بداخل الغرفة التي أغلقها كين على نفسه، لم يكن هناك صوت سوى تنفسه البطيء، كانت الغرفة غارقة في العتمة إلا من وهجٍ أزرق خافت ينبعث من منتصف الهواء أمام السرير… حيث ارتفعت شاشة أثيرية شبه شفافة، تُرفرف بهدوء وكأنها كائنٌ حيّ.
شاشة الأثير – إحدى أعاجيب فالوريا التكنولوجية، لا تحتاج إلى زر أو جهاز… بل تبدأ العمل بمجرد نية.
كين (يتمتم بصوت خافت): “نسيت أن غرف المنازل الفاخرة مزوّدة بهذه الأشياء.”
مدّ كين يده بصمت في الهواء، مرر أصابعه إلى أمام الشاشة، فاهتزت هالتها قليلاً ثم بدأت الصور تتكوّن.
صوت إلكتروني ناعم: "تفعيل البث الإخباري العام… نشرة أخبار فالوريا الأثيرية تبدأ الآن.”
ظهرت صورة لمذيعة ترتدي زياً رسمياً، تقف أمام خلفية ثلاثية الأبعاد تمثل خريطة متوهجة لقارة فالوريا، وكانت ألوانها تتبدل مع كل خبر.
المذيعة (بنبرة رسمية): "صباح الخير من شبكة قارة فالوريا الأثيرية، نبدأ نشرتنا لهذا اليوم من ولاية إيرالوس، حيث أعلن معهد التقنية الفالورية عن نشر الاختراع الجديد تحت اسم "مرآة تجميد الزمن" في جميع أنحاء فالوريا، بعد أن لاقى نجاحاً كبيراً في ولاية إيرالوس، وساعد في تطوير التلفاز الأثيري."
ظهر على الشاشة مجسم ثلاثي الأبعاد لجهاز زجاجي بيضاوي الشكل ويشبه المرآة، ولكنه بحجم كيف اليد، ويظهر عليه انعكاس الفتاة الممسكة بها، حيث كانت تضغط على البلورة الموجودة اسفل المرآة، وتقوم بتصوير نفسها وتجميد الصورة، تماماً كالكاميرا في عالمنا!
المذيعة: "الجهاز قادر على تسجيل اللحظات الزمنية ضمن محيط معيّن، وإعادة عرضها هولوغرافياً بدقة عالية. بمعنى آخر… يمكنك رؤية الماضي يحدث مجدداً كما لو كنت بداخله.”
كين (يرفع حاجبه ببطء): “تسجيل الماضي؟ هذا مفيد جداً!”
ثم تغيّرت الشاشة.
مذيع جديد: "وفي خبر آخر، علمنا بوجود تحركات جديدة لجيش الإمبراطور ماكيا على حدود مملكة كاجي. مصادر خاصّة تشير إلى أن ماكيا يُخطط لدفع وحدات مدرعة لاختراق المجال الجنوبي… بينما الملك سيروس لم يُصدر أي تعليق حتى الآن.”
أظهرت الشاشة خريطة متحرّكة تُبرز مواقع الجيوش، وتكبيراً لمنطقة التوتر.
ثم انتقل البث إلى المقطع الثالث…
المذيع: "وأخيراً… ما زال الغموض يلفّ قصر تيراكولا في ولاية داركوفا، بعد الحفلة الدموية التي أقيمت هناك الليلة الماضية. القصر مغلق، والحراس لا يردّون، ولم يتجرأ أحد على الدخول… بل سمعنا بأن جميع ضيوف الحفلة قد هربوا من الرعب الذي وجدوه في الداخل."
ظهرت صورة جوية للقصر وهو محاط بالضباب.
المذيع: "لا أحد يعلم ماذا جرى بداخل القصر بعد هروب الضيوف… ولا توجد أخبار رسمية تؤكد إن كانت الدوقة تيراكولا ما زالت على قيد الحياة أم لا."
