بدأت الشمس تشق طريقها بين أغصان الأشجار، تسلل الضوء البرتقالي إلى أرضية الحديقة التي غطتها قطرات مطر الليلة الماضية، الهواء كان منعشاً، والمكان صامت إلا من زقزقة العصافير. في وسط الحديقة، وقف كين الصغير بثبات، يرتدي ملابس بسيطة، وشعره الأحمر يتمايل مع النسيم الصباحي، وجهه جاد، وعيناه الرماديتان مليئتان بالإصرار. ظهر لاود من باب المنزل وهو يحمل في يده سيفاً خشبياً داكناً ، يبدو عليه القدم ولكنه مصقول بعناية.
لاود (بصوت هادئ): "هذا السيف… كان أول ما حملته بيدي حين بدأت طريقي. واليوم… سيبدأ طريقك أنت.”
مد السيف نحو كين.
كين (يتقدم بثبات، يأخذ السيف بكلتا يديه): "شكراً… جدي لاود، لن أخذلك.”
لاود (يبتسم وهو يتراجع للخلف): "لا تهمني الخيبة… ما يهمني هو أن تنهض في كل مرة تسقط فيها.”
وقف كين في منتصف الحديقة، بينما أخذ لاود وضعية تدريبية أمامه.
لاود (بنبرة جادة): "قبل أن تتعلم كيف تضرب… يجب أن تتعلم كيف تثبت ، خذ الوضعية الأساسية… قدمك اليسرى للأمام، اليمنى للخلف، يدك اليسرى تمسك المقبض بقوة… اليمنى تثبت الاتجاه.”
بدأ كين يُطبق ما قاله، كانت حركاته بطيئة ولكن دقيقة.
لاود (يراقبه): "جيد… الآن، اضرب الهواء أمامك بخط مستقيم.”
رفع كين السيف وضرب، لكن الضربة كانت ضعيفة ومترددة.
لاود (بحدة): "لا! لا تضرب وكأنك تتوسل للهواء! اضرب وكأنك تواجه عدواً سلبك كل شيء!”
قبض كين على السيف بقوة، صورة وجه سيروس مرت أمام عينيه، ثم ضرب الهواء مرة أخرى… هذه المرة كانت الضربة أقوى وأسرع، لكنها ما تزال غير مستقرة.
لاود (يمشي حوله): "الغضب نار مفيدة… لكنها إن لم تُضبط، ستحرقك قبل أن تحرق عدوك.”
كين (يهمس بدون أن ينظر إليه): "أنا لا أريد أن أكون غاضباً… أريد أن أكون قاتلاً.”
لاود (يتوقف، ينظر إليه بجدية): "وهل تظن أن القاتل لا يدفع الثمن؟ كل ضربة تحمل شيئاً من روحك… لا تقاتل فقط لتقتل، بل قاتل لأنك تعرف ما الذي يستحق أن يُحمى.”
كين (تسمر في مكانه ثم قال بصوت منخفض): "عائلتي… كانوا يستحقون الحياة.”
لاود: "إذاً تدرّب لأجلهم… لا لتنتقم فقط، بل لتحمي من تبقى.”
نظر كين إلى السيف مرة أخرى، ثم بدأ يكرر الحركات… ضربة بعد ضربة، صوت الخشب يخترق الهواء، وعرق جبينه يتساقط على التراب، استمر التدريب حتى ارتفعت الشمس أكثر.
[في وقت متأخر من نفس اليوم – لاود وكين يجلسان تحت شجرة]
كين (يأكل بهدوء): "هل كنت قوياً في شبابك؟”
لاود (يضحك): "كنت غبياً أكثر من كوني قوياً… لكني تعلّمت من كل من سقط حولي.”
كين: "ولماذا توقفت؟”
لاود (يصمت للحظة، ثم يقول): "لأنني في لحظة ما… قتلت رجلاً لم أكن مضطراً لقتله، حينها فهمت… أن القوة التي لا يقيّدها القلب، ستُحوّلك إلى وحش.”
