صوت الانفجار كان يمزق السماء… الجبل ينهار من الداخل، وماكيا يقف على القمة، يضحك بهستيريا قاتلة، رافعاً يده نحو السماء.

ماكيا (بصوتٍ وحشي): “وداعاً، أبناء الحثالة!!”

أما في الأسفل… كان آكيو يحتضن كين بشدة، عيناه لا تزالان بلا بؤبؤ، ووجهه يتصبب دماً، لكنه لم يستطع التحرك أو المقاومة، فقط أغلق ذراعيه أكثر حول جسد صديقه.

آكيو (بهمس خافت داخلي): "أعتذر يا كين… يبدو أني لن أستطيع إنقاذك… ولا إنقاذ نفسي… لقد كنت دائماً متهوراً… وصديقاً سيئاً!"

انهالت الصخور من السماء وكأن القيامة نزلت، ولم يتبقَ سوى ثوانٍ لتمحى أجسادهم من الوجود.

لكن فجأة!!!

“شششششششققققكككككك!!!”

دوى صوت أشبه بانفجار الضوء نفسه! شعاع أبيض مشعّ شقّ السماء كالسهم!

“كاااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااك!!”

اصطدم الشعاع بالصخرة التي كادت أن تسحق آكيو وكين، فقطعها من منتصفها… ثم فجّرها إلى فتاتٍ متوهّج اختفى في الهواء! توقفت الأرض للحظة… الصواعق سكتت، ضحكة ماكيا انقطعت. نظر الجميع نحو مصدر الضوء… وهناك، على حافة الجبل المقابل، وقف رجلٌ مجهول، كان طويلاً، ويرتدي كيمونو أسود، ويمسك بسيف مشع في يده اليمنى… سيف لم يُرَ مثله قط.

كان شكله هادئاً لكن مرعباً… شعره أشقر قصير، عيناه خضرواتان كالغابة، وبشرته شاحبة، ويبدو أنه في منتصف العقد الثالث من العمر، كان إسمه هو زايلوس.

ماكيا (بعينين متسعتين، بصوت منخفض): "من… أنت؟”

تقدّم الرجل خطوة، ثم ثبت سيفه في الأرض، فتوقف بعدها كل شيء! الصخور المجنونة، الزلازل، الجاذبية، حتى البرق… كل شيء صمت بوجود هذا الرجل! ولم تصمت فقط، بل اختفت تماماً من الوجود، حيث خرجت ثقوب سوداء صغيرة في الهواء وابتلعتها بلحظة واحدة!

زايلوس (بصوتٍ بارد يشقّ السكون): "هذه ليست طريقتي في الدخول… لكن يبدو أنني وصلت في اللحظة المناسبة.”

ثم نظر مباشرة إلى آكيو وكين… وعيناه لا تحملان شفقة، بل قراراً حازماً.

زايلوس: "الساموراي لا يموت بهذه الطريقة.”

ارتفعت الرياح من جديد… لكن هذه المرة لم تكن بسبب الفواكن أو العواصف، بل بفعل صخرة عملاقة قادمة من بعيد، كانت تسقط من قمة الجبل المجاور بسرعة مرعبة، متجهة مباشرة نحو المنطقة التي يقف فيها زايلوس!

“فشششششششششششششووووووووووووو!!!”

لكن زايلوس لم يتحرك سوى خطوة واحدة. رفع سيفه الغريب، ثم مرره أمامه بحركة واحدة فقط، كانت حركة ناعمة ولكنها بدت وكأنها تشق الفضاء نفسه!

“زفففففففففففففففففف!!!”

قُطعت الصخرة من المنتصف دون أن تلامس الأرض، ثم تناثرت إلى رماد حجري تبخر في الهواء وكأن شيئاً لم يكن!

زايلوس (بهدوء، وهو يعيد سيفه إلى وضع الاستعداد): "كنت في منزلي… أسفل هذا الجبل، عندما سمعت كل هذا الصراخ والانفجارات. ظننت أن بركاناً سينفجر، لكنني لم أتوقع أن أجد الإمبراطور العظيم ماكيا بنفسه هنا.”