أغلق كين الشاشة بتمريرة بسيطة، فعادت الغرفة إلى صمتها.
كين (يتمتم): “مرآة تجميد الزمن… قد أحتاج لواحدة.”
نظر كين نحو النافذة، كان الوقت ظهراً حيث كان الشمس ساطعة بوضوح، لاحظ كين سرباً من الطيور السوداء على سور الشرفة الحديدي. كانت تلك الطيور تسمى بطيور “الظل المراسل”، كانت تُستخدم في فالوريا لنقل الرسائل لمسافات بعيدة، كانت تنتظر بهدوء وكأنها تعرف مسبقاً أن هناك من سيكتب شيئاً.
نهض كين من السرير بخطوات بطيئة، ثم بدأ يتفحّص أدراج الخزانة الخشبية. فتح أحدها، ليجد بداخله مجموعة من الأوراق السميكة وأقلام حبر داكن. أمسك أحد الأقلام بيده اليسرى، ثم جلس على الطاولة الصغيرة، وأخذ نفساً عميقاً.
ثم بدأ يكتب:
آدم، كايتو…
لا أعرف كم مرّ من الوقت منذ آخر مرة تواصلنا، لكنني ما زلت على قيد الحياة.
كنا في داركوفا، القتال انتهى أخيراً.
لقد… أسقطنا تيراكولا.
نعم، كنت جزءاً من ذلك، ولا زلت غير قادر على تحديد كيف أشعر.
الإصابات؟ ليست كثيرة بالنسبة لي، ولكن آكيو… حالته كانت سيئة، هو نائم الآن.
لا تقلقا.
سأكتب مجدداً حين أستطيع.
"من صديقكم، يوكاجي كين.”
بدأ كين يكتب العنوان، ثم أنهى كتابة الرسالة وطواها بهدوء، ربطها بخيط رفيع ووضعها في الحاوية الصغيرة المعلّقة على ساق أحد الطيور. نظر في عيني الطائر للحظة… ثم همس:
“إلى جزيرة أوراكانو.”
رفرف الطائر بأجنحته بقوة، ثم طار مبتعداً في السماء.
جلس كين بصمت بعد أن غادرت الطيور، عيناه الرماديتان تحركتا نحو سقف الغرفة، حيث بدأ يفكر في موضوع مرآة تجميد الزمن، وبدأ يفكر في نفسه.
"لو استمرت هذه الابتكارات… ربما لن نحتاج للانتظار أياماً حتى تصل رسالة.”
في خارج ولاية داركوفا، وتحديداً في جزيرة اوراكانو، كانت أمواج البحر تصطدم بالصخور بنعومة، والرياح البحرية تعبث بأشجار النخيل المائلة.
في حديقة صغيرة خلف أحد البيوت، جلس آدم على مقعد خشبي تحت ظل شجرة التوت الكبيرة، ممسكاً بكتاب مفتوح، ولكنه لم يكن يقرأ. كان له شعر برتقالي وعينان خضراوتان، يرتدي نظارة طبية وعلى وجهه بعض النمش. كان يحدق في الصفحة منذ ربع ساعة… دون أن يقرأ كلمة واحدة.
أما كايتو، صاحب الشعر الأسود المائل للبنفسجي والعينان البنفسجيتان، كان مستلقياً على الحشائش بجانبه، ذراعاه خلف رأسه، وعيناه مغمضتان، لكنه لم يكن نائماً.
كايتو (بصوت هادئ، وهو لا يفتح عينيه): "لا زلت تفكر فيه، أليس كذلك؟”
آدم (يتنهد ثم يغلق الكتاب ببطء): "لم أستطع إخراجه من رأسي… مضى وقت طويل… ولم يرسل شيئاً.”
كايتو (يفتح عين واحدة وينظر إلى السماء): "كين ليس من النوع الذي يرسل الرسائل يا آدم، أنت تعرف ذلك.”