[صباح جديد في جزيرة أوراكانو - منزل لاود – الحديقة الخلفية]
كان كين يقف في وسط الحديقة، يرتدي قميصاً خفيفاً وسروالاً بسيطاً، ويحمل بيديه سيفه الخشبي المهترئ، خرج لاود من المنزل وهو يرتدي معطفاً رمادياً قديماً، ويمضغ عود قش بين أسنانه.
لاود (يتثاءب): "أوه، نظرة جيدة في عينيك اليوم… بدأت تُشبه الرجال قليلاً، لا طفلًا بكّاء كما كنت في أول يوم.”
كين (بهدوء وعيناه ثابتتان): "أنا مستعد.”
لاود (يبتسم): "حسناً… اليوم، سنتوقف عن ضرب الهواء، ونبدأ بضرب بعضنا.”
كين (يرفع حاجبه): "ماذا؟ أتقصد… قتال حقيقي؟”
لاود: "أجل… أنا وأنت، الآن.”
كين (يشد السيف الخشبي بيده): "أنا لا أريد إيذاءك.”
لاود (باستهزاء): "هاه! يا للرهبة! هل ستؤذيني؟ طفل عمره ثمان سنوات سيهزمني بسيف من خشب المطبخ؟… هيا، أرني ما لديك وإلا سأُرغمك على تنظيف المرحاض بسروالك.”
كين (يأخذ وضعية قتالية): "حسناً، أنت من طلب هذا.”
اندفع كين إلى الأمام بحماس، وضرب من أعلى بقوة، لكن لاود دار بجسده جانباً، ثم ضربه من الخلف على مؤخرة ساقه.
كين (يسقط على الأرض): "آآآه!!”
لاود (ببرود): "هذه ليست لعبة! قاتل وكأنك تريد أن تنجو.”
نهض كين بسرعة بوجه متجهم، وبدأ ينفذ سلسلة أسرع من الضربات، لكن لاود يتصدى لها واحدة تلو الأخرى.
لاود (وهو يصده بسهولة): "أنت تُهاجم من غضب، لا من مهارة.”
وفي لحظة واحدة فقط، دار لاود حول كين، ثم وجّه له ضربة قوية على كتفه فأسقطته أرضاً. بدأ كين يتأوه على الأرض وهو حاول النهوض… ولكنه لم يستطع، بدأ يشعر بكل الألم المتراكم في جسده من الأيام الماضية.
كين (بصوت متقطع): "لا أستطيع…”
لاود (ينظر إليه بنظرة حادة، صوته غاضب): "ماذا قلت؟!”
كين (بهمس): "أنا… آسف، فقط… احتاج دقيقة…"
لاود (يصرخ فجأة): "دقيقة؟! هل ستطلب دقيقة من قاتلك في المعركة؟! هل ستستأذن من سيروس أن لا يضربك اليوم؟! قف! الآن!!”
كين (يرتجف): "جدي لاود… جسدي يؤلمني فعلاً…”
لاود (يُخرج شيئاً صغيراً من جيبه وهو يقترب): "حسناً، إذا كانت عضلاتك تؤلمك… فدعنا نعززها.”
كين (ينظر إلى الشيء): "ما هذا؟”
لاود (يرفع حبة فلفل حمراء صغيرة تلمع): "هذه؟ حبة فلفل نمت تحت براكين مملكة كاجي، يستخدمها جنود سيروس لتعزيز التحمل، انها مفيدة جداً ولكنها مؤلمة.”
كين (يتراجع): "لا… لا لا لا!"
لاود (بابتسامة شريرة): "افتح فمك، أو أقسم أنني سأحشوها في قطعة خبز وأقنعك أنها مربى.”
كين: "جدي لاود! هذا ليس تدريباً، هذا تعذيب!”
لاود: "الحياة تعذبنا كل يوم، يا كين… أنا فقط أسرّع العملية.”
ابتلع كين الفلفل بلحظة صمت… ثم…
كين (وجهه يتحول للون الأحمر): "هاااااااااااااااااااه!!! نار!! إنه جحيييييييييم!!”
لاود (يضحك كالمجنون): "هذا هو! هذا الصراخ الجميل! ألم يُحرّك طاقتك الداخلية؟!”