نظر إليه بنظرة ازدراء لا خوف فيها، فقط قرف صريح.

زايلوس (بصوت أكثر حدة واشمئزازاً): "إمبراطور فالوريا العظيم، يقف على جبل من الجثث… يطارد مجموعة من المراهقين فقط لأنهم ساموراي؟ هذا لا يشبه العظمة… هذا يشبه المرض.”

نظر إليه ماكيا بعبوس، وبدأ يضيّق عينيه… كأنه يتفحّص هذا الرجل بدقة.

ماكيا (بصوت مشحون بالتحذير): "أنت زايلوس… ساموراي إمبراطورية زيتارا الأول، ابتعد عن طريقي حالاً!"

ابتسم زايلوس ابتسامة هادئة وواثقة، ثم رفع سيفه الغريب مجدداً.

زايلوس (بصوت عميق، وهو يغمض عينيه للحظة): "لقد نسيتم كم أن العالم نسي أسماءنا… نسيتم بأن الساموراي ليسوا مجرد مقاتلين… بل حَمَلة إرث.”

فتح عينيه فجأة، وغرس سيفه في الأرض أمامه.

“دووووووووووووووم!!!”

اهتزت التربة بلطف… ثم سكنت، مرت لحظة صمت قبل أن يحدث ما لا يمكن تصديقه. انشق الهواء خلفه… لا، لم يكن مجرد هواء… بل شقوق حقيقية بدأت تظهر في السماء نفسها، كأن الفضاء يتمزق! هذه الشقوق كانت تنبض بضوء نجميّ غامض.

زايلوس (بصوتٍ هادئ وعيناه تتوهجان بخضرة قاتمة): ["فاكن الشق النجمي”]

بدأت الشقوق تتسع، وأطرافها تتلألأ بقطع من الضوء الأسود، مثل حواف نجوم تموت.

زايلوس (يتابع): "هذا الفاكن لا ينتمي للأرض… بل لما هو أبعد منها. يمكنني فتح شقوق صغيرة في الفضاء، أمتصّ بها الطاقة… أو أطلق من خلالها فراغاً نجمياً يمزق كل ما يعترض طريقي.”

انفجرت واحدة من الشقوق خلفه فجأة، فخرج منها خطٌ من الضوء البنفسجي الداكن، قطع صخرة بعيدة في الأفق إلى نصفين دون صوت… وكأنها لم تكن هناك أصلاً.

ماكيا: "فاكن الفراغ؟ ماهذا الهراء؟!”

تقدّم زايلوس ببطء، واقترب من آكيو الذي كان جاثياً على ركبتيه، كان لا يزال يحتضن كين وهو يتنفس بصعوبة. عيناه ما زالتا بلا بؤبؤ… جسده يرتعش، والدماء لا تزال تسيل من جميع أنحاء جسده ووجهه، فانحنى أمامه زايلوس ببطء شديد.

زايلوس (بصوت خافت لكنه مليء بالقوة): "ما فعلته كاد يقتلك… لكن لا تخجل، فهذه كانت أول مرة تصل فيها إلى حدودك الحقيقية.”

مدّ يده بلطف ووضع إصبعين فقط على علامة البرق في جبين آكيو.

زايلوس (بهمس): "اركُنْ قوتك الآن يا فتى… استعد بصرك، واستعد طريقك… لا زال أمامك الكثير لتراه.”

خرج ضوء خافت من أصابع زايلوس، وكان أشبه بهالة رمادية رقيقة. في لحظة… رمش آكيو مرتين… ثم…

آكيو (بهمس، بصوت منهك): "أنا… استعدت بصري!”

زايلوس لم يجب… بل وقف واستدار ببطء لينظر نحو ماكيا.

زايلوس (بصوت جهوري، نبرة احتقار نبيل): "لطالما استهزأ أمثالك بالساموراي، لأنكم لم تفهمونا قط، نحن لا نقاتل من أجل السلطة… بل من أجل التوازن. أنتم تسعون للفوضى لتُظهروا قوتكم، أما نحن… فنقف وحدنا في وجه العاصفة عندما لا يقف أحد.”

