في أحد الأزقة المظلمة، كان أكيرا يلهث، جسده يرتجف، وعيناه الحمراوتان مشتعلتان بالغضب والقهر. كان لا يزال يشعر بآثار الضربات التي تلقاها من والده. رفع يده، ونظر إلى أصابعه التي كانت ترتجف، وأظافره الحادة مليئة بالدماء، ثم نظر أمامه فرأى الناس وهم يهربون منه، وبعضهم كانوا مجروحين من مخالبه ويتلوون من الألم على الأرض، ودماءهم في كل مكان.
“أنا… فعلت هذا؟” تمتم بصوت خافت، وهو يحدق في يديه.
كان قلبه ينبض بسرعة، ليس بسبب الخوف، بل بسبب شيء آخر… شعور غريب بالتفوق. لأول مرة، لم يكن هو الضحية… لأول مرة، كان هو من جعل الآخرين يشعرون بالخوف. لكنه لم يكن سعيداً، فكل ما شعر به هو الفراغ. أخذ نفساً عميقاً، وأدار رأسه عندما سمع أصوات أقدام سريعة قادمة نحوه.
“إنه هناك! إنه المستذئب القاتل!”
“لقد قمنا بالإبلاغ عنه! يجب أن نوقفه قبل أن يؤذي المزيد من الناس!”
بدأت مجموعة من الرجال، بعضهم من الشرطة المحليون، وبعضهم مجرد سكان غاضبين، يتجمعون عند مدخل الزقاق. بعضهم كانوا يحملون عصيّاً وسكاكين، والبعض الآخر يحملون الحجارة، أما الشرطة فكانوا يحملون مسدساتهم ويوجهونها نحو أكيرا. ولكن أكيرا لم يكن خائفاً أبداً، وكأن الحياة لا تعني له شيئاً، فخطا خطوة للأمام وهو غير مبالٍ للأسلحة التي كانت متوجهة نحوه.
كانت عيناه فارغتين، لا يظهر فيهما أي إحساس بالخوف أو الندم. كان يسمع فقط صوت أنفاسه الثقيلة، وصوت دقات قلبه. وفي تلك اللحظة، رفع أحد رجال الشرطة سلاحه بيد مرتجفة، وصوبه نحو جسد أكيرا.
الشرطي (تمتم بصوتٍ متردد، ثم صرخ بصوتٍ عالٍ): "إنه طفل فقط… لكن… إنه خطير! إذا تحركت خطوة أخرى، سأطلق النار!”
لكن أكيرا لم يتوقف، وبدأ يمشي إلى الأمام ببطء، فضغط الشرطي على الزناد.
“بانغ!”
صرخة حادة شقت الهواء، لكن لم تكن من الشرطة… بل من أكيرا نفسه. شعر برصاصة مؤلمة تخترق يده اليمنى، لم يفهم ماذا حدث في البداية، لكنه رأى الدماء تنفجر من ذراعه الصغيرة، والألم كان شديد جداً على طفل بعمره. فتراجع إلى الخلف، ثم سقط على الأرض، قابضاً على يده المصابة وهو يلهث بعنف، عيناه تتسعان من الألم.
أكيرا (في نفسه): لقد… أطلقوا النار عليّ…؟”
نظر إلى الجنود بأعين مرتجفة، هذه المرة لم يكن الغضب يملأه فقط… بل إحساس ساحق بالخيانة. لم يهتموا حتى أنه طفل، لم يهتموا أنه لا يفهم ما يفعله، كل ما رأوه فيه هو وحش يجب قتله. رفع بصره نحوهم، ورأى أصابعهم التي كانت لا تزال على الزناد، مستعدين لإنهاء الأمر إذا حاول النهوض مجدداً.
