلِدت!”

فيليبو (يبتسم ابتسامة قاسية وهو يقترب منه): “لن ينفع الاعتذار الآن، من الآن فصاعداً أنت تحت إمرتي، وإذا لم تطيع، سيكون مصيرك أسوأ بكثير، عليك أن تفهم هذا جيداً، أكيرا.”

ترك فيليبو المكان وخرج، بينما ظل أكيرا جالساً على الأرض في المطبخ، يبكي بصمت، وهو يشعر بالضياع والحزنً حياته التي كان يأمل أن تكون أفضل بدأت تصبح أكثر سوءاً مع كل لحظة تمر.

أكيرا (بصوت ضعيف، وهو يبكي على أرضية المطبخ): “أمي… أمي، أين أنتِ؟ لماذا تركتيني هنا؟ لماذا لا أستطيع أن أكون معكِ؟”

كان صوته محطماً، وعيناه ممتلئتان بالدموع التي تساقطت بغزارة على الأرض، كان يشعر بالوحدة والضياع في هذا المنزل المخيف.

أكيرا (بهمسات ضعيفة، بين دموعه): “أمي… لماذا؟ أنا لا أريد أن أعيش مع أبي!"

عاد فيليبو إلى المطبخ وهو غاضب جداً، وبيده كانت توجد عصا خشبية، توجه ناحية أكيرا الذي كان يبكي بشدة وهو ملقى على الأرض.

فيليبو (بعصبية، وهو يرفع العصا الخشبية بيده): “أنت كائن بَكّاء مزعج! توقف عن البكاء حالاً!”

رفع فيليبو العصا وضرب أكيرا بشدة على ظهره، كانت الضربات تتناثر بسرعة على جسده الضعيف، مما جعل أكيرا يصرخ من الألم، وبدأت الدموع تتساقط من عينيه بشكل أكبر.

أكيرا (يتنفس بصعوبة مع شهقاته وبكاءه): “أمي… أمي…”

فيليبو (بغضب أكبر، وهو يرفع العصا مرة أخرى): “لا أريد أن أسمع اسم والدتك مرة أخرى! إذا ذكرت اسمها مجدداً، سأجعلك تندم!”

أكيرا (يحاول أن يرفع يديه محاولاً الدفاع عن نفسه، لكن جسمه كان ضعيفاً جداً من شدة الألم): “أرجوك… أرجوك… لا تضربني… أمي…”

بعد أن انتهى فيليبو من ضرب أكيرا، خرج من المطبخ بتعابير خالية من التعاطف، تاركاً أكيرا ملقى على الأرض في حالة من الألم والحزن والصدمة.

مرت سنتان كان أكيرا يعيش فيهما أسوأ أيام حياته بعيداً عن والدته، حيث أصبح يعاني من الإهانة المستمرة والضرب المتكرر من فيليبو، الذي كان يعتبره عبئاً ثقيلاً عليه. لكن اليوم كان مختلفاً، فقد حان الوقت لأن يذهب أكيرا إلى المدرسة، وكان فيليبو مصراً على إرساله إلى هناك فقط لكي يبعده عنه، ويجعله يتعامل مع العالم الخارجي. خرج أكيرا من المنزل وبدأ يسير لوحده إلى المدرسة الإبتدائية التي كانت قريبة من منزله.

كان يعلم أن الأطفال في المدرسة لن يحبوه أبداً بسبب مظهره الغريب، وكان يعرف أنه سيكون هدفاً للسخرية والتهكم، لكن لم يكن لديه خيار آخر. وصل أكيرا إلى المدرسة ودخل بهدوء وهو ينظر إلى الأرض، كان هناك حشود من الأطفال يتجمعون في ساحة المدرسة، فشعر بأن الجميع يرمقونه بنظرات غريبة، ولكنه واصل السير متجاهلاً كل شيء.

