[غرفة العناية المركزة - مستشفى زيتارا العسكري]
كان الضوء باهتاً، والأجهزة الطبية تحيط بالسرير من كل الجهات. صوت جهاز مراقبة النبض ينبض ببطء… “بيب… بيب…”
وفجأة…
تحركت أصابع يد كين اليسرى بخفة. ثم فتح إحدى عينيه بصعوبة، كانت الرؤية ضبابية، والسقف الأبيض بدا وكأنه يبعد آلاف الأمتار. حاول أن يأخذ نفساً، لكن…
“آآه!”
شهق كين فجأة من شدة الألم… شعر بأن صدره كان يُغرس بشيء حاد كلما تنفس. أراد أن يرفع يده… أن يلمس صدره… لكنه لم يستطع. النبض على الشاشة بدأ يتباطأ قليلاً…
“بيب… بيب………”
بدأت عيناه تُغلقان مجدداً، والضباب عاد ليغطي كل شيء، ثم سقط رأسه ببطء على الوسادة، وفقد وعيه مجدداً، وعاد جهاز النبض إلى وتيرته الثابتة.
[ غرفة آكيو ]
كان آكيو لا يزال يحتضن آن التي كانت تبكي بصمت، أما أكيرا فقد كان مستلقياً في سريره بوجه خالٍ من الحياة. وفجأة، دخلت أكيكو إلى الغرفة وهي ترتدي كيمونو أبيض اللون.
أكيكو (بهدوء وهي تضع يدها على الباب): “إحم… دخلت في توقيت سيء؟”
التفت آكيو برأسه فوراً، وعيناه اتسعتا للحظة قبل أن يهمس:
آكيو (بدهشة خفيفة): “أكيكو؟”
توقفت آن عن البكاء لثانية، ورفعت وجهها لتنظر إلى الفتاة الجديدة بعدم فهم. أما أكيرا فقد حرّك عينيه بصمت وهو يراقب من طرف السرير.
أكيكو (تدخل بهدوء): “أوه… لم أكن أعلم أنني سأدخل وسط دراما من الدرجة الأولى.”
تقدمت أكيكو أكثر نحو آكيو.
أكيكو (وهي تنظر إلى آكيو بلهجة ساخرة خفيفة): “هل ستُعرّفني على أصدقائك، أم أنني سأنتظر حتى تتحول هذه الغرفة إلى عرض مسرحي؟”
آكيو (ينظر إليها قليلاً، ثم يزفر): “آن… أكيرا… هذه أختي التوأم!"
آن (بذهول): “أختك؟”
أكيرا (يرفع رأسه ببطء، ونبرة صوته بها مزيج من الاستغراب والتهكم): "هل تمزح معي؟ ألم تكن أختك الوحيدة هي موراساكي؟ ولماذا هذه الفتاة تشبهك؟ وكأنها نسخة مشؤومة منك.”
أكيكو (ترفع حاجبها وهي تتقاطع الذراعين): "نسخة؟ لا أوافق. أفضّل أن أُلقب بـ ‘الإصدار المُحدّث’.”
آكيو (بتنهيدة وهو يمرر يده على وجهه): "إنها أختي التوأم يا أكيرا… ولم أكن أعلم بذلك حتى قبل يومين فقط.”
آن (وهي تنظر بينهما بدهشة): "لكن كيف؟”
آكيو: "أعتقد بأنكم رأيتم زايلوس-ساما، تبين بأنه قد تبنى أكيكو من دار الأيتام، وهي لم تعرف عائلتها الحقيقية مثلي."
أكيرا (بصوت منخفض، وهو يتكئ بذراعه على الوسادة): "حسناً… من كان يتوقع أن توأمة آكيو ستكون بهذا القدر من الجاذبية؟”
أدار رأسه نحوها مبتسماً بمكر، ونبرة صوته تحمل مزاحاً معتاداً منه.
أكيرا: "أخبريني، أهذا الكومينو الأبيض جزء من زي العلاج؟ أم أنكِ فقط قررتِ أن تظهري بهذا الجمال لتقضي عليّ وأنا على حافة الموت؟”
أكيكو (تحدّق فيه بثبات تام، ثم ترفع حاجبها): "هممم… يبدو أنك لست على حافة الموت… بل على حافة الإحراج الدائم.”