كين (يركض في الحديقة): "أنت… أنت شيطان! أنا أكرهك!! أين الماء؟!!”
لاود (يضحك وهو يرمي له دلواً من الماء): "هيا، تحمّل! لا تشرب الماء، قاتل الألم داخلك! هذه أول خطوة للتحكم في النيران… أن تتحمّل اشتعالها!”
كان كين لا يزال يركض في الحديقة، يلهث بشدة وعيونه تدمع من شدة الحرارة.
كين (يصرخ وهو يتخبط يميناً ويساراً): "لماذاااااااا؟!! لماذا يوجد شيء كهذا في العالم؟!!”
لاود (من بعيد يضحك وهو يجلس على جذع شجرة): "اسمها الحياة يا فتى، تعوّد على حرارتها قبل أن تُحرق منها.”
كين (يتوقف فجأة، وجهه أحمر كالفلفل، ينظر إليه وهو يرتجف): "أنت… لست مدرباً… أنت كائن شيطاني تنكّر في شكل جد!”
لاود (يضحك): "جد؟ هاهاها، لا أحد دعاني “جدي” من قبل، فأبنائي قد تركوني منذ سنوات طويلة، لا أعرف حتى إن كان لدي أحفاد حقيقيون أم لا…"
صمت كين قليلاً وهو يحدق فيه بعين نصف مفتوحة… ثم فجأة، شهق شهقة طويلة ومد ذراعيه إلى الخلف كأنه شحن غضبه.
كين (ينفجر): "حسناً!!! حسناً!! إن كان كل هذا لأجعل عضلاتي تتحمّل الألم، فليكن!! لكن لا تتفاجأ إن جعلتك تتحمّل ألماً من نوع آخر!!!”
لاود (يرفع حاجبه): "هاه؟ ما الذي تنوي…"
لم يُكمل لاود جملته… فقد انطلق كين نحوه بسرعة مذهلة! عضلاته التي كانت تؤلمه منذ لحظات بدا وكأنها اختفت، والآن بدأ يتحرك بطاقة شيطانية مدفوعة بغضب الفلفل الناري.
كين (يصرخ بعينيه الدامعتين): "هذا ليس من أجل التدريب! هذا من أجل لساني المحترق!!”
أمسك كين سيفه الخشبي بكلتا يديه وبدأ يُهاجم لاود بوابل من الضربات العشوائية، لكنها كانت سريعة وغاضبة جداً.
لاود (وهو يتصدى بسيفه الخشبي بهدوء): "هاهاها!! استمر يا فتى!”
كين (يضرب بكل ما لديه): "آآآآآآآآآآآه!!! سأجعلك تندم على ذلك!”
لاود (يتراجع خطوة للخلف لأول مرة): "أوه؟ بدأت تُجبرني على التراجع؟ ممتاز!”
استمر كين في الضرب ضربة بعد ضربة… كان واضحاً أنه لا يسيطر تماماً على نفسه، ولكن ذلك الجنون أعطاه سرعة لا يُستهان بها، وتحمُّلًا لم يكن يتخيله قبل عشر دقائق.
كين (بصوت باكٍ ولكن فيه نبرة التحدي): "أنا لست ضعيفاً!! لست طفلاً!! سأتفوق على الألم… وسأصفعك أيضاًااااا!!”
لاود (يصدّ ضربة قوية لكن قدمه تتحرك للخلف): "هاه… يبدو أنني فعلاً حرّكتُ طاقتك الداخلية! هذا الفتى بدأ يُصبح خطيراً!”
كين (يستمر): "هذا… من أجل عضلاتي! وهذا… من أجل عينيّ اللتي تحترق! وهذا… هذاااااااا من أجل لساني!!”
وفي لحظة نادرة، تمكّن كين من توجيه ضربة قوية على يد لاود ، جعلت السيف الخشبي يسقط منه!
لاود (ينظر إلى يده، ثم إلى كين): "هاه، ضربة جيدة.”
