[المستشفى العسكري – جناح الطوارئ]

الوقت بدا وكأنه تجمّد… آكيو يحدّق في أكيكو، وأكيكو تحدّق فيه.

آكيو (بصوت مرتجف، عينيه تتسعان): "من أنتِ؟!”

أكيكو (ترد عليه بنفس النبرة): "بل من أنت؟!"

أكيو (يصرخ وهو يحاول النهوض، رغم الألم): "أنا من يجب أن يسأل!! كيف… كيف تمتلكين نفس العلامة؟ نفس العينين؟ نفس… كل شيء؟!! توقفي عن تقليدي!"

أكيكو (ترمش ببطء، وتتكلم بنبرة خالية من الانفعال): "أنا لا أقلد أحداً. ربما أنتَ من تقلدني دون أن تدري.”

آكيو (يحرك يديه بعصبية): "ما هذا الهراء؟! أنا… أنا هو الحقيقي! هذه علامتي منذ ولادتي! هذه عيناي! هذا شعري! لا أحد يشبهني!”

أكيكو (تقاطع بهدوء): "واضح أنك تؤمن بأنك مركز الكون.”

آكيو (ينفجر غاضباً): "أجل! لأني لا أفهم ما يحدث هنا! لا أفهم كيف توجد فتاة تشبهني بكل شيء! هذا مخيف! هذا مزعج! وهذا… هذا… هذا مستفز!!!”

أكيكو (تكتف ذراعيها، بصوت بارد): "هدئ من روعك، نحن لا نحقق شيئاً بالصراخ. لنبدأ بالمعلومات.”

آكيو (بوقاحة مترددة): "معلومات؟ أي نوع من المعلومات؟!”

أكيكو (بهدوء منطقي): "تاريخ ميلادك؟”

آكيو (يرفع حاجبيه، ما يزال غير مستوعب): "هاه؟ 27-7… سنة 361! لماذا؟”

أكيكو (بلا تردد، تنظر في عينيه مباشرة): "وأنا كذلك.”

آكيو (يتجمد، ثم يضحك بتوتر): "مستحيييييييييل! مستحيل! لا… لا! مجرد صدفة! أكيد مجرد صدفة!”

أكيكو (تتقدم خطوة، تقول ببرود): "ماذا عن اسم عائلتك؟”

آكيو (يتراجع قليلاً، يحك رأسه بتوتر): "ساكاموتو… ساكاموتو آكيو…”

أكيكو (تخفض رأسها قليلًا ثم ترفع عينيها): "وأنا… ساكاموتو أكيكو.”

آكيو (يتجمد مكانه، يرتجف، يرفع إصبعه ويشير نحوها): "أنتِ تكذبين! أنتِ ترددين ما أقوله فقط! هاه؟ أنتِ… أنتِ تسخرين مني؟!”

أكيكو (بهدوء تام): "منذ لحظات كنت تقول إنني مجرد نسخة تقلدك… والآن تقول إنني أعرف أكثر مما أعرف؟ قرر يا عبقري.”

آكيو (ينفجر): "أنا لست عبقري!!”

أكيكو (ترفع حاجبها): "واضح.”

مرت لحظة صمت، ثم جلس آكيو مجدداً على السرير، وقد بدا وكأنه تم صعقه بحقيقةٍ كان قلبه يرفض تصديقها.

آكيو (بهمس، وهو يحدق بالأرض): "هل حقاً… لدينا نفس الاسم… ونفس العلامة… ونفس تاريخ الميلاد…؟”

أكيكو (بصوت منخفض، لا يزال ثابتاً): "تبدو كافية لتفسير بسيط… نحن توأمان، على ما يبدو.”

آكيو (يرفع عينيه إليها، ويهمس بدهشة): "لكن… لماذا لم أعرفكِ من قبل؟ أين كنتِ؟ من تركنا؟ من نحن حقاً؟”

هنا ساد الصمت… ولم يعد أحد منهما يملك الإجابة بعد. لا زال آكيو يحدق في أكيكو، بينما أكيكو تفعل نفس الشيء. لكن فجأة… فُتِحَ باب الغرفة بهدوء، ودخل زايلوس وذراعاه خلف ظهره.

