[الوقت الحالي – ما قبل الفجر – على طريق ترابي يمتد وسط غابات داركوفا - عربة الهيكساريث تتحرك ببطء]
كان الليل قد حل في سماء داركوفا منذ ساعات طويلة، ولم يتبق سوى القليل لتشرق الشمس، وكانت عربة الهيكساريث ما زالت تشق طريقها في صمت، لم يكن هناك مصدرة للإنارة سوى البدر وضوء بلورات الأزورايت الزرقاء المتوهج من العربة. في المقعد الأمامي، كان آكيو يقود العربة… جلس مستنداً بذراعه اليسرى على حاجز المقود، بينما كانت عينه اليمنى نصف مغلقة من التعب، لكنه كان يواصل القيادة.
آكيو (يتمتم لنفسه وهو يتثاءب): "كم هذا ممل، الوضع هادئ جداً!”
نظر خلفه عبر المرآة الصغيرة المعلقة في طرف السقف الخشبي للعربة، فرأى البقية. كانت آن نائمة وهي ملتفة حول نفسها ومستلقية على الكرسي، غطت نفسها بسترتها، كوتو كانت تجلس بجانبها وهي نائمة بظهر مستقيم بشكل غريب، وذراعاها متشابكتان على صدرها. أما ستيف فقد كان خلفهم وهو يتكئ على النافذة، تنعكس الأضواء الزرقاء على شعره الأسود بينما يصدر شخيراً خفيفاً، وعلى المقعد المقابل كان يستلقي نيورو.
أما أكيرا فقد كان ممددٌ على الأرضية الخشبية للعربة، لم يكن حتى يهتم إن كان المكان مناسب للنوم أم لا. أما كين… فقد كان يجلس وحده في الزاوية الخلفية، مسنداً رأسه إلى الخشب، وذراعيه معقودتين فوق صدره، عيناه مغلقتان، ولكن ملامحه لم تكن نائمة.
[مشهد داخلي – داخل كين]
في داخله، كان صوت لاود القديم لا يزال يتردد في ذاكرته:
"إن حاول هذا العالم أن يُطفئ نارك… فأشعل عليه حرباً.”
فتح كين عينيه الرماديتين بهدوء، حدّق في سقف العربة للحظة، ثم أدار نظره نحو نافذة جانبية، حيث كان ضوء القمر يظهر من خلال الأشجار. أنزل رأسه ببطء، ثم أخرج من حقيبته شيئاً صغيراً، كانت حبة فلفل طازجة كان قد سرقها من قصر تيراكولا قبل الرحيل، وضعها في فمه وبدأ في قضمها، ثم ابتسم بخفة… تلك الابتسامة النادرة التي لا يراها أحد.
كين (همس): "أنا لم أنسَ… ولن أنسى.”
[في مقدمة العربة – آكيو ما يزال يقود]
آكيو (يتحدث بهمس وكأنه يخاطب الطريق): "أتعلم أيها الطريق؟ هذه العربة تحتوي على أغرب مجموعة في العالم… مدخن قاتل، نينجا مهووسة، شبح يتجسس، محب للنساء، فتى بكّاء، طبيبة مجنونة… وأنا؟ الشوغن المستقبلي!"
في السماء… مرّت نجمة شهب خاطفة لم يلاحظها أحد. وفي الخلف، استمر كين بالتحديق إلى الغابة المظلمة خارج النافذة.
كين (بصوت خافت جداً): "زيتارا… اقتربنا.”
أخذ كين نفساً عميقا، ثم نهض خارج، وبدأ يسير بهدوء دون أن يوقظ أحداً. مرّ بجانب الجميع بخطوات خفيفة، ثم فتح باباً صغيراً بجانب مقعد السائق، ودخل دورة المياه الضيقة داخل العربة. أضاء كين المصباح الكريستالي الأزرق، انعكس ضوءه على المرآة المعدنية الصغيرة المثبتة فوق الحوض. اقترب كين منها، وضع يديه تحت الماء البارد، وغسل وجهه، ثم رفع رأسه ببطء.