آدم (بصوت منخفض): "لكنه وعدنا… قال بأنه سيتواصل معنا دائماً ليخبرنا عن حاله.”
كايتو: "أجل… لقد قال ذلك.”
سكت لوهلة، ثم أدار رأسه نحو آدم، نبرة صوته لا تزال هادئة، ولكنها كانت تلمّح إلى شيء أعمق.
كايتو: "هل تتذكر… عندما أنقذني من والدي الوغد، ثم تكفل بتكاليف علاجي وعمليتي…"
آدم (ينظر إليه بعينين متسعتين قليلاً): "بالطبع أتذكر… حينها قلتَ لي إنك لم تكن تؤمن بوجود أشخاص طيبين حقاً… حتى قابلته.”
كايتو (بابتسامة باهتة): "وما زلت لا أؤمن بذلك، لكن كين… لم يكن طيباً، ولم يكن شريراً… كان شخصاً قرر أن يساعدني، دون سبب.”
آدم: "كنا ثلاثي الشتات… أنت الذي تعرّضت للرفض منذ أن ولدت، أما أنا فقد فقدت أبي، ولكن هو تعرض لأسوء من ذلك بكثير."
كايتو (يغمض عينيه): "ومع ذلك، كنا نضحك… أكثر مما يليق بأشخاص مثلنا.”
آدم (بصوت يغمره الحنين): "أشتاق لتلك الأيام.”
في غرفة المرضى، حيث كانت أشعة الشمس الخفيفة تتسلل من بين الستائر الممزقة، وتنعكس على الأرضية الباهتة، جلس آكيو على حافة السرير، وقد بدا وجهه أكثر هدوءاً من المعتاد. لم يكن يضحك أو يمزح هذه المرة، بل كان يبدو بأنه مستغرق في التفكير. نيورو كان لا يزال نائماً بجانبه، أما أكيرا فكان جالساً على السرير المقابل، يراقب آكيو وهو مستغرب من سكونه.
تسللت صورة كين إلى ذاكرة آكيو… ثم تذكر ذلك اليوم حين سمع بقصة كين لأول مرة… الحرب التي التهمت عائلته، ذلك المشهد المرعب الذي عاد فيه كين الصغير إلى منزله ليجد الرماد بدلاً من الدفء، والخراب بدلاً من الأحضان. تذكر اللحظة التي اكتشف فيها كين الحقيقة عن عائلته… وعن سيروس.
آكيو (بهمس داخلي): "كان مجرد طفل… كيف تحمل كل ذلك؟”
ثم، وكأن شرارة أُشعلت في ذاكرته… تذكر آكيو موقفاً حدث قبل سنوات، حين كان لا يزال في السابعة من عمره. حدث الموقف في أحد شوارع امبراطورية زيتارا المليئة بالمنازل على الطراز الياباني القديم، وبينما كان يُمسك بيد والده بالتبني "فانكو"… سمع بعض الصراخ! كانت هناك طفلة تبكي وتتوسل، بينما كانت أيدي جنود ماكيا تسحبها بقوة من والدتها.
الأم (تصرخ): "لااا! أرجوكم! إنها مجرد طفلة!! لا شأن لها بشيء!!”
الضابط: "ابقي مكانكِ، أنتِ من عائلة ساموراي، وهذا كافٍ لاعتقالكما معاً.”
صرخت الطفلة وتشبثت بأمها، لكنها سُحبت منها بقسوة، عيناها مليئتان بالذعر. أما الأم… فقد سقطت على الأرض وهي تجهش بالبكاء. وقف آكيو هناك جامداً، وهو غير قادر على فهم ما يحدث، ولا على التدخل، كانت تلك أول مرة يرى فيها الظلم أمامه بهذا الوضوح.
