في صباح اليوم التالي، وقف سيروس في منتصف ساحة القصر الخارجية، مرتدياً عباءة سوداء الفاخرة، وبدأ يعبث في شعره كعادته بدون أن يدرك، بجانبه كان أليكساندر واقفاً بثبات، يحدق في الأسفل بصمت. على الأرض، ركع أربعة جنود بثيابهم الممزقة، ووجوههم مليئة بالدماء والدموع، كانوا يتوسلون ويرتجفون، وبعضهم بالكاد يستطيع الوقوف على قدميه من أثر الضرب.
أليكساندر (بنبرة باردة): "مولاي، هؤلاء الجنود قد خانوا قسم الولاء، وتعاونوا مع إحدى جماعات العدو على حدود ولاية فالينور الشرقية، تم الإمساك بهم قبل يومين.”
سيروس (بصوت حاد): "الخيانة… لا تحتاج لمحاكمة، أقتلهم فوراً!"
أومأ أليسكاندر برأسه، ثم تقدم خطوة إلى الأمام، ويده على مقبض سيفه… ولكن قبل أن يسحب سلاحه…
آرثر (من خلفهما): "توقف.”
استدار الجميع نحوه، كان آرثر يسير ببطء نحو الساحة، يداه في جيبيه، ووجهه لا يحمل أي تعبير. خلفه، وعند أحد الأعمدة العالية، وقفت سيلينا تراقب بصمت.
سيروس (يرفع حاجبه، بنبرة حادة): "هل قلتَ… توقف؟”
آرثر (يقف أمامهم، يحدق بالجنود): "أريد أن أنفذ الحكم بنفسي.”
صدرت همهمة خفيفة من بعض الحراس، ولكنهم سكتوا سريعاً، أما الجنود الأربعة فقد تجمدوا، وبدأ بعضهم بالبكاء، وآخرون صرخوا.
الجندي الأول (يبكي): "أرجوك يا سمو الأمير! نحن لم نقصد! كانت عائلاتنا بخطر… أجبرونا!”
الجندي الثاني (يصرخ): "نحن نخدم المملكة منذ سنين! ارأف بنا أرجوك… لا نريد أن نموت!!”
آرثر لم يرد، نظر إليهم كما ينظر إلى أحجار ملقاة على الأرض، ثم أخرج سيفه ببطء.
سيروس (يراقب بصمت، نبرة صوته خافتة): " هكذا إذاً؟ أرِني ما لديك.”
تقدم آرثر أمام أول جندي، رفع سيفه ببطء، لكن يده… لم تتحرك.
الجندي الثالث (ينحني أمامه، يبكي): "أرجوك… لديّ طفل، إنه مريض… فقط دعني أراه للمرة الأخيرة!”
اهتزت يد آرثر.
آرثر (يهمس لنفسه): "فقط نفّذ… لا تفكر.”
رفع السيف… لكن عينه التقت بعين الجندي الرابع، فرأى مراهقاً مذعوراً يتوسل الحياة، ثم تذكر شيئاً…
صوت سيروس في ذاكرته: "إن لم تكن مستعداً لأن تلطّخ سيفك بدم الأقرب إليك… فهو مجرد زينة.”
تجمّد آرثر في مكانه.
أليكساندر (بنبرة هادئة، لكنه صارم): "تردّدك… إهانة للأوامر.”
سيروس (من مكانه، بصوت حاد): "اقتله… أو ارجع إلى ألعابك.”
نظر آرثر نحو والده، ثم صرخ بصوت عالٍ.
آرثر: "اصمتوا جميعاً!!!”
انحنى للأمام، وأغلق عينيه للحظة، ثم…
“دووووووم!!!”
أنزل السيف بقوة على الأرض بجانب الجندي، فتصاعد اللهب وانفجر الغبار! لجنود صرخوا من الذعر!
آرثر (بصوت غاضب ومضطرب): "أنا… لا أحتاج إثبات ولائي لك بدماء الضعفاء!!”
سيروس (ينهض من مكانه ببطء): "إذاً، فأنت لم تتعلم شيئاً بعد.”
ساد صمتٌ تام.
سيلينا (بهمس داخلي): "أنت لست مثله يا آرثر… لكنك لن تنجو إن لم تتوقف عن اللعب بالنار.”
سيروس لم يتحرك في البداية… حدق قليلاً في السيف المغروس بالأرض، ثم بدأ يتحرك نحو الجنود الأربعة، وكانت خطواته كافية لجعلهم يرتجفون أكثر، نظر سيروس إلى الجنود بنظرة خالية من أي مشاعر أو ندم.