طفل (وهو يحدق في أكيرا ويكلم رفاقه): “أنظروا إلى ذلك الطفل، هل ترون تلك الأذنين والذيل؟”

بدأ الأطفال يقتربون منه، وكل واحد منهم كان يضحك أو يسخر من شكله، بعضهم بدأ يهمس عن مظهره الغريب، وآخرون أخذوا يتنمرون عليه بشكل علني.

طفل آخر (مستفزاً): “هل أنت ذئب أم بشر؟ هل تظن بأنك واحداً منا لتأتي إلى مدرستنا؟”

كان أكيرا ينظر إلى الأرض، يحاول أن يتجاهلهم، لكن كلماتهم كانت تدمره أكثر فأكثر، فشعر بالدموع تتساقط من عيناه، كان يحاول إيقافها ولكنه لم يستطع. أما الأطفال لم يتوقفوا عن السخرية أبداً، وبدأوا برميه بالحجارة الصغيرة، وتوجيه الشتائم نحوه.

وبعد انتهاء الدوام المدرسي، عاد أكيرا إلى المنزل وهو محطم تماماً. كان فيليبو يجلس في غرفة الجلوس وهو يدخن كعادته، فتح أكيرا الباب ببطء ووضع حقيبته بجانب الباب، ثم نظر إلى فيليبو الذي كان يشاهد التلفاز. لم يرفع فيليبو رأسه أو ينظر إليه، لم يقل له كلمة واحدة عن يومه.

أكيرا (بصوت منخفض، وهو يقف في الزاوية): “أبي… اليوم في المدرسة…”

فيليبو (بمجرد أن سمِع صوته، قطع حديثه، وتكلم بنبرة قاسية): “لا تزعجني، كن هادئاً أو اذهب إلى غرفتك.”

لم يستطع أكيرا التحدث أكثر من ذلك، لقد كانت كلمات والده الأخيرة كالسكاكين في قلبه. ترك المكان بصمت، ودخل إلى غرفته، وما أن أغلق أكيرا الباب خلفه، حتى شعر بشيء يتغير في داخله. كانت دموعه تتساقط، لكنها لم تكن دموع الحزن فقط، كانت هناك نار تتساقط معها، نار من الغضب والضيق الذي سكن قلبه طوال السنين. شعر بأن كل شيء حوله قد خذله، من والده الذي لم يحبه إلى الأطفال الذين استهزأوا به في المدرسة، لم يكن هناك من يحتضنه أو يقف إلى جانبه.

أكيرا (وهو يصر على أسنانه بغضب): “أنا لن أكون ضعيفاً بعد الآن! لن أسمح لهم بالإهانة! سأجعلهم يشعرون بالألم مثلما جعلوني أشعر! سأقتل جميع الأطفال الذين سيؤذونني، فأنا لست بشري، أنا مستذئب، أنا أقوى منهم جميعاً!"

في صباح اليوم التالي، استفاق أكيرا مبكراً، كانت عيونه منتفخة من البكاء، وقلبه مليء الغضب.

أكيرا (وهو ينظر إلى نفسه في المرآة بحدة): “اليوم لن أكون الطفل الضعيف، اليوم سأجعلهم يشعرون بما شعرت به، اليوم سيرون من هو أكيرا.”

عندما وصل أكيرا إلى المدرسة، شعر بنظرات الجميع تلاحقه مجدداً، ولكن اليوم كان أكيرا مختلفاً، لم يكن ينظر إلى الأرض كما كان يفعل دائماً، بل رفع رأسه عالياً، وعيونه الحمراء تشتعل غضباً. كان يمر بجانبهم دون أن ينطق بكلمة، ولكنه كان مستعداً لأي شيء سيواجهه.

في الصف، جلس أكيرا في المقعد الأول، فبدأ الأطفال وراءه يتحدثون عنه ويتهامسون مع بعضهم البعض، وفي لحظة، أحدهم رفع صوته وبدأ يتحدث.

الطفل (بصوت عالٍ وهو يبتسم بسخرية): “هل رأيتم ذلك؟ هذا المسخ يعتقد بأنه سيحصل على درجات أفضل منا!”