كين (وهو يلهث، ووجهه لا يزال يحترق): "أنت… تعترف… أنني… قوي؟”
لاود (يبتسم وهو يجمع يديه خلف ظهره): "أعترف… أنك غبي بما يكفي لتُقاتل من قلبك، وهذه أول خطوة لتكون محارباً.”
كين (ينزل السيف، ويتنفس ببطء): "أنا لا أقاتل من قلبي… أنا فقط أردت أن أنتقم… للساني.”
لاود (يضحك): "أنت تريد الانتقام لكل شيء!"
[بعد شهر من التدريب – حديقة منزل لاود – وقت الظهيرة]
كان العرق يتصبب من جبين كين، الذي وقف بثبات أمام كومة من الخشب المصقول. تنفس بعمق بينما كان يحمل في يده سيفاً حقيقياً لأول مرة ، كان لامعاً ويعكس صورته كأنه ينظر في مرآة من فولاذ.
كين (بهمس لنفسه): "جدي لاود، هل هذا السيف لي؟”
اقترب لاود، واضعاً يديه خلف ظهره، وهو ينظر إليه بنظرة جدية تخلو من المزاح المعتاد.
لاود (بصوت حازم): "إنه لي، لن يصبح لك حتى تتقن كل شيء، حسناً، اليوم لن تضربني… بل ستضرب هذا الخشب. اقطعه من منتصفه، لا أكثر ولا أقل، ضربة واحدة فقط.”
كين (ينظر إليه): "هل أستخدم النار؟”
لاود (يصيح مباشرة): "لا.”
كين: "لكن النار تجعل القطع أسهل…”
لاود (بصوت صارم): "وهل تنوي أن تحرق كل عدو تقابله؟ ماذا إن كنت مقيداً؟ ماذا إن نفدت طاقتك؟ ماذا… إن كنت مضطراً للقتال بلا فاكن؟”
سكت كين للحظة، ثم أومأ ببطء.
لاود (يكمل وهو ينظر للخشب): "الساموراي الحقيقي لا يعتمد على القوة فقط، بل على الانضباط، التركيز… والإصرار.”
أخذ كين نفساً عميقاً، ثم رفع سيفه بهدوء… وضرب!
“تشششق!”
لكن الضربة لم تكن مثالية، الخشب لم ينقسم تماماً … فقط خُدش بوضوح.
كين (بعصبية خفيفة): "فشلت.”
لاود (بهدوء): "لا، بل تعلّمت.”
في اليوم التالي، أحضر لاود قطعة خشب أكثر سماكة , وفي اليوم الذي بعده، أحضر لوحاً من الخيزران المجفف , ثم قرميدة حجرية , ثم كيساً معلقاً ممتلئاً بالتراب . وفي كل مرة… لم يُسمح لكين باستخدام النار ، كان يتصبب عرقًا، أنفاسه تتسارع، يداه تؤلمانه، لكن عيناه لا تفقدان تركيزهما أبداً.
كين (وهو يضرب الخيزران): "هااااه!”
“تشقق!”
لاود (يصرخ من بعيد): "أنت تركز على القوة فقط! ركز على التوازن، على تنفّسك، على زاوية السيف!”
كين (وهو يحاول من جديد): "سأجعلها مثالية… ولو قطعتُ ذراعي معها!”
لاود (مبتسماً بفخر داخلي): "هكذا… يبدأ المحارب الحقيقي بالظهور.”
[بعد مرور عام – حديقة منزل لاود – وقت العصر – عمر كين: 9 سنوات]
كانت الشمس تميل نحو الغروب، وسماء أوراكانو تميل للبرتقالي، بينما وقفت العصافير على الأسوار الحجرية تراقب ذلك الطفل النحيل وهو يحمل سيفه بكل ثقة.
في وسط الحديقة، وُضعت خمس أهداف متتالية:
1. لوح خشبي
2. خيزران مجفف
3. كيس تراب
4. صخرة صغيرة
5. وتشكيلة من الطوب الأحمر
لاود (واقف تحت ظل شجرة، ذراعاه متشابكتان): "منذ سنة… لم تكن قادراً حتى على رفع السيف بشكل صحيح، أما الآن… لنرى إن كنتَ مستعداً للخطوة التالية.”