أكيرا (يضحك بهدوء، ثم يرفع يديه): "قاسية… أحب هذا.”
أكيكو (ببرود): "وأنا أحب أن أتجاهلك.”
ثم استدارت نحو آكيو دون أن تمنحه نظرة أخرى. أما أكيرا… فقد ظل مبتسماً وهو يتمتم لنفسه:
أكيرا (بهمس داخلي): "جميلة… وباردة كالصقيع… إنها خطر حقيقي!"
أكيكو (وهي تتفحص الغرفة بعينيها وكأنها تراقب بيئة تجريبية): "جميع أصوات التنفس منتظمة… باستثناء أكيرا، يتنفس بطريقة غير متزنة قليلاً. قد يكون بسبب نقص الأوكسجين الجزئي أو… فقط يريد لفت الانتباه.”
آكيو (يحك رأسه وهو يشعر بالتوتر): "أكيكو، أيمكنك التوقف عن تحليل الناس وكأنك تقرئين ملفات طبية؟”
أكيكو (تتجه نحو أكيرا بهدوء، وكأنها لا ترى حرجاً في ما تفعل): "لم أقرأ ملفاً… فقط لاحظت سلوكيات واضحة.”
وصلت إلى جانب سريره ثم انحنت قليلاً، ووضعت يدها برفق على صدره دون أن تبدي أي تردد.
أكيكو (تتمتم وهي تراقب نبضه): "نمط النبض غير منتظم قليلاً… قد يكون لديك اضطراب طفيف في الإيقاع القلبي، أو ربما مجرد إجهاد عصبي. أحتاج إلى مزيد من البيانات لأقرر.”
آكيو (بعينان لامعتان): "وااااو!"
أكيرا (يتجمد للحظة، ثم ينظر إليها بذهول): "آه… أهذه طريقتكِ في الاعتراف بأنني أُثير اهتمامك؟”
أكيكو (ترفع عينيها ببرود نحوه، دون أن تزيل يدها): "لا، هذه طريقتي في التأكد بأنك لن تموت قبل أن تراجع كلامك بشأن الكومينو.”
ثم سحبت يدها ببطء، وخرجت من مجال سريره وهي تمسح أصابعها في كمها بخفّة.
أكيرا (يبتسم لنفسه): "أنا أحب الفتيات الغريبات!”
أكيكو (وهي تقترب من سرير آكيو): "آكيو، أتعلم؟ لو وضعت نسبة ما قلته خلال الدقيقة الماضية في معادلة رياضية، لوجدت أن معدّل الثرثرة لديك يتجاوز حرارة جسدك بعد الإصابة.”
آكيو (ينظر إليها بنصف عين): "هااااه؟!!"
أما أكيرا، فقد أخذ نفساً عميقاً، ثم استلقى مجدداً وأغمض عينيه للحظة، وفتح عينيه ببطء مجدداً وحدّق في جهاز نبضات القلب بجانبه، وبدأ يراقب الخط الأخضر وهو يتحرك بصمت.
أما آن فقد سارت نحو الباب دون أن تنطق، لم يكن في عينيها دموع بعد الآن، لكنها كانت مبللتين بما يكفي ليحكي وحدهما عمق ما شعرت به، وخدّاها لا يزالان محمران. فتحت الباب بهدوء ونظرت إلى آكيو لثانية، ثم إلى أكيكو، ثم إلى الأرض، وخرجت دون صوت.
بدأت آن تسير بهدوء في الممر الطويل، ونظرت إلى جدران المستشفى التي كانت مزينة ببعض الصور المعلقة للولايات المجاورة… لقطات لمناظر طبيعية، قلاع، جبال، ومدن جليدية. ثم توقفت فجأة، وبدأت تحدق في صورة متوسطة الحجم في نهاية الجدار. كانت تُظهر منظراً هادئاً من ولاية كريستاليا… الثلج ينهمر بلطف فوق حقلٍ أبيض، وخلفه قصر طويل مكسوّ بالجليد، يتلألأ تحت سماء شاحبة. حدّقت آن في الصورة طويلاً واتّسعت عيناها تدريجياً.
آن (بهمس شارد): “كريستاليا…”
تقدمت خطوة إلى الأمام، وبدا أن شيئاً قد انفجر في عقلها… ذكرى قديمة؟ فكرة؟ ربما إحساس؟ بدأت ملامحها تتغيّر تدريجياً… من الحزن والضعف، إلى التركيز والانتباه… ثم التصميم.