التفت أكيرا إلى الوراء، وما إن فعل ذلك حتى ألقى الطفل مقلمة على وجه أكيرا، ثم رمى كتاباً صغيراً نحو رأسه. سقطت الأشياء على الأرض أمام أكيرا، وبدلاً من أن يبقى ضعيفاً كالسابق، بدأت عيناه تشتعلان بالغضب أكثر فأكثر. لم يتردد، بل في لحظة واحدة، فتح فمه الذي كشف عن أنيابه التي كانت أنياب ذئب حادة، وبحركة سريعة انقضَّ أكيرا على الطفل الذي سخر منه. أطبقت أسنانه على ذراع الطفل، فشعر الأخير بالألم الحاد وبدأ بالصراخ، ولكن أكيرا لم يتوقف، فهذه أول مرة في حياته شعر بالانتصار وبالقوة.

الطفل (بصراخ، وهو يحاول الإفلات): “آآآه! أتركني أرجوك!”

لكن أكيرا لم يهتم أبداً، استمر في عضه حتى بدأ الدم يسيل من يد الطفل، وبعد لحظات من الغضب، قرر تركه، فنظر أكيرا إلى الطفل الذي كان ينزف ويبكي، وعيناه لا تزالان متوهجتين بالشر.

أكيرا (بصوت خشن، وهو يلهث من شدة الغضب): “الآن… عرفتم من أنا حقاً!”

ترك أكيرا الطفل الذي كان يرتجف من الخوف، بينما كان جسده يرتجف من شدة التوتر، وخرج من الفصل وسط نظرات الطلاب والمعلمة التي لم تستطع التدخل من الصدمة. وبينما كان يخرج من الفصل، كانت أصوات الطلاب تعلو في الخلف، بدأ بعضهم بالصراخ ولم يستطيعوا تصديق ما حدث.

الطلاب (وهم يصرخون):

"إنه وحش! لا يمكننا أن نسمح له بالبقاء هنا!”

“أكيرا، توقف! نحن لم نفعل شيئاً!”

“أنت مجنون! مالذي فعلته به؟!”

كان أكيرا يمشي خارج الفصل وهو يشعر بالانتصار، ولأول مرة، لم يشعر بالندم أبداً. خرج من الفصل إلى الساحة المدرسية، وكانت المعلمة تحاول اللحاق به وهي تصرخ بأوامرها، لكن أكيرا لم يعرها أي اهتمام، فكل ما كان يفكر به هو الانتقام.

المعلمة (وهي تجري خلفه، وتصرخ): “أكيرا! تعال إلى هنا الآن! هذا ليس سلوكاً مقبولاً! يجب أن تعود إلى الفصل وتعتذر فوراً!”

هرب أكيرا من المدرسة وقرر العودة إلى المنزل، وما إن دخل حتى وجد والده أمامه، ويبدو أن كان سينفجر من الغضب.

فيليبو (يصرخ بغضب شديد، وهو يقترب من أكيرا): “أنت عار عليّ! هل هذا ما علمتك إياه؟ أن تعض الأطفال في المدرسة؟ هل أنتَ مجنون؟! بماذا كنتَ تفكر؟!”

أكيرا (وهو يحاول السيطرة على نفسه، ودموعه تتساقط من عينيه): “لم أعد أستطيع تحملهم، أبي! لقد كانوا يسخرون مني ويضربونني، وأنا فقط… أردت أن أوقفهم!”

فيليبو (بصوت قاسي، وهو يرفع يده في وجهه): “وأنتَ تظن أنك ستنجو بفعلتك هذه؟ أيها المسخ البشري القذر!"

سحب فيليبو ذراعه بشكل مفاجئ ولكم أكيرا بقوة وقسوة على وجهه، ومن قوة الضربة سقط على الأرض وانتفخ وجهه.

فيليبو (وهو يصرخ أكثر): “أنت معاقب ولن تحصل على الطعام لمدة يومين! هل هذا مفهوم؟!"