كين (بعينين ثابتتين، صوته صارم ولكن هادئ): "أنا مستعد.”
“تششششق!”
انقسم الخشب وكأنه من ورق.
“طراااخ!”
الخيزران تقطّع من المنتصف، ولم يتحرك كيس التراب من مكانه.
“بوووم!”
ضرب كين أسفل الكيس، فارتفع قليلاً وانشق من الجانب، تاركاً سحابة من الغبار تتناثر. ثم تقدّم بهدوء نحو الصخرة… رفع سيفه ببطء… ثم…
“كااااااك!”
انقسمت الصخرة إلى نصفين بكل سلاسة، وبدون أن تهتز يده. ثم وقف أمام الطوب الأحمر… تنفس بهدوء، ثم أغمض عينيه. وفي لحظة، اندفع للأمام… وضرب بخفة خادعة.
“طقطقطق… كرااااش!”
تفتّت الطوب وكأنه قشرة بيضة، وسيفه لم يُخدش حتى.
لاود: "هذا يكفي.”
كين (ينظر إليه ثم يضع السيف في غمده الخشبي): "ما هي الخطوة التالية، جدي لاود؟”
لاود (يتقدم نحوه، يضع يده على كتفه): "الآن… وبعد أن أتقنت القتال كإنسان… حان وقت أن تتعلم كيف تقاتل كيوكاجي.”
كين: "أنت تعني…"
لاود (يبتسم بابتسامة خفيفة): "أشعل النار، كين… دعني أرى تلك النار التي ظللت تكتمها لسنة كاملة.”
كان لاود يحمل شيئاً ثقيلاً فوق كتفه.
لاود: "لقد حطّمت الخشب، كسرت الحجر، قطّعت الطوب… لكن هذا…”
يرميه على الأرض بقوة.
“كـراااااش!”
كين (يرفع حاجبه بدهشة): "ما هذه…؟”
لاود: "لوح حديدي خام… وزنه أكثر من وزنك، لا يُقطع بسهولة… بل يحتاج لقوة من نوع آخر.”
كين (ينظر إلى السيف في يده): "النار.”
لاود (يوميء بهدوء): "لقد كتمتها لعامٍ كامل، الآن… أطلقها. ولكن لا تُطلقها كطفل غاضب… بل كمحارب يُسيطر على شعلته.”
كين (يغلق عينيه، يأخذ نفساً عميقاً ويقول في داخله): "طوال
…
…
…"
رفع يده اليسرى… ووضعها على نصل سيفه…
“فششششششش…”
انفجرت حرارة خفيفة من جسده… ثم بدأ السيف يتوهج بلون برتقاليّ غامق، ثم أحمر… حتى غطت ألسنة النار النصل بأكمله، السيف لم يحترق حتى، فكان كين يتحكم بالنار جيداً.
كين (يفتح عينيه اللامعتان): "أنا مستعد.”
لاود (يتراجع قليلاً): "اقطع الحديد يا وريث النار!"
رفع كين سيفه ببطء… ثم ركض بقوة!
“هاااااااه!!”
“كشششششششششش!”
انقسم اللوح المعدني إلى نصفين تماماً… لا شرر، لا اهتزاز… فقط حرارة تتصاعد من القطع النظيف، ودخانٌ خفيف يرتفع للسماء.
لاود (عينيه تتسعان، لكنه يبتسم بفخر): "هذه هي… هذه هي حقاً… إنها نار اليوكاجي!"
[بعد سنتين]
في وسط الحديقة… كان كين ، وقد أصبح في الحادية عشرة من عمره، يقف عاري الصدر، جسده نحيف ولكنه اكتسب القليل من الكتلة العضلية، كان يحمل سيفاً خشبياً أثقل من المعتاد. عرقه يتصبب، أنفاسه متلاحقة… ومع ذلك، لم يتوقف.
كين (بصوت منخفض لنفسه): "مرة أخرى… خمسون ضربة أخرى… لا أعذار.”
