[داخل عقل نيورو – لحظة اختراق الصخرة لقلبه]

كان الألم… صامتاً، لم يكن كما تخيّله يوماً. لم يكن صراخاً… لم يكن ناراً… بل كان… برودة تنتشر من صدره، شعر بأن قلبه قد انطفأ فجأة، وأخبر جسده كله أن يتوقف عن المحاولة.

تجمّدت عيناه، وتوقّف الزمن من حوله. لم يسمع صرخات أكيرا، ولا صوت الرياح… كل ما سمعه… كان صوته الداخلي، الخافت، المرتبك:

نيورو (في داخله): "انتهى الأمر…؟ بهذه السرعة؟”

وفجأة… بدأت الصور تتوالى. شريط ذكرياته بدأ يُعرض أمامه، لكنه ليس مليئاً بالمآسي… بل بالضحكات، بالسخافات التي كان يفعلها… بمشاكساته مع آكيو، بمواقف محرجة مع الفتيات، بلقائه الأول مع كين الذي تحداه ثم خسر، وباللحظة التي وقف فيها كين ذات مرة ليحميه.

وسط الظلام البارد الذي بدأ يبتلع وعيه، ظهرت صورة قديمة لمنزل صغير في إحدى ضواحي ولاية “ستورملاند”… ضوء الغروب كان يتسلل من النافذة، وصوت الضحك يملأ المكان.

رأى نفسه… مجرد طفل صغير في العاشرة، يرتدي عباءة فضفاضة، ويمسك بكرة ثلجية في يده، لكنها لم تكن مستقرة… كانت تتقطّع… تذوب… تشتعل أحياناً.

نيورو (بهمس داخلي): "تلك الأيام…”

ثم رأى والديه. كان والده بشعر بني وعينان بنفسجيتين، كان يبتسم له بحنان على الرغم من أن كرة الثلج التي صنعها انفجرت فجأة بين يديه. والدته أميسا (عمة كين)، ذات العينين الزرقاوين اللامعتين والشعر الأحمر، كانت تمسح على رأسه وتقول:

أميسا (تضحك): “ربما تكون قوتك فوضوية… لكنها فريدة… وأنت ابني مهما حدث.”

لكن ذلك الدفء… لم يدم طويلاً. رأى إخوته… أخوه الأكبر كان يقف شامخاً وسط ساحة التدريب، يطلق أعمدة من الجليد والنار بانسجام مثالي. أخوه الأصغر وعلى الرغم من صغر سنه، كان قد بدأ يسيطر على عنصر الجليد ويشكل به تماثيل. أما هو… كان يقف في الخلف، يحدّق في يديه المرتجفتين… يطلق ناراً تحرق جليده، أو جليداً يطفئ ناره.

أخوه الأكبر (بسخرية): “ماذا نسميك اليوم؟ فتى التناقض؟ أم خطأ الطبيعة؟”

أخوه الأصغر (ضاحكاً): “لا يستطيع أن يجمّد ولا أن يشعل! إنه مجرد خليط غبي لا يعرف من هو!”

رأى نفسه يركض مبتعداً… ثم يقف وحيداً خلف المنزل، يحدق في كفيه وهو يهمس لنفسه:

نيورو (بصوت متكسر): "أنا لستُ مشوهاً… أنا فقط… مختلف.”

لكن في أعماقه، كان يعلم… أنه لم يكن يوماً فخوراً بما هو عليه.

[عودة إلى الحاضر – قلبه ما زال يُسحق ببطء]

نيورو (في داخله، وهو يبتسم بأسى): "يا لسخرية القدر… لقد قضيت حياتي أحاول إثبات أنني لستُ عبئاً… وها أنا… أموت أولاً.”

لكن وسط كل ذلك الألم… رأى مشهداً أخيراً. آكيو يضحك، آن تصرخ عليه، أكيرا يسميه بـ"سيد الطقس”، كين يحاول إظهار الحقيقة المُرَّة له… ورأى ستيف وهو يقف بجانبه بصمت، دون أن يحكم عليه.

نيورو (بهمس داخلي باهت): "على الأقل… لقد مُتُّ وأنا مع أشخاص يفهموني في النهاية…”

شعر نيورو بأن حرارة جسده تتلاشى… كانت أطرافه تبرد تدريجياً، قلبه لم يعد يستطيع أن ينبض، وعيناه تنطفئان كشمعتين في مهب الريح.