زايلوس (بصوت ساخر خافت وهو يقترب): "أوه، وأخيراً… رأيتما ما كان واضحاً منذ البداية.”

آكيو (ينظر إليه بحدة): "أنت… كنت تعلم؟!”

زايلوس (يبتسم بخفة، يجلس على الكرسي بجانب الجدار): "منذ أن وقعت عيني على ملصقك أيها الفتى، كنت أعلم. عيناك… جبهتك… حتى سلوكك الفوضوي. جعلتموني أضحك كثيراً أثناء صعودنا الجبل، كيف لم تلاحظا طوال هذا الوقت؟”

أكيكو (تنظر إليه بلا تعبير): "لم أفكر في الاحتمال، التشابه الجيني لا يعني بالضرورة صلة مباشرة… إلا إن اجتمعت العوامل.”

زايلوس (يضحك قليلاً): "هاه، تماماً كما توقعت منكِ… منطقكِ ممل لدرجة قاتلة.”

آكيو (يغمض عينيه بشدة، ثم يشير إلى أكيكو بعصبية): "هذا مستحيل! مستحيل أن تكون هذه الباردة أختي! مستحيل أن نكون قد خرجنا من نفس الرحم!!”

أكيكو (ترفع حاجبها ببرود): "أوافقك الرأي… لا يمكن لعقلي أن يتقبّل أن يكون أخي كائناً صاخباً ومتهوراً."

آكيو (ينفجر): "أنا متهور؟! وأنتِ؟ أنتِ روبوت! لا تضحكين، لا تغضبين، ولا حتى تومضين بعينيك!”

أكيكو (ترد بسخرية): "على الأقل لا أركض نحو الموت كجروٍ يبحث عن الكرة… ثم أبكي بعدها.”

آكيو (يشير إلى أكيكو): "أنا أرفض هذا… أرفضها كأخت! لو كان لدي أخت، لكانت ألطف، تبتسم لي أحياناً… على الأقل تطبخ!”

أكيكو (تعقد ذراعيها، برد ساخر): "وأنا أرفض الاعتراف بأخ قضى نصف حياته وهو يصنع أصوات انفجارات بفمه.

آكيو (يصرخ بغضب): "اصمتي!!”

أكيكو (تنظر إلى زايلوس): "زايلوس-ساما… هل يمكننا إجراء فحص DNA؟ أحتاج إلى دحض هذه المهزلة علمياً.”

آكيو (يمسك رأسه): "وأنا أحتاج إلى حرق شهادة الميلاد خاصتي… إن كانت هي من عائلتي، فأنا أتبنى نفسي من الآن!”

زايلوس (ينهض ويتنهد): "أنتما لستما بحاجة إلى اختبار… أنتما التوأم الأكثر ضجيجاً وتشابهاً… وتناقضاً.”

نهض زايلوس من مكانه واتجه نحو الباب ليخرج من الغرفة.

آكيو وأكيكو (بنفس الوقت، بصوت واحد): "لا أريد أن أكون جزءاً من هذه العائلة!”

آكيو (يشير إلى أكيكو بانزعاج): "أنا ما زلت غير مقتنع! من الممكن أنكِ مجرد نسخة مصنوعة مني، أو… أو تجربة فاشلة!”

أكيكو (بلا أي انفعال): "تجربة فاشلة؟ أنا التي أنقذت حياتكم على الجبل!"

آكيو (يتنهد وهو ينظر إلى السقف، ثم فجأة يعود بنظره إلى أكيكو): "لحظة… إن كنتِ أختي فعلاً… فمن أين أتيتِ؟ أقصد… من رباكِ؟!”

أكيكو (تخفض نظرها للحظة، ثم تقول بهدوء): "تم وضعي في دار أيتام منذ ولادتي، لم أعرف شيئاً عن عائلتي الحقيقية. كنت أعيش مثل البقية، لكنني لم أكن مثلهم.”