ثم أشار إلى آكيو وكين، دون أن يلتفت.

زايلوس: "حتى هذا الطفل الذي بالكاد نضج… وقف أمامك بجسده، وهو يعلم أنه لن ينتصر. أتعلم ماذا يسمّى هذا؟”

ماكيا (بصوت ساخر): “غباء؟”

زايلوس (بهدوء، كأنه لا سمعه): "شرف… ولهذا… نحن مختلفون.”

رفع زايلوس سيفه مجدداً، والسيف بدأ يطلق وميضاً فضائياً جديداً.

ماكيا (يضحك بسخرية وهو يخطو للأمام): "هاه… الشرف؟ ترددونه كأنه درع، لكنه لا يصد رصاصة، ولا ينقذ صديقاً يحتضر… إنه مجرد حكاية يرويها الضعفاء ليشعروا بأنهم مهمون."

رفع يده اليمنى، وبدأت الأرض ترتجف من تحت قدميه، ثم صدرت من جسده نبضات حجرية عنيفة.

ماكيا (بصوتٍ قاتل): [“فاكن الأرض – قبضة المدى السفلي!!”]

خرجت من تحت أقدام زايلوس عدة أذرع صخرية عملاقة، وحاولت الإمساك به وشدّه إلى الأرض! لكن زايلوس لم يتحرك.

زايلوس (بصوت عميق): “أنت تقاتل وكأنك لم تتعلم من فوضاك شيئاً… مؤسف.”

رفع سيفه بزاوية مائلة، وبحركة واحدة فقط…

زايلوس: [“فاكن الشقّ النجمي – الثقوب السوداء!”]

“ززززززززشششششششقققققققق!!!”

انشقت الفراغات بينه وبين الأرض فجأة، وابتُلِعت الأذرع الصخرية واحدة تلو الأخرى داخل شقوق فضائية متلألئة، قبل أن تختفي تماماً وكأنها لم تكن. اندفع ماكيا بسرعة خارقة نحو زايلوس، يده اليمنى تحولت إلى مطرقة صخرية هائلة، يهوي بها من الأعلى نحو رأس خصمه!

ماكيا (يصرخ): “سأُرِيـك من هو المريض، أيها الساموراي اللعين!!”

ثبت زايلوس قدميه ثم لوّح بسيفه للأعلى.

زايلوس: [“فاكن الشقّ النجمي – السيف العاكس!”]

“كااااااااااااااااااك!!!”

ارتطم الهجوم الصخري بنقطة فراغية أمام زايلوس، ثم ارتدّ كالموجة المعكوسة نحو ماكيا نفسه!

“بوووووووم!!!”

تراجع ماكيا للخلف وهو يلهث، لكنه كان يبتسم.

ماكيا (يبصق دماً): “فاكنك… مرعب… لكنه يعتمد على التلاعب الفضائي… والفضاء لا يحميك من شيء واحد.”

زايلوس (ببرود): “وما هو؟”

ماكيا (يركع على الأرض ويمدّ كلتا يديه نحو الأرض): [“فاكن الأرض – صدى النواة!!!”]

فجأة… اهتز الجبل بالكامل بعنف لم يسبق له مثيل! انفجرت نيران من قلب الأرض، وارتفعت الصخور إلى الأعلى وكأن زلزالاً جحيمياً يُبعث من تحت الأرض! لكن زايلوس لم يتحرك… أغلق عينيه للحظة… ثم همس بشيء لم يسمعه أحد.

زايلوس (بهمس): “انتهت اللعبة…”

فتح عينيه، وأشار بسيفه نحو الأعلى.

زايلوس: [“فاكن الشق نجمي – الثقب الأسود الطارد!!”]

“كرررررررررررررررررررررررررررااااااااااااااااااك!!!”

في السماء… فُتِحت دوامة سوداء، دوامة هائلة تُشبه ثقبا أسوداً مصغّراً، لكنها كانت تدور بسرعة جنونية، وتصدر منها أصوات صرير قاتلة!