تأمل وجهه في المرآة… شعره الأحمر الذي أصبح أكثر فوضوية، عيناه رماديتان كالغيوم الرعدية، وكأنها توحي بالهدوء ما قبل العاصفة. جفف وجهه، ثم أخرج من جيبه علبة سجائر صغيرة، وفتحها بهدوء… كانت تحتوي على عدد من السجائر الملفوفة بعناية. أخذ واحدة ووضعها بين شفتيه… ثم مد يده الأخرى وأشعلها بنقرة سريعة من إصبعه… نارٌ خفيفة اشتعلت عند طرف الإبهام، ثم اختفت بمجرد أن التقطت السيجارة شعلة الحياة.
بعد لحظات، كان كين قد خرج عبر فتحة العربة العلوية، وجلس على سطحها وهو يلفّ ساقيه بتقاطع بينما يستند بمرفقيه إلى ركبتيه. أمامه… كانت الغابة المظلمة تتراجع بهدوء، والريح الليلية تمرّ عبر شعره الأحمر وتُحرّكه بخفّة. أخذ نفساً عميقاً من السيجارة، ثم أخرجه ببطء… الدخان ارتفع وتلاشى في السماء كما تتلاشى الذكريات الثقيلة في صمت الليل.
كين (يفكر بصوت داخلي): "جدي… هل تراني الآن؟ هل ترى من أصبحت؟"
انتهى كين من تدخين سيجارته وأطفأها بضغطها على سطح الخشب بأسفله، ثم رمى بقاياها في الظلام دون أن ينظر. بقي جالساً على السطح، وعيناه الرماديتان تراقبان الغابة التي تتلاشى من أمامه ببطء، ولكن أفكاره كانت في مكان آخر تماماً. أغمض عينيه للحظة، استرجع صور أجساد الجنود وهي تتفحّم تحت لهيبه، يصرخون، يهربون، يتوسلون… ووجهه حينها؟ كان بارداً، لم يشعر بأي شيء.
كين (في نفسه): "هل كان ذلك انتقاماً؟ أم تهوّراً؟”
مرت لحظة صمت طويلة، رفع كين يده ببطء، ثم تأمل أصابعه التي حملت النار، تلك النار التي التهمت أرواحاً كثيرة… كثير منها ربما لم تكن تستحق الموت. ثم أنزل يده ببطء على فخذه، وأخفض رأسه.
كين (يتمتم): "جدي لاود… ماذا كنت ستقول… لو رأيتني حينها؟”
تخيل صورة لاود وهو يجلس كما كان يفعل دائماً، بذراعيه المتقاطعتين ونظرته الثاقبة.
“النار ليست للانتقام فقط يا كين… النار تحمي كما تحرق. تحكّم بها… لا تدعها تتحكّم بك.”
"لأنني في لحظة ما… قتلت رجلاً لم أكن مضطراً لقتله، حينها فهمت… أن القوة التي لا يقيّدها القلب، ستُحوّلك إلى وحش.”
ثم بدأ يتذكر صرخات سكان دراكوفا وهم يقومون بإلقاء اللوم عليه:
"هذا الوحش قتل أخي! كان أحد جنود مملكة كاجي، ولم يعد أبداً بسببك!!"
"أنت من تسببت في موت ابن عمي! لقد كان جندياً بسيطاً... لماذا قتلته؟!"
كين (يشدّ قبضته ببطء): "لكنني أصبحت الوحش، تماماً كما كنتَ تخشى.”
فتح عينيه ببطء، انعكاس ضوء القمر على مقلتيه الرماديتين أظهر برودة لم تكن نابعة من قبل… هو لم يقتل فقط… بل أباد… بلا تردد، بلا شفقة. وحين انتهى، لم يشعر بأي شيء… وهذا ما أخافه.
كين (بصوت خافت): "لم أفهم كلامك وقتها… كنتُ أظن أنني أفهم، لكنني لم أكن أستوعب… كنتَ تحاول منعي من الوصول إلى هذه النقطة، ولكنني وصلت.”
