في أعماق الليل، كانت سيلينا نائمة في جناحها الملكي، شعرها الأحمر منسدل على الوسادة، ووجهها الصغير هادئ ومستغرق في النوم.
“طرررررررق!!”
فتح الباب فجأة، ودخل أحد الخدم وهو يلهث، وجهه شاحب، وعيناه تهتزّان برعب.
الخادم (بصوت منخفض وهو يركع): “آنسة سيلينا… سمو الأمير آرثر… تعرّض للهجوم وإطلاق النار! لقد أُصيب… والملك بنفسه تدخّل لإنقاذه!”
فتحت سيلينا عينيها ببطء… ثم دفعت الغطاء عنها ونهضت فجأة من السرير دون أن تقول كلمة، ركضت نحو الخادم.
سيلينا (اتسعت عيناها وقالت بتوتر): “أخي آرثر… هل هو حي؟! هل رأيته؟!”
الخادم (ينظر للأرض): “الأطباء يعالجونه الآن… لقد نزف كثيراً يا آنسة…”
لم تنتظر أن تسمع أكثر، فتحت الباب وخرجت حافية القدمين، ترتدي فقط ثوب النوم المخملي أزرق اللون، وركضت في الممرات بأقصى سرعتها. بدأ تتذكر وجه آرثر وهو يبتسم في الحديقة، ثم وجهه وهو يسخر من كل شيء في الحفلة، وبعدها بدأت تتخيل صورة وهمية له وهو ملقى على الأرض… مع الدماء. عند باب العيادة الملكية، أوقفها أحد المساعدين.
الحارس (يركع): “آ… آنسة سيلينا، الطبيب في الداخل الآن، والملك أمر—”
سيلينا (مقاطعة، بصوت حاد غير معتاد منها): “أنا لا أحتاج إذناً لرؤية أخي.”
دفعت الباب بكلتا يديها.
“دووووووم!!”
فتحت الباب لتجد الغرفة مضاءة بضوء أبيض ساطع، والأرضية مليئة بآثار الدم… كان آرثر ممدداً على السرير، جسده نصف عارٍ، ملفوف بضمادات سميكة، وجهه شاحب كالأموات، شعره الأحمر ملتصق بجبينه المتعرق… لكنه لا يتحرك. توقفت سيلينا عند الباب ونظرت إليه، وكأن عينيها لا تصدّقان ما تراه، بدأت تتقدم ببطء… خطواتها كانت ترتجف.
سيلينا (تهمس): “أيها الأحمق… كيف تجرؤ على أن تموت دون إذني؟”
اقتربت أكثر حتى أصبحت بجانبه، حدقت فيه للحظات ثم مدت يدها وأمسكت بيده الدافئة…أغمضت عينيها للحظة، وهي تحاول أن تمنع الدمعة من السقوط… ولكنها سقطت.
سيلينا (بصوت خافت ومكسور): “كنتَ دائماً تتصرف بغرور… تصرخ، تستعرض، تظن بأنك لا تُقهر، وكنتُ دائماً… أكرهك لذلك.”
وضعت كفها على صدره، مكان الجرح المغطى.
سيلينا: “لكنني… أيضاً كنت أحبك. أحبك رغم كل شيء، رغم غبائك، رغم جنونك، رغم كلماتك التي تجرحني كل يوم.”
وفجأة… سُمع صوت خافت جداً…
آرثر (يهمس، بالكاد يُسمع): “سيلينا… لا تصرخي…”
رفعت رأسها لتنظر إليه وعيناها مملوءتان بالدموع.
سيلينا: “آرثر؟!”
آرثر (يفتح عينه بصعوبة، يبتسم بضعف): “أنتِ مزعجة… حتى وأنا على سرير الموت.”
تجمدت سيلينا، ثم ضربته بخفة على صدره قرب الجرح، لكنه لم يتألم بل ضحك قليلاً، ثم انقطع عن الكلام من الإرهاق.