ماكيا (بصوت متوتر): “ما هذا؟ هذا ليس مجرد فاكن!! أنت كاذب!!"

زايلوس (بصوت صارم، كأنه يُصدر حكماً): “لقد انتهكت حرمة أراضي الإمبراطورية، قتلت أبناء الساموراي، ودنّست ما لا تفهمه… وحكمك هو: الطرد خارج هذا العالم.”

رفع زايلوس يده، فأُطلق شعاعٌ من الفراغ، وبدأ ذلك الثقب يسحب جسد ماكيا إليه.

ماكيا (يصرخ وهو يُسحب): “لن تنجو!!!! سأعود يوماً، أيها الحشرة!!! سأدمركم جميعاً!!!”

زايلوس (يهمس ببرود هائل): “ليتك لا تعود…”

ثم أدار زايلوس سيفه ببطء، فابتلع الثقب الأسود جسد ماكيا بالكامل… وأغلق على نفسه فجأة.

“دوووووووووووووووووووووووم!!!”

بعد أن أغلق زايلوس الثقب النجمي، بقي واقفاً لثوانٍ وسط السكون…

زايلوس (بهدوء داخلي): “من يزرع الفوضى… لابد أن يُبتلع بها.”

ثم استدار ببطء، عيناه الخضراوان توقفتا على جسدٍ كان ممدداً بعيداً عن ساحة القتال، جسد نيورو، كان مطروحاً بين الصخور المحطمة، ملطخاً بالتراب والدماء. اقترب زايلوس ببطء، ووقف أمام الجثة. ظل ينظر إليه بصمت لوهلة، ثم تنفّس ببطء وأغلق عينيه للحظة.

زايلوس (بصوت منخفض): "مؤسف.”

فتح عينيه، وانحنى قليلاً أمام الجثة، لم يلمسها… فقط نظر إلى الشقّ الطويل الذي اخترق صدر نيورو.

زايلوس (بغصة دفينة في نبرته): "لم يكن يجب أن ينتهي طفلٌ هكذا، لقد حُكِمَ عليه بالموت فقط لأنه تسكع مع بعض الساموراي…"

رفع رأسه، ونظر نحو السماء التي بدأت تهدأ، ورأى الغيوم وهي تتفرق، وضوء الشمس الخافت يتسرّب من خلفها.

زايلوس (بهمس حزين): "أطفال ملاحقون، دماء بريئة، وقاتلٌ مجنون يظن نفسه إلهاً… أهذا ما وصل إليه عالمنا؟”

ثم أدار عينيه نحو آكيو الذي كان لا يزال منهكاً بجوار كين، فابتسم زايلوس ابتسامة صغيرة بالكاد تُرى… لكنها كانت مليئة بالإدراك.

زايلوس: "ومع ذلك… أنتم قاومتم…. وقفتم وحدكم أمام جبلٍ من الوحشية. هذا وحده… أكثر من كافٍ.”

ثم جلس بجانب جثة نيورو، ومدّ يده ووضعها على رأسه بلطف.

زايلوس (بصوت هادئ جداً): "نم بسلام، يا صغير…”

ثم وقف مجدداً، ونظر نحو بقية المصابين والدمار المحيط. اقترب زايلوس بهدوء من آكيو الذي استعاد بصره منذ قليل، وحين رأى زايلوس يقترب، حاول الوقوف لكنه سقط مجدداً على ركبتيه.

آكيو (بصوت متعب، لكنه عميق): "شكراً لك… لقد أنقذتني… وأنقذتنا جميعاً.”

لم يجب زايلوس في البداية… فقط أومأ له بإيماءة قصيرة ثم انحنى فجأة على ركبته بجانب كين، الذي كان لا يزال ممدداً بلا حراك، جسده ساكن تماماً، وعيناه مغمضتان، والدماء تغطي صدره وكتفه وذراعيه. ثم مدّ يده نحو عنق كين… ووضع إصبعين بهدوء عند موضع النبض، لحظة… ثم لحظتان…

زايلوس (بهمس منخفض جداً): "لا نبض.”