أكيرا (بصوت منخفض وهو يلهث): "أ-أمي…”
لم يكن يعلم لماذا فكر في أمه، ولكنه شعر فجأة بأنه يريد أن يراها. لكنها لم تكن هنا… ولن تأتي لإنقاذه أبداً، لم يكن هناك أي أحد مستعد لإنقاذه. في تلك اللحظة كان الشعور الوحيد الذي يسيطر على قلب أكيرا هو الكراهية لهذا العالم الذي لم يقبل به ولم يرحمه أبداً. شيئاً فشيئاً بدأت رؤية أكيرا تصبح مشوشة، وشعر بأنه سيفقد وعيه قريباً. بدأ يسمع خطوات رجال الشرطة تقترب منه ببطء، أصواتهم كانت تتداخل في رأسه.
“لقد أصبناه! إنه ينزف!”
“هل هو ميت؟”
“لا، إنه لا يزال يتنفس، ماذا نفعل؟”
“الشرطة ستأخذه… إنه خطر، لا يمكننا تركه يعيش هنا.”
أكيرا (وهو يهمس): "سأقتلكم جميعاً…”
بدأ رجال الشرطة يقتربون منه بحذر، كانت وجوههم مليئة بالخوف والتوتر، بعضهم رفع سلاحه، بينما تردد آخرون.
“يجب أن نقتله الآن!” صرخ أحدهم.
“لكن… لكنه مجرد طفل!”
“هل جننت؟ هذا الشيء ليس إنساناً، ألم ترَ ما فعله بهؤلاء الناس؟!"
“طفل؟ هل رأيت مخالبه؟ هل رأيت عينيه؟! هذا وحش صغير، وإذا تركناه يعيش، سيكبر ويقتلنا جميعًا!”
كان أكيرا بالكاد يستطيع الرؤية، كل شيء أصبح ضبابياً، وأصوات الرجال حوله كانت تتداخل مع بعضها، الرجال اقتربوا أكثر، أسلحتهم لا تزال موجهة نحوه.
“سنأخذه إلى مركز الاحتجاز، إنه ليس بشرياً… لكنه ليس ميتاً بعد.”
“هل أنت متأكد؟ ماذا لو هرب؟ ماذا لو تحول إلى شيء أسوأ؟”
“لا خيار أمامنا، لا يمكننا قتله هنا في الشارع… لكن إذا حاول فعل أي شيء آخر، فسننهيه فوراً.”
لم يستطع أكيرا سماع البقية، بدأ جسده ينهار، بدأ يقفز لمعان عينيه، وجسده الصغير سقط على الأرض بثبات، مغموراً في دمائه.
أكيرا (في نفسه): "أنا… لا أريد أن أموت… لكنني أيضًا… لا أريد أن أعيش في هذا العالم…”
آخر شيء شعر به هو أيادٍ باردة تمسك بجسده الصغير وتسحبه بعيداً، قبل أن يغرق تماماً في الظلام.
في مركز الشرطة، فتح أكيرا عينيه ببطء، حاول تحريك يديه، لكنه شعر بشيء يضغط عليهما… كانت مقيدتين بالسلاسل. رفع رأسه ببطء، كان في غرفة مظلمة بلا نوافذ، جدرانها رمادية كئيبة. أمامه، كان هناك رجل يرتدي زي الشرطة يجلس على كرسي معدني، ينظر إليه بعيون باردة لا تحمل أي تعاطف.
“أخيراً استيقظت… أنتَ الآن في السجن أيها الوحش الصغير، هل لديك شيء لتقوله قبل أن نقرر ما سنفعل بك؟”
نظر إليه أكيرا، وعيناه تلمعان ببرود قاتل، لم يكن هناك خوف، لم يكن هناك توسل… فقط كره صامت, ثم همس بصوت منخفض، لكنه كان واضحاً بما يكفي ليُسمع:
“سأقتلكم جميعاً يوماً ما.”
أحس أكيرا بألم حاد في يده المصابة. رفع رأسه ببطء وهو يرتجف، ونظر إلى ذراعه، فرأى أنها قد تم تضميدها بضمادات بيضاء، لكنها كانت ملطخة ببعض الدم الجاف. حدق في يده المصابة بصمت، واجتاحه شعور غريب، فهو لم يكن متأكداً مما إذا كان عليه أن يشعر بالامتنان لأنهم لم يتركوه ينزف حتى الموت، أم أن عليه أن يكرههم أكثر لأنهم قرروا إبقائه على قيد الحياة ليعاني أكثر.