مدّ كين يده ببطء إلى جيبه ثم سحب سيجارة أخرى من علبة السجائر، وثبتها بين شفتيه بصمت، ثم مد إصبعه مرة أخرى وأشعلها بوميض ناري صغير. استنشق من السيجارة بقوة، ملأ صدره بالدخان… ثم أطلق الزفير طويلاً، وكأنه يُفرغ قلبه مما عجز عن قوله. التفت كين إلى أمام العربة واعتدل في جلسته، عيناه ظلّتا تراقبان الشمس وهي تشرق أمامه، ولكن شيئاً ما لفت انتباهه في الأفق… رفع رأسه قليلاً، وبدا أنه كان يركز أكثر.
كين (بصوت خافت وهو يضيّق عينيه): "ما هذا؟”
ظهرت أضواء خافتة… ليست مثل وهج القمر أو بلورات الأزورايت… بل أضواء بشرية واضحة… ثم بدأ يرى ملامح المباني، كانت مبانٍ بتصميم ياباني تقليدي، بأسقفها المنحنية، ومبانيها التقليدية، كانت تلك بلا شك أطراف إمبراطورية زيتارا.
كين (ينفث الدخان مرة أخرى، لكنه يهمس بصوت أقسى): "أخيراً… زيتارا.”
[داخل عربة الهيكساريث]
كان آكيو يقاوم النعاس، عيناه نصف مفتوحتين، رأسه يميل يميناً ويساراً مع حركة العربة المتعرجة.
آكيو (يتمتم وهو يتثاءب): "سأموت من الملل… حتى الأشرار لا يظهرون في هذا الظلام… أين المجرمون حين نحتاجهم؟ أتمنى فقط لو أسحق مؤخرة ماكيا وجنوده الآن!"
نظر بكسل إلى الخريطة المثبّتة بجانبه، كانت خريطة صغيرة معلقة بواسطة مشابك نحاسية، تُظهر تحرّك العربة كنقطةٍ مضيئة تتحرك على المسار. حدّق فيها للحظة… ثم فتح عينيه تماماً، اقترب أكثر وفرك عينيه بقوة.
آكيو (يصرخ): "ماذا؟! لقد وصلنا!!! نحن بداخل حدود زيتارا بالفعل!!!”
تحوّلت دهشة آكيو إلى حماس طفولي، حيث نهض من مقعد القيادة وركض إلى المقصورة الخلفية، وقف وسط العربة ورفع يديه عالياً.
آكيو (يصرخ بأعلى صوته): "استيقظوااااااا!!! يا كسالى!!! وصلنااااا إلى زززييييييييتااااراااااا!!!”
آن (تقفز من نومها مذعورة): "ماذا؟! هل هاجمنا أحد؟! من الذي مات؟!!”
ستيف (يُغمض عيناً ويفتح الأخرى، ببرود): "كنتُ أحلم أنني دخلتُ في مهمة تجسسية إلى قصر ماكيا… ولكنك قتلت الحلم أيها البرق مزعج.”
كوتو (تفرك عينيها، بنبرة باردة): "كان بإمكانك قول ذلك بهدوء… دون الصراخ كأرنب دهسته عربة.”
آكيو (وهو يلوّح بيديه): "لااا! هذه لحظة تاريخية! لقد وصلنا إلى بلدييييي!”
أكيرا (يرفع رأسه من الأرضية بكسل): "وأخيراً، حان وقت الفتيات!"
ثم التفتوا جميعاً عندما سمعوا صوتاً قادماً من الأعلى…
كين (من فوق سطح العربة، بصوت هادئ): "اهدؤوا… من الأفضل أن لا نُلفت الأنظار.”
آكيو (ينظر إليه): "لكننا فعلياً نُلفت كل الأنظار ونحن نصرخ بهذه الطريقة!”
آن (وهي تصرخ على آكيو): "أيها الغبي، قل هذا لنفسك!!"