سحب إصبعيه ببطء، وفتح عيني كين بإصبعيه الآخرين، ثم تفحص تنفّسه… لم يكن هناك شيء.

زايلوس (بصوت منخفض مملوء بثقل الحقيقة): "لقد مات.”

تجمّدت عضلات وجه آكيو… عيناه اتسعتا بشدة، تنفّسه تسارع فجأة من ما سمعه.

آكيو (بصوت مرتجف، حاد): "كاذب!!!”

صرخ بها فجأة، وكأن قلبه لم يتحمّل الحقيقة.

آكيو (ينهض مترنحاً، ثم يندفع نحو زايلوس): "أنت لا تعرف شيئاً! كين لا يموت بهذه السهولة! أنت لا تفهم من هو كين!!!”

بقي زايلوس ساكناً وهو ينظر إليه بصمت.

آكيو (يدفع زايلوس بيديه المرتعشتين): "تحسس النبض من جديد!! لم تكن دقيقاً! كان ضعيفاً فقط… ربما نبضه بطيء! كين لا يموت!!!”

ركض آكيو وجثا على الأرض بجانبه، ثم احتضن جسد كين بكل قوته… رأسه انخفض على كتفه، وبدأ يهزه بهدوء، وكأنه يحاول إيقاظه من كابوس.

آكيو (بهمس مكسور): "كين… لا تفعلها بي… أنت وعدتني… قلت لي بأنك لن تموت حتى تحقق حلمك معي، حتى لو كنت تكذب… فقط… افتح عينيك… مرة واحدة…”

لم يكن هناك رد.

آكيو (ينفجر باكياً وهو يصرخ): "افتح عينيك يااااااا كيييييييييييييييييييييين!!!”

انهار على صدره، وانفجرت دموعه بسرعة. لم يكن بكاء طفل خائف… بل كان بكاء إنسان خسر ما كان يبحث عنه طوال هذه السنوات. زايلوس أغلق عينيه ببطء، وأدار وجهه قليلاً… كأن هذا الألم أعاد له شيئاً كان قد نسيه منذ زمن. انحنى آكيو أكثر على جسد كين، وبكى كما لم يفعل يوماً… كان يبكي بصوت مرتجف، تتقطّعه شهقات الألم، وكأن شيئاً في صدره انكسر ولن يُصلَح أبداً.

آكيو (وهو ينظر إلى وجه كين، ودموعه تنهمر): "أنت… لا تشبه الموتى… وجهك ما زال دافئاً… أرجوك، افتح عينيك… ولو قليلاً فقط… قل أي شيء، اسخر مني، قل إنني أحمق كما تفعل دائماً…”

اقترب أكثر… ثم ضحك بصوت باكٍ ومختنق.

آكيو (بابتسامة حزينة): "انهض وقل لي إنني غبي لأنني بكيت… أو أن صراخي قبل قليل كان مثيراً للشفقة… قلها، كين… فقط قلها…”

ثم سقطت دمعة كبيرة من عين آكيو، وارتطمت على خد كين مباشرة.

[داخل كين]

العالم كان أسود… فراغ لا لون له، لا أرض، لا سماء، لا جدران. مجرد مساحة لانهائية من الظلام، وكان هناك شيء واحد فقط يتحرك… المطر.

كان المطر ينهمر بشدة، قطراته تسقط على الأرض المظلمة وتختفي. ووسط هذا المشهد… كان كين يقف وحيداً، شعره مبلل بالمطر، ملابسه ملطّخة بالدم، وجهه ساكن، لكن عيناه كانتا تائهتين.

وفجأة… ظهر أمامه شخصٌ يعرفه جيداً… أكاكو. كان يقف هناك وهو يبتسم بهدوء، عيناه الرماديتان تلمعان وسط الظلام. وبجانبه، ظهرت والدته ماشا وهي تفتح ذراعيها بلطف، ثم إيميلي، أخته الصغيرة، كانت تركض نحوه بضحكتها المعتادة، وبجانبهم كان يقف العجوز لاود وهو يبتسم له بلطف.