ثم…

“آآآه…”

شهقة خافتة خرجت من صدره، كأن جسده يحاول التمسك بالحياة للحظة إضافية، لحظة واحدة فقط، ليقول شيئاً… أي شيء. لكن الألم عاد فجأة… موجة لا تُحتمل من الداخل، شعر بأن شيئاً يمزق صدره من الداخل للخارج، بعنفٍ لا يُوصف. أحس أن كل خلية فيه تصرخ… كل قطرة دم تحترق.

نيورو (بداخل نفسه، يصرخ في الصمت): "كفى!! كفــــى!! هذا مؤلم جداً… لا أريده أكثر!”

لكن… في اللحظة التالية… سكن كل شيء… اختفى الألم. لا دماء، لا صوت، لا برد، لا حرارة… فقط ظلام هادئ… وكأن الموت نفسه وضع يده على جبينه وقال له: “نِم الآن… لقد انتهى.”

نيورو (بهمس داخلي أخير): "أمي… أبي… أنا آسف… لأنني هربت…"

ثم انطفأت روحه… واختفى النور من عينيه إلى الأبد.

[قمة جبل سايرو – كين في مواجهة ماكيا]

كان اللهب يشتعل حول كين، يتراقص على جسده كأنّه يحاول أن يحميه… أو أن ينتقم بدلاً عنه. عيناه كانتا تحدقان في ماكيا، لكن خلف ذلك الثبات… كان قلبه يضجّ بالتناقض.

كين (في داخله): "أنا لست جاهزاً… أعلم أنني لا أملك القوة الكافية… ولكن… هل عليّ أن أراه يقتل المزيد؟ أن أقف مكتوف اليدين؟ لا… ليس هذه المرة.”

رفع سيفه الناري أكثر، واللهب التفّ حول النصل حتى أصبح كأنّه شُعلة خالصة.

ماكيا (بصوت ساخر): "هل ستشتعل أمامي يا فتى؟ أم ستحترق وأنت تحاول اللعب بالنيران؟”

ثم فجأة، ضرب ماكيا الأرض براحة يده، فانفجرت الأرض أمام كين وخرجت منها مئات الشظايا الصخرية الصغيرة التي طارت في الهواء بسرعة جنونية، وبدأت تتجه نحو جسده من كل الاتجاهات.

كين (يهمس): "إذاً… لنبدأ.”

تحرك كين! دار بجسده كالدوامة، وسيفه اشتعل بقوة أكبر. بدأ يقطع الصخور واحدة تلو الأخرى بحركات دقيقة، كل شظية تمسّ اللهب تتبخر، وكل حجر يقترب يُقسم إلى نصفين. الأرض تهتز، والهواء يمتلئ بشرر ناري وصوت تصادم الحجر بالنار.

ماكيا (يرفع حاجبه): "هممم… أنت أسرع مما توقعت.”

لم يمنحه ماكيا وقتاً، بل ضرب الأرض فجأة بكعب قدمه، لتخرج أذرع حجرية ضخمة من باطن الأرض، وكانت تحاول الإمساك بكين وشدّه نحو الأسفل.

كين (بقوة): "أنا لن أقع في الفخ ذاته مرتين!”

هبط كين على الأرض بانحناءة قتالية، كان صدره يعلو ويهبط، ووجهه مغطى بالعرق… لكنه لم يتراجع. لكن فجأة، تحركت عيناه نحو اليمين… نحو الجثة التي لا تزال ملقاة هناك… جثة نيورو. عيناه الرماديتان اتسعتا قليلاً… ثم بدأتا تتقلصان ببطء، وكأن شرارة أخرى قد انفجرت بداخله. تجمّد للحظة… ثم انفجر داخله كل شيء!

كين (بصوت خافت أولاً): "لقد… قتلته…”

شدّ قبضته على سيفه حتى ارتجف.

كين (يرتجف صوته من القهر): "لم يكن قوياً… لم يكن يُشكّل تهديداً… لم يكن حتى مهتم بسحقك…”

رفع كين رأسه ببطء نحو ماكيا، وصرخ بأعلى صوته، بصرخة سكنت فيها كل جراحه، وكل ذكرياته، وكل من فقدهم:

كين (يصرخ): "لن أسمح لك بقتل فرد آخر من عائلتي!!!”

صدى صوته ارتطم بجدران الجبل، حتى الطيور البعيدة تفرّقت من فوق القمّة.