سيلينا (بابتسامة صغيرة باكية): “أحمق…”
في صباح اليوم التالي، جلست سيلينا في جناحها الخاص على حافة نافذتها العالية، وعيناها تحدقان في المنظر الخارجي، وفي قلبها دوامة كبيرة. كانت لا تزال تسمع أنفاس آرثر المضطربة من الليلة الماضية… كانت تراه يبتسم رغم الدماء، يعلق بسخريته المعتادة حتى وهو بين الحياة والموت.
سيلينا (تهمس لنفسها): "لماذا لم أكرهه بالكامل؟ ولماذا… لا أستطيع أن أكره أبي أيضاً؟”
نهضت من النافذة وسارت بداخل الغرفة، حتى وصلت إلى الجدار الذي عُلقت عليه صور العائلة المالكة، ثم وقفت أمام صورة كبيرة مؤطرة بإطار ذهبي قديم، مغطاة بقماش رمادي. مدت يدها ببطء… وسحبت القماش.
ظهرت صورة ضخمة لسيروس في سن السادسة عشر تقريباً. كان وجهه أكثر شباباً، ولكنه كان يبدو بنفس الهالة وينظر بنفس النظرة، وكان يقف وهو يرتدي زي الأمير الرسمي.
سيلينا (بهمس، وهي تحدق فيه): "آرثر… يشبهه تماماً.”
اقتربت أكثر من الصورة، رفعت يدها ولمست زجاج الإطار برفق.
سيلينا (تتمتم): "لكن آرثر يصرخ ليُسمع… وأنت صامت دوماً، أيّكما… أكثر خوفاً؟”
جلست أمام الصورة، وسندت رأسها على الحائط.
سيلينا (تفكر): "أبي لم يخبرنا يوماً عن ماضيه… لم يذكر والديه ولم نعرف عنهما شيئاً سوى من الصور… لم يكن يخبرنا سوى عن حكايات عن القتل… والنار… والدم.”
سكتت قليلاً، ثم نظرت إلى عيني سيروس في الصورة.
سيلينا (تحدّثه): "لكن لا أحد يولد وحشاً، أليس كذلك؟ لهذا… سأعرف كل شيء، وإن كنت الوحيدة التي تريد الحقيقة… سأحفر في الرماد حتى أجدها.”
وبينما كانت تستعد للخروج، نظرت مرة أخيرة إلى الصورة.
سيلينا (بهمس): "من أنت يا أبي… قبل أن تصبح ملك النار؟”
خرجت سيلينا من جناحها الملكي، ووجهها لا يزال يحمل آثار التفكير العميق. سارت في الممرات بصمت حتى وصلت إلى الساحة الخارجية للقصر، حيث كانت الأشجار الصنوبرية تصطف بانضباط، والزهور الحمراء تملأ الأحواض الحجرية، توقفت فجأة، ثم نظرت إلى شخص ما كان يقف عند إحدى النوافير، كان مجرد رجل عجوز جالس على كرسي خشبي بسيط، ظهره منحنٍ قليلاً، ويداه ترتجفان وهو ينظف آنية زهرية صغيرة، كان اسمه هو جوليان .
رأسه الأصلع يلمع تحت شمس الصباح، وبقايا شعره البيضاء تلتف خلف أذنيه، وجهه مليء بالتجاعيد، لكنه لم يكن وجه ضعف… بل وجه رجل شهد ممالك تنهار، وأمراء يولدون، وملوكاً يتحولون إلى أساطير ، عيناه كانتا ذهبيتين شاحبتين .
سيلينا (بهمس): " مرحباً جوليان…”
اقتربت بخطوات خفيفة، حتى وقفت أمامه.
جوليان (يرفع رأسه ببطء، يبتسم بلطف متعب): "آه… آنسة سيلينا، لم أتوقع أن أراكِ في هذا الوقت من الصباح.”
سيلينا (تنظر إلى عينيه): "كنت أبحث عنك.”
جوليان (يمسح يديه من التراب، ثم يشير إلى المقعد المقابل): "اجلسي…”
جلست سيلينا بصمت، وعيناها لا تفارقان وجهه.