وأخيراً… ظهر نيورو. كان واقفاً خلفهم بسكون وهو يحدق بكين بصمت عميق، ثم أومأ له بإيماءة واحدة، احترام… صداقة… ووداع. ظل كين واقفاً بلا حركة، عيناه تنظران إليهم جميعاً… ونظراته تحمل ذلك الحزن الصامت الذي يحمل بقايا حلم كُتب له أن يتلاشى. ثم اقترب منه أكاكو بخطوات بطيئة، حتى وصل إليه ووضع يده على كتفه بلطف.

أكاكو (بصوت عميق ومليء بالفخر): "لقد فعلت ما لم أستطع فعله أنا… وقفت وحدك، وواجهت العالم كله رغم أنك لم تكن مستعداً بعد.”

أخفض عينيه قليلاً، ثم تابع:

أكاكو: "أنا فخور بك… ليس لأنك قوي، بل لأنك اخترت أن تكون كذلك رغم كل شيء.”

كين (بهمس متردد، وهو ينظر إلى وجهه): "أبي…؟”

لم يكن سؤالاً، بل اعترافاً مكسوراً بالخوف والحنين والدهشة. تسمرت نظرات كين عليه لثوانٍ… ثم فجأة، انخفض رأسه… وسقطت دمعة واحدة من عينه، تبخرت قبل أن تلامس الظلام تحت قدميه.

كين (بهمس مهزوز): "أنا آسف… لم أكن قوياً بما يكفي لتحقيق ما وعدتك به…”

لم يجب أكاكو بشيء… فقط احتضنه… كان حضناً صامتاً، لكنه حمل كل ما لا يُقال. اليد التي لطالما ربتت على كتفه وهو صغير… عادت لتغمره من جديد. ثم ظهرت ماشا، وبدون أن تقول كلمة… انحنت عليهما واحتضنت كين من الخلف، رأسها على كتفه، ودموعها لا تنزل… بل كانت عيناها مليئتين بالحب الصافي. إيميلي الصغيرة وبضحكتها المعتادة، قفزت عليه من الأمام، ولفت ذراعيها الصغيرتين حوله، ثم همست بصوتٍ حنون:

إيميلي: "اشتقت لك يا كين… لا تبكِ، نحن بخير.”

كان قلب كين يتمزق في تلك اللحظة… لأنه لم يشعر بدفء كهذا منذ سنوات. لكن جزءاً منه لم يرد المغادرة.

[العالم الحقيقي – فوق قمة الجبل المنهار]

كان آكيو لا يزال جاثياً بجانب كين، والدموع لا تتوقف من عينيه، لا يزال يهمس باسمه مراراً… لكنه بدأ يلاحظ شيئاً.

آكيو (بداخله، وهو يحدق بجسد كين): "لم يمت لفترة طويلة… جسده ما زال دافئاً… قلبه فقط… توقف عن النبض…”

ثم تذكّر… بعض اللقطات مبعثرة من الكتب، ما رآه في المستشفى ذات مرة، وبعض الأفكار العشوائية التي راودته حين كان يشعر بالفضول في طفولته.

آكيو (بداخله، بعينين تتسعان ببطء): "الإنعاش… الصدمة الكهربائية… الصدر… القلب…!”

نظر إلى يديه، ثم إلى جسد كين، ثم عضّ على شفته حتى سال الدم منها.

آكيو (بهمس مرتجف): "أنا أملك البرق… لكن… هل أستطيع إنقاذه؟ أم سأدمره أكثر؟!”

