في أعماق قصر كاجي الملكي، تألقت القاعة الكبرى بأنوارٍ كثيرة ومصدرها مئات المشاعل المتوهجة، على الجدران، عُلقت رايات العائلة الملكية، وعليها شعار كاجي: تنين أحمر يلفّ نفسه حول سيف ناري.

في منتصف القاعة، جلس الملك سيروس على عرشه الضخم، وهو صامت ومهيب كالجبل. عباءته الحمراء الداكنة تلامس الأرض، وكتفه الأيسر مغطى بدرع ملكي محفور عليه نقوش قديمة. وقف بجانب العرش حارسه الأكثر إخلاصاً "أليكساندر"، بملامحه الصارمة وعيناه البنفسجيتان وشعره الأشقر المرتب.

من حولهم، كان يتواجد الوزراء والنبلاء وقادة الجيش، وكانوا جميعهم مصطفين على طول القاعة، يرتدون أفضل ما لديهم من عباءات مطرزة ودروع مزيّنة، وجميعهم صامتون باحترام، يراقبون اللحظة التي كانوا ينتظرونها منذ زمن.

في لحظة، دوّى صوت الأبواق، وارتفعت أبواب القاعة الكبرى معلنة دخول الأمير آرثر. دخل الأمير آرثر بخطى بطيئة واثقة، شعره الأحمر مرتب وأنيق، وعيناه زرقاوتين كزرقة السماء، كان طويل القامة بالنسبة لسنه، وكان يرتدي سترة ملكية سوداء ذات زخارف حمراء من اللهب، وحزاماً فضياً يعلّق عليه سيفه المرصّع بالأحجار الحمراء. واصل الأمير آرثر المشي نحو عرش والده سيروس، وابتسامته المتعجرفة لم تغب عن وجهه.

آرثر (يرفع ذقنه بخفة): "أشكركم على هذا الترحيب... رغم أنني أستحق ما هو أكثر فخامة."

ضحكات خافتة خرجت من بعض النبلاء، بينما تبادل الوزراء النظرات دون تعبير، لم يعلق سيروس، بل فقط رمقه بنظرة ثابتة.

سيروس: "اقترب."

تقدّم آرثر حتى وصل أمام العرش، وانحنى برأسه باحترام رمزي.

آرثر (بابتسامة ساخرة، وهو يفتح ذراعيه): "سبعة عشر عاماً، يا أبي... ألا يكفي هذا لأُعامَل كرجل؟"

سيروس (بصوت هادئ): "العمر لا يصنع الرجال... الأفعال تفعل."

في تلك اللحظة، دخلت الأميرة سيلينا بخطى هادئة من نفس المكان الذي دخل منه آثر، كانت ترتدي ثوباً ملكياً قرمزياً كلون شعرها الذي يتدلى بانسيابية حول كتفيها، وعيونها الرمادية تقرأ الوجوه بصمت كعادتها، وكانت في الرابعة عشر من عمرها.

سيلينا (بصوت خافت): "عيد ميلاد سعيد، أخي آرثر."

آرثر (بابتسامة أخوية وهو يغمز): "لو لم تكوني أختي، لشكرتك بقبلة ملكية."

أليكساندر (بحدة): "احترم وقوفك أمام العرش، أيها الأمير آرثر."

تراجع آرثر بخفة إلى الوراء وهو يبتسم بلا ندم، بينما تجاهله سيروس كعادته، وكأنه اعتاد على لسان ابنه الحاد.

سيروس (ينظر إلى الحاضرين): "اليوم... يُتمّ وريث العرش عامه السابع عشر. هذا ليس احتفالاً... بل إعلان."

همهم الوزراء والنبلاء فيما بينهم، بينما تقدم أحدهم، وكان رجل مسن بلحية رمادية وثياب خضراء راقية، وانحنى أمام العرش.

الوزير إينور: "مولاي، بإسم مجلس الحكم، نُبارك للأمير آرثر بلوغه سنّ المسؤولية، ونعلنه وريثاً رسمياً لعرش كاجي، إن أذنتَ بذلك."

سيروس (ببرود): "لن أُعلن وريثي... قبل أن يُثبت أنه يستحق أن يُدعَى وريثاً."

ارتفع الهمس مجدداً، لكن لم يتجرأ أي أحد على الاعتراض علناً.