آكيو (تتقلص عيناه ببطء): "ماذا تقصدين؟”

أكيكو (تنظر إليه بعينين باردتين): "كنت أذكى منهم… أغرب منهم… أكثر صمتاً. الأطفال هناك كانوا ينعتونني بالغريبة… أو المسكونة.”

آكيو (بهمس): "يا إلهي…”

أكيكو (تُشيح بنظرها إلى النافذة، نبرتها أكثر هدوءاً): "كنت أعرف أنني مختلفة منذ أن بدأت أفكر… أكثر من اللازم. كنت في السادسة فقط، لكنني قضيت أياماً في تحليل كل شيء حولي. الوجوه… التصرفات… وحتى هذه العلامة على جبهتي.”

وضعت يدها بهدوء على جبهتها وهي تمرر أصابعها فوق العلامة الصفراء.

أكيكو: "رأيتُ العلامة في المرآة آلاف المرات… لم تكن مجرد وحمة، فشكلها كان يشبه الصاعقة. لم يكن ذلك صدفة، هكذا أقنعت نفسي.”

آكيو (يهمس بدهشة): "إذاً، فكنتِ تعرفين من البداية؟”

أكيكو (تهز رأسها): "لم أكن متأكدة، لكنني كنت أبحث عن إثبات. وفي أحد الأيام… خلال عاصفة عنيفة، صعدتُ إلى سطح مبنى الدار. وقفت هناك والمطر ينهمر فوقي، وقلت لنفسي: إن كنت أمتلك البرق… فليأتِ الآن.”

أغمضت عينيها للحظة، وكأنها تعيش الموقف من جديد.

أكيكو (بصوت منخفض): "رفعتُ يدي للسماء… وانتظرت. الأولى لم تصبني، الثانية مرت بقربي فقط، لكن الثالثة…”

“ككككككررررررررررراااااااااااااك!!!”

أكيكو (تفتح عينيها وتنظر إليه مباشرة): "ضربتني مباشرة. كانت أسوأ لحظة ألم… وأجمل لحظة إدراك.”

آكيو (بصدمة): "في السادسة من عمرك؟!!”

أكيكو (ببرود): "لم أمت، هذا يكفي ليكون إثباتاً… أنها قوتي.”

آكيو (يغمغم وهو ينظر إليها بدهشة ممزوجة بإعجاب): "من يجذب صاعقة في السادسة وهو يبتسم وكأنها تجربة علمية؟ أنتِ مخيفة.”

أكيكو (بهدوء وهي تنظر إليه): "وأنت تبكي فوق صديقك وتتوسل له ألا يموت… نحن متعادلان.”

آكيو (يتجمد): "حسناً… نقطة لصالحك.”

أكيكو (بفضول): "وماذا عنك؟"

آكيو (يتنفس بعمق وهو ينظر إلى يديه): "كنتُ في التاسعة من عمري… ولم أكن أفكر بشيءٍ عميق كما فعلتِ أنتِ.”

أكيكو (ترفع حاجبها): "إذاً، كيف حدث الأمر؟”

آكيو (يضحك بسخرية خفيفة، ثم ينظر إلى السقف): "كنتُ ألعب في الغابة في منتصف الليل، رغم تحذيرات أبي بالتبنّي، كان يخاف علي من الصواعق بسبب أنها كانت دائماً تنجذب نحوي. في تلك الليلة، كانت السماء تمطر، والبرق يملأ السماء، لكنني كنتُ غبياً كفاية لأظن أن الأمر ممتع.”

أكيكو (ببرود): "وهل كان ممتعاً؟”

آكيو (يبتسم بمرارة): "لا أذكر… لأن صاعقة نزلت عليّ فجأة. لم أرها… فقط سمعت صوتاً وكأن السماء انشقت فوق رأسي… ثم الظلام.”

أكيكو (تنظر إليه باهتمام خافت): "وهل نجوت وحدك؟”

آكيو (يهز رأسه): "استيقظت بعد أيام في المستشفى… كان أبي قد علم بأنني في قد ذهبت إلى الغابة لأعانده، فذهب لإنقاذي. والغريب بأنني استيقظت بدون أي أثر للحروق ولا الرضات… وشعرت بأن هناك شيئاً جديداً ينبض بداخلي، لكنه لم يكن قلبي.”