بدأ يركض ويدور ويهاجم الهواء كما لو أنه يقاتل شبحاً لا يُرى. ضرباته كانت دقيقة، مدروسة، سريعة… ثم يتوقف فجأة، ويمد يده إلى الطاولة بجانبه ، ثم يأخذ حبة فلفل حمراء من عليها. قضمها وأكلها يأكلها مباشرة بدون تردد… ثم كتم أنفاسه للحظة، وتصبب منه العرق أكثر… ولكنه لم يشتكي.
كين (وهو يلهث قليلاً): "إنها تحرق… ولكنها توجهني نحو الأمام.”
من بعيد، كان لاود يراقبه بصمت وهو يجلس على الطاولة، ويداه ترتجفان قليلاً وهو يمسك بكوب شاي.
لاود (يهمس لنفسه، وهو يراقب كين): "هذا الفتى… لقد أصبح شيئاً آخر… على الرغم من أنه لم يصل لمستوى القوة المطلوب، إلا أن لديه تحركات وتكتيكات ذكية جداً في الهجوم."
ثم فجأة، بدأ لاول يسعل بشدة، كان السعال عميق وقاسٍ… توقف لثوانٍ وهو يمسك بصدره، وعيناه تدمعان من شدة الألم.
لاود (بصوت مبحوح): "اللعنة… يبدو أنني بدأت أقترب من خط النهاية.”
نظر مجدداً إلى كين، الذي كان يكرر الضربات في الهواء بكل إصرار، ثم حمل صخرة صغيرة بيده ورفعها فوق رأسه واستمر بالتدريب حتى شعر بأنه بالكاد يستطيع الوقوف.
لاود (يبتسم وهو يسعل مجدداً): "لقد كنتُ مدربه… لكن الآن؟ الآن أصبح يلهمني.”
نهض لاود من مكانه بخفة ووضع كوب الشاي على الطاولة.
لاود: "يا كين… إن لم أكن هنا غداً… فقط تذكر أنني لم أكن يوماً فخوراً بشيء… كما كنتُ فخوراً بك.”
بدأ لاود يسير نحو كين، وعيناه مليئتان بالحزن والامتنان في آنٍ واحد.
لاود (بصوت هادئ): "هذا يكفي يا كين… تعال.”
توقف كين فوراً والتفت إلى لاود، كان يبتسم إليه بتعب.
كين (بقلق خفيف): "هل أنت بخير؟ صوتك… يبدو متعباً.”
لاود (يقترب منه): "أنا بخير…"
ثم بدون أن ينتظر ردة فعل، يمد يديه ويمسك بكين من كتفيه… ويسحبه نحوه في عناقٍ مفاجئ . عينا كين تتسعان… ثم يغمضهما ببطء، يترك جسده يستسلم لذلك الحضن.
كين (بهمس، صوته خافت كطفل صغير): "كنت أظن… أنني كبرت على العناق…”
لاود (يمسك به بقوة أكبر): "وأنا أظن… أنني لم أكن أباً حقيقياً حتى التقيتك. اسمعني يا كين… لا أعلم كم من الوقت سأبقى هنا، لكن ما أعلمه يقيناً… أنك ستكون أقوى مني، وستقف حين يسقط الجميع… فقط، لا تنسَ قلبك.”
كين (بصوت مرتجف، ولكنه حازم): "لن أنسى شيئاً منك… أبداً.”
ابتعد لاود ببطء، نظر إلى عيني كين الرماديتين بتلك النظرة التي لا ينساها أحد.
لاود: "إن حاول هذا العالم أن يُطفئ نارك… فأشعل عليه حرباً.”
ثم ابتسم، ورفع يده ومسح على رأسه بلطف، ثم استدار وبدأ يعود نحو المنزل بخطوات بطيئة… بينما بقي كين واقفاً وهو يراقبه، شعر بأن لاود بدأ يتصرف بطريقة غريبة.
[داخل المنزل – المساء – بعد يوم تدريب طويل]
فتح كين باب المنزل بعد أن أنهى تدريبه، كانت ملابسه مبللة قليلاً من العرق، ووجهه متعب من التمرين الطويل.