سيروس: "ستُمنح مهاماً حقيقية، يا آرثر. وخلال الأشهر القادمة... ستعرف المملكة من أنت."

آرثر (بثقة لا تهتز): "أنا مستعد... منذ سنوات."

رفع سيروس كأساً من مشروبه، وشرب منه جرعة قصيرة.

سيروس: "ابدأوا الاحتفال."

بدأت الموسيقى الكلاسيكية تُعزف بهدوء على أنغامٍ منخفضة من فرقةٍ موسيقية تعزف في زاوية القاعة، وبدأ العشرات من الوزراء والنبلاء يتبادلون الأحاديث المبتذلة والابتسامات المصطنعة. الطاولات مزينة بأفخم الأطعمة، والخدم يتحركون بانضباط مثالي.

أحد الوزراء (يرفع كأسه): "إلى وليّ العهد آرثر! فليكن يوم ميلاده إيذاناً ببدء عهدٍ مجيد قادم!"

آرثر (بابتسامة عريضة، يرفع كأسه بصخب): "أجل! إلى نفسي، وإلى زمنٍ تُطوى فيه أوراق الضعفاء!"

ثم أدار جسده ورفع كأسه مجدداً وهو ينظر نحو الحضور بنظرة متعالية.

آرثر: "لا تقلقوا أيها السادة، سأجعل هذه المملكة... أكثر إثارة مما كانت عليه في عهد أبي."

ساد صمتٌ خفيف، قبل أن تتعالى ضحكات مترددة من بعض النبلاء، ولكن عيون البعض اتسعت بقلق، ووجوه أخرى بدت مصدومة.

أحد كبار القادة العسكريين (يهمس للوزير الذي بجانبه): "إنه وقح... لم يرث اللباقة أبداً من أبيه!"

سيلينا كانت تقف بجانب عرش سيروس بصمت، تراقب الموقف الذي أمامها بانزعاج وإحراج، عضّت على شفتها دون أن تتكلم. سيروس بقي صامتاً للحظة، ولكن نظرته الباردة تغيرت قليلاً، رفع يده ببطء وأشار للعازفين، فتوقفت الموسيقى على الفور.

سيروس (ينظر مباشرة إلى آرثر، يتحدث بنبرة منخفضة ولكنها تحمل زلزالاً): "حين يعلو صوت الإبن على أبيه... يسقط كلاهما في عيون الرجال."

تجمّد آرثر، وارتخت ابتسامته قليلاً، ولكنه تماسك محاولاً الظهور بثقة على الرغم من أن الجو أصبح أكثر توتراً.

أليكساندر (ينظر نحو آرثر بنظرة صارمة، يهمس): "لو لم تكن ابن الملك... لكسرت لسانك هنا."

آرثر (ببرود مصطنع): "كنت أمزح فقط."

سيروس: "في عالم الملوك... المزاح يُحسب بالسيوف."

ثم أشار بيده إلى الفرقة الموسيقية لتستأنف، وعاد الضيوف للحديث مجدداً، لكن الجو لم يعد كما كان.

سيلينا (تتقدم بضع خطوات نحو آرثر، نظرتها حادة، وتهمس له بجدية): "مالذي تفعله أيها الغبي؟! لقد تجاوزت حدودك!"

آرثر (يلتفت نحوها، بابتسامة متكلفة): "أوه، أختي الصغيرة قررت أن تحاضرني؟ كم هذا لطيف."

سيلينا (بنبرة ثابتة): "ما قلته أهان أبي أمام رجاله، وأهاننا جميعاً! هذا ليس وقت الاستعراض يا آرثر، بل وقت إثبات أنك تستحق كل هذا."

آرثر (يرفع حاجبه بثقة مفرطة): "أوه، صدقيني... أنا لست بحاجة لإثبات شيء، الكل يعرف أنني وريث هذا العرش، وسأجعله أضخم مما كان عليه، حتى لو لم يعجب ذلك أحداً."

أحد الوزراء (يتمتم بحذر): "يا له من صبيّ متهور..."

سيروس (بنبرة ثقيلة): "أليكساندر."

أليكساندر (ينحني فوراً): "أوامرك، جلالتك."

سيروس (يشير إلى آرثر من دون أن ينظر إليه): "خذه من أمامي."