آن (تفكر داخلياً): “لا… لا يمكنني تجاهل هذا الشعور.”
عضّت شفتها بخفة، ثم التفتت بسرعة وغادرت المكان. بعد عدة ساعات، كان الليل قد غطى المكان، ولم يكن يُسمع سوى أصوات الأجهزة الطبية ووقع أقدام الممرضين البطيئة. وقفت آن في زاوية مظلمة خلف جناح العناية المركزة، وعيناها تراقبان الحراس عن بُعد. كان هناك حارسَان أمام غرفة كين… أحدهما يتثاءب، والآخر يراجع شيئاً في جهازه اللوحي الهيلوغرافي. لم تكن الغرفة تحت حراسة مشددة بسبب الثقة المطلقة بزايلوس، الذي سُمح له وحده بالدخول. لكن آن لم تكن تفكر في الأوامر.
آن (بهمس داخلي): “لو كان في بداخلها أحد أحبابكم، لكنتم فعلتم الشيء ذاته.”
أخذت نفساً عميقاً، ثم اختفت وكأنها تبخّرت، ثم قفزت إلى الحائط الجانبي بخطوات ناعمة كأنها ظل، وعلقت نفسها بأطراف أصابعها، وسحبت جسدها بخفة نحو الحافة الضيقة أعلى الباب، وتسللت عبر أنبوب التهوية بعد أن فككت غطائه بسرعة صامتة.
[داخل غرفة كين – العناية المشددة]
“بيب… بيب… بيب…”
فجأة، انفتح غطاء التهوية بصمت، وهبطت آن من الأعلى وكأنها ريح. نزلت على أطراف قدميها واقتربت ببطء من كين وعيناها لا تفارقانه أبداً.
آن (بهمس مرتجف وهي تقترب): “كين-سان… أنا آسفة لأنني جئت دون إذن… لكن… لا أستطيع أن أبقى بعيداً عنك وأنت في هذه الحالة.”
جلست آن على الكرسي بجانبه بصمت، ويدها ترتجف قليلاً وهي تمدها نحو يده، لكنها توقفت قبل أن تلمسه.
آن (بهمس): “فقط استمر بالتنفس… لا تتركنا… لا تتركني…"
صوت أنفاسها بدأ يتقطع، ثم انفجرت بالبكاء الصامت وهي ترتمي برفق على رجله، بدأت تبكي دون صوت ودموعها تتساقط عليه بغزارة.
آن (بهمسة مرتجفة وسط دموعها): "أنا أحبك، كين-سان… أحبك أكثر مما تتخيل!! ولكن يجب علي أن أذهب الآن… هناك شيء… يجب أن أفعله… شيء لا يمكن لأحد غيري أن يفعله.”
نظرت إليه مرة أخيرة، وابتسمت بوجه باكٍ.
آن (بهمسة مكسورة): "ابقَ حياً فقط وسأعود إليك، كين-سان… سأعود مهما كلف الأمر.”
ثم اختفت آن مجدداً عبر فتحة التهوية كما دخلت. :في صباح اليوم التالي، تحرك آكيو أولاً وفتح عينيه ببطء، ثم أدار رأسه نحو السرير المجاور.
آكيو (بهمس ناعس): “آن؟…”
لم يكن هناك أحد. نهض قليلاً وهو يفرك عينيه، ثم لاحظ أن الغطاء مطوي بعناية، والسرير لا يحمل أي أثر للنوم الحديث. نظر إلى الطاولة الصغيرة بجانب السرير، حيث كانت هناك ورقة صغيرة مطوية بعناية، فمد يده نحوها وفتحها ببطء.
“لا تبحثوا عني.”
ثلاث كلمات فقط، مكتوبة بخطٍ أنيق، لكنّه مهتزٌ بعض الشيء… كما لو أنها كتبتها وهي تبكي.
آكيو (بصوتٍ متفاجئ): “ماذا…؟”
سمع أكيرا يتحرك من السرير الآخر، وقد بدأ يستفيق أيضاً. التفت برأسه ورأى آكيو واقفاً وعيناه لا تفارقان الورقة.