أكيكو (تنظر إلى علامته): "وعرفت أنه البرق؟”

آكيو (بثقة): "لم أحتج إلى الكثير من التحليل. بعدها بدأت تظهر الشرارات من أطرافي… وانتهى بي الأمر بحرق فراشي ثلاث مرات.”

صمت طويل ساد الغرفة، حتى قطعته أكيكو:

أكيكو (بصوت هادئ): "إذاً… نحن لسنا مجرد متشابهين.”

آكيو (ينظر إليها، ثم يهمس): "نحن نُكمل بعضنا.”

[غرفة كين – العناية المركزة]

كان الضوء خافتاً داخل الغرفة… وكين لا يزال مستلقياً كما كان، وجهه شاحب، أنفاسه متقطعة تحت جهاز التنفس، والضمادات تغطي نصف جسده. فُتِحَ الباب بهدوء… ودخل زايلوس وهو يخطو بخفة نحو السرير، وقف إلى جانب كين، ونظر للحظات إلى وجهه الساكن… ثم أدار رأسه نحو الطبيب المناوب الذي كان يراقب المؤشرات بصمت.

زايلوس (بصوت منخفض، لكنه حازم): "كيف حاله؟”

الطبيب (يخفض رأسه قليلًا احترامًا): "حالته مستقرة الآن… لكننا ما زلنا نراقب المضاعفات.”

زايلوس: "متى سيستيقظ؟”

الطبيب (يتردد للحظة): "الصدمات التي تعرض لها كانت كارثية… إصابة في الجمجمة، نزيف داخلي، تلف بسيط في الرئة، إضافة إلى توقف القلب لعدة دقائق. جسده يقاتل الآن، لكننا لا نعلم إن كان سيفيق غداً… أم بعد أسبوع، وربما… لا يستفيق إطلاقاً.”

ساد صمت ثقيل. لم يظهر شيء على وجه زايلوس… لكن عينيه تقلصتا قليلاً، كأن هذا الاحتمال لم يكن مقبولاً.

زايلوس (بهمس حاد): "هو أقوى من أن يموت هكذا.”

الطبيب: "بلا شك… لكنه لا يقاتل وحده الآن. جسده يحتاج إلى معجزة… أو سبباً أقوى ليستمر.”

نظر زايلوس مجدداً إلى كين، ثم اقترب ووضع راحة يده بهدوء على جبهته.

زايلوس (بصوت خافت): "إن استطعت النهوض مجدداً، أيها الفتى… فاعلم أن العالم بأكمله سيتغير من بعدك.”

[ولاية فاويلا – مستشفى منظمة ظلال فالوريا – الطابق السري الثالث]

رائحة المطهّرات كانت تملأ الغرفة التي كان ستيف (كازوما) نائماً بها. ساقاه مثبتتان بدعامات معدنية، وذراعه اليمنى مبتورة حتى الكتف، ملفوفة بطبقات من الضمادات المعقمة، ووجهه شاحب جداً.

أمام السرير، وقف كينجي، رجل في منتصف الأربعينات، بشعرٍ أسود ممشّط بعناية إلى الخلف، وعينين زرقاوتين صارمتين خلف نظارته الطبية السوداء. يرتدي بدلته الرسمية وهو يحمل بين يديه ملفاً إلكترونياً يراجع من خلاله تقارير الإصابة، ولكن تركيزه الحقيقي كان على الجسد الراقد أمامه.

كينجي (بصوتٍ صارم): "أمرتك… بأن تبتعد عن الساموراي. أعطيتك ثلاث تقارير موثقة عن مصير كل من اقتربت منهم… وقلت لك بالحرف الواحد: هذا طريق لا يعود منه أحد.”

اقترب خطوة أخرى ووقف عند طرف السرير، ثم حدق في وجه ستيف لعدة ثوانٍ، كأنّه ينتظر منه الرد.