سيلينا (بصوت منخفض): "كنتَ موجوداً… حين وُلد أبي، أليس كذلك؟”
جوليان (يبتسم، ثم يحدق في النافورة): "صحيح، كنت أول من حمله بعد والدته… يداه كانتا دافئتين حينها، لا تعرف النار بعد.”
سيلينا (بهمس، كأنها تخشى الإجابة): "هل… كان شخصاً مختلفاً؟”
جوليان لم يجب فوراً، بل ظل صامتاً للحظة، ثم تنهد تنهيدة عميقة… وكأنه يسحب من صدره سبعين عاماً من الذكريات.
جوليان: "الملك سيروس… كان أجمل طفل رأيته في حياتي، عينيه الرماديتان… لم تكونا باردتين كما ترينهما اليوم، بل كانتا فضوليتين، حالمتين… تماماً مثلكِ.”
سيلينا (بهمسٍ يائس): "لكن ما الذي… غيّره؟ كيف أصبح كما هو الآن؟ قاتل بلا مشاعر… ملك لا يعرف الرحمة؟”
جوليان (ينظر إليها نظرة طويلة، ثم يشيح بوجهه نحو السماء): "يا صغيرتي… لو كنت أعرف السبب، لكنت أول من أوقفه، لكنه لم يُخبر أحداً يوماً… لم يشتكِ، ولم يبكِ… فقط تغيّر فجأة.”
سيلينا: "لا يمكن أن يكون الأمر بلا سبب! لا أحد يولد هكذا… لا أحد يُصبح وحشاً من فراغ!”
جوليان (بصوت مبحوح، وهو ينهض ببطء من كرسيه): "أنتِ محقة… ولهذا سأخبرك بما أعرفه على الرغم من أنه قليل… حين وُلد والدك… كان ذلك يوماً عظيماً في مملكة كاجي، أتذكره جيداً وكأنّه حدث البارحة.”
سيلينا (بفضول يتصاعد): "أكمل.”
جوليان (يضحك بخفة، ثم يغمض عينيه مستعيداً الذكرى): "كان أجمل طفل حملته ذراعاي، بشرته كانت ناعمة كالحرير، وشعره الأحمر مشتعل منذ ولادته، والملكة تشارلوت… آه، لقد بكت من السعادة حين رأته.”
[فلاشباك – قصر كاجي، منذ أربعين عاماً]
كانت قاعة الولادة مزينة بالزهور البيضاء والعطور الملكية تفوح في المكان، يظهر هناك الملك جيرو بملامحه الشاب الجميلة، كان يحمل طفله الأول بين ذراعيه، بجانبه، الملكة تشارلوت مستلقية على سريرتها وهي تبتسم بحنان.
جيرو (يهمس وهو ينظر إلى الطفل): "سنسميه… سيروس، تيمناً بالنار المقدسة التي تحمي سلالة اليوكاجي.”
تشارلوت (تغمض عينيها، تبتسم): "ليكن… أول أمير من نيراننا، لكنه سيكون أدفأ مما كنا نحن… أتمنى أن يكون له قلباً يعرف الرحمة.”
كان الخدم يهمسون مبتهجين، وجوليان في ذلك الحين كان خادماً شاباً في الثلاثينات من عمره، شعره بني داكن ومموج قليلاً، كان يقف قرب الباب، ويضع يده على صدره فخوراً.
جوليان (بصوت داخلي): "لقد بدأ عهد جديد.”
[عودة إلى الحاضر – مع سيلينا وجوليان في الحديقة]
سيلينا (تبتسم قليلاً): "لم أتخيله أبداً طفلاً محبوباً.”
جوليان (يهز رأسه): "كان محبوباً من الجميع، كان خجول قليلاً ولكنه ذكي، كان يركض في الممرات ويختبئ خلف الستائر حين يخاف من الغرباء، وأنا كنت دائماً من يلحقه.”
سيلينا: "ومتى وُلد عمي أكاكو؟”
جوليان (ينظر نحو السماء وكأنه يعد السنوات): "بعد ثلاث سنوات، وتلته الأميرة أميسا بعد سنتين. كان الأمير الصغير يحب أخاه أكاكو كثيراً… كنت أراهم يلعبون في الحديقة كل صباح، يركضون تحت الأشجار، ويتقاسمون الحلوى… وكان يحمل أميسا بين ذراعيه وكأنها كنزه الصغير.”