أكيرا (بصوت أجش): “ما الأمر؟”
آكيو لم يرد… فقط رفع الورقة ببطء نحو أكيرا. عندما قرأها أكيرا، شهق من دون أن يُكمل الجملة، والصمت انتشر كالدخان. دخل أحد الممرضين لاحقاً وهو يحمل أوراقاً بيده، ثم توقف فجأة وهو يلاحظ غياب آن.
الممرض (بتردد): “الفتاة… التي كانت هنا… أين هي؟!”
لم يجب أحد. جلس آكيو على طرف السرير، وهو لا يزال يحدّق في تلك الكلمات الثلاث… وكأنها أصعب مما يمكن فهمه.
أكيرا (بصوتٍ خافت): “كانت تبكي الليلة الماضية… لا نعلم أين ذهبت.”
آكيو (يمسح على وجهه بانزعاج): “لا… لا يمكن أن تكون غادرت هكذا! ليس بعد كل ما مررنا به!”
نهض آكيو من مكانه بسرعة، ثم تابع حديثه:
آكيو (بصوتٍ يزداد توتراً): “لماذا؟ لماذا لم تخبرنا؟! آن لم تكن لتفعل هذا… إلا لو كانت تخطط لشيء ما!”
أكيرا (يرفع حاجبه، ويقول بصوت هادئ): “اهدأ قليلاً، ما زال الوقت مبكراً لنفترض هذا.”
آكيو (ينفجر وهو ينظر نحوه): “مبكر؟! هل تمزح؟! تركت ورقة تقول: "لا تبحثوا عني" واختفت ليلاً! هل هذا طبيعي بالنسبة لك؟!”
أكيرا (يتنهد ويشبك ذراعيه، ويقول بنبرة عقلانية ساخرة): “طبيعي؟ لا. لكن دعنا نفكر بالمنطق… آن نينجا، وقد تكون في مهمة خاصة أو لديها سبب مهم للاختفاء، والجنون لن يعيدها.”
آكيو (ينظر إليه بعينين مليئتين بالغضب والحزن): “أنت لا تفهم! هذه آن… تلك التي وقفت معنا في كل لحظة! لو كانت بخير لما كتبت هذه الورقة بهذه الطريقة! كانت تبكي بالأمس! كنتُ معها… رأيتها تنهار!”
أكيرا (بصوت أكثر جدية): “وأنا أيضاً كنت هناك، لكن يا آكيو، إن أردت أن تساعدها فعلاً… لا يمكنك أن تركض كالمجنون بلا خطة.”
آكيو (يصرخ وهو يلوّح بالورقة): “الخطة؟! خطتي الآن أن أجدها! لا يهمني كم جندي سيوقفني أو كم بوابة سأكسر، إن كنّا أصدقاء فعلاً… فلن أتركها تمشي في الظلام وحدها!”
اتجه آكيو نحو الباب بخطوات سريعة وهو يحاول ارتداء معطفه الممزق، ولكن الممرّض وقف في طريقه.
الممرّض (بتوتر): “سيدي، لا يمكنك الخروج في هذه الحالة! إصاباتك لم تلتئم بعد، لا يمكنك…"
آكيو (يقاطعه بعينين مشتعلتين): “وما قيمة التئام الجروح إن كان من أحبهم ينزفون وحدهم؟ ابتعد عن طريقي!”
فتح آكيو الباب بقوة واندفع خارج الغرفة، خطواته كانت سريعة رغم الألم الذي يتسلل إلى جسده، ولكن قلبه كان يقوده الآن. وفي اللحظة التي خرج فيها إلى الممر، توقف فجأة… فقد كانت أكيكو واقفة هناك وهي تمسك كوباً من الشاي الساخن بيدها، ونظراتها مليئة بالاستغراب.
أكيكو (بهدوء): “مالذي يجري هنا؟”
آكيو (باندفاع): “ليس الآن، أكيكو… تحرّكي من طريقي، أنا ذاهب لاسترجاع آن.”
أكيكو (ترفع حاجبها ببطء): “استرجاع؟ هل فُقدت؟”
آكيو (ينظر إليها بعينين مضطربتين): “اختفت، وتركت لنا ورقة فقط، قالت فيها: "لا تبحثوا عني"… وأنا لن أسمح لها بأن تختفي هكذا! آن ليست بخير، وأنا… لن أسمح بخسارتها أيضاً!”
ساد صمت قصير بينهما، قبل أن تخفض أكيكو كوب الشاي ببطء وتضعه على الطاولة الجانبية, ثم خطت نحوه بثبات.