آكيو (يقفز فرحاً): "أنا سأشتري كيمونو جديد!! وسآكل بعض الرامن!! وأخيراً بعض السوفليه!!"
كين (بصوت خافت): "آكيو… اصمت.”
بعد عدة دقائق، كانت عربة الهيكساريث تقف أمام الحدود مباشرة، على الجوانب ثُبِتَت أعمدة خشبية مزخرفة بأعلام زيتارا الزرقاء. أمامهم، كانت هناك بوابة ضخمة ذات تصميم زيتاري تقليدي، حُفرت على أعمدتها نقوش تنين وساموراي، وفوقها لافتة خشبية تحمل اسمها "زيتارا".
أمام البوابة، كان يقف خمسة حراس يرتدون دروعاً زيتارية تقليدية، وكل منهم يمسك رمحاً طويلًا ودرعاً عليه شعار التنين الأبيض. عندما اقتربت العربة، رفع أحدهم يده مشيراً بالتوقف.
قائد الحرس (بصوت جاد): "قف! أنتم على وشك دخول أراضي الإمبراطورية الزيتارية… قدموا هويتكم، واذكروا سبب الزيارة.”
توقف آكيو في الحال، سحب فرامل العربة ثم نزل منها بخفة.
آكيو (بابتسامة مهذبة): "أنا أول من سيقدم بطاقته.”
أخرج آكيو من جيبه بطاقة معدنية صغيرة، محفور عليها اسمه ونسبه ومكان ولادته… كانت بطاقة أصلية من زيتارا. اقترب الحارس منه، أخذ البطاقة ونظر إليها بتفحص، ثم نظر إلى آكيو.
قائد الحرس: "سـاكاموتو آكيو… من مواليد الإمبراطورية الزيتارية… النسب صحيح، الصورة مطابقة… كل شيء يبدو قانونياً.”
آكيو (بابتسامة خفيفة): "عدت أخيراً إلى بلادي.”
قائد الحرس (ينظر إليه باحترام): "مرحباً بك في وطنك يا ابن ساكاموتو.”
ثم التفت الحارس إلى العربة.
الحارس: "البقية، تقدموا بهوياتكم!”
نزل كين بهدوء من العربة، تلاه آن، كوتو، ستيف، نيورو، وأكيرا. كلٌ منهم أخرج بطاقته، بعضها كانت بطاقات مزورة كبطاقة ستيف، وبعضها كانت حقيقية ولكن من ولايات أخرى. مرّر الحراس على كل بطاقة واحدة تلو الأخرى، ثم نظروا إلى آكيو.
قائد الحرس: "مرحباً بكم في زيتارا… لا تُثيروا المتاعب، ولا تتجاوزوا الحرم الإمبراطوري دون إذن.”
نيورو (بصوت منخفض وهو يدخل العربة مجدداً): "أخيراً… أرض الساموراي.”
صعدوا جميعاً مجدداً إلى العربة، وانطلقت ببطء إلى داخل زيتارا… كانوا الآن في قلب واحدة من أكثر الدول انغلاقاً وغموضاً في فالوريا.
آن (من الخلف، تتثاءب): "إلى أين نحن ذاهبون أولاً؟“
آكيو (بصوت عالٍ دون أن يلتفت): “نحن ذاهبون إلى منزلي, إنه يقع على بُعد عشر دقائق فقط من هنا.”
كوتو (بصوت منخفض): “زيتارا… هي آخر أرضٍ احتفظت بروح الساموراي… هنا لا يُحترم إلا من يلتزم بالقواعد.”
بعد عشر دقائق، توقفت عربة الهيكساريث بهدوء أمام منزل صغير تقليدي، محاط بسياج خشبي منخفض، وعلى مدخله فانوسان حجريان ينبعث منهما ضوء خافت، كانت الأشجار تحيط بالمكان من كل جانب. قفز آكيو من العربة بحماس واضح، وسارع نحو الباب الأمامي وكأنه طفلٌ عاد من مغامرة طويلة.