[فلاشباك – قصر كاجي، الحدائق الملكية – بعد ست سنوات من ولادة سيروس]
أصوات ضحك الأطفال تملأ المكان، كان سيروس بعمر ال ست سنوات ، يركض خلف أكاكو الصغير الذي كان بالكاد يستطيع الركض بسرعة، ويضحك بصوت عالٍ.
سيروس (يصرخ بمرح): "أمسكتك! الآن أنت الوحش وأنا البطل!”
أكاكو (يضحك): "لا! لا! أكاكو ليس وحش!”
كانت الملكة تشارلوت تجلس على مقعد حجري في ظل شجرة كرز، تراقب المشهد بابتسامة فخورة،
وبجانبها كان جوليان يحمل أميسا الصغيرة برفق.
[انتقال سريع في الزمن – بعد سنة واحدة فقط]
سيروس الآن بعمر السابعة. تغيرت ملامحه قليلاً… لم يعد يبتسم كثيراً، نظراته أصبحت حادة، عينيه الرماديتان فقدتا بريق البراءة، وصوته لم يعد رقيقاً كالسابق. في أحد الأيام، كان أكاكو يحاول إعطاءه وردة صغيرة قطفها بنفسه من الحديقة.
أكاكو (بابتسامة بريئة): "هذه لك، سِيرو…"
سيروس (ينظر إليه ببرود، ثم يضرب الوردة من يده): "توقف عن التصرف كالأطفال! الورود لا تنفع بشيء، إنها تموت!”
أكاكو (ينظر إليه بعيون دامعة): "لكن… أنا فقط أردت…"
سيروس (يصرخ فجأة ثم يصفعه): "اصمت! أنت غبي!”
سقط أكاكو على الأرض وبدأ يبكي من قوة الصفعة.
[في إحدى الغرف – ذات مساء]
كانت أميسا تبكي بصوت منخفض، والخادمة تحاول تهدئتها، كان جوليان يسير في الممر، بينما يلتقي بأحد الخدم المرتبكين.
الخادم (بهمس): " لقد ضرب الأميرة الصغيرة… فقط لأنها طلبت منه أن يقرأ معها قصة.”
جوليان (يحدق بدهشة وقلق): "ماذا؟… هذا ليس سيروس الذي نعرفه.”
[عودة إلى الحاضر – الحديقة مع سيلينا]
سيلينا (تحدق في الأرض بصدمة): "تغيّر في عمر السابعة؟ بهذه السرعة؟”
جوليان (ينظر إليها بجدية): "وكأن الظلام سكنه في ليلةٍ واحدة… ولم يغادره بعدها أبداً، لا أحد عرف السبب… لا الملك، ولا الملكة، ولا حتى أنا. لم يُصَب بالحمّى، ولم يمرّ بحادث… فقط استيقظ ذات يوم… ولم يعد نفسه.”
سيلينا (بهمس): "وماذا فعلوا؟”
جوليان (بنبرة ثقيلة): "حاولوا بشتّى الطرق… الملكة بكت كثيراً، والملك حاول تعليمه بالحكمة، لكنه رفض الجميع. بدأ ينسحب من العائلة، من اللعب، من الأحضان، صار يكره أخويه فجأة… وكأنهم أعداؤه، وكان يفعل كل ذلك بجدية وهو يستوعب ما يفعله. في البداية… لم يكن الأمر واضحاً، لم نكن نتخيل أن الطفل الذي كان يضحك كل صباح، يمكن أن يصبح… شيئاً آخر.”
سيلينا (تهمس): "تقصد… التغيّر كان بطيئاً؟”
جوليان (يغمض عينيه وهو يتذكر): "تدريجي… نعم. بدأ الأمر بنوبات غضب قصيرة، يصرخ فجأة، أو يرمي الأشياء إن خالفه أحد، ثم بدأ يضرب الخدم، ويكسر كل شيء أمامه، وأحياناً كان يضحك وهو يفعل ذلك.”