“اوه، أرى بأنك استيقظت”
رفع أكيرا رأسه بسرعة، ونظر نحو الرجل الذي كان خلف قضبان زنزانته، كان يبدو كضابط ذو رتبة عالية، وملامحه حادة وباردة، كان ينظر إلى أكيرا بدون أي تعبير يدل على الشفقة.
الضابط: "لقد كنت فاقداً للوعي لمدة يوم تقريباً. تم علاج إصابتك، رغم أن بعض زملائي لم يكونوا يريدون إضاعة مواردهم على مخلوق مثلك.”
رفع أكيرا نظره إلى الرجل الذي أمامه، عينيه الحمراوتان لا تزالان تحملان نفس البرود، لكن بداخله كان هناك خليط غريب من المشاعر… الكره، الحيرة، والغضب الذي لم يخمد بعد.
أكيرا (يتمتم بصوت خافت): "لماذا؟”
الضابط (بِحيرة) : "ماذا؟”
أكيرا (بهدوء قاتل): "لماذا لم تقتلوني؟”
الضابط: "لأننا لا نعرف ماذا نفعل بك بعد.”
رفع الضابط يده، وألقى ملفاً صغيراً على الأرض أمام الزنزانة، وكان يحتوي على أوراق، وأحدها يحمل اسم أكيرا بخط واضح، ثم أكمل كلامه.
الضابط (بنبرة خالية من العاطفة): "أكيرا… طفل بعمر ست سنوات، ارتكب أول جريمة قتل تقريباً… لقد هاجمت مدنيين، وتسببت في إصابات خطيرة لعدة أشخاص، الشرطة لم تستطع تحديد ما إذا كنت مجرد طفل غاضب، أم أنك بالفعل…”
توقف للحظة، ثم نظر إليه بنظرة أكثر حدة.
”…وحشاً قاتلاً.”
لم يتحرك أكيرا ولم يرد حتى، فقط استمر بالنظر إلى الضابط بصمت.
الضابط: "الحقيقة أننا لا نعرف أين نضعك، فلا يمكننا إبقاءك مع المجرمين العاديين لأنك صغير جداً على ذلك، لكننا أيضاً لا يمكننا إعادتك للمجتمع، لأنك ببساطة… خطر.”
ركز أكيرا على كلمة "خطر" التي تم توجيهها إليه وبدأ يفكر في نفسه، هل هذا كل ما يراه فيه العالم؟ حتى بعد ما عاناه، حتى بعد الطريقة التي تم التخلي عنه فيها، ضُرب، وخُذل… وما زالوا ينظرون إليه كما لو كان تهديداً، متجاهلين كونه طفلاً محطماً؟ ولكن أكيرا لم يكن بحاجة إلى أي إجابة، فقد فهم الأمر منذ زمن… وأدرك بأنه لن يكون له مكان أبداً في هذا العالم.
الضابط: “هناك أشخاص يريدون التخلص منك ببساطة، وهناك آخرون يعتقدون أن بإمكانهم دراستك، لكنني هنا لأخبرك بشيء واحد…”
انحنى قليلًا للأمام، وحدق مباشرة في عيني أكيرا.
الضابط: "حياتك لم تعد ملكك بعد الآن.”
ظل أكيرا صامتاً. لم يكن هناك خوف في عينيه، لم يكن هناك أي مبالاة، فقط هدوء مخيف…
أكيرا (وهو يتألم): "أنتم… جميعكم… ستندمون على هذا.”
توقف الضابط للحظة، ثم ابتسم بسخرية، وكأن ما سمعه مجرد تهديد فارغ من طفل لا يعرف حجمه الحقيقي.
الضابط (وهو يضحك): "سنرى ذلك، صغيري.”