آكيو (بصوت عالٍ وهو يطرق الباب): "أوووي! أبيييي!! افتح! جئت ومعي مفاجأة!”
المنزل كان مظلماً، لكن بعد لحظات، سُمع صوت خطواتٍ سريعة قادمة من الداخل، ثم صوت مألوف يتذمر بنعاس:
فانكو (من الداخل): "في هذا الوقت؟! من هذا الأرعن الذي يوقظ الناس بعد منتصف الليل؟!”
فُتح الباب بعنف، وظهر فانكو واقفاً بملامح متجهمة، شعره البنفسجي الغامق مبعثر من النوم، وعيناه البنيتان نصف مغمضتين.
فانكو (يتأفف): "من هذا المجن…"
تجمّد فانكو فجأة حين رأى آكيو واقفاً أمامه بابتسامة عريضة وهو يلوّح له بحماس.
آكيو (يضحك): "أهلاً مجدداً، أبي الكسول!”
فانكو (يرفع حاجبيه بصدمة): "آآآكيو؟! أتيت مجدداً؟! لقد غادرت الشهر الماضي فقط!”
آكيو (ينفجر ضاحكاً): "اشتقت لك كثيراً، فقلت لن أقضي أسبوعاً إضافياً بدون رؤية وجهك النائم!”
فانكو (يضحك وهو يفتح ذراعيه): "أيها الأحمق، تعال هنا!”
احتضنه فانكو بحرارة، ثم أبعده قليلاً ونظر خلفه نحو العربة، فلاحظ الوجوه الجديدة التي بدأت تترجّل منها.
فانكو (يرفع حاجبه): "ومن هؤلاء؟"
آكيو (يفتح ذراعيه): "تعرف على أصدقائي الجدد! هذه آن، كوتو، ستيف، أكيرا، نيورو… وهذا كين، لا تتحدث كثيراً أمامه، قد يحرقك بنظرة.”
فانكو (ينظر إليهم بابتسامة مرحة): "آه… لا تبدو عليهم علامات اللطف حقاً. تفضلوا، البيت كبير كفاية لتسببوا الفوضى!”
آن (تضحك): "هذا استقبال مثالي بالنسبة لي.”
أكيرا (بكسل وهو يتثاءب): "هل يوجد شيء يؤكل قبل أن أموت؟”
فانكو : "بالطبع، تفضلوا جميعاً!"
دخل الجميع إلى المنزل الذي تفوح منه رائحة الخشب القديم والشاي المجفف، كانت الصالة بسيطة ولكنها دافئة، تقدّم فانكو أولاً وهو يشير إلى الزوايا المختلفة في المنزل.
فانكو (بحماس): "الطاولة هنا، الوسائد هنا، المطبخ هناك… والسرير لي وحدي، فاختاروا أرضاً للنوم!”
آكيو (يضحك): "كالعادة، كريم حتى في نومك!”
فانكو: "سأعد شيئاً ساخناً للفطور… فقط انتظروني هنا!”
اتجه فانكو إلى المطبخ بحماس، بينما جلس البقية في الصالة حول الطاولة المنخفضة. ركلت آن نعليها وجلست بتقاطع ساقين مباشرة على الوسادة.
آن (تتمطى وتبتسم): "أحب هذا المكان… بسيط، لكن فيه روح."
كوتو (بهدوء): "المنزل يعكس بيئة انضباطية… زيتارية تماماً ومريحة.”
جلس ستيف عند الزاوية، ظهره مستقيم وذراعه متشابكتان، يراقب الفوضى المتزايدة بنظرة ضيق واضحة في عينيه.
ستيف (ببرود وامتعاض خافت): "هذا ليس نزلاً… إنه سيرك متنقل.
كان نيورو واقف على الطاولة وهو يتفحص إحدى الفوانيس الخشبية المعلقة بالسقف.
أكيرا (ينظر لنيورو بكسل وهو مستلقٍ على الديكور): "أوهه… هل أنت حقاً مستمتع بالنظر لتلك الخشبة القديمة؟ لا تقل لي أنك واقع في حب الديكور الريفي؟”
نيورو (بابتسامة مشاكسة): "أنا فقط أحاول معرفة إن كان هذا المصباح سيقع على رأس أحدهم أثناء العشاء… سيكون هذا ممتعاً!"