آرثر (يتسع بؤبؤاه): "ماذا؟! أبي، هذه حفلة ميلادي!"

سيروس (بصوت جامد، لا يحمل أي شفقة): "بل حفلة فشلك الأول أمام الناس، دعهم يتعلمون منك كيف يدفع الأمير ثمن غروره."

أليكساندر (يتقدم بخطوات ثقيلة نحو آرثر): "سنتحدث لاحقاً عن العقوبة أيها الأمير، والآن لنخرج."

حاول آرثر التماسك، وبدأ يرمق الجميع بنظرة متوترة، ثم تم اقتياده بعيداً من القاعة وسط صمت ثقيل، وقفت سيلينا في مكانها بتعابير وجه هادئة ومنتصرة.

سيروس (يتحدث بنبرة واضحة، تعود معها الهيبة إلى كل زاوية في القاعة): "من لا يملك الانضباط... لا يملك الحق في أن يحكم، فلتُكملوا احتفالكم... ولكن لتتذكروا من هو الملك في هذا المكان."

رفع سيروس كأسه بهدوء دون ابتسامة، تعالى تصفيق خافت في البداية... ثم تصاعد تدريجياً، وعيون النبلاء تلمع أكثر من إعجاب.

دُفع آرثر بداخل غرفة ذات جدران حجرية مزينة بالأعلام الحمراء من قبل أليكساندر، الذي أغلق الباب خلفه بهدوء، ثم وقف بجانبه بانزعاج.

آرثر (يصيح ساخطاً): " كم هذا سخيف! لقد كانت حفلة ميلادي! ما الخطأ في بعض المزاح؟! أهذه طريقتكم في تعليم ورثة العرش؟"

أليكساندر (بصوت هادئ لكن حاد): "أنت وريث العرش... لا مهرّج القاعة."

آرثر (يلتفت إليه): "حقاً؟ كلنا نعلم بأنكم لا تتبعون والدي إلا بسبب خوفكم منه!"

صوت خطوات بطيئة يقترب... فتح الباب بصمت، ودخل سيروس، لم يكن عليه أثر غضب، بل بدا كما هو دائماً: شامخاً، جامد الوجه، وكأن روحه خالية من العاطفة، توقف وسط الغرفة، وبدأ ينظر إلى آرثر نظرة طويلة.

سيروس (ببرود): "تابعتُ المشهد حتى نهايته... كان مسلياً، أُقر بذلك."

آرثر (بصوت يحمل السخرية): "سعيد لأنك استمتعت، يا أبي."

سيروس (يقترب خطوتين، لا يزال صوته ثابتاً): "ولكن الحفلات الملكية لا تُصنع للمتعة... بل لتُظهر السيطرة، وأنت قد فشلت."

آرثر (يعقد ذراعيه): "وهل أصبحت السيطرة تعني الجمود؟ جميع من في القاعة خائفون منك، لا يحترمونك."

سيروس (بنبرة هادئة جداً، دون أي انفعال): "الاحترام الحقيقي يولد من الخوف، من لا يخشاك... سيخونك."

آرثر (بغضب مكتوم): "ألهذا السبب تقتل كل من يعارضك؟ لأنك لا تحتمل أن يُخالفك أحد؟"

سيروس (وهو يرفع حاجبه): "من يعارضني... ينجو، من يخونني... يُمحى."

ثم اقترب منه حتى أصبح على بعد خطوتين فقط.

سيروس (بصوت منخفض، وعيناه تلمعان بحدة): "هل خنتني، آرثر؟"

آرثر (يتراجع قليلاً لكنه يرفع ذقنه): "لا... ولكنك تعاملني وكأني أداة ستُستعمل لاحقاً... ثم تُلقى."

سيروس (بنبرة ساخرة جداً): "المشكلة بأنك لا تصلح حتى كأداة."

تجمّد آرثر للحظة، ارتجف فكه، لكنه لم يجد ما يقوله.

سيروس (يتابع، بنبرة هادئة قاتلة): "أن تكون ابني لا يعني أنك مؤهل، القوة تُثبت، لا تُورث. وإذا كنت لا تستطيع السيطرة على نفسك لمرة واحدة أمام العامة، فكيف ستحكمهم؟"

كان آرثر يحاول الرد ولكنه شعر بأن كل الكلمات تخونه.