ثم استدار ببطء، تاركاً أكيرا وحده في الزنزانة المظلمة، بينما خرج الشرطي من الزنزانة وأقفلها بإحكام ووقف يراقبه. ظل أكيرا صامتاً للحظات بعد مغادرة الضابط، كان ينظر إلى الجدران الرمادية، وإلى القيود التي تكبل معصميه، ثم بدأ يضحك. في البداية، كانت ضحكة خافتة… ولكن سرعان ما بدأ صوته يعلو.
“هاهاها… هاه… هاهاهاهاها!”
صوته كان يتردد في الزنزانة الضيقة، يعلو أكثر فأكثر، حتى تحول إلى ضحكة مشؤومة، مليئة بالجنون مع صوته الطفولي في نفس الوقت.
أكيرا (بصوت مرح): “أوه، أكيرا الصغير خطير جداً! هاها! هل سمعتم ذلك؟ أنا خَطِر! أنا تهديد، أنا وحش صغير!”
رفع رأسه فجأة، وابتسم ابتسامة عريضة، لكنها لم تكن ابتسامة طفل بريء… بل كانت ابتسامة شخص يشعر أنه جسد بلا روح. ثم أدار عينيه نحو القضبان، حيث وقف الشرطي وهو يراقبه باستغراب، وبدا عليه التوتر من الضحكة المخيفة التي أطلقها الطفل.
أكيرا (بصوت طفولي بريء): “إذاً، سيد شرطي، هل ستأتي غداً وتعطيني حلوى؟ أم أن الوحوش الصغيرة لا تحصل على حلوى؟”
لم تكن ضحكات أكيرا وكلماته الطفولية تصدُر من شخص سعيد أبداً، فلقد كانت تنبع من شخص وحيد محطم يحاول تسلية نفسه بنفسه.
أكيرا (وهو يهمس): “حياتي لم تعد ملكي بعد الآن، صحيح؟ إذاً لمن؟ أهي لكم؟ هاها، أنتم حقاً تظنون أنكم تملكونني؟! أيها الأغبياء، لا أحد يستطيع امتلاكي… لا أحد يستطيع حبسي للأبد!”
نظر إلى عينا الشرطي الذي كان لا يزال يحدق فيه، ثم ابتسم بسخرية مرعبة.
أكيرا: هل تخاف مني، سيدي شرطي؟ لأنك يجب أن تخاف، إذا كنتم ترونني وحشاً، فسأريكم الوحش الذي صنعتموه.”
تراجع الشرطي خطوة للخلف من دون وعي، قبل أن يعبس ويحاول إخفاء توتره، بينما استمر أكيرا بالضحك بشكل هستيري. بدأ الشرطي يتمتم لنفسه، غير مصدق لما يراه ويسمعه أمامه.
الضابط: "هذا الطفل… إنه ليس طبيعياً… إنه مختل عقلياً.”
في غرفة مظلمة لا يوجد فيها سوى طاولة معدنية وكرسيين متقابلين، جلس نفس الضابط ذو الرتبة العالية على أحد المقاعد، أمامه أوراق مبعثرة وتقارير مهمة، أمامه جلس نفس الشرطي الذي كان يراقب أكيرا في زنزانته. كان وجه الضابط جامداً، ولكن الشرطي كان لا يزال متوتراً.
الضابط (بصوت منخفض وهو ينظر إلى التقرير أمامه): "هل هذا صحيح؟”
الشرطي (بتوتر): "نعم، سيدي… لقد رأيته بنفسي، ذلك الطفل المستذئب… إنه ليس طبيعياً على الإطلاق.”
الضابط (وهو يقرأ التقرير): "طفل بعمر السادسة، لم يخضع لأي تدريب، ومع ذلك قاوم رجال الشرطة، ونجا من رصاصة، وأصاب عدة أشخاص بإصابات خطيرة… ثم انفجر بالضحك وكأنه يستمتع بكل شيء؟ أخبرني بالضبط… ماذا رأيت؟”
الشرطي (أخذ نفساً عميقاً قبل أن يتحدث): في البداية، كان هادئاً أكثر مما يجب، لم يُظهر أي خوف أو ندم، وكأنه لا يهتم بمصيره. ثم، عندما غادرت… بدأ يضحك، لكنها لم تكن ضحكة طبيعية… لقد كانت ضحكة مليئة بالجنون... وبدأ يلقي نكاتاً ساخرة في وضعه هذا! لم يكن يتحدث كطفل في السادسة أبداً."