أكيرا (يضحك): "هاه! يعجبني تفكيرك! هل تراهن أن يقع على ستيف؟ هو يجذب المصائب بجموده.”
جلس كين في الزاوية كعادته، ظهره مستند إلى العمود الخشبي، ذراعيه معقودتان، ينظر إلى الأرضية دون أن يشارك في الحوار.
آكيو (ينظر إليه): "وأنت يا سيد الكآبة؟ ما رأيك؟”
كين (دون أن يرفع عينيه): "هذا جيد.”
آكيو: "إن قلتَ أكثر من ثلاث كلمات في وقت واحد… سأظن أن هناك شيئاً خطيراً يحدث.”
[في المطبخ – فانكو يتحدث مع نفسه وهو يُحضّر الطعام]
فانكو (يُقلب البيض): "يا إلهي… عاد ومعه جيش! ماذا فعلت بحياتي؟”
توقف قليلاً، ثم ابتسم وهو يهمس.
فانكو: "ولكن وجهه تغير قليلاً، أعتقد بأنه أصبح أكثر نضجاً وإرهاقاً."
[الصالة – بعد لحظات]
عاد فانكو حاملاً صينية خشبية مليئة بأطباق بسيطة: أرز أبيض، بيض مقلي، حساء ميسو، وشاي ساخن.
فانكو (وهو يضع الطعام): "الطعام هنا ليس فاخراً، ولكنه سيمنعكم من الموت لهذا اليوم.”
آكيرا (ينقض على الطبق): "كبير… وساخن… وأخيراً.”
نيورو (ينظر إلى الطبق): "لا يحتوي على سم، أليس كذلك؟”
فانكو (يبتسم): "ليس في أول زيارة.”
كوتو (تتذوق الشاي): "طعمه مختلف عن أي شاي تذوقته من قبل.”
نيورو (يأخذ صحن البيض): "أحب هذه اللمسة الريفية… الطعام بسيط ولكنه لذيذ بحق!"
آن (تبتسم لفانكو): "شكراً على الضيافة يا عم!”
[في الطابق العلوي – صوت خطوات بطيئة فوق الخشب، ثم فُتح باب أحد الغرف]
موراساكي (بصوت ناعس): “ما هذا الضجيج…؟ هل الزلزال بدأ؟ أم أن…؟”
توقفت فجأة على الدرج وهي تحدق نحو الصالة الواسعة، حيث يجلس عدد من الأشخاص الغرباء حول طاولة الإفطار، يأكلون ويضحكون ويثرثرون… بينما شقيقها آكيو يجلس في المنتصف وكأنه في حفلة شاي!
موراساكي (تصرخ): “آآآكيو!!! ما الذي فعلته بمنزلنا؟!! من هؤلاء؟!!"
آكيو (ينظر نحوها ويبتسم بخبث): “أوه، صباح الخير! انظري من استيقظ أخيراً! تعالي لأعرّفكِ على أصدقائي الجدد.”
موراساكي (ترمش عدة مرات): “أصدقاؤك؟ هل تمزح؟ أنت غادرت قبل شهر فقط! كيف جمعت كل هؤلاء؟!”
في هذه اللحظة، كان أكيرا قد توقّف عن الأكل، ثم نظر إليها بدهشة واضحة، رفع حاجبه، ثم وضع الملعقة في الصحن ببطء.
أكيرا (ينظر لها بنصف ابتسامة وهو يميل برأسه): “هل… هل استيقظتِ من حلم؟ أم أنني أنا من دخل الحلم؟ لأن هذا… أجمل من أن يكون حقيقياً.”