كين (وهو يخلع حذاءه عند الباب): "جدي لاود… لقد أنهيت تمريني… هل حضرت العشاء؟”
لم يسمع رداً… فقط صوت سعالٍ عنيفٍ يتردد من الغرفة المجاورة.
كين (يتجمد للحظة، ثم يندفع بسرعة): "جدي لاود؟!”
دخل الغرفة بخطى سريعة، ليجد لاود جالساً على الكرسي القماشي بجانب المدفأة، ينحني للأمام وهو يمسك صدره ويسعل بعنف، و نقطة دم تنزل على راحة يده.
كين (بصوت مرتجف): "ماذا؟!”
ركض كين نحو لاود بسرعة بقلق.
كين: "جدي لاود… ماذا يحدث؟! لماذا تنزف؟! هل أصبت بشيء؟!”
لاود (يحاول الابتسام وهو يمسح فمه): "هيه… يبدو أنني لم أعد ذلك الشاب القوي الذي كنت عليه، هاه؟”
كين (بصوت قلق وغاضب): "هل زرت الطبيب؟! متى حصل هذا؟ لماذا لم تخبرني؟!”
سكت لاود للحظة، ثم تنهد بصوت ثقيل، ونظر إلى كين بنظرة مليئة بالصدق.
لاود (بهدوء): "ذهبت منذ أسبوع… بعد أن بدأت أسعل كل ليلة… قال لي الطبيب إن المرض استقر في رئتيّ… وإنه لا علاج لهذا في سني.”
كين (بصوت خافت): "كم من الوقت…؟”
لاود (بهدوء مطمئن): "أيام… أسابيع ربما… لا أحد يعلم، لكنه وقت قصير يا فتى.”
اقترب كين ببطء، وجلس على الأرض بجانب كرسي لاود، ثم وضع رأسه على ساق العجوز بصمت…
كين (بصوت مبحوح): "لا يمكنك الرحيل الآن… أنت الوحيد الذي بقي لي.”
لاود (يمرر يده على شعر كين): "أنا لم أبقَ لك فقط… أنا جعلتك جاهزاً لتبقى، حتى لو رحلت. لقد أصبحت قوياً يا كين… ولستَ وحدك أبداً… مادامت ناري فيك.”
كين (يحاول حبس دموعه): "لكن… أنا لا أريد قوتك فقط… أريدك أنت…”
لاود (بصوت دافئ): "إبقَ هنا الليلة… فقط اجلس، دعنا نتحدث قليلاً… قبل أن تشرق شمس جديدة.”
كين: "سأبقى هنا… حتى النهاية، جدي.”
[غرفة نوم لاود – بعد أسبوع]
كان لاود مستلقياً على فراشه ، جسده نحيل، أنفاسه ضعيفة، وصوته بالكاد يُسمع. جلس كين على الكرسي بجانب السرير، وعيناه الرماديتان تراقبان العجوز بصمت.
لاود (بصوت مبحوح): "كين… اقترب مني قليلاً، يا فتى.”
اقترب كين وجلس على حافة السرير وهو صامت كعادته.
لاود (بصوت واهن، لكنه ثابت): "أتعلم…؟ كنت أظن أنني سأموت وحيداً… مهجوراً مثلما تركني أولادي… ولكنك كنت هنا.”
لم يتغير تعبير كين كثيراً، لكنه أنزل عينيه إلى الأرض وكأنه لا يريد أن يسمع ما يأتي.
لاود: "في البداية، ظننت أنك مجرد طفل محطم آخر… لكنك أعطيت لحياتي معنى لم أكن أحلم أن أستعيده. كل صباح كنت أراك تتدرب حتى تتعب، وتنهض حتى بعد السقوط، كنت فخوراً بك يا كين… أكثر مما كنت فخوراً بأحد من دَمي.”
رفع لاود يده المرتجفة بصعوبة، فمد كين يده بسرعة وأمسك بها.
لاود (يبتسم بهدوء): "لقد أصبحت أكثر من مجرد حفيد بالتبني… أنت… كنت ابني… ابني الذي اختاره القدر لي… في آخر فصول حياتي.”