سيروس (بصوت منخفض): "من يرحم الخونة… قد يصبح خائناً دون أن يدري.”
آرثر (بهمس مرتجف، وهو يراقبه): "أبي… انتظر…”
لكن سيروس لم ينتظر، في لحظة، ارتفعت يده اليمنى نحو الأعلى، وبدون أي تحذير…
“كراااااااااااااااااش!!!”
موجة نارية سوداء انفجرت من كفه، ولكنها لم تحرقهم فقط… بل مزّقت أجساد الجنود الأربعة إلى أشلاء! اللحم تطاير… العظام تشققت، والدم انفجر في كل اتجاه! لم يُترك من أحدهم شيء سوى بقع دم ساخنة تذوب فوق الأرض الحجرية!
شهقت سيلينا بصوت خافت، يدها ارتفعت فوراً لتغطي فمها وهي تشعر بالغثيان، ثم تراجعت خطوة إلى الوراء، وجهها شاحب كالموت.
سيلينا (بهمس): "يا… إلهي…”
آرثر كان في مكانه، لكنه لم يعد كما كان! تجمّدت أطرافه، نظراته الزائفة تغيرت فجأة، وجسده بدأ يرتجف بشكل لا إرادي، لم يكن يتخيل… أن هذا هو والده. لم يتخيل بأن سيروس يستطيع أن يقتل بهذا الشكل الوحشي.
آرثر (يتمتم): "هؤلاء… كانوا بشراً…”
سيروس (يلتفت إليه ببطء، بصوت جاف): "لا، يا آرثر… هؤلاء كانوا خطأً، وصحّحته.”
ثم وجه يده نحو الأرض… وأخرج منها ناراً ابتلعت الأشلاء خلال ثوانٍ، دون حتى أن تترك رماداً! الصمت سيطر على المكان، ولم يبقَ صوت سوى صوت اللهب وهو يتلاشى، وارتجاف أنفاس آرثر وهو يحاول أن يفهم ما رآه.
سيروس (بهدوء، دون أن ينظر إليه): "إذا أردت أن ترثني… فعليك أن ترى ما يرعبك، حتى لا تخاف منه لاحقاً.”
سيروس ظل واقفاً هناك لثوانٍ بعد أن أحرق الأرض، ثم حوّل بصره ببطء نحو سيلينا، التي كانت لا تزال واقفة قرب أحد الأعمدة، ويدها تغطي فمها، جسدها الصغير يرتجف، وعيناها الرماديتان تحملان صدمة لم تعرفها من قبل. تقدم سيروس نحوها… ثم توقّف أمامها وانحنى قليلاً، ورفع يده ووضعها بلطف على رأسها… دون أن يضغط، دون أن يربّت، فقط وضعها بثبات.
سيروس (بصوت طبيعي): "هذه أول مرة ترين فيها شيئاً كهذا… أليس كذلك؟”
سيلينا لم ترد، لقد كانت شفتيها ترتجفان، لكن عيناها ثبتتا في عينيه، رغم كل الرعب.
سيروس (يتابع، بنفس الهدوء): "ستكرهينني قليلاً بعد اليوم… هذا متوقع، ولكن عندما تكبرين… ستفهمين كل شيء…”
سحب يده ببطء، ثم أكمل سيره نحو الممر الطويل المؤدي إلى العرش مجدداً، تاركاً خلفه ابناءه الذين لم يعرفوا شيء عنه حقاً. رفعت سيلينا يدها ولمست موضع كفه على رأسها، وكأنها تحاول فهم ما قاله… وما فعله.
آرثر (يهمس لنفسه): "ما أنت؟!"
في تلك الليلة… كان آرثر لا يزال مستيقظاً وهو في غرفته، واقفاً أمام مرآة طويلة وهو يحدّق في صورته،
عينيه الزرقاوين فقدتا البريق الوقح المعتاد… واستبدلهما بشيء أكثر تعقيداً، وأكثر… خوفاً.
آرثر (بهمس لنفسه): "لقد قتلهم… بيده فقط… دون سيف، وبدون تردد.”
اقترب أكثر من المرآة، وبدأ يحدّق في وجهه.
آرثر: "إنه… ليس إنساناً.”
ثم صرخ فجأة، وضرب المرآة بقبضته!
“كرااااااش!!”