كين (وهو يخطو خطوة للأمام، عينيه تشتعلان): "لقد أخذ سيروس كل شيء مني… أمي… أبي… أختي… أخي…!”

صرخ من جديد، والنار حوله انفجرت، كأن جسده لم يعد يحتمل الكتمان:

كين (بغضب هائل): "أنت لا تختلف عنه!! قاتلٌ مهووسٌ بالقوة… تستمتع بجعلنا ننهار… فلتسمعني جيداً، ماكيا… إن كنتَ تظن أنك فوقنا جميعاً، فسأُريك أن الرماد الذي نُبعثره اليوم… قد يُشعل نيران سقوطك غداً!!”

كان الهواء يشتعل من حول كين، حتى الصخور تحت قدميه بدأت تتشقق من حرارة نيرانه… رفع سيفه الناري ببطء، وأغمض عينيه للحظة، كأنّه يبحث عن شيء أعمق من اللهب… شيء لا ينبع من قوته، بل من إحساسه.

كين (بصوت داخلي): "تنين النار… لطالما حلمت بتنفيذه… لكنني لا أزال أفتقر إلى شيء… شيء صغير… أو كبير جداً…”

ارتجف اللهب حول جسده، بدأ يتغير لونه تدريجياً من الأحمر إلى البرتقالي اللامع… ثم الذهبي.

كين (يفتح عينيه، ويهمس): "حسناً… إن لم أستطع استدعاء التنين… فسأخلق وحشاً نارياً بطريقتي.”

رفع سيفه عالياً، ثم غرسه بقوة في الأرض!

كين (بصوت جهوري):["فاكن النار : الزئير الحارق!!!"]

انفجرت الأرض من حوله، وخرجت منها موجة نارية على شكل فم مفتوح ضخم، بأسنان لهب حادة، كان يتجه نحو ماكيا بسرعة جنونية، يزأر كوحش ثائر يريد التهام كل شيء أمامه! الصخور على الجوانب ذابت، والهواء صار له صوت! آن وأكيرا تراجعا فوراً، أما ماكيا… فقد ضيّق عينيه قليلاً، ثم رسم على شفتيه ابتسامة نصف مدهوشة.

ماكيا (يهمس لنفسه): "هممم… طاقة غريبة… لم أرَ هذه التقنية من قبل من سيروس."

عندما اقتربت الموجة النارية أكثر، مدّ ماكيا كفّ يده للأمام بهدوء… ثم همس بصوت بارد:

ماكيا: "اصمتي.”

وفي لحظة واحدة، خرج من راحة يده جدار صخري ملتفّ، دوّار الشكل، أشبه بدرعٍ حلزوني… اصطدمت به التقنية بقوة، تصاعد اللهب في السماء، وتبعثرت شراراته على الصخور، لكن… لم يُصب ماكيا بخدش. تلاشى اللهب شيئاً فشيئاً… وظهر ماكيا من خلف الجدار الحجري وهو واقف بثبات.

ماكيا (بصوت بارد وهو يتقدم): "تقنية جميلة، فتى اليوكاجي… فيها شيء من الجمال… لكنها تشبهك تماماً.”

اقترب أكثر… ثم وقف أمام كين تماماً، وقال بصوت منخفض:

ماكيا: "أهذا كل ما في جعبتك؟ لأنني لم أبدأ بعد.”

وجه كين امتلأ بالعرق، وصدره بدأ يعلو ويهبط بشدة… لكنه لم يتراجع. شدّ قبضته على سيفه بقوة، وهو يتمتم في داخله:

كين (بداخله، وهو يعض على أسنانه): "هو لم يُظهر حتى نصف جديته… ومع ذلك، يصد كل شيء وكأنني طفل يلعب بالنار…”

وفجأة… رفع ماكيا ذراعيه إلى الأعلى، وبدا كأن الأرض كلها تتنفس معه.

ماكيا (بصوت جهوري): ["فاكن الأرض : الصخور القاتلة!!”]

في لحظة، انشطرت الأرض تحت قدمي كين، وخرجت منها صخور حادة أشبه بالخناجر، وبدأت تتحرك بسرعة رهيبة كأنها سهام تنطلق من تحت الأرض، كل واحدة كانت موجهة بدقة نحو نقاط قاتلة في جسده!

كين (بعينين متسعتين): "سحقاً… هذا مختلف!”