سيروس (يتحرك مبتعداً عنه، يضع يده خلف ظهره): "اعلم يا آرثر... أن عرش مملكة كاجي ليس هدية، بل لعنة... اعتبر ما حصل اليوم... أول درس."

أليكساندر (من مكانه، ببرود): "انحني قبل أن تخرج، أمام الملك، لا أمام الأب."

تردد آرثر قبل أن ينحني بخفة وبهدوء.

سيروس (دون أن ينظر إليه): "يمكنك أن تغادر."

فتح أليكساندر الباب، وخرج آرثر بخطوات ثقيلة، وبدأ يسير بخطوات واثقة في ممرات القصر، وضع يده على أحد الأعمدة المنحوتة، ثم ابتسم ابتسامة ساخرة وكأنه نسي ما جرى للتو.

آرثر (يتمتم بسخرية): "درس؟ تربية؟... لا أحد يعلّمني كيف أكون ملكاً، سأجعلهم يتوسلون لي قريباً."

ثم بدأ يضحك بخفة، ضحكة متعجرفة خالية من الوزن، وكأن العالم لا يحمل أي ثقل على كتفيه.

آرثر (يغمز لنفسه في إحدى المرايا الكبيرة): "أجل، هذا هو وجه الملك القادم... وسيم، جريء، ولا يهتم بقواعد أحد!"

في نهاية الممر، وقف أحد النبلاء المسنين متكئاً على عصاه الفضية، يرتدي عباءة مزركشة بالأزرق الداكن، وكانت عينه اليسرى مغطاة برقعة حريرية. رمق آرثر بنظرة طويلة دون أن يتكلم، ثم همس بصوت لا يسمعه إلا نفسه.

النَبيل العجوز (بهمس بارد): "أمير يلعب كالطفل... لا يعلم حتى في أي مستنقع يغرق قصر أبيه! كم أنت مثير للشفقة يا فتى..."

ثم نظر بعيداً نحو النوافذ المطلة على الساحة، حيث كانت أعلام مملكة كاجي تُرفرف بفخر.

النَبيل (يتابع لنفسه): "لو علم فقط... أن والده قاد حروب إبادة لم تُسجَّل في كتب المملكة... لو علم من هو سيروس حقاً، لما ضحك هكذا."

في تلك اللحظة، مرت خادمة شابة من الممر، فانحنى لها آرثر بطريقة مسرحية وبدأ يتحدث بنبرة لعوب.

آرثر (بابتسامة عريضة): "أوه، آنسة جميلة وسط هذه الحفلة التافهة؟ هل أتى هذا اليوم بمفاجآت لطيفة أخيراً؟"

ارتبكت الخادمة قليلاً ثم انحنت سريعاً وغادرت، بينما تابع آرثر سيره بابتسامة المنتصر.

كان ضوء القمر يتسلل عبر النوافذ العالية ويعكس ظله على أرضية الغرفة المزخرفة، والأثاث أنيق ومرتب... جلس آرثر هناك على أريكة مخملية حمراء، يضع قدماً فوق الأخرى ويقلب كأساً فارغاً بيده، وكان يتظاهر بأن شيئاً لم يحدث.

وفجأة...

"طرق... طرق..."

دخلت سيلينا بهدوء. وعيناها الرماديتان حملتا في تلك اللحظة قسوة ناعمة.

سيلينا (بصوت هادئ): "كنتُ أعرف بأنك ستتظاهر بأن شيئاً لم يحدث."

آرثر (يبتسم بمكر وهو ينهض ببطء): "أوه، أختي الصغيرة جاءت لتُلقنني درساً آخر؟ أليس من المفترض أن تستمتعي بآخر حلوى في الحفلة؟"

سيلينا (تقف في منتصف الغرفة، لا تبتسم): "هل تظن أن أحداً استمتع بتصرفاتك؟ لقد كنت وقحاً... أمام الملك، أمام القادة، أمام الوزراء، حتى الخدم كانوا يهمسون باسمك بخوف أو سخرية."

آرثر (يتنهد، يرمي الكأس على الطاولة بخفة): "هم يهمسون، وأنا من سيجلس على العرش في يوم ما، من يهتم بما يهمسون؟"

سيلينا (تتقدم نحوه، بنبرة منخفضة): "أنا."