عاد آكيو إلى الحاضر، لكن الصور لم تترك ذهنه… بل تسللت إلى ذاكرته مشاهد قصر تيراكولا. رأى كيف غدرت تيراكولا برفاقها الذين كانوا مجرد فتيان ضائعين لم ينضجوا بعد، وعلى الرغم من كل أفعالها، فالشرطة لم يتدخلوا ولم يقتربوا، وكأن هذا المكان كان فوق القانون!
آكيو (في داخله): "عندما كنت صغيراً، كنت أعتقد دائماً بأن حياتي سيئة بسبب أنني لم أعرف عائلتي الحقيقية أبداً، ولكن الآن، وبمجرد أن أرى حياة الناس الآخرين، أشعر بأنني عشت في نعيم!"
آكيو (بصوت منخفض، دون أن يلتفت): "أتعلم، أكيرا… لطالما اعتقدت أن هذا العالم مجرد ساحة مغامرات… مكان نركض فيه ونقاتل ونضحك ونحلم فيه بأن نصبح أقوياء…”
صمت لثوانٍ، ثم أضاف:
آكيو: "لكن بعد ما حدث هنا… بعد أن رأيتُ ما فعلته تلك المرأة… بدأت أشكّ بأن العالم أبعد بكثير من ألعابنا الطفولية.”
أكيرا (يرفع حاجبه): "أوه؟ هل هذا حقاً أنتَ، آكيو؟ تبدو كمن قرأ كتاب فلسفة.”
آكيو (يبتسم ابتسامة حزينة): "لا تسخر… أنا لا أفهم الكثير في السياسة، ولا أفهم لماذا يتقاتل الناس أصلاً… لكنني أستطيع أن أشعر بالظلم حين أراه. رأيته في عيون أولئك الذين تم استغلالهم من أجل أهداف خاصة، ورأيته في دموع فتاة صغيرة وهي تُسحب من والدتها أمامنا… فقط لأنها من عائلة ساموراي."
أكيرا (ينظر إليه بجدية هذه المرة): "كنت تظن أن العالم أبسط من ذلك، أليس كذلك؟”
آكيو (يومئ برأسه ببطء): "أجل… لكنني كنت مخطئاً. العالم قاسٍ… لا يُكافئ الطيبين، ولا يُنصف الضعفاء، وكلما سكتّ الناس عن الظلم، ازداد الظالم قوةً وغطرسة.”
ثم نظر إلى يده، وتذكر القتال… الدماء… الصرخات.
آكيو (بصوت مملوء بالعزيمة): "لهذا… أصبحت أكثر إصراراً على أن أصبح الشوغن، ليس لأنني أريد القوة لأتباهى بها… بل لأنني أريد أن أغيّر شيئاً، ولو قليلاً.”
أكيرا (يبتسم وهو يهز رأسه): "غريب… لم أتوقع أن أسمع هذا من طفل أحمق مثلك.”
آكيو (ينظر إليه بعينين لامعتين): "أنا لا أجيد التخطيط… ولا أجيد إخفاء مشاعري… لكنني أعرف ما أشعر به الآن، وأشعر بأنني ما زلت ضعيفاً جداً! لا يمكنني حتى أن أصبح الشوغن بعشرات الأضعاف من قوتي هذه!!”
سكت آكيو للحظة، ثم عضّ شفته السفلى بقوة وكأن شيئاً في داخله ينفجر… وبدأت دموع خفيفة تنحدر على خديه، لكنها لم تكن دموع الخوف أو الضعف المعتاد… بل دموع غضب مكتوم، إحساس بالعجز يصرخ في قلبه، وشعور بالعار من كونه لا يزال بعيداً عن ما يريد تحقيقه.
آكيو (بصوت مكسور لكنه مليء بالقوة): "أكره هذا الشعور… أكره أن أكون بهذا الضعف! أنا فقط… لم أستطع فعل شيء حين احتاجني الآخرون. ظللت أضحك وأتصرف كالأحمق… وكأن كل شيء سيكون بخير تلقائياً…”
شد على يده بقوة، أصابعه ترتجف، عينيه تحدقان في الأرض بحدة.