كينجي (ينفجر بغضب، وهو يشير بيده): "والآن انظر إلى حالك! ساقاك مدمّرتان، ويدك… يدك مبتورة! مالذي تبقى من كازوما الذي درّبته؟ من كازوما الذي ربّيته على الطاعة والانضباط؟!”

ضرب سطح الطاولة المجاورة بيده، فأصدر رنيناً عنيفاً. ثم صمت لوهلة، وزفر بقوة.

كينجي (بصوت أخف، لكنه حاد): "لكنك… لم تكن أحمق تماماً. رأيت التسجيلات… قاتلت بشراسة، حاولت حماية الآخرين رغم أنك لم تكن مأموراً بذلك…”

اقترب ببطء، وجلس على الكرسي المعدني بجانب السرير. أنزل نظاراته قليلاً على أنفه، ثم نظر مباشرة إلى وجه ابنه.

كينجي (بصوت منخفض، يحمل غضباً مكسوراً): "لماذا لم تستمع إلي، كازوما؟… لماذا اخترت هذا الطريق وحدك؟”

مدّ يده ثم وضعها بثبات على كتف ابنه السليم.

كينجي (بهمس بارد، لكنّه مليء بالعاطفة المكبوتة): "عُد… ليس لأنني سامحتك. بل لأنك لا تزال مديناً لي بتفسير.”

مرت لحظة صمت طويلة، لكن فجأة…

“أه…”

صدر أنين خافت من بين شفتي ستيف. رمش جفناه ببطء، ثم فتح عينيه ببطء شديد… لكن ما رآه لم يكن واضحاً. كانت الأضواء بيضاء مشوشة، والوجوه مشوّهة.

ستيف (بهمس مبحوح): "أين… أنا؟”

أدار رأسه بصعوبة، ولمح ظل شخص جالس بجانبه… لكنه لم يكن قادراً على تمييز ملامحه.

ستيف (يحاول أن يركز نظره): "من…؟”

لكن كينجي أمسك بيده بثبات، وقال بصوت هادئ، لأول مرة منذ دخوله الغرفة:

كينجي (ببطء): "إنه أنا… والدك.”

ارتجفت عينا ستيف للحظة، ثم حاول رفع يده الأخرى ليفرك عينيه… لكنه لم يستطع.

ستيف (بهمس مضطرب): "نظارتي…؟ لا أستطيع أن أراك…”

مدّ كينجي يده إلى جيب سترته الداخلي، وأخرج نظارة ستيف سوداء، ثم وضعها بلطف على وجهه، وبدأت الصورة لدى ستيف تتضح تدريجياً. أول ما رآه كان وجه أبيه الصارم كما كان دائماً.

ستيف (بصوت ضعيف): "أبي…؟”

كينجي (بحدة وهو يعدل وضع نظارته الخاصة): "لا تبدأ بالبكاء، كازوما. احتفظ بدموعك عندما تحكي لي ما الذي كنت تفكر به عندما قررت أن تصير بطلاً في رواية سخيفة.”

ستيف (بصوت خافت لكنه غاضب): "لا تنادِني… بكازوما.”

رفع كينجي حاجبه ببطء، وكأنه لم يسمع جيداً.

كينجي (بهدوء مريب): "ماذا قلت؟”

ستيف (يحدّق فيه): "قلت لك… لا تنادِني بكازوما! أنا ستيف، أفهمت؟ اسمي ستيف!!”

ساد الصمت للحظات.

كينجي (ينزع نظارته ببطء): "ستيف…؟ اسم مستعار اخترته حين قررت الهرب من كل ما ربيتك عليه؟”

ستيف (بصوت متوتر ينفجر تدريجياً): "اسمي ليس ما يهم… المهم أنني لم أعد أشبهك! لم أعد أريد أن أمتلك كل هذا الجمود، هذه القسوة، هذه الحياة العقيمة التي كنت تريد أن تصنعني بها!”

اقترب كينجي خطوة… لكن ستيف لم يتراجع.