أكيكو (بهدوء جاد): “إذاً ستخرج للبحث عنها، رغم أنك نصف محطم؟”
آكيو (بإصرار): “سأزحف إن اضطررت… أنا لا أترك من أحبهم.”
أكيكو (تنظر إليه للحظة، ثم تومئ برأسها بخفة): “جيد إذاً… لن أسمح لك بأن تموت وحدك.”
آكيو (يرمقها بدهشة): “هاه؟”
أكيكو (بهدوء وهي تبدأ بالسير بجانبه): “ستكون هذه أول مرة أخرج فيها معك، لا أريد أن أتعرف على أخي التوأم من خلال تقارير وفاته.”
آكيو (بصوت نصف ساخر رغم حالته): “هذا ليس الوقت مناسباً للعبارات الذكية.”
أكيكو (وهي تسير بجانبه بثبات): “ربما الوقت ليس مناسباً… لكن الوقت لا ينتظر أحداً، أليس كذلك؟ هذه فرصتي لأفهم من أنت… لا كأخٍ توأم لم أره لأربعة عشر عاماً، بل كإنسان.”
آكيو (يتوقف لثانية، يزفر، ثم يواصل السير): “أنا لست شخصاً معقّداً، أكيكو… فقط لا أحتمل أن أرى أحداً أعتني به يختفي من حياتي.”
أكيكو (تنظر إليه للحظة ثم تقول): “إذاً اسمح لي أن أكون جزءاً من هذه الحماية، ولو مرة واحدة.”
صمت قصير، ثم…
أكيرا (يقترب منهما، وعيناه لا تخفيان القلق): “إذا كنتم ستذهبون… فأنا قادم معكم.”
آكيو (ينظر إليه باستغراب): “أكيرا؟ أنت بالكاد تتنفس! لماذا تعقّد الأمر؟”
أكيرا (بابتسامة مرهقة، ونبرة هادئة): “أنا السبب في جزء مما حدث… كنتُ هناك، ولم أفعل شيئاً. لن أبقى هنا متفرجاً.”
آكيو (بصوت حاد لكنه صادق): “لا، أكيرا… أنت ستبقى.”
أكيرا (يتجه نحوه بخطوة): “هاه؟”
آكيو (بهدوء حازم): “كين لا يزال في غيبوبة… وأنت الوحيد الذي أثق بأنه سيبقى هنا ويحرص عليه.”
أكيرا (ينظر إليه بعيون مترددة): “ولكن…”
آكيو (يقاطعه): “لو كنتُ أنا على السرير… لكنتَ أول من أردتُ أن يكون إلى جواري.”
ساد صمت قصير ونظرة مطوّلة بين الاثنين، ثم أومأ أكيرا برأسه ببطء، وابتسم ابتسامة شاحبة فيها نوع من الفخر والانكسار في آنٍ واحد.
أكيرا (بصوتٍ خافت): “احضرها سالمة… أو سأخرج أنا وأحضركم أنتما الإثنين.”
آكيو (يبتسم بخفة): “صفقة.”
ثم تحرّك آكيو وأكيكو نحو مخرج المستشفى، نظر أكيرا إليهم يبتعدون… ثم التفت بهدوء نحو الغرفة التي يرقد فيها كين.
أكيرا (بهمس داخلي): “ابقَ بخير… أيها الأحمق.”
وبعد لحظات، سمع أكيرا وقع خطوات هادئة تقترب خلفه، ولمح كيان زايلوس يقترب منه.
أكيرا (بصوت خافت): “سمعتَ كل شيء، أليس كذلك؟”
زايلوس: “نوعاً ما.”
استدار أكيرا ببطء، ورأى زايلوس يقف أمامه وهو يضع يديه خلف ظهره.
أكيرا (يحاول التماسك): “لا تقل لي بأنك ستمنعهم…”
زايلوس (يقطع كلامه، وهو يخرج شيئاً صغيراً مغطى بقطعة قماش سوداء): “بل على العكس… أعتقد أنك ستحتاج هذا.”
رفع زايلوس الغطاء عن الشيء الذي في يده، ليظهر جهاز بيضاوي صغير الحجم، سطحه الزجاجي يعكس الضوء بلون أزرق غامق.