كين (بصوت منخفض ومرتجف): "أنا لم أقل لك هذا من قبل… لكنك كنت كل شيء بالنسبة لي.”
ابتسم لاود، ثم أغلق عينيه للحظة وهو يهمس بشيء بالكاد يُسمع.
لاود: تابع الطريق يا كين… لا تدع نيرانك تنطفئ، ولا تسمح للظلام بابتلاعك… أنت أقوى مما تعتقد.”
وفي لحظة، خرج نَفَسٌ طويل أخير من صدره… وسكنت ملامحه، كأنما دخل في نوم أبدي. تسمرت عينا كين عليه… لم يتحرك… لم يصرخ… لم ينهار…ولكن سالت دمعة واحدة على خده ببطء.
كين (وهو يتمتم بألم داخلي): "وداعاً… جدي.”
ثم جلس بجانبه دون أن ينطق… وصمتت الليلة… كأن العالم كله احترم هذا الرحيل.
[حديقة منزل لاود – صباح رمادي – السماء ملبدة بالسحب]
وقف كين بمفرده أمام قبرٍ حديث الحفر في وسط الحديقة، وفي يده رفش صغير، كان قد استخدمه لتغطية الجسد المسجى بالتراب للمرة الأخيرة. لم تكن هناك جنازة، ولا مشيعون، ولا كلمات وداع من كهنة أو رجال دين، كان المشهد خالياً تماماً… إلا من كين وذلك الصمت الثقيل.
بجانب القبر، وُضعت لوحة خشبية بسيطة نُقش عليها بخط يدوي:
لاود – الساموراي العجوز
تراجع كين خطوة إلى الخلف… ثم أحنى رأسه، وأغلق عينيه… ولم يتكلم. أخرج كين شيئاً صغيراً من جيبه… كانت حبة فلفل حمراء ، حدّق بها لثوانٍ… ثم ابتسم بخفة، و دفنها بجانب القبر. نظر إلى السماء الرمادية، ثم إلى السيف الخشبي الذي كان قد غرسه في الأرض بجانب القبر كعلامة.
كين (يهمس): "وداعاً يا جدي… أنا الآن… أتابع الطريق وحدي… مجدداً."
أدار ظهره وبدأ يمشي نحو المنزل دون أن ينظر خلفه…
[جزيرة أوراكانو – وسط مساحة شاسعة من الأشجار – بعد مرور ثلاث سنوات]
كان كين يقف وسط مساحة شاسعة من الأشجار خارج نطاق منزله، وقد انكشفت ذراعيه الناضجتين وعضلاته المشدودة التي كانت تلمع من العرق، وصدره يرتفع ويهبط ببطء بعد سلسلة طويلة من التمارين القاسية.
لم يعد ذلك الطفل الهش الذي جاء إلى هذا المنزل باكياً… كان الآن في الرابعة عشرة من عمره، وقد نمت له كتلة عضلية واضحة، وجهه أصبح أكثر حدة ونضجاً، وصوته أصبح أخشن من قبل، عيناه الرماديتان تحملان بروداً قاتلاً… ولكن خلفه نارٌ لا تهدأ.
كين (وهو يقف أمام جذع شجرة سميك): “مرّت ست سنوات… ست سنوات من التدريب، الدماء، والفلفل.”
أمسك كين بسيفه الحديدي، رفعه للأعلى… ثم أشعل اللهب على حدّه، أصبح كين يتحكم بالنار بسهولة، ويركزها تماماً على امتداد النصل. اندفع إلى الأمام، ووجه ضربة قوية بالسيف…
“فششششق!”
انقسمت الشجرة من جذعها، وتناثر الرماد في الهواء،. جلس كين على أحد الصخور وأخرج من حقيبته الصغيرة حبة فلفل حمراء، نظر إليها بابتسامة هادئة، ثم وضعها في فمه بلا تردد.
كين (بابتسامة ساخرة): “كنت أصرخ من واحدة… والآن؟ صارت طعامي المفضل.”
وبينما كان يمضغ الفلفل الحار باستمتاعوء، رفع عينيه نحو السماء…
كين (يهمس): “سيروس… اقترب يوم لقائنا.”
يتبع…