اندفع كين ليصد الهجمات بسيفه الناري، قطّع أول صخرة، وصد الثانية، ثم الثالثة، لكن إحداها ارتدت من زاوية مائلة، وشقت كتفه الأيسر!

“شششششق!!”

صرخ كين بألم خافت، وتراجع لخطوة وهو ينظر إلى الدم الذي بدأ يسيل على ذراعه، ثم فجأة… ظهرت صخرة أخرى حادة وأصابت ساقه من الجانب!

كين (يئنّ): "آررغغغ…”

هوى على ركبته للحظة… لكنه لم يسقط. التراب تناثر حوله، وحرارة المعركة ازدادت، لكن كين… رفع رأسه بهدوء، ثم مد يده إلى جيبه الداخلي، وأخرج سيجارة واحدة، وضعها في فمه، ثم أشعلها بشرارة صغيرة من إصبعه، رغم الجراح… رغم اللهب… رغم أنفاسه المتسارعة.

آن (تراقبه بذهول): "هل… يشعل سيجارة الآن؟!”

أكيرا (بدهشة): "هذا الفتى مجنون.”

سحب كين نفساً طويلاً من السيجارة، ثم نفث الدخان ببطء، وعيناه لا تزالان على ماكيا بنظرة قاتمة وباردة.

كين (بصوت خافت، عميق): "أنت أقوى مني الآن… أعترف بذلك.”

ثم زفر مجدداً، وأكمل:

كين: "لكن القوة… لا تصنع الرجال، ولا تمنحك الخلود.”

ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيه، وبدأت نيرانه تتوهج من جديد.

كين: "وهذه النار… لا تُطفأ بسهولة.”

ماكيا (بابتسامة مريضة وهو يقترب خطوة): "كلمات جميلة، يوكاجي كين… لكنها لن تغيّر شيئاً.”

رفع رأسه قليلاً، ثم توقف عند كين مجدداً، وابتسم ابتسامة مليئة بالقسوة المطلقة.

ماكيا (بصوت بارد، مريض): "هل تعرف ما المشكلة الحقيقية في اليوكاجي؟”

توقف، ثم قال بنبرة أكثر جنوناً:

ماكيا: "أنهم يولدون وهم يظنون أنفسهم مختلفين… أقوياء، نبيلين، مصيرهم عظيم.”

ثم ضحك بهدوء، ضحكة خافتة تخرج من أعماقه كأنها سُم يتقطر:

ماكيا: "لو رأيتُ طفلاً رضيعاً من اليوكاجي… بين يدي والدته… يضحك بعينين رماديتين… سأكسر عنقه.”

رفع سبابته ببطء إلى الهواء.

ماكيا: "لأنهم لا يستحقون الحياة، ولا حتى واحد فيهم. فالمجد الحقيقي لي أنا!”

ثم نظر مباشرة في عيني كين، ونبرة صوته أصبحت كالسم:

ماكيا: "لهذا السبب تخلصت من نصف اليوكاجي المثير للشفقة ذاك، والآن سأكمل الموضوع بك…"

[في الجهة الأخرى من ساحة القتال – بالقرب من الصخور التي سقط عندها ستيف]

كان هناك صوت أنين ضعيف قطع كل شيء… كان مصدره هو ستيف. جسده ممدد على الأرض، غارق في دمائه… ذراعه اليمنى مقطوعة، ساقاه مكسورتان، وعيناه بالكاد مفتوحتان، تتأرجحان بين الوعي واللاوعي. ركض أكيرا باتجاهه بسرعة، وبعده بثوانٍ لحقت به آن، وجهها كان شاحباً، ودموعها انهمرت من جديد، رغم محاولتها تمالك نفسها.

أكيرا (يركع بجانب ستيف، يضغط على كتفه): "ستيف! تماسك! نحن هنا! لا تغلق عينيك!”

ستيف (بصوت ضعيف جداً، بالكاد يُسمع): "لم… أغلقها بعد…”

آن (تهوي بجانبه، تبكي): "أنا آسفة… أنا آسفة!!! أنت… أنت ضحّيت لأجلي! لو لم أتدخل… لما حدث هذا!”

وضعت يدها المرتجفة على جبينه، وشفتاها ترتجفان.

آن (تبكي وهي تهمس): "أنا السبب… أنا السبب… كان يجب أن أسمعك، كان يجب أن أهرب، لم يكن عليك أن تُكسر بسببي!”