ستيف (يرتجف قليلاً من التعب لكنه يواصل): "كنتَ تظن أنك تبنيني من أجل مهمة… من أجل هدف. لم تعلّمني كيف أكون إنسان… فقط كيف أطيع، وكيف أخدم. حتى مشاعري… كنت تحتقرها!”

كينجي (بصوت منخفض يختنق غضباً): "وهذه المشاعر التافهة هي ما أوصلتك إلى هذا السرير… بلا يد، بساقين مكسورتين، وعار يُلطخ اسمك واسم المنظمة.”

ستيف (بعينين تلمعان بالغضب): "وكأنك تهتم… كل ما تراه هو الاسم، والملف، والإنجازات! هل تعرف ما الذي خسرته؟ هل رأيتني وأنا أحترق هناك؟ هل كنت هناك حين ضحيت بحياتي لأني لم أحتمل أن أرى شخصاً آخر يموت أمامي؟!”

ثم أخذ نفساً متقطعاً، وتابع بصوت متهالك:

ستيف: "أنت لم تكن يوماً أبي… بل كنت مدربي، سجني، وظلي الثقيل الذي كان يخنقني كل ليلة.”

سكت كينجي للحظة. عينيه بقيتا معلقتين على ستيف… لكن تلك النبرة القاسية بدأت تتبدد ببطء داخله، وكأن جزءاً من كبريائه تصدّع للحظة.

كينجي (بصوت أكثر هدوءاً): "كنت أحاول أن أنقذك من هذا العالم…"

ستيف (يقاطعه بمرارة): "وكل ما فعلته… هو أنك حرمتني من العيش فيه.”

مرت ثوانٍ من الصمت القاتل… وشعر ستيف بأنه لم يعد يحتمل.

ستيف (بهمس مشحون): "هذا يكفي… لقد اكتفيت.”

مدّ يده اليسرى المرتجفة نحو أسلاك الأجهزة المتصلة بصدره… وبدأ ينزعها واحداً تلو الآخر.

“بيييييب… بييب… بييب…”

انطلق صوت التحذير بمجرد فصل أول جهاز، ثم أمسك بأنبوب المحلول وانتزعه بعنف من ذراعه، فتدفّق الدم ببطء من الجرح الصغير. لم يتألم… لم يكترث، فالألم الأكبر كان في صدره.

كينجي (بحدة وهو يتقدّم خطوة): "توقف حالاً، كازوما! أنت لست في وضع يسمح لك بـ…"

ستيف (يصرخ وهو ينهض بصعوبة): "اسمي ستيف!!!”

صوته دوى في الغرفة، وارتدّ صداه في الجدران. نهض من السرير على الرغم من ساقيه المكسورتين. ارتج جسده وهو يضغط على نفسه ليثبت توازنه. سقط مرة، ثم تشبث بجانب السرير… وعيناه تمتلئان بالدموع والغضب.

ستيف (بصوت متهالك): "سأغادر هذا المكان… لن أبقى في سجنك مرة أخرى…”

كينجي (يحاول الإمساك به): "ستيف… توقّف. أنت تنزف، وساقاك… لا تتحملان!”

ستيف (بصوت بارد): "دعني أسقط، على الأقل سأكون قد سقطت وأنا أختار… لا وأنت تختار لي.”

اندفعت الممرضة من الخارج لتدخل بعد أن دوّت إنذارات الغرفة، لكنها توقفت وهي ترى ذلك المشهد الغريب!

الممرضة (بخوف): "سيدي! لا يمكنك…!”

ستيف (دون أن يلتفت): "بل يمكنني.”

زحف ستيف على الأرض خارج الغرفة، مستنداً إلى الحائط بيده الوحيدة، ساقاه بالكاد تتحركان، والألم الذي يشعر به لا يطاق، أنفاسه متقطعة، والعرق يتصبب من جبينه. كل خطوة كانت كأنها خيانة لجسده المنهك، لكنه لم يتوقف… حتى تجاوز العتبة، وخرج إلى الممر البارد، وهو يسحب نفسه بألم لا يمكن وصفه. ثم توقف… عيناه اتسعتا قليلاً… الهواء صار ثقيلاً، كل شيء كان يدور، وصدره كان يرتفع وينخفض بجنون. مد يده نحو صدره ثم قبض على قماشه بقوة، وكأن شيئاً في داخله بدأ ينهار.

“آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه!!!!”

صرخ ستيف صرخة لا تشبه أي صرخة، خرجت من كل مكان محطّم في روحه، من كل ليلة قضاها وهو يتظاهر بأنه قوي، من كل مرة ابتلع فيها دموعه كي لا يبدو ضعيفاً… كانت صرخة امتدت عبر الممر كله، ارتجت معها الجدران، ودوّى صداها في أعماق المبنى. رأسه انخفض، والدموع سالت من عينيه بغزارة… دموع لم يعرفها منذ طفولته، دموع شخصٍ لم يُسمح له أبداً أن يبكي.

بداخل الغرفة، كان كينجي لا يزال واقفاً وهو مجمداً في مكانه. لم يتحرك خطوة… كان ينظر إلى ابنه المنهار، بدأ صدره يرتجف قليلاً وأحس بأن داخله قد اضطرب. شعر بشيء عميق جداً، لم يكن حزناً ولا غضباً، بل شيء أشبه بندم ثقيل لم يعرفه منذ عقود.

كينجي (بهمس لا يسمعه أحد): "أهذا… هو الألم الذي كنت أُدرّبك كي لا تشعر به؟”

ظل ستيف جاثياً على الأرض وجسمه يهتز مع كل شهقة. كانت دموعه تتساقط بغزارة، لكنه لم يحاول إخفاءها هذه المرة، لم يعد يستطيع.

ستيف (بصوت مبحوح، يهمس لنفسه): "سأعيش هكذا… بقية حياتي… عاجز… مشوه… نصف إنسان…”

رفع رأسه بصعوبة ونظر إلى يده الوحيدة، ثم إلى موضع ذراعه المبتورة.

ستيف (بصوتٍ عال ٍمحطم): "كل هذا… بسبـبك.”

توقف صوته للحظة، ثم استدار ببطء ونظر نحو باب الغرفة المفتوح، حيث لا يزال كينجي واقفاً دون حراك.

ستيف (بصوتٍ أكثر حدة، ودموعه لا تتوقف): "أنت من أرسلني لهذا الطريق! أنت من علّمني أن الألم ضعف… أن المشاعر وصمة! لقد دمرتني!! ربّيتني كأداة… ثم رميتني في معركة لأموت فيها!!”

نظر كينجي إلى الأرض بصمت، وكانت كل جملة قالها ستيف كسكين يغرس فيه. انخفض رأس ستيف مجدداً، وعاد يبكي بهدوء… ليس بكاء غضب هذه المرة، بل بكاء رجل أدرك أن مستقبله قد تغير إلى الأبد… أنه لن يركض مجدداً، لن يستخدم يديه كما اعتاد، ولن يعود كما كان.

ستيف (بهمس منهار): "ما تبقّى مني… مجرد حطام.”

فجأة، مرّت ممرضة شابة من خلف ستيف، وكانت تدفع طاولة معدنية متحرّكة مخصصة للإسعافات الطارئة، عليها مجموعة من الأدوات الطبية (ضمادات، محاليل، أدوات جراحة صغيرة… ومشرطٌ لامع.) لم تنتبه له كثيراً، ظنّت أنه مجرد مريض في نوبة انفعالية، لكنها لم تتوقع ما سيحدث في اللحظة التالية.

ستيف (بهمس متهالك، داخله ينفجر): "لن أعيش هكذا… لن أكون عبئاً…”

وفي لحظة مفاجئة، وبدافع من يأسٍ قاتل، مدّ ستيف يده اليسرى بسرعة غير متوقعة، وضرب الطاولة المعدنية بقوة!

“كراااااااااااااش!!!”