أسند الضابط مرفقيه على الطاولة وهي يستمع إلى كلام الشرطي.
الضابط(يرفع حاجبه ثم يتحدث بنبرة خالية من التعبير): "نكات ساخرة؟ هذا مثير للاهتمام.”
الشرطي (بقلق): “سيدي… هذا الطفل خطر حقيقي، إذا سمحنا له بالعيش هنا، فماذا سيحدث عندما يكبر؟ لا يمكننا المخاطرة بذلك.”
الضابط ظل صامتاً للحظات، ثم أخذ نفساً عميقاً وفتح ملفًا آخر كان يحتوي على توصيات حول كيفية التعامل مع أكيرا.
الضابط (وهو يقرأ): "أنت محق، ولكن بعد البحث العميق توصلنا لثلاث خيارات…
الخيار الأول: إرساله إلى سجن خاص للأطفال الخطرين، حيث ستتم مراقبته بشكل دقيق.
الخيار الثاني: تسليمه إلى جهة خارجية لإجراء أبحاث عليه، خاصة أنه “حالة نادرة”.
الخيار الثالث…"
توقف الضابط للحظة وهو يقرأ الخيار الثالث، ثم رفع عينيه إلى الشرطي الذي كان لا يزال متوتراً.
“هناك توصية… بإعدامه سراً.”
بلع الشرطي ريقه بصعوبة. لم يكن مندهشاً، لكنه لم يتوقع أن يتم طرح الأمر بهذه السرعة.
في تلك اللحظة… طرق أحد الحراس الباب، ثم دخل مسرعاً.
الحارس: "سيدي! الطفل… أكيرا… إنه يطلب التحدث معك!”
الضابط (تفاجئ للحظة ثم ضاقت عيناه ببطء): "يريد التحدث معي؟”
الحارس. “نعم، قال أن لديه طلب.”
وضع الضابط الأوراق جانباً ونهض من مقعده.
الضابط: "لِنرَ مالذي يريده ذلك المستذئب الصغير."
كان أكيرا ما زال مكبلاً بالسلاسل على الجدار ولا يستطيع الحراك، عيناه الحمراوتان لمعتا قليلاً عندما رأى الضابط يدخل الزنزانة، كان يقف أمامه بكل هيبته وجديته.
الضابط (بصوت بارد، عاقداً ذراعيه): "سمعت أنك تريد التحدث معي.”
أكيرا (بابتسامة هادئة ومرح طفولي): "نعم، نعم، سيدي الضابط!”
الضابط: "إذاً، مالذي تريده؟”
أكيرا: "أنا جائع! لم أتناول شيئاً منذ فترة طويلة، هل يمكنني الحصول على بعض الطعام؟ أوه، وأيضًا… أريد حلوى مصاصة! من فضلك، هل يمكنني الحصول على واحدة؟”
الضابط (وهو يضحك بسخرية): "أهذا ما تريده؟ حلوى؟ بعد كل ما فعلته؟”
أمال أكيرا رأسه إلى الجانب، مظهراً ملامح طفل بريء تماماً.
أكيرا: "أوه، سيدي الضابط، أنت تقولها وكأنني وحش مخيف، ولكنني مجرد طفل صغير، صحيح؟”
حدق الضابط فيه للحظة، لكنه كان يشعر أن هناك شيئاً غريباً جداً في هذا الطفل.
أكيرا: وأيضاً، أحب المصاصات كثيراً! اللون الأحمر هو المفضل لدي، هل يمكنك إحضار واحدة لي؟”
الضابط (ينظر إلى الحارس وهو يزفر من الضجر): “أعطوه طعاماً… وأعطوه المصاصة التي طلبها.”