[فلاشباك – أحد ممرات قصر كاجي في منتصف الليل]
كان سيروس بعمر الثامنة، يقف في ممر مظلم، وعيناه تحدقان في بقعة على الحائط، كان أحد الخدم ملقى على الأرض خلفه وهو يئنّ من الألم، ويداه محترقتان.
الخادمة (تصيح بفزع وهي تركض نحو جوليان): "الأمير! لقد… لقد أحرق يدي الخادم! فقط لأنه… لم يفتح له الباب بسرعة!”
جوليان (يهرع إلى سيروس): "سيدي الصغير، ماذا فعلت؟!”
سيروس (ببرود دون أن يلتفت): "كان بطيئاً… والنار أسرع.”
[فلاشباك – ساحة التدريب الملكية، سيروس في الثامنة من عمره]
تجمّع الخدم والجنود لمشاهدة العرض الأول لقوة الأمير، كان سيروس يقف في منتصف الساحة بعينين جامدتين، ويده مرفوعة.
المدرب (بحذر): "سيدي… فقط حاول أن تُشعل شرارة بسيطة… لا أكثر.”
سيروس (دون أن يرد، يرفع إصبعه ويقول بهدوء): "إنهم يريدون ناراً؟ سأعطيهم شيئاً لا يُنسى.”
“فششششششش!!!”
اندلع اللهب الأسود من راحته بشكل انفجاري، دائرة من النار المظلمة التهمت الحلبة، وأحرقت التربة، وانكمش الجنود وتراجعوا.
أحد الحراس (يصرخ): "تراجعوا! إنها ليست ناراً عادية!!”
المدرب (مذعور): "توقف يا سيدي الصغير! ستقتل أحدهم!!”
سيروس (ببرود): "ومن قال إن هذا مهم؟”
ثم أطلق كرة نارية هائلة نحو الحائط، فدمّر جزءاً من الجدار الخارجي!
[عودة إلى الحاضر]
جوليان (يخفض رأسه، وكأن الذكرى لا تزال تؤلمه): "لم أكن قد رأيت ناراً بذلك السواد من قبل في حياتي، كانت قوته تفوق والده وهو في الثامنة من عمره حتى! وكأن اللعب بالنار مجرد موهبة قد مُنحت له دون جهد أو تدريب يذكر."
سيلينا (تسأل بصوت خافت، وكأنها تخشى سماع الإجابة): " وماذا عن جدي… الملك جيرو؟ وجدتي تشارلوت؟ ما الذي حدث لهما؟ لم يخبرني أحد قط… فقط عرفت أنهما… ماتا.”
جوليان (يصمت، ثم يُغمض عينيه، وصوته يصبح أعمق وأكثر وجعاً): "لم يموتا… قُتلا، يا آنستي. وبيد من؟ بيد ابنهما، الملك الحالي… سيروس.”
سيلينا (تتراجع في مقعدها، تتسع عيناها ببطء): "مـ… ماذا؟!”
جوليان (ينظر إلى الأرض، وكأن الذكرى تسحبه من الواقع):
“حدث ذلك في ليلة واحدة… كان في السادسة عشرة من عمره فقط، لم يكن أحد يتوقع ذلك، حتى والده نفسه.”
[فلاشباك – قاعة العرش، قصر كاجي – قبل 24 عاماً]
كانت الليلة هادئة، والقصر شبه نائم، حتى دخل سيروس إلى قاعة العرش مرتدياً زيه الرسمي الراقي، وشعره الأحمر يتطاير بخفة، وعيونه الرمادية تلمع في الظلام.
الملك جيرو كان جالساً على عرشه وهو يوقع على بعض الأوراق، بينما كان جوليان يكنس الأرضية.
جيرو (بابتسامة هادئة): "غريب… لماذا أنت مستيقظ في مثل هذا الوقت، سيروس.”
سيروس (يتقدم بخطوات بطيئة): "أردت أن أُريك شيئاً… يا أبي.”