انقلبت الطاولة، وسقطت كل المعدات على الأرض، بعضها تدحرج، وبعضها تحطّم… لكن المشرط سقط قرب يده مباشرة. لم يتردد أبداً والتقطه بيده المرتجفة، وقبل أن تفهم الممرضة ما يجري، وضعه على جانب رقبته!

الممرضة (تصرخ): "لااااااا!!!”

كينجي (بصوت مرعوب وهو يركض نحوه): "كازومااا!!! توقف!!!”

لكن ستيف لم يستمع إليهم… ولم يكن يريد أن يسمع. كانت عيناه شبه مغلقتين، ويده تمسك بالمشرط وهو يرتجف.

ستيف (يهمس، والدمعة تنزل): "على الأقل… سأختار نهايتي بيدي.”

لكن في اللحظة الأخيرة… اهتزت يده وترددت. كانت شفرته تقف على بُعد ملمتر واحد من جلده… مجرد دفعة خفيفة، وكل شيء سينتهي.

كينجي (وهو ينقض عليه): "كازومااااااا!!"

أمسك كينجي بمعصمه فجأة، ودفع يده إلى الخلف! سقط المشرط أرضاً، ثم سحب كينجي ستيف إلى حضنه، ولأول مرة منذ سنوات.

كينجي (بصوتٍ مرتعش تماماً): "كفى… كفى يا بني… لا تفعلها… أرجوك…”

بدأ ستيف ينهار تماماً وهو بين ذراعي كينجي، جسده النحيل ارتعش أكثر، وصدره يعلو ويهبط بسرعة، والدموع تنهمر كالسيل دون توقف.

ستيف (بصوت مبحوح، وهو يصرخ فجأة): "اتركني!!!”

دفع ستيف صدر والده بكل ما تبقّى فيه من طاقة، لكن جسده كان ضعيفاً، وساقاه ما تزالان عاجزتين عن حمله. سقط مجدداً على الأرض، يلهث كمن غرق ثم خرج للتوّ من تحت الماء.

ستيف (يصرخ من الأعماق): "أتركني وشأني!! ألا تفهم؟ لا أريد رأفتك! لا أريد شفقة متأخرة بعد سنوات من الصمت!!”

كينجي (واقف بصمت، نبرة صوته تتحطم تدريجياً): "أنا… لم أكن أملك طريقة أفضل… كنت أحاول…”

ستيف (يقاطعه، بعينين مشتعلة): "أنت لم تحاول!! أنت ألغيتني!! محوتني من الوجود! جعلتني مشروعاً… لا إبناً!!”

ضرب الأرض بقبضته، ثم انكمش على نفسه، واضعاً ذراعه الوحيدة فوق عينيه. تقدم كينجي ببطء، ثم جلس على الأرض بجانبه بصمت.

كينجي (بهمس لأول مرة بصوت نادم بارد): "ربما أخطأت في كل شيء… لكنك لا تزال حياً، كازوما… وهذا الشيء الوحيد الذي لن أسمح لك بأن تتخلى عنه.”

ستيف (يهمس): "اسمي ستيف…”

سكت كينجي للحظة، ثم قال:

كينجي: "حسناً… ستيف. لكنك ما زلت ابني، مهما كرهت ذلك.”

مرت لحظة… ثم رفع ستيف رأسه قليلاً، وصوته المخنوق خرج من حلقه وكأنّه مغطى بالرماد.

ستيف (بهمس مكسور، وهو يحدّق في عيني كينجي): "أردتَ أن تجعلني أعيش الحياة التي كنتَ تتمنّاها… لكنّك لم تجعلني أعيش… أنت فقط جعلتني أموت ببطء… من الداخل.”

جملته كانت كطعنة في قلب كينجي، بقي كينجي يحدّق في ابنه وشعر بأن قلبه قد توقف عن النبض، ثم وقف.

كينجي (بصوت خافت للغاية): "فهمت.”

استدار كينجي ومشى بعيداً في الممر بخطوات ثقيلة، ثم غادر المكان بصمت.

يتبع…

2025/04/11 · 14 مشاهدة · 3068 كلمة
Sara Otaku
نادي الروايات - 2025