موراساكي (ترفع حاجبها): “هاه؟”
أكيرا (ينهض بلطف، يمرر يده في شعره ويتقدم): “شعر وردي، عيون ساحرة، وغضب لطيف؟ لماذا لم يخبرنا آكيو أن عنده أختاً تشبه الزهور النارية؟”
ستيف (يضع رأسه على الطاولة): “يا إلهي… لقد بدأ العرض.”
موراساكي (بتوتر، تنظر لأكيرا): “أنت… من تكون بالضبط؟”
أكيرا (يضع يده على قلبه متصنعاً النبض): “أنا؟ مجرد قلب تائه… وجد أخيراً بيتاً جديداً في عينيك.”
آكيو (بانزعاج مصطنع): “موراساكي، تجاهليه… إنه يعاني من مرض اسمه “الثرثرة الإنفعالية”، لا علاج له حتى الآن.”
نزلت موراساكي ببطء من على الدرج الخشبي، وقد رفعت شعرها إلى الأعلى بعشوائية. وبينما كانت تخطو، كان أكيرا يحدق بها بجرأة واضحة بابتسامة مائلة على وجهه، وذقنه يستند على راحة يده وكأنه يشاهد لوحة فنية.
آكيو (لاحظ نظراته، قطب حاجبيه بشدة، ثم التفت نحوه فجأة): "أكيرا…”
أكيرا (ما زال يحدّق): "هممم؟”
آكيو (ينفجر فجأة، يضرب يده على الطاولة): "توقف عن التحديق بأختي بهذه الطريقة، أيها الأحمق!”
أكيرا (يرمش وهو يبتسم): "ماذا؟ أنا فقط أتفحص الجمال المحلي.”
آكيو (ينهض بغضب): "الجمال المحلي؟!! هل تعتقد أن هذا نزل رخيص لتصيد فيه؟! إن كررت ذلك سأطردك بنفسي من المنزل!”
أكيرا (ينفجر ضاحكاً وهو يرفع يديه مستسلماً): "ههه، يا إلهي يا آكيو، اهدأ! كنت أمزح فقط! لدي ذوق رفيع، لكنني لست بهذا الغباء… نوعاً ما.”
موراساكي (تنظر بين الاثنين باستغراب): "توقف عن التحدث هكذا يا آكيو، أنت تبالغ!"
آكيو (يشير إلى أكيرا بعصبية): "لا أستطيع، فذلك المهرج مستفز حقاً!”
موراساكي (ترفع حاجباً): "آكيو… لقد تغيرت حقاً!”
في الزاوية، جلس كين وستيف بهدوء، ينظرون إلى المشهد بملل ويشعرون بأنهم يراقبون سيركاً بشرياً.
كين (يغمض عينيه وينفخ بهدوء): "ضوضاء… أكثر من أي ضوضاء في قلب ولاية داركوفا.”
ستيف (يفتح عينيه ببطء، يمسك جبهته): "كان عليّ البقاء في العربة… أو في أي مكان لا توجد فيه أرواح صاخبة.”
تبادل كلاهما نظرة قصيرة، ثم وقفا في اللحظة نفسها، وكأن انسحابهما تم بالتخاطر.
كين (بصوت خافت): "خروجٌ تكتيكي.”
ستيف (بجفاف): "موافَق عليه.”
غادرا الغرفة بهدوء دون أن يلاحظ معظم الحاضرين… فقط نيورو الذي كان يأكل دون توقف، نظر إليهم وهز رأسه ببطء.
نيورو (بهمس لنفسه): "العقلاء يغادرون… بقي المجانين.”
ثم ابتسم وهو يضع البيضة الكاملة في فمه دفعة واحدة.
كانت العصافير تغرد في الأفق بينما لا تزال بقايا نسيم الصباح تداعب أوراق الأشجار المحيطة بالمنزل. خرج كين أولاً بخطواته ثم وقف قرب سور الحديقة الخشبي، وأخرج علبة سجائره من جيبه، وضع سيجارته في فمه ثم أشعلها، ثم أخذ نفساً طويلاً وزفره ببطء. وبعد لحظات، وقف بجانبه ستيف وهو يضع يديه في جيبه، كلاهما اكتفى بالنظر للأفق… مرت عدة دقائق من الصمت، قبل أن ينهيه ستيف أخيراً.