جيرو (يرفع حاجبه): "وما هو؟"
أخرج سيروس من وراءه سلاحاً غريب الشكل ، كان السلاح نحيفًا وطويلاً ، بلون أحمر قاتم يكاد يشتعل ، نصله يشبه لهيباً متجمداً ، حاد الأطراف، تتخلله فراغات تشبه فم تنين مفتوح، له نهاية مسننة غير متماثلة ، ومقبضه مائل قليلاً.
جيرو (ينهض من العرش ببطء، وجهه أصبح جاداً): "سيروس… من أين أحضرت هذا السلاح؟! ألقه على الأرض فوراً!”
سيروس (بصوت خافت يشبه الهمس): "هذا السلاح… ليس من هذه المملكة، تماماً كما لم أعد أنا من مملكتك.”
جيرو (يشد قبضته على مقبض سيفه الملكي، ثم يخرجه ببطء): "كنت أعلم أن قلبك تغيّر… لكني لم أتخيل أن يصل بك الأمر إلى هذا الحد. أحقاً أصبحت عديم مشاعر لدرجة بأنك ستقتل والدك وأنت تنظر إلى عينيه مباشرة؟!”
سيروس (بابتسامة باردة لا تهتز): "المشاعر هي قيود… وأنت ربطتني بها لسنوات، يا أبي.”
جيرو (يخفض رأسه للحظة، ثم يرفع عينيه بنظرة حزينة): "إذاً… لقد فقدتكَ تماماً.”
سيروس (يتقدم خطوة، وصوت حذائه يتردد في القاعة الهادئة): "بل وجدتُ نفسي… الحقيقة فقط كانت مدفونة تحت أوهامك.”
جيرو (يرفع سيفه الملكي، نبرته حزينة ولكن حادة): "لن أسمح لك… بإحراق هذا العرش، ليس وأنا حي!"
سيروس (يرفع سلاحه الناري، ويشير به نحو جيرو): "إذاً… فالتمت.”
دووووووم!!!
انفجر اللهب من قدمي سيروس ، واندفع نحو والده بسرعة خارقة، جيرو تصدى للهجوم الأول بالسيف، وبعدها توالت الضربات!
كلااااااانغ!
تشاااااااك!
دووووم!
توالت شرارات النار، وكل ضربة من سيروس كانت تحمل في داخلها قوة انفجار ، حتى أن الأعمدة حولهم بدأت تهتز، لكن جيرو صمد . لقد كان ملكاً، وقائداً، ومقاتلاً شجاعاً… حتى أمام ابنه الذي كان أقوى منه.
جيرو (يتصبب عرقاً، وهو يصرخ): "هذه…. هذه ليست نيران اليوكاجي التي نعرفها!!”
سيروس (بصوت كأنما يخرج من أعماق الجحيم): "أبي، أنا لست مثلكم أبداً، فأنا هو فخر وقوة اليوكاجي الحقيقية!"
وفي لحظة حاسمة، قام سيروس بهجمة سريعة، حيث قفز قفزة طويلة، ثم هبط بسرعة وسدد ضربة بسلاحه الغريب نحو قلب جيرو.
جيرو (يحاول التصدّي): "أوووووووووغغ!"
كراااااااااااااااااااااااااااك!!!!
السلاح اخترق صدره بحدة وحرارة شديدة، و جيرو شهق بصوت خافت، ثم سقط على ركبتيه.
جوليان (يركض نحوه، يصرخ): "جلالتك!!! لاااا!!!”
جيرو (بصوت متهدج، يهمس): "ابني… كنت أعتقد بأن ستكون ناراً تُدفئنا… لا ناراً تحرقنا…”
ثم سقط كجثة هامدة وارتطم رأسه بأرض القاعة .
جوليان (يركع بجانب الملك، الدموع في عينيه): "لقد مات… على يد ابنه.”
سيروس (يدير ظهره، ويتجه نحو العرش): "بل مات… على يد من يستحق العرش أكثر منه.”
وقف سيروس أمام العرش… حدق فيه للحظة… ثم جلس بكل برود.