ستيف حاول رفع رأسه قليلاً لكنه فشل، ثم تمتم بصوت متقطع:

ستيف: "ليس… ذنبكِ… أنتِ… كنتِ تحاولين فقط… القتال.”

أكيرا (بغضب): "توقف عن الحديث! لا تبرّر ما حدث!”

[عودة إلى ساحة القتال – كين في مواجهة ماكيا]

ماكيا (بصوت منخفض مميت): "لقد حان وقت الدرس الأخير، يوكاجي كين.”

رفع يديه الاثنتين نحو السماء… وبدأت الأرض كلها تهتز! خرجت أعمدة صخرية سوداء من قلب الأرض، لكن هذه المرة لم تكن مجرد صخور… بل كانت متوهجة من الداخل، كانت تحتوي على طاقة منصهرة، وكأنها قادمة من أعماق الجحيم نفسه.

ماكيا (وهو يشبك يديه بقوة أمام صدره): ["فاكن الأرض : السقوط الحتمي.”]

“دووووووووم!!”

انفجرت الأرض تحت كين، وأصبحت تتحرك بشكل دوّامي! أحجار ضخمة بدأت تدور حوله بسرعة هائلة، وكأنها إعصار صخري جهنمي، ثم بدأت تنقض عليه واحدة تلو الأخرى من كل الاتجاهات! قفز كين عالياً، لكن إحدى الصخور أصابته في خاصرته! ثم جاءت صخرة أخرى من الخلف واصطدمت بكتفه المصاب!

كين (يصرخ من الألم): "آآآغغغ!!”

تحطم سيفه تقريباً من قوة الاصطدام، سقطت السيجارة من فمه إلى الأرض، تراجع للخلف وهو يلهث، الدم يسيل من جروحه، اللهب يتراجع ببطء حول جسده…

ماكيا (يتقدم نحوه بهدوء): "سقط نصفكم… وأنت، حتى لو وقفت الآن، فأنت تحترق من الداخل أكثر من الخارج.”

رفع يده مجدداً، وكانت هناك صخرة حادة تشبه الرمح تطفو خلفه، وبدأت تتوهج بلون أحمر قاتم.

ماكيا (ببرود): "هذه المرة… لن تفلت.”

انطلق الرمح الحجري بسرعة صاروخية نحو كين!

“فششششخ!!”

انغرس الرمح الحجري مباشرة في صدر كين — ليس في القلب، بل في الرئة اليسرى تحديداً!

كين (بصوت مبحوح): "غ…غغ…اه!!”

اندفع جسده إلى الخلف بقوة، ارتطم بالأرض، وارتجّ جسده كله لحظة السقوط. صدمة الإصابة جعلت عينيه تتسعان وهو يشعر بألم داخلي قاتل… لم يكن مجرد جرح، بل اختناق حارق يمتد من صدره حتى حلقه.

آن (تصرخ من بعيد): "كيييين-سااااااااان!!”

أكيرا (يصرخ): "لاااااا!!!”

ارتفعت يد كين المرتجفة وهي تحاول أن تلمس الرمح الحجري المغروس في صدره، لكنه بالكاد استطاع رفع إصبعه. الدم بدأ يتسرب من فمه، ولهاثه أصبح متقطعاً، شعر بأن كل شهيق أصبح أشبه بالحرب. تقدّم ماكيا خطوة أخرى، عيناه تتفحّصان كين الراقد على الأرض… ثم فجأة، اهتزت يد كين اليمنى.

ماكيا (بتعبير مستغرب): "هممم؟ كم هذا مزعج، أردتها أن تصيب قلبك."

رفع كين ذراعه ببطء، ثم بدأ يضغط على الأرض ليرفع نصف جسده، رغم أن الرمح لا يزال مغروساً في صدره، والدم يتدفق بغزارة.

كين (بصوت مختنق، مرتجف): "لـ… لم أنتهِ… بعد…”

ماكيا (يرفع حاجبه): "مستحيل…"

واصل كين رفع جسده، كل عضلة فيه كانت ترتجف… عينيه نصف مغمضتين، لكنهما لا تزالان مشعلتين بنظرة رفض مطلق للموت.

آن (بصوت دامع): "كين-سان، ماذا تفعل…؟ جسدك لا يتحمل!”

أكيرا (يشد قبضته): "هذا الفتى… إنه يتحدّى الموت!”