تحطمت الزجاجة، وسقطت الشظايا على الأرض، ولكنه لم يهتم، جلس على الأرض بصمت والدم يسيل من قبضته. ثم نهض ببطء من على الأرض، أخذ نفساً عميقاً… وخرج من غرفته، كانت الممرات الملكية في هذا الوقت من الليل شبه خالية، وتضيئها أضواء الشموع فقط، تابع المسير حتى وصل إلى ممر الصور، وهو ممر طويل تعلوه لوحات ضخمة لأفراد السلالة الملكية من آل اليوكاجي. توقف أمام إحدى اللوحات الكبيرة… كانت لرجل وسيم في الثلاثينات من عمره، ذو شعر أحمر يشبه شعر كين، وعينين زرقاوتين لامعتين تماماً كعيني آرثر.
آرثر (يهمس): “إنه جدي، الملك جيرو الثاني…"
اقترب أكثر من الصورة، ثم رفع يده ووضعها على وجه جده، وكأنّه يقارن عينيه بعيني جده.
آرثر: "كنت أعتقد بأنني ورثت كل شيء من أبي… لكن يبدو أنني ورثت شيئاً منك.”
آرثر (بصوت خافت وهو يتسائل): "هل كنت قاسياً مثله؟ أم أنك… كنت إنساناً؟”
حدق آرثر في اللوحة لثوانٍ، ثم تابع سيره حتى وصل إلى الباب الجانبي المؤدي إلى الحديقة الخلفية للقصر، فتح الباب بهدوء وشعر بالهواء البارد وهو يعبث بشعره القصير، كان الصمت يعمّ المكان، أمسك بقبضته المصابة، ثم جلس على سور رخامي منخفض، وحدّق في السماء.
آرثر (يتمتم): "لقد قتلهم كأنهم… لا شيء. وأنا… لم أستطع حتى أن أرفع سيفي…”
وفجأة…
“طراخ!”
دوى صوت ارتطام خافت من بعيد، نهض آرثر فوراً وهو يستدير نحو مصدر الصوت.
ثم…
“بـانغ!!”
طلقة نارية انطلقت نحوه! اندفع آرثر إلى الخلف وانزلق خلف أحد الأعمدة الحجرية، والرصاصة اصطدمت بجدار القصر خلفه!
آرثر (بصوت منخفض): "جندي…؟ لا… إنه ليس من عندنا!”
خرج من الظلال رجل مقنّع يرتدي زِيّاً داكنًا وأحذية قتالية، يحمل مسدساً من الطراز الفالوري المتطور، كانت ملامحه غير واضحة، لكن أسلوبه في التقدم والتصويب كان احترافياً للغاية.
الجندي الغامض (ببرود): "وأخيراً، وجدت الطُعم الملكي… ابن سيروس نفسه.”
آرثر (بغطرسة وتحدي): "يا لك من غبي… هل تظن بأنني سأكون هدفاً سهلاً؟”
الجندي لم يرد، بل رفع سلاحه مجدداً وأطلق رصاصة أخرى! الرصاصة الثانية انطلقت بسرعة البرق نحو آرثر، ولكنه رفع يده فوراً.
آرثر: "فاكن النار… استجب لي!!”
“فوووووووش!!”
انفجر لهبٌ ناري أمام جسده، وبدأ يحرق الرصاصات ويذوبها في ثانية واحدة، تراجع الجندي خطوة وهو يغيّر زاوية التصويب، ولكن آرثر لم يتراجع هذه المرة… بل اندفع للأمام! أطلق لهباً من قدميه وارتفع بسرعة قصيرة نحو العدو، والنار اشتعلت في ذراعه اليمنى.
آرثر (يصرخ): "احترق!!!”
“كراااااااش!!”
اندفعت موجة نارية حادة نحو الجندي، ولكنه انقلب في الهواء وتفاداها ببراعة، ثم أطلق طلقتين متتاليتين! الرصاصة الأولى مرت بجانب كتف آرثر، لكنه تجاهلها، واستعد للهجوم مجدداً… لكن الرصاصة الثانية…
“بــانغ!!”
اخترقت جسده! وفي لحظة، تجمّد جسده بالكامل، النيران التي كانت في كفه قد تلاشت، وعيناه اتسعتا، والرصاصة دخلت في مكان بين صدره وكتفه، وبدأ الدم يسيل ببطء على لباسه الرسمي الفاخر، ركع على ركبته وهو يضغط على الجرح بقوة، ولكنه لم يسقط.
الجندي الغامض (وهو يوجّه المسدس نحو آرثر مجدداً): "لست ميتاً بعد؟”
آرثر (بصوت منخفض، وعيناه تشتعلان): "ابن سيروس لا يموت… بهذه السهولة.”
نهض آرثر بسرعة مذهلة رغم الجرح، وقبضته اشتعلت بالنار من جديد.