[عودة إلى الحاضر – الحديقة الملكية]
سيلينا (تغطي فمها بيدها، جسدها يرتجف): "لا… لا يمكن…”
جوليان (بصوت متهدج): "قتل والدته بعد دقائق قليلة… في جناحها الخاص، ولكنني لم أكن هناك، بل تم سجني على يد سيروس فوراً في إحدى زنزانات القصر، ثم أقام لهما جنازة بكل برود وغطرسة!”
سيلينا (بصوت مكسور، تكاد تبكي): "كل هذا ولم يعارضه أحد؟! أين كانوا بقية القادة؟ الجيش؟ العائلة؟!”
جوليان (ينظر بعيداً، عينيه تدمعان): "كل من فتح فمه… احترق.”
سيلينا (بصوت مرتجف، ولكن يزداد ثباتها مع كل كلمة): "لقد نشأت وأنا أعتقد أنه مجرد ملك صارم… لكن الحقيقة هي أنني… ابنة قاتلٍ حقيقي بدمٍ بارد.”
جوليان (يضع يده المرتجفة على يدها): "لكنّك لست هو، آنستي… ولم تكوني يوماً، وما دمتِ قادرة على البكاء على من تُحبين… فأنتِ لستِ مثله.”
أرخت سيلينا رأسها فجأة، ورفعت يديها لتغطي وجهها، وانهمرت الدموع الصامتة من عينيها الرماديتين. لم تصرخ، لم تنهار… لكنها بكت ، كما يبكي أولئك الذين لا يعرفون لمن يوجّهون ألمهم.
سيلينا (وهي تبكي وتشهق): "لماذا يا أبي…؟ لماذا فعلت كل هذا؟"
اقترب منها جوليان ببطء، ثم مدّ يده المرتجفة ووضعها بلطف على كتفها.
جوليان: "حتى أكثر القلوب قسوة… تبدأ بنبضة دافئة، يا صغيرتي، لا أحد يولد شيطاناً.”
ثم فتح ذراعيه واقترب منها أكثر، فانهارت سيلينا على صدره، لم تصدر منها سوى شهقات متقطعة، ودفنت وجهها في عباءته القديمة المليئة برائحة العشب والتراب، عانقها جوليان كما لو كان يحضن طفلة فقدت بيتها.
جوليان (يهمس وهو يربت على رأسها): "أنا آسف… لأنك ترثين هذا الإرث الثقيل… آسف لأنني لم أفعل شيئاً حين كان يجب أن أتكلم.”
سيلينا (وهي تشهق بين البكاء): "هل… سأصبح مثله؟”
جوليان (بصوت صارم ولطيف في آن واحد): "أنتِ لستِ هو… ولا يجب أن تكوني، أنتِ الضوء الأخير المتبقي من تشارلوت… من الملكة التي حلمت أن تنجب أبناءً يعرفون الرحمة.”
ارتجفت شفتا سيلينا ، لكنها أومأت ببطء، ثم ابتعدت عن حضنه قليلاً ومسحت دموعها بأكمامها، بعد لحظات، غادرت المكان واتجهت إلى القصر مجدداً ، بدأت تسير في الممرات ووجهها شاحب مبلل بآثار الدموع، وعيناها الرماديتان شبه مطفأتين، كأن شيئاً بداخلها كُسر ولن يعود كما كان.
كانت تسير بصمت وسط الرواق الهادئ، فيما بدأت العيون تتجه نحوها … الخدم الذين كانوا ينظفون الأرضيات، الحراس، الجميع لاحظ ملامحها الغريبة، ودموعها التي لم تجف بعد.
خادمة شابة (بقلق حذر): "آنسة سيلينا… هل كل شيء بخير؟ وجهكِ… يبدو…"
سيلينا (تتابع سيرها وهي تنظر إلى الأرض): "دعوني وشأني.”
كان صوتها منخفضاً… لكنه مشبع بما يكفي من البرود ليجعل الجميع يتراجع خطوة إلى الوراء ، فبدأ الجميع يتبادلون النظرات، لكن سيلينا لم تلتفت لأحد، وأكملت سيرها في الممر الطويل.
يتبع…