كان الدم يتساقط على الأرض بكثافة، وقد غطّى النصل السفلي من سيف كين، أما صدره… فكان ينزف ويهتز مع كل نفس، ومع ذلك… بدأ يخطو ببطء نحو ماكيا.

كين (بصوت مبحوح، وهو يتمايل): "لن… تسلب مني المزيد… لن… أتركك… ترحل دون… أن تشعر… بالألم الحقيقي.”

ماكيا (وهو يضيق عينيه): "هذا… ليس طبيعياً.”

ترنّح كين فجأة… جسده فقد توازنه للحظات، ركبتاه كادتا تنهاران من ثقل الألم والنزيف، وسيفه الناري بدأ يتشقق من المنتصف، لكن…

كين (بصوت داخلي خافت، يتمسّك بالحياة): "انهض… انهض… لا تكن الضحية مجدداً…”

ضغط كفه على الرمح المغروس في صدره، ثم دفعه جانباً بكل ما تبقى لديه من قوة، رمى بجسده للأمام مجدداً، وسيفه النصف مكسور لا يزال مشتعلاً.

ماكيا (بغضب خافت): "عناد مقزز.”

رفع ماكيا يده بسرعة، وضرب الأرض براحة كفه، فاندفعت ثلاث صخور حادة من تحت الأرض كالرماح، واحدة باتجاه صدر كين، والثانية نحو فخذه، والثالثة نحو جانبه الأيمن.

“كشششششش!!”

أصابت الصخور كين دون رحمة. واحدة شقّت قميصه، والثانية جرحت فخذه، والثالثة كادت تخلع ضلعه الأيسر.

آن (تصرخ): “كين-ساااااان، توقف أرجووووووك!!”

لكن كين… لم يتراجع.

كان يتقدم… خطوة بعد خطوة.

الدم يسيل، وسيفه يقطر ناراً.

عينيه لا تنظران لأي شيء… سوى عيني ماكيا.

ماكيا (بصوت منخفض وهو يتراجع نصف خطوة لأول مرة): "إنه يرفض السقوط!"

ثم نظر إلى سيف كين.

ماكيا: "حتى سيفك لم يعد صالحاً… فلماذا ترفض الاستسلام؟ أيها المراهق العنيد!"

كين (بصوت متهالك، لكنه ثابت): "لأنني… لا أقاتلك بسيفي فقط… بل… بكل من فقدتهم… بكل من أحببتهم… بكل ما تبقى مني…”

توقّف كين فجأة، ثم خفض ذراعه ببطء. أفلت سيفه الناري على الأرض، فسقط السيف على الأرض مصدراً طنيناً خافتاً، وتبخر جزء من لهبه.

آن (بصدمة): “لا…! لا تتخلّى عن سيفك!!”

أكيرا (يصرخ): “كين!! ماذا تفعل؟!!”

لكن كين لم يكن يسمعهم… كان يسمع صوتاً آخر…

[داخل ذاكرته – صوت العجوز لاود]

لاود (بصوته العميق الهادئ): "كين… الفاكن ليس مجرد قوة تشعلها وتراقبها… الفاكن روح تستجيب للأوامر. لا يكفي أن تُطلق النار… عليك أن تُخبرها إلى أين تذهب… ولماذا.”

كين (في داخله): "أعطني فرصة… فقط هذه المرة يا جدي… دعني أستخدم ما علمتني إياه.”

فتح كين عينيه ببطء، ومد ذراعيه إلى جانبيه، والهواء من حوله بدأ يسخن بشدة. الصخور تحت قدميه بدأت تتشقّق وتضيء باللون البرتقالي، وبدأ يتشكل وهجٌ ناري أمامه، إلى أن تحول إلى رأس تنين ناري ضخم، عيناه تلتمعان، وفمه ينفتح كأنه يزأر.

كين (بهمس): "اسمعني… يا لهبي… هذا هو عدوك.”

ثم أشار بيده المرتجفة إلى ماكيا، وقال بصوت أشبه بالأمر:

كين (بنبرة قاتلة): "احرقه.”

“فشششششش!!”

انطلق التنين الناري نحو ماكيا بسرعة، زئيره الصامت مزّق الهواء، وذيله المشتعل لفّ الأرض من خلفه.

ماكيا (بعينين متسعتين): "هاه…؟!”

التنين انقضّ على ماكيا كإعصار ناري هائل، اللهب غطى القمة لثوانٍ، والجبل اهتز تحت أقدام الجميع.