ستيف (بنبرة منخفضة دون أن يلتفت إليه): "كنت أعلم أنك لا تنام بسهولة.”
كين (ينظر إلى الأمام): "وأنت لا تخرج من المنزل دون سبب، من الغريب أن تكون هنا.”
ستيف (بتنهيدة خفيفة): "الداخل أصبح صاخباً جداً… وصمتك هنا أكثر وضوحاً من أصواتهم مجتمعة.”
كين (بنبرة متزنة): "أحياناً، أظن أن الصمت أكثر صدقاً من البشر.”
ستيف (ينظر إليه بنظرة جانبية): "ومع ذلك… أنت تُبقي الناس حولك.”
كين: "ليس لأنني أرغب بذلك… بل لأن بعض الطرق لا يمكن عبورها بمفردك، حتى لو أردت.”
ستيف: "وهل هذا اعتراف بأنك تحتاج إلى الآخرين؟”
كين (ينظر للسيجارة في يده): "أنا لا أحتاجهم… لكن وجودهم قد يمنعني من نسيان من أكون.”
ستيف (بصوت منخفض): "لقد تغيرت، كين، منذ انتهاء معركة داركوفا… عينك أصبحت أكثر برودة، حتى عندما لا تنظر بشيء.”
كين (ينظر نحو الشمس): "هل تتوقع من النار أن تبقى دافئة بعد أن تُستخدم في القتل؟”
ستيف: "لا… لكنني كنت أتوقع أن تجد طريقة لتطفئها… لا أن تعتاد احتراقك.”
كين (يبتسم بسخرية خفيفة): الاحتراق ليس المشكلة يا ستيف… المشكلة أنني لم أعد أشعر به.”
ستيف (بصراحة شديدة): "وهذا ما يجعلني أقلق.”
كانت ملامح ستيف صلبة كعادتها، ولكن خلف ذلك السكون، كان هناك شيء يتحرّك بداخله.
ستيف (بصوت منخفض، وهو لا ينظر مباشرة إلى كين): "أتعلم يا كين… لطالما كنت أظن أنني أكثر مناعة منكم جميعاً. أعيش بالتخطيط، بالقواعد، بالبُعد عن الفوضى… وأبني جدراناً ضد أي شيء قد يربكني، لكن مؤخراً، حدث شيء ما.”
صمت… ثم همس وكأنه لا يريد حتى لصوته أن يسمع.
ستيف: "رأيتها.”
كين (بنظرة جانبية، متفاجئ قليلاً): "من؟”
ستيف (يتنهد، كأن هذا الاعتراف مؤلم بطريقته): "لا يهم… كل ما أعرفه هو أنني لم أعد متزناً منذ ذلك اليوم، لم أعد قادراً على تحليل مشاعري… ولا أريد حتى أن أفهمها.”
كين (بهدوء، وهو يطفئ سيجارته): "إذاً… حتى أكثر العقول انضباطاً يمكن أن تهتز أمام قلبٍ واحد.”
ستيف (يبتسم بسخرية نادرة): "هذا مريع، أليس كذلك؟”
كين (ينظر إليه أخيراً، لأول مرة منذ بداية الحوار): "ليس مريعاً…”
نظرا إلى بعضهما للحظة طويلة، لا كلمات، فقط نظرات تعترف بأشياء لا يمكن قولها بصوت عالٍ.
ستيف (بصوت منخفض، ولكن بإصرار): "أنت لست وحشاً، كين… حتى لو صدّقت ذلك، حتى لو حاولت أن تكون كذلك… أنت لم تكن يوماً كذلك.”
كين (ينظر إليه بهدوء): "وأنت… لست آلة، يا ستيف… مهما حاولت أن تكون كذلك.”
صمت آخر… لكنه هذه المرة لم يكن ثقيلاً، بل كان دافئاً، مشبعًا بفهم نادر، لا يحتاج إلى شرح.
يتبع…