زايلوس (يسلمه لأكيرا): “هذه تدعى بمرآة تجميد الزمن. اختراع حديث خرج من معامل أبحاث إيرالوس، لقد انطلقت النسخة التجريبية منه هذا الأسبوع، وقام جواسيسنا بتهريبها من ايرالوس إلى هنا.”
أكيرا (ينظر إليه بفضول): “مرآة… تجميد الزمن؟”
زايلوس: “اسمه مجازي، لكنه قريب من الحقيقة. يسمح لك بالاتصال المباشر مع من يملكون نسخة مشابهة له… مثل أكيكو.”
أكيرا (يرفع رأسه بدهشة): “أكيكو تمتلك واحداً؟”
زايلوس (يومئ برأسه): “طبعاً… هذه المرآة تلتقط الصور من محيطك فور تنشيطها… لكن الصورة لا تُخزّن فقط، بل تُجمّد اللحظة زمنياً بداخلها.”
أكيرا (يرمش): “تُجَمّد؟ تقصد… أنني أستطيع العودة لتلك اللحظة؟”
زايلوس (بهدوء): “لا، لكن يمكنك تأملها، مراقبتها، وحتى ربطها بالعقل الباطن لاسترجاع كل التفاصيل بدقة زمنية مخيفة.”
أكيرا (بصوت ساخر): “تقنية… وفلسفية، تعجبني.”
زايلوس (بجديته المعتادة): “استخدمها بحكمة… ولتكن عينيك مفتوحتين. آن قد تكون في طريق محفوفٍ بما هو أخطر من الجيوش.”
أكيرا (ينظر في عينيه): “أتلمّح إلى شيء؟”
زايلوس (يبتعد): “لا ألمّح… أنا أراقب.”
ثم استدار ومشى بهدوء تاركاً أكيرا يحمل الجهاز بيده. ضوءه الخافت انعكس على وجهه، وظهرت ابتسامة خفيفة على شفتي أكيرا وهو يقلبه بين أصابعه.
أكيرا (يتمتم): “جميل، لنستكشف هذا الشيء الآن!”
بعد عدة دقائق، جلس أكيرا على سريره، وفي يده كانت مرآة تجميد الزمن. مرّر إصبعه بخفة على سطحها الزجاجي… فبدأت تتوهّج بلون أزرق عميق، ثم ظهرت واجهة تفاعلية شبه شفافة تحتوي على أزرار كثيرة، ويتوسط الشاشة شكل دائري عليه رمز جليدي صغير، ثم ضغط عليه، وما إن فعل ذلك حتى أصبح انعكاسه واضحاً أكثر.
أكيرا (بصوت خافت، يتأمل الانعكاس): "أوه… هذا جميل.”
انعكس وجهه بوضوحٍ على سطح الجهاز، وبدت ملامحه أكثر حدة.
أكيرا (يميل رأسه قليلاً، ويبتسم لنفسه): "هاه… حتى وأنا محطم… وسيم بما يكفي ليُكتب عني في رواية.”
اقترب أكثر من الشاشة، وأخذ يعدّل خصلات شعره الأسود بيده الأخرى.
أكيرا: "تجميد أول لحظة مجد… في صباحٍ ليس فيه أحد سواي.”
وضغط على الزر.
“تشييك!”
انبعث وميض خافت من المرآة… ثم توقّف الزمن للحظة داخل الشاشة. ظهرت الصورة المجمدة له، رأسه مائل قليلاً، يبتسم ابتسامة خفيفة، عيناه تلمعان، وخلفه ضوء أبيض خافت…
أكيرا (ينظر إلى الصورة، مبتسماً بثقة): "يا رجل، هذا فن! يجب أن أعلّق هذه الصورة في قصر!”
ثم شبك يديه خلف رأسه واستلقى على السرير، بينما كانت المرآة تعيد عرض صورته المجمدة بشكل متكرر.
أكيرا (بهمس لنفسه): "حسناً، آن تشان… آكيو… أكيكو-تشان… استمتعوا بمغامرتكم… أما أنا، فسأدير هذا الفريق من الخلف… وسأبدو رائعاً بينما أفعل ذلك.”
أغمض عينيه ببطء، والمرآة لا تزال تلمع على الطاولة بجانبه وهي تعكس صورته، إنه أكيرا… المستذئب المكافح الذي لا يزال يبحث عن طريقه ومعنى حياته على الرغم كل شيء.
يتبع…