ماكيا (بصوت منخفض، وهو يرفع ذراعه): "إذاً… قررت أن تزأر فعلاً يا فتى اليوكاجي؟”

رفع ماكيا كفيه إلى الأمام، وأنشأ درعاً حجرياً دواراً، لكنه تراجع بضع خطوات هذه المرة. لم يكن متوقعاً أن تكون الحرارة بهذه القوة… أو الشكل بهذه الدقة. وما هي إلا لحظات حتى اندفع التنين واصطدم بالدرع الصخري!

“بووووووووم!!!”

الانفجار الناري كان هائلاً… لكن وسط ذلك اللهيب، ظلّت عين ماكيا مفتوحة، تتبع ملامح النيران كما لو كانت تروي له قصة قديمة…

[فلاش باك – قبل 15 سنة -داخل صحراء محترقة – مواجهة بين ماكيا (40 سنة) وسيروس (25 سنة) ]

كان سيروس يقف هناك بشعره الأحمر المتطاير، وعيناه الرماديتان تشتعلان. وراءه… مئات… بل آلاف التنانين النارية تتكوّن في السماء دفعة واحدة! كلها تتجه نحو ماكيا… كلها بزئير واحد… كلها بقوة كانت تكاد تُفني الأرض.

ماكيا (في الذاكرة، بصوت داخلي): "تلك الليلة… سيروس جعلني أقاتل الجحيم نفسه.”

[عودة إلى الحاضر]

ماكيا (يهمس): "تنين واحد فقط؟ مجرد ظل باهت من ذلك اليوم… لا شيء أمام ما رأيته من سيروس.”

لكنه توقف فجأة، وكانت هناك معلومة قد ضربت رأسه كالصاعقة.

ماكيا (بصوت مرتفع وهو ينظر إلى كين): "انتظر.”

رمق ماكيا كين وهو واقف بالكاد، نصف جسده ينزف، وسيفه على الأرض، لكنه هو من أطلق ذلك التنين بدون مساعدة أحد!

ماكيا (عينيه تتسعان قليلاً): "سيروس… لم يتمكن من ضبط هذه التقنية إلا وهو في الثانية والعشرين.”

سكت لثانية.

ماكيا (بهمس): "وأنت… فعلتها الآن… في السادسة عشرة فقط؟!”

التنين بدأ يتلاشى في الهواء، اللهب ينخفض ببطء، وكأن الروح انسحبت منه. أما كين… فقد ركع على ركبته وهو يتنفس بصعوبة، يضغط بكفه بقوة على صدره المصاب.

ماكيا (ينظر إليه طويلاً، ثم يتمتم): "ما الذي أنت عليه بالضبط…؟”

كين (بداخل نفسه، بصوت متقطع): "لم أعد… أرى بوضوح… الهواء… ثقيل…”

عينيه بدأت تتذبذبان… الصورة أمامه تهتز… الأرض تتمايل… صوت النيران الذي كان يملأ أذنيه بدأ يخفت، وكأن العالم يغرق في أعماق بطيئة من الفراغ.

كين (بهمس وهو يلهث): "أقدامي… لم تعد تستجيب… رأسي… يدور…”

ماكيا (يتقدّم نحوه ببطء، صوته منخفض): "لم أقرر بعد إن كنت يجب أن أقتلك… أو أن أتركك فقط… لتتعفّن وأنت تدرك أنك ما زلت ناقصاً.”

اقترب ماكيا حتى أصبحت ظلاله تغطي كين بالكامل…

ماكيا (ينظر إلى كين بنظرة عميقة): "رغم كل ما فيك من ضعف… ورغم كل هذا الدم… إلا أن هناك شيئاً مزعجاً في داخلك… شيء لا أستطيع فهمه بعد.”

حاول كين رفع رأسه بصعوبة بالغة، عيناه نصف مغمضتين، وشفتيه ترتجفان، لم يستطع حتى أن ينطق.

ماكيا (ينزل بجسده قليلاً، يهمس أمام وجهه مباشرة): "ما زلت على قيد الحياة، يا فتى اليوكاجي… وهذا وحده يجعلني متوتراً.”

كين (بداخل نفسه، يهمس بصعوبة): "إنه يقترب… إن هاجمني الآن… لن أستطيع الرد…”

يتبع…

2025/04/08 · 7 مشاهدة · 3005 كلمة
Sara Otaku
نادي الروايات - 2025