آرثر (يصرخ بقوة): "لن تسقطني الآن!!”
“فووووووووووووووش!!!”
أطلق آرثر سلسلة من الانفجارات النارية نحو العدو، لهبٌ متفجر اتخذ شكل مخالب متطايرة، ضربت الجدران والأرض المحيطة بالجندي، مما أجبره على التراجع والاختباء مؤقتاً. لكن نيران آرثر كانت فوضوية… التحكم ضعيف، والحرارة زائدة، والضربات مبعثرة، لم يكن قد أتقن القتال، خاصة في وضعٍ كهذا.
الجندي (من خلف الدخان، بنبرة باردة): "قوة كبيرة… ولكنها بلا عقل.”
ثم…
“بانغ!”
رصاصة أخرى انطلقت من وسط الدخان، اخترقت فخذ آرثر!
“آآااه!!”
صرخة قوية خرجت من حلقه هذه المرة، لم يكن قادراً على الوقوف… وقع أرضاً وهو يلهث، الدم يسيل من ساقه ومن كتفه، وكان صدره يرتفع ويهبط بعنف! اقترب الجندي منه خطواته هادئة، وبندقيته موجهة إلى رأس آرثر مباشرة.
الجندي: "انتهت اللعبة… يا طُعم الملوك.”
رفع إصبعه على الزناد… ثم فجأة…
“بووووووووووووووووم!!!”
انفجار ناري ضخم اجتاح الحديقة الخلفية! الأشجار اهتزت، الأرض ارتجفت، والجندي قذف إلى الوراء بقوةٍ عنيفة جداً! في لحظة… أصبح الجندي وآرثر محاصران بداخل دائرة نارية، فقفز بداخلها سيروس!مشى بهدوء وسط الدخان والنار، عيناه الحادتان تتوهجان في الظلام، ومعطفه الطويل يتطاير خلفه مع اللهب.
سيروس (بصوت هادئ لكن ثقيل): "كنت أراقبك منذ أول رصاصة… وكنت أنتظر.”
الجندي (ينهض بصعوبة، جسده نصف محترق): "أنت… الملك سيروس؟! هذا مستحيل…"
سيروس (يتوقف على بعد خطوات): "من يقترب من ابني… دون إذني، لا يُغادر حياً.”
رفع يده، ومن راحته خرجت نيران سوداء خالصة، ملتفة مثل الثعابين، تتحرك ببطء نحو الجندي.
الجندي (يرتجف): "مستحيل… هذه ليست نيران بشرية!!”
“فشششششش!!”
في لحظة، ابتلع اللهب جسد الجندي بالكامل! لم تُسمع صرخة واحدة، فقط صوت الاحتراق العميق… حتى اختفى كل شيء، ولم يتبقَ منه سوى رماد يتساقط ببطء.
سيروس بقي واقفاً وسط الدائرة النارية، والشرر المتطاير ينعكس في عينيه الرماديتين، الأرض تحته لا تزال مشتعلة، لكنه تقدم نحو آرثر بخطوات ثابتة، واللهب يفسح له الطريق كما لو أنه يأتمر بأمره. آرثر كان ملقى على الأرض، الدم يتسرب من كتفه وفخذه، يتنفس بصعوبة، نظراته لا تزال مصدومة… لم يكن يعرف إن كان يشعر بالخوف من الألم، أم من الرجل الذي أمامه.
سيروس (ينظر إليه دون أن يغيّر نبرته): "نهضت رغم الإصابة… جيد، ولكنك ما زلت غبياً.”
توقف عنده، ثم انحنى قليلاً ونظر مباشرة إلى عينيه.
سيروس (بصوت أقوى، وهو يرفع رأسه): "أليكســــــاندر!!!”
دوى صوته كسوطٍ ناري، وفي ثوانٍ، سُمِع صوت خطوات سريعة تقترب من الحديقة. فتح أليكساندر البوابة الخلفية وركض نحو الدائرة النارية التي بدأت نيرانها تنطفأ بتحكم من سيروس، ثم وقف بجانب الملك فوراً، يراقب الموقف بعينين حادتين.
أليكساندر (بانضباط): "أوامرك، مولاي؟”
سيروس (ينظر إليه دون أن يلتفت):
“أحضر الطبيب فوراً… ثم اجعل الخدم ينظفون هذه الحديقة من الدم، والجدران من الرصاص، والأشجار من الرماد.”
أليكساندر (ينحني): "حالاً.”
استدار اليسكاندر بسرعة وركض نحو البوابة مجدداً، أما سيروس فبقي واقفاً فوق آرثر.