توقف آرثر لثوانٍ، نظر إليها بخفة لكنه شعر بوقع كلمتها رغم هدوئها.

سيلينا (تتابع): "أنت لا تدرك ماذا يعني أن تكون وليّ عهد ملك مثل أبي... إنه ليس مجرد ملك عادي، بل هو أقوى شخص في هذا العالم!"

آرثر (يضيق عينيه وهو يبتسم بسخرية): "وهل تريدينني أن أرتجف من هذا الإرث؟"

رفع يده اليمنى فجأة، فاشتعلت النيران في كفه!

آرثر (يمد كفه أمامه وهو يحدّق فيها): "فاكن النار... هدية من أبي العزيز، إذا كان هذا هو إرثه... فأنا لا أحتاج سوى هذه اليد لأرسم العرش كما أريده."

ثم حرّك إصبعه السبابة في الهواء، فاشتعلت خطوط نارية خلفه على شكل دوامة، قبل أن يضغط بإصبعه في الفراغ فتتشكل كرة نارية صغيرة تدور حول كفه.

آرثر (ينظر إلى سيلينا، يبتسم بغرور): "أنظري جيداً، أختي العزيزة... هذا ما يجعلني الوريث الحقيقي. لا يهم إن كنت محبوباً، أو لبقاً... المهم أن أكون الأقوى."

سيلينا: "وهل تظن أن النار وحدها تصنع ملكاً؟"

آرثر: "النار... والإسم... والباقي؟ مجرد تفاصيل."

أطفأ آرثر النار بإغلاق قبضته، ونظر إليها بتحدٍّ، وكأنّه يظن أنه أنهى الحوار لمصلحته، لكن سيلينا لم تغضب... بل أطلقت تنهيدة قصيرة.

سيلينا (بصوت هادئ): "إذا كنت تعتقد أن قوتك تكفي... فاذهب وجرّبها أمام أبي."

ثم استدارت ومضت نحو الباب، قبل أن تتوقف وتتحدث بنبرة خافتة.

سيلينا: "ملك النار الحقيقي... هو من يستطيع التحكم في نيرانه، لا من يستعرضها أمام المرايا."

خرجت سيلينا بينما بقي آثر في مكانه وهو ينظر إلى كفه... ثم ابتسم لنفسه.

بداخل أروقة القصر بعد منتصف الليل... كان القصر هادئاً إلا من صوت خطوات آرثر الذي كان يمشي بثبات، يحمل سيفاً طويلاً مصنوعاً من فولاذ أسود، قبضته مزخرفة بشعار العائلة المالكة، عيناه تلمعان بالحماس والثقة. اقترب من أبواب قاعة العرش العظيمة، وقف أمامها للحظة، ثم دفعها بكلتا يديه...

"غرااااااااااش!"

فتحت الأبواب لتكشف عن سيروس، جالساً على عرشه بهيبته المعتادة، أليكساندر كان واقفاً على يمينه كالصخر كعادته، ولا يحرك ساكناً.

سيروس (يرفع بصره، بنبرة متهكمة): "يا للعجب... الساعة متأخرة، ولم أتوقع أن يأتي ضيف بهذه الجرأة."

آرثر (يتقدّم للداخل، يسحب سيفه ويضعه أمامه): "لست ضيفاً، أنا ابنك... وولي عهدك، وأنا هنا... لأقاتلك."

سيروس (ينفجر ضاحكاً فجأة، صوت ضحكته يتردد في القاعة الواسعة وهو يعبث في شعره): "هاههاهاهاهها!!"

ضحك طويلاً، حتى أنه مال قليلاً على العرش وهو يربّت على ركبته، بينما بقي أليكساندر صامتاً... ولكن طرف فمه تحرك قليلاً في شبه ابتسامة ساخرة.

سيروس (ينظر إليه أخيراً، والابتسامة لا تزال على وجهه): "أوه، آرثر... هل أتيت لتقدّم لي عرضاً كوميدياً قبل النوم؟"

آرثر (بغضب مكبوت): "لست أمزح! إن كنتَ ترى بي خليفة... فعاملني كند، أو اقتلعني من طريقك!"