يده اليمنى بدأت ترتجف… الشرارات الصغيرة بدأت تتجمّع على أطراف أصابعه… نعم، يستطيع إطلاق صعقة… لكنه لا يعلم كم يحتاج من الفولت. هل يجب أن يخفف؟ هل يزيد؟ وماذا لو لم يكن الأمر سوى وهم…؟

آكيو (بصوت داخلي متصلب): "لن أتركه يرحل هكذا… حتى لو فشلت، سأفشل وأنا أحاول…”

قام بإزالة الملابس عن كين، ثم وضع يديه على صدره، فوق قلبه مباشرة، كانت الدماء ما تزال دافئة، وصوت الريح من حولهم يخفت شيئاً فشيئاً. كان زايلوس يراقب بصمت وهو يفهم ما كان ينوي آكيو فعله…

زايلوس (بصوت منخفض وجاد): "لاتستخدم غضبك… بل تحكّمك، الصدمة يجب أن تكون كافية لتحفيز القلب… لا لتحطيمه.”

آكيو (بهمس متوتر): "أنا لا أعرف كم… لا أعرف كيف أُحدد الفولت المناسب!”

زايلوس (بصوت حازم): "ركز على نبضك… واجعل نبضه يتبعك.”

أغمض آكيو عينيه لثانية، وبدأ يُنصت إلى جسده، إلى قلبه، إلى صوته الداخلي…

آكيو (بهمس أخير): "سامحني كين…”

[داخل كين – في الفراغ الأسود]

كان كين ما يزال محتضناً عائلته، محاطاً بدفءٍ لم يشعر به منذ سنين… لكن فجأة، ارتجف العالم.

“كككككككررررررررااااااااااااااااااااااااااك!!!”

المكان بدأ يهتز… أولاً بلطف، ثم بعنفٍ متصاعد. بدا وكأن الفراغ نفسه قد أصابه زلزال! المطر اختلط بالعاصفة، والبرق بدأ يضرب بعيداً… ثم اقترب. السماء السوداء انشقت، وأصوات الرعد أخذت تصرخ بصوتٍ عالٍ.

كين (ينظر حوله مذهولاً): "ماذا… يحدث؟!!”

ثم نظر أمامه بسرعة… كان أكاكو لا يزال واقفاً هناك، وبجانبه ماشا وإيميلي… لكن…

كين (بقلق، يبحث بعينيه): "أين… أين دان؟! لماذا دان ليس هنا؟!”

أكاكو نظر إليه بصمت للحظة، ثم تنهد وقال بصوت عميق:

أكاكو: "دان… لا يزال حياً يا كين. لم يمت معنا، ولهذا… لم يظهر هنا.”

كين (بتوتر): "لكن… دان تعرض لطلق ناري مباشر في رأسه!! مات أمامي… رأيته يسقط… رأيت الدم!! كيف تقول إنه حي؟!!”

أكاكو (بعينين حزينتين، صوته هادئ لكنه واثق): "ما رأيته قد لا يكون كل شيء… ليس كل ميت ميتاً، كين. ولا كل من يسقط… يسقط للأبد.”

قبل أن يستطيع كين أن يسأل أكثر… شعر بقوة لا تُقاوم تشده من الخلف مجدداً.

كين (يمد يديه للأمام محاولاً البقاء): "لا!! لا أريد الرحيل الآن! انتظر!! أبي!!”

أكاكو (يمد يده بسرعة ويمسك بيد كين للحظات): "ابحث عنه يا كين… دان حي، في مكان ما… وقد يحتاجك أكثر مما تظن.”

كين (يصرخ): "أريد البقاء! أريد أن أفهم!!”

إيميلي (من بعيد، وهي تلوح له): "سنراك لاحقاً يا كين… كن شجاعاً!”

ماشا (بابتسامة حزينة): "عد… لكن عد بعد أن تحقق كل ما أردته، لم يحن الوقت لرحيلك بعد، كين…"

ثم…

ككككككررررررررررااااااااااااااااك!!!

شقٌّ من الضوء البرّاق اخترق كين وسحبه فجأة… اختفى من أمام عائلته تماماً، بينما كانت يده الأخيرة تنفلت من قبضة أبيه.

صوت أكاكو (كالصدى): "ابحث عن داااااااااااان!!!”

يتبع…

2025/04/10 · 13 مشاهدة · 2693 كلمة
Sara Otaku
نادي الروايات - 2025