تفاجأ الحارس، لكن لم يكن لديه خيار سوى الامتثال للأوامر. وبعد عدة دقائق، تم إحضار صينية طعام، وعليها كان يوجد صحن به بعض اللحم، وبجانبه حلوى مصاصة مغلفة بغلاف شفاف أحمر. كان أكيرا لا يزال مكبلاً بالسلاسل على الجدار، وبدأ ينظر إلى الطعام الذي وُضع أمامه، ثم رفع يديه المكبلتين قليلاً ونظر إلى الضابط.
أكيرا: “ولكن… كيف سآكل هكذا؟ يداي مقيدتان، هل تتوقعون مني أن ألتهم الطعام كالكلاب؟”
الضابط (بسخرية): "أنت بالفعل نصف كلب، أليس كذلك؟”
لكن أكيرا لم ينزعج، بل ضحك ضحكة طفولية خفيفة.
أكيرا: "سيدي الضابط، أنت مضحك! لكن لا، المستذئبين يحتاجون لأيديهم لكي يأكلوا، أليس كذلك؟ لا أعتقد أنك تُفضِّل أن ترى مشهداً مقززاً وأنا أدفن وجهي في الطعام!”
الضابط ضيّق عينيه قليلاً وهو ينظر إليه، صحيح بأن أكيرا مجرم صغير، ولكنه كان مجرد طفل… وكان من غير المنطقي أن يبقى معلقاً بالسلاسل طوال اليوم. ومهما حدث، لم يكن يشكل تهديداً كبيراً، إذا حاول فعل أي شيء، فهناك العشرات من رجال الشرطة المسلحون مستعدون لإطلاق النار عليه.
الضابط (وهو يشير للحارس): "افتح قيوده.”
تجمد الحارس للحظة، ثم نظر إلى الضابط بدهشة.
الحارس: "سيدي؟ هل أنت متأكد؟”
الضابط (ببرود): “لا يمكنه فعل شيء وهو في زنزانة مغلقة، وإذا حاول… يمكنك إطلاق النار عليه فوراً.”
تردد الحارس قليلاً، ثم اقترب بحذر من أكيرا، وسحب المفاتيح من حزامه. لم يحاول أكيرا التحرك أو المقاومة، فقط ظل يراقب الحارس وهو يفك القيود عن معصميه، وعندما سقطت الأغلال على الأرض، شعر أكيرا بارتياح بسيط… هز معصميه قليلاً، وكأنهما كانا متيبسين من البقاء مقيدين لفترة طويلة. ثم التقط اللحم وبدأ يأكله بشراهة، وعندما انتهى وجه بصره نحو المصاصة المغلفة، فأخذها وفتحها ببطء، ثم بدأ يلعقها بهدوء وهو مستمتع بمذاق السكر الحلو. وبعدها نظر إلى الضابط مجدداً وابتسم له ابتسامة طفولية مشرقة.
أكيرا: "أوه، سيدي الضابط، هذه ألذ مصاصة تذوقتها في حياتي! شكراً لك!"
نظر إليه الضابط ببرود، ثم أدار ظهره ليغادر، لكنه لم يكن يعلم… أن أكيرا لم يكن يستمتع بالحلوى فقط، بل كان قد بدأ فعلاً تنفيذ خطته في الهروب.
بعد أن انتهى أكيرا من المصاصة، ألقى الغلاف الفارغ في سلة القمامة، ثم أخذ عود المصاصة البلاستيكي بين أصابعه الصغيرة، وبدأ يقلبه بهدوء بين يديه. في هذه اللحظة، كان الضابط والحارس قد فقدا اهتمامهما بمراقبته، فالضابط قد غادر، والحارس كان يقف بجانب زنزانته، لكنه كان يدير ظهره له تماماً وهو غير مكترث.