سيروس (ينهض أخيراً بخطوات ثقيلة وصوت كالسيف): "تريد أن تقاتلني؟ أهذا لأنك حملت سيفاً لأول مرة دون أن تُسقطه؟ أم لأنك صرخت في حفلة، وظننت أن صوتك أعلى من صوت النار؟"

اقترب من آرثر حتى أصبح أمامه مباشرة.

سيروس (بابتسامة هادئة): "عندما كنتُ في عمرك... كنت قد قتلت خمسين رجلاً بيديّ! قادة، خونة، مقاتلين... لم يكن أحد يجرؤ على رفع صوته أمامي."

مدّ يده ببطء نحو السيف الذي يحمله آرثر، ووضع أصابعه عليه.

سيروس:

"وهذا السيف؟ إن لم تكن مستعداً لأن تلطّخه بدم أقرب الناس إليك... فهو مجرد زينة."

ثم أدار ظهره، وعاد إلى العرش دون أن يأخذ السيف، وجلس مجدداً.

سيروس (ينظر إليه من بعيد): "إذا أردت قتالي... انتظر حتى تُصبح رجلاً، وحتى ذلك الحين... لا ترفع صوتك في حضوري، يا ابني."

آرثر (يتجمّد وهو يعضّ على أسنانه، ثم ينزع سيفه من الأرض بعنف): "أنا لم أنتهي بعد!!"

انطلق آرثر نحو سيروس وسيفه مشتعل بلهب أحمر، خطواته تهزّ الأرضية الرخامية، وعيناه تشتعلان بالتحدي والغضب، رفع سيفه عالياً، ثم هتف:

"افعل شيئاً أيها الملك العظيم!!"

سيروس لم يتحرك، في اللحظة التي كاد فيها السيف أن يهبط على جسده، رفع سيروس يده اليسرى فقط، وبلا جهد...

"كلاك!"

أمسك نصل السيف بين إصبعيه ببرود، دون أي انفعال، ودون أن يتحرك من على العرش.

سيروس (ينظر إلى السيف بملل): "يا لك من ممل."

ثم أطلق السيف بيده ليطير إلى الخلف، ويُجبر آرثر على التراجع بخطوة.

آرثر (يصرخ): "قاتلني بجدية!!"

انطلق مرة أخرى، وهذه المرة استخدم مهارة فاكن النار خاصته، فأشعل الأرض تحت قدميه، ووجه لكمة نارية نحو وجه والده...

لكن...

"كلاك!"

سيروس مدّ إصبعاً واحداً، وصده بها كما لو كان يدفع ذبابة.

سيروس (بابتسامة ساخرة): "قتال؟ هذا تدريب إحماء بالنسبة لي... بل أقل."

آرثر (يتراجع وهو يتصبب عرقاً، ثم يهاجم مجدداً): "توقف عن الاستخفاف بي!!"

أمسك آرثر بسيفه الذي كان ملقى على الأرض، ثم قفز في الهواء وهبط بالسيف نحو سيروس بشراسة...

"دووووم!!!"

لكن سيروس رفع قدمه فقط... وركل الأرض تحته بقوة!

كراااااااااش!!!"

فانفجر الرخام، واهتزت القاعة، وارتفعت موجة من الحطام... سقط آرثر أرضاً بقوة.

سيروس (ينظر إليه وهو على الأرض، ثم ينحني نحوه قليلاً): "أنت تظن أن القوة تعني الصراخ... والزعامة تعني أن تقف فوق الكل، لكنك نسيتَ أول قاعدة... القائد الحقيقي لا يحتاج أن يثبت نفسه، بل على الجميع أن يخشوه دون أن يتكلم."

سكت قليلاً، ثم استدار.

سيروس (ببرود): "عندما تنتهي من لعبك، أخبرني كي أعلّمك كيف تبدأ أول خطوة لتكون قاتلاً، لا مهرجاً."

ثم نظر إلى أليكساندر.

سيروس: "نظّف هذه الفوضى."

أليكساندر (ينحني باحترام): "حالاً، جلالتك."

بقي آرثر على الأرض وهو يضغط على قبضته، أنفاسه تتسارع، وعيناه تحترقان بخليط من الغضب والذل... ولكنه لم يبكِ.

يتبع...

2025/03/24 · 11 مشاهدة · 2455 كلمة
Sara Otaku
نادي الروايات - 2025