آكيو (يتابع بصوت أقوى، دموعه لا تزال تنزل بهدوء): "لكنني لن أبقى هكذا! أقسم… أقسم أنني لن أبقى الأضعف في هذه المجموعة. سأصبح أقوى… أقوى من كين حتى!”
رفع عينيه إلى أكيرا، التي كانت مليئة بالعزيمة رغم الدموع في وجهه.
آكيو: "ليس لأنني أريد التفوق عليه فقط… بل لأني أريد أن أكون قادراً على حماية من أحب، أن أكون جديراً بمكانتي… أن أغير هذا العالم الفاسد الذي يعامل الأطفال مثل الأسلحة، ويُسحق فيه الأبرياء بصمت.”
ظل أكيرا يحدق فيه بدهشة، لم يعلّق مباشرة، ولكنه شعر للمرة الأولى… أن ذلك الفتى الأحمق الذي كان يظنه مجرد مهرج، يخبئ داخله شعلة مشتعلة لا يستهان بها.
آكيو (يمسح دموعه بكمّه دون خجل): "سأبكي إن اضطررت… سأفشل كثيراً، وربما سأسقط مراراً… لكنني لن أتوقف. سأقف… وأكمل، حتى أصل إلى ذلك العرش، وأمسح هذا الظلم من جذوره.”
ثم تنفس بعمق، وكأنّه تخلّص من شيء ثقيل في صدره، ونظر نحو السقف بخفة.
آكيو (بهمسة): "انتظرني… يا كين.”
كان الليل قد حلّ على القصر، حيث كانت آن تسير بخطوات حذرة، تحمل في يديها صينية صغيرة عليها طبق من الأرز وبعض الخضار، وفوقها قطعة خبز دافئة. توقفت أمام غرفة كين، ترددت للحظة، ثم رفعت يدها وطرقت الباب بلطف.
آن (بصوت خافت): "كين-سان… أحضرت لك بعض الطعام.”
انتظرت، ولكن لم يكن هناك رد.
آن (بهمس قلق): "كين-سان، أعرف أنك قلت إنك لست جائعاً، لكن… لا يمكنك البقاء على هذا الحال طوال اليوم.”
مرّت ثوانٍ من الصمت، ثم أخيراً…
كين (من خلف الباب، بصوت منخفض): "خذيه بعيداً، لا أريد.”
آن (بقلق): "ولكنك لم تأكل شيئاً منذ الصباح…”
وضعت الصينية بهدوء بجانب الباب، ثم وقفت للحظة وهي تتأمل الباب المغلق، وعيناها تلمعان بشيء من القلق.
وفجأة…
“دوم… دوم… دوم!!”
صوت خطوات سريعة تقترب من الغرفة، التفتت آن فوراً، وإذا بآكيو يمشي بخطوات سريعة باتجاهها، لكن شيئاً فيه كان مختلفاً. وجهه… لم يكن كما اعتادت رؤيته، نظراته كانت مشدودة، عينيه فيها بريق غريب.
آن (بدهشة): “آكيو؟ ما بك؟”
لم يجبها آكيو، بل توقف أمام باب غرفة كين، ثم وضع كفه عليه بقوة.
آكيو (بصوت أعلى من المعتاد): "كين!! افتح الباب!”
آن (بقلق): "هاي، ما الأمر؟ أنت… لست بخير، أليس كذلك؟”
آكيو (لا يلتفت إليها، نبرته مزيج بين الحزن والغضب): "أعرف أنك هناك! اسمعني!”
كين (بصوت هادئ): "آكيو؟ ماذا هناك؟"
آكيو (ينظر نحو الباب وكأن عينيه تحترقان): "يجب أن أتحدث معك… الآن!”