سيروس (بنبرة منخفضة): هذه هي المرة الأولى… التي تذوق فيها طعم الموت الحقيقي، إذا لم تتعلم منها… فلن تكون هناك مرة ثانية.”
بينما كان أليكساندر يهرع بالعودة، ومعه الطبيب الملكي وأحد المساعدين يحملان سريراً طبياً متنقلًا بعجلات معدنية، كان سيروس قد بقي بجانب آرثر… واقفاً بصمت. وبعد لحظات، ركع الملك أخيراً بكل وقاره وجلاله… ثم مدّ يديه وأحاط جسد آرثر بين ذراعيه القويتين، ورفعه عن الأرض بخفة.
الطبيب (بخوف وارتباك وهو يصل): "مولاي… السرير جاهز!”
لم يردّ عليه سيروس، بل اتجه نحو السرير بنفسه، وسار بخطوات بطيئة ثم وقف أمام السرير، ووضع آرثر الذي كان شبه فاقد للوعي عليه.
سيروس (يتحدث إلى الطبيب بصوت جليدي): "نظف الجرح، أخرج الرصاصتين، لا تستخدم أي مهدئات.”
الطبيب (مذهول): "ولكن يا مولاي، الألم سيكون غير محتمل…”
سيروس (يقاطعه بنبرة صارمة): "سوف يتحمله.”
رمقه الطبيب بنظرة مرتبكة، ثم أومأ برأسه موافقاً، وبدأ بإعداد أدواته، أما سيروس… فبقي واقفاً بجانب السرير وهو يراقب الطبيب، لم ينظر إلى آرثر بعد ذلك، وكأنه يرفض أن يرى الألم في وجهه.
في أروقة القصر المظلمة، كانت العجلات المعدنية للسرير الطبي تصدر صوتاً وهي تتحرك فوق الأرضية الرخامية الباردة. أليكساندر يسير إلى جانب الطبيب، فيما كان سيروس يسير خلفهم بصمت مهيب، وملامحه كأنها منحوتة من الجليد.
دخلوا إلى عيادة القصر، وكانت غرفة معقمة بأرضية رمادية وجدران بيضاء، ممتلئة بالخزائن المعدنية، وأجهزة طبية حديثة، وأضواء ساطعة. تمدد آرثر على سرير الفحص الرئيسي، جسده مثقّل بالجروح، وجهه شاحب ويداه لا تزالان ترتجفان، لكن عينيه الزرقاوين بقيتا مفتوحتين، مشبعتين بالخوف والذهول.
الطبيب (يرتدي قفازاته، يحدق به بقلق): "سنبدأ الآن… بدون مهدئ.”
آرثر (يهمس بضعف وهو يحاول التماسك): "افعلها… فقط افعلها…”
أليكساندر يكتفي بالصمت، ويداه خلف ظهره، يراقب الطبيب يستخرج الأدوات المعدنية الدقيقة، فيما بقي سيروس عند الباب… لم يدخل، بل وقف متكتفاً، وعيناه متسمرتان على الجدار أمامه.
ثم بدأ الألم.
“آآآااااااااه!!”
صرخة مدوية شقّت الصمت… كانت صرخة آرثر، ليست تلك الصرخة المعتادة من طفل مدلّل، بل صرخة عميقة… موجعة.
“كراااه!! آآآااه!!”
توالت الصرخات، مرة بعد مرة… كلما غاص الملقط داخل الجرح، كلما خرجت دمعة من زاوية عينه رغماً عنه. أظافره حفرت في حواف السرير، وعضّ على شفته حتى سال منها الدم.
الطبيب (يحاول التماسك، يتحدث أثناء عمله): "الرصاصة الأولى… خرجت… الثانية أعمق، قريبة من العصب.”
آرثر (يصرخ): "افعلهاااا!!! لا تتوقــــف!!”
خارج الغرفة… لم يتحرّك سيروس، فقط ظل واقفاً، يحدّق في الباب المغلق، وعيناه الرماديتان لا ترمشان. كل صرخة كانت تصل إليه بدون أن تُحدث أي تغير في ملامحه. في الداخل… ارتجف جسد آرثر للمرة الأخيرة، حين انتزع الطبيب الرصاصة الثانية.
الطبيب (بهمس مرتاح): "تمت… لقد انتهى الأمر بنجاح، إنه بخير الآن.”
آرثر لم يقل شيئًا، عيناه نصف مغلقتين، وجسده غارق بالعرق والدم, تنفّس ببطء… ثم أغلق عينيه أخيراً، فاقداً للوعي.
يتبع…