أكيرا (بشجاعة وعيناه مليئتان بالدموع): “أنا… أكرهك يا أبي… أنا… أكرهكم جميعاً!! فلتذهبوا إلى الجحيم جميعكم!!"

فيليبو (يحدق في أكيرا لوهلة، عينيه تتسعان من الصدمة، غير مصدق لما سمع): “ماذا قلت؟!”

أكيرا (وهو ينهض من على الأرض بتحدٍ): “قلت أنني أكرهك! أكرهك أنت، وأكرهكم جميعكم! لماذا يجب عليّ أن أكون هنا؟ لماذا يجب عليّ أن أعيش معك؟ لماذا أنا… لماذا أنا كل شيء بالنسبة لك إلا ابنك؟”

كانت الكلمات تتطاير من فم أكيرا بعنف، كان يشعر أنه أخيراً تحرر من ذلك الكبت الذي كان يعانيه طيلة سنوات من الضرب والإهانة.

فيليبو (يحاول السيطرة على نفسه وهو ما زال غاضباً): “أنت… أنت لا تعرف ما الذي تقوله! لم أطلب منك أن تكون هنا، لكنك أنت من أتيت إلي! لم أكن مستعداً لتربيتك أبداً أيها المسخ!”

أكيرا (وهو يقف، عينيه تتلألأ بالغضب بينما جسده يرتعش من الألم): “وأنت لم تكن أباً أبداً! أنا لا أحتاجك! أنا أستطيع العيش وحدي! وسأعيش بعيداً عنك! وبعيداً عنكم جميعاً أيها العواهر!"

بدأ أكيرا يركض بسرعة كبيرة باتجاه الباب.

فيليبو (وهو يحاول الإمساك به، لكن أكيرا كان سريعاً جدًا): “أكيرا! توقَّف! إلى أين تظن أنك ذاهب؟!”

لكن أكيرا لم يسمع شيئاً من كلامه. كان قد اجتاز الباب وركض في الشارع، قلبه ينبض بشدة وعقله مليء بالأفكار الغاضبة، لم يكن يعرف إلى أين يذهب، لكنه شعر أن الهروب هو الحل الوحيد ليهرب من كل شيء.

خرج أكيرا إلى الشارع وهو غارق في الغضب، لم يكن بإمكانه التحكم في مشاعره بعد الآن، فقد تجاوزت كل الحدود. بدأ يقوم بهجمات عشوائية، حين أن كل من في طريقه كان يدفع الثمن، لم يفرق بين الأطفال الذين سخروا منه والمارة الأبرياء، كل من اقترب منه كان يتعرض للخدش من قبل مخالب أكيرا الحادة.

أكيرا (وهو يصرخ بغضب، وعينيه مليئتان بالدموع): “أنا أقوى منكم جميعاً! لا أحد يمكنه إيقافي!”

كان الناس يركضون في كل اتجاه خوفاً من أكيرا الذي لم يكن يهتم أبداً، فكل شيء في حياته قد جعل منه متوحشاً، ولم يعد بإمكانه السيطرة على مشاعره التي كانت مكبوتة طوال هذه المدة.

أكيرا (وهو يصرخ ويهاجم أحد المارة): “أنا وحش كما تقولون! ولن أكون بشرياً قذراً مثلكم أبداً!”

في تلك اللحظة، شعر بأن كل من في الشارع أصبح عدواً له، وأنه لا يمكن أن يثق بأي شخص، كل من يراه كان مجرد هدف له، وكل من يعترض طريقه أصبح عرضة لهجومه العنيف. لم يعد أكيرا الطفل الذي كان يبحث عن الحب أو الدعم. أصبح شخصاً آخر، شخصاً بقلب مليء الغضب ويعيش في الظلام الذي صنعه له العالم.

يتبع…

2025/02/21 · 19 مشاهدة · 3572 كلمة
Sara Otaku
نادي الروايات - 2025