ساد صمت ثقيل بعد نداء آكيو، ثم…
“كلاك!”
دار مقبض الباب ببطء… ثم فُتح الباب، ظهر كين واقفاً في عتبة الباب، وجهه شاحب قليلاً من التعب، ويده المصابة مغطاة بضماد بسيط، وعيناه الرماديتان لا تحملان أي تعبير واضح.
كين (بنبرة هادئة): "أدخل.”
دون أن ينتظر، اندفع آكيو إلى الداخل وعيناه تحدقان في كين بشدة، ثم استدار ليقف في منتصف الغرفة وشد على قبضته ببطء.
آكيو (بصوت حاد): "أنا سئمت.”
كين (يرفع حاجبه قليلاً): "ممّا؟”
آكيو (ينظر إليه مباشرة): "من هذا الشعور… الشعور بأني دائماً الأضعف! دائماً المتأخر! في كل مرة يحصل شيء كبير… تكون أنت من يواجه، وتكون أنت من يوجّه الجميع نظره إليه!”
كين لم يقل شيئاً، ظل فقط يراقبه بعينين ثابتتين.
آكيو (يكمل بنبرة ممزوجة بالحزن والغضب): "في قاعة الحفلات… كنتَ أنت من وجه الضربة القاتلة لتيراكولا، كنت أنت من وقفت في الواجهة، أما أنا… وقفت متجمّداً مثل الأحمق، لم أكن سأستطيع هزيمتها بدون مساعدتك، لقد حاولت… أقسم أني حاولت! لكن قوتي لم تكن كافية!"
شد آكيو على قبضته أكثر، ثم تابع حديثه.
آكيو (ينظر للأسفل): أنا… أحلم بأن أصبح الشوغن، لكن كيف؟ كيف سأحقق هذا وأنا أعجز عن حماية أصدقائي؟ وعن حماية نفسي حتى؟”
كين (بصوت منخفض لكنه ثابت): "آكيو، أنت أقوى مما تعتقد.”
آكيو (يرفع عينيه، بحدة): "كُفّ عن مجاملتي!”
كين: "ليست مجاملة، أنت لم ترَ نفسك كما رأيتك أنا.”
آكيو (بصوت أقرب للهمس): "ماذا رأيت؟”
كين: "رأيت شخصاً لم يتراجع، حتى عندما كان يعرف أنه قد يخسر. لقد قاتلت… رغم جهلك، رغم ضعفك… وهذا ليس شيئاً تفعله القلوب الضعيفة.”
آكيو (بجدية): "لن أسمح لهذا أن يتكرر، من الآن فصاعداً… سأصبح خصمك. لن أقبل أن تبقى النجومية عليك طوال الوقت، يوكاجي كين!”
كين (بنبرة ثابتة): "إذا كنت ستنافسني… تأكد بأنك مستعد لنتيجة ذلك.”
آكيو (بثقة): "سأكون.”
تقدّم آكيو خطوة واحدة نحو كين، ونظراته لم تعد تلك النظرات المليئة بالحزن… بل أصبحت حادّة، فابتسم ابتسامة جانبية.
آكيو (يمد يده اليمنى بثبات): "منذ هذه اللحظة… سأكون خصمك، يا كين. لكنني لن أكون عدواً… سأكون صديقك الذي لن يدعك تتفوّق عليه بسهولة.”
حدّق كين في يده لثوانٍ، ثم رفع يده ببطء وصافح آكيو.
كين (بصوت منخفض لكنه مهيب): "ساكاموتو آكيو، إذا كنت ستقف في طريقي… فتأكد بأنك ستتحول إلى رماد، يا منافسي!"
قبضت يداهما بقوة، وفي تلك اللحظة، هبّ تيار هواء مفاجئ مرّ في الممر، وكأن العالم نفسه شهد على ولادة عهد جديد!
يتبع…