رفع أكيرا العود إلى فمه، وأخذ يعضه بأنيابه الحادة ويشحذه بهدوء حتى يصبح أكثر دقة، ثم بدأ يستخدم مخالبه ليحك طرف العود ويجعله مدبباً. كان يحرص على أن لا يُصدر صوتًا، لأنه يعرف بأن أي حركة خاطئة قد تلفت انتباه الحارس. وبعد بضع دقائق… أصبح العود الحاد جاهزاً بين يديه، مرر إصبعه عليه ببطء وشعر بمدى حدّته، وابتسم لنفسه.
أكيرا (في نفسه): "هذه البداية فقط."
بعد عدة أيام، وفي نفس الغرفة المظلمة، جلس الضابط ذو الرتبة العالية مرة أخرى، أمامه التقارير المبعثرة كما كانت، لكن هذه المرة، كانت هناك أوراق جديدة قد أضيفت إلى الملفات… جميعها تحمل اسم “أكيرا.” كان الشرطي الذي راقب أكيرا في الأيام الماضية جالساً أمامه مجدداً.
الضابط (وهو يضع يده على رأسه): “حسنًا، أين وصلنا بشأن الطفل؟”
الشرطي: “لقد مرّت عدة أيام منذ القبض عليه… راقبناه بدقة، لكنه لم يحاول فعل شيء بعد. لم يظهر أي مقاومة، لم يثر الفوضى، ولم يحاول الهروب، إنه فقط يجلس هناك، يطلب الطعام، و… المصاصات.”
الضابط (وهو يرفع حاجبه الأيمن): "المصاصات؟”
الشرطي (بتردد): “نعم، يطلب مصاصة كل يوم تقريباً، وكأنها أهم شيء بالنسبة له.”
الضابط (وهو يضحك بسخرية خفيفة): “ياللبراءة، حتى بعد كل شيء، لا يزال مجرد طفل يحب الحلوى؟”
الشرطي: "إنه حقاً غريب، فهو ليس كأي طفل آخر، سيدي. الأطفال الذين يتم سجنهم يبكون، يصرخون، يطلبون رؤية أمهاتهم… لكنه لم يفعل شيئاً من هذا."
الضابط (وهو ينظر إلى الملف الذي كان بيده): "في البداية، قررنا إعدامه سراً، ولكن…”
توقف للحظة، ثم أغلق الملف وقال بجدية.
الضابط: "سنؤجل تنفيذ الحكم حتى الشهر القادم.”
ينتقل المشهد إلى أكيرا في زنزانته، كان يمضغ حلوى المصاصة بهدوء، لم يكن مستعجلاً ولا متوتراً… كان يبدو كما لو أنه مجرد طفل يستمتع بحلوى لذيذة، وبعد أن انتهى منها، نظر حوله بحذر ليتأكد بأن لا أحد يراقبه، كان الحارس مشغولاً في الحديث مع زميله عند نهاية الممر، وعندما تأكد من ذلك، بدأ ينفذ نفس الطقوس التي نفذها في المرة الأولى من خلال استخدام مخالبه وأنيابه.
بعد أن انتهى أكيرا من طقوسه، زحف ببطء نحو زاوية الجدار، حيث كان هناك طوب قديم ومتهالك، وقام بسحب الحجر قليلاً باستخدام مخالبه، مما كشف عن فجوة صغيرة، وداخل الفجوة كانت هناك خمسة أعواد أخرى، جميعها مشحوذة وحادة. ابتسم أكيرا ابتسامة خافتة، ثم أدخل العود الجديد مع البقية، وبعدها دفع الطوب ببطء ليعود إلى مكانه، مغطياً كل شيء كما لو لم يتم لمسه أبداً.
جلس أكيرا بهدوء على فراشه، وأغمض عينيه للحظة. لم يكن نائماً، لكنه كان يفكر… يخطط… يعد الثواني.
أكيرا (همس لنفسه بصوت بالكاد يُسمع): “لم يتبقَ الكثير…”
رفع نظره ببطء نحو الباب الحديدي، حيث كان الحارس يقف وهو غير مكترث، معتقداً بأن الطفل الصغير خلف القضبان ليس سوى كائن ضعيف بلا فرصة للنجاة.
يتبع…