[المستشفى العسكري – ولاية زيتارا – جناح النقاهة - منتصف الليل]
كان أكيرا يجلس على حافة السرير بعد أن انتهى من العبث بمرآة تجميد الزمن، وقد خفّت آثار التعب على وجهه، لكنه لا يزال يبدو منهكاً. وقف أمامه الطبيب الرئيسي، كان رجلاً في منتصف العمر ذو شعر رمادي خفيف، يرتدي معطفاً أبيض وسترة طبية عادية.
الطبيب (وهو يراجع الملفات الورق في يده): "نسبة الشفاء في جسدك… أعلى من الطبيعي بالنسبة لبشر عاديين، وهذا بسبب جيناتك المستذئبة. والآن، سأعطيك الدواء المسكّن والمرهم… لكن لا تنهض كثيراً… حركة خاطئة واحدة وستحتاج إلى جراحة جديدة.”
أكيرا (ينظر نحو النافذة): "فهمت… شكراً يا دكتور."
همّ الطبيب بالمغادرة، ثم توقف عند الباب وقال دون أن يلتفت:
الطبيب: "بالمناسبة، سمعتُ أن صديقك كين قد بدأ يتحرك قليلاً.”
توسعت عينا أكيرا للحظة، ثم همس:
أكيرا (بهدوء): "كين؟”
الطبيب (بابتسامة هادئة): "ما زال في غيبوبة، لكن استجاباته العصبية بدأت تتحسّن. قبل قليل، تحركت أصابعه مرتين.”
ما إن أنهى الطبيب جملته حتى خرج، بينما ظل أكيرا جالساً لوحده.
[بعد قليل - غرفة العناية المركزة – الجناح المعزول]
كان كين لا يزال ممدّداً على السرير، وأنفاسه تهبط وتعلو بهدوء ثقيل. وفي خارج الغرفة، وقف رجلان مجهولان يرتديان زي ممرضين، لكن ملامحهما كانت مريبة. أحدهما كان أطول قليلاً، شعره أسود طويل ويرتدي نظارة شمسية داكنة، بينما الآخر كان أصلعاً في منتصف العمر بعين خضراء واحدة والأخرى مغطاة برقعة سوداء.
الأطول (بهمس، وهو ينظر نحو باب غرفة كين): "هل أنت متأكد أن هذا هو الفتى؟”
الأصلع (يرد ببرود): "الهوية أكّدها العميل… إنه يوكاجي كين، وريث النار.”
الأطول: "لكن الإمبراطور ماكيا قال بوضوح… لا يجب أن نقتله إلا إذا دخل مرحلة الاستقرار.”
الأصلع (بصوت أكثر حدة): "هذا ما قيل سابقاً… الآن صدر أمر مباشر: اقتله فوراً. لا نريد استيقاظه… ليس بعد أن نجا من داركوفا وزيتارا، ذلك اللعين قد تجرأ ليسبب ندبة على وجه الإمبراطور!"
الأطول (بتردد): "لكن… لو عرف سيروس أننا قتلنا وريثه قبل استيقاظه…”
الأصلع (يقاطعه بنظرة حادة): "سيروس غارق في تبعات معركته مع الإمبراطور ماكيا… ولن ينتبه الآن. إنها فرصتنا الوحيدة.”
أخرج الأصلع سكيناً رفيعاً يشبه مشرطاً جراحياً، وكان مطلياً بمادة خضراء باهتة.
الأصلع: "سمّ عديم اللون، سيعتقد الجميع أنه توقف عن التنفس فجأة، مثل أي مريض يحتضر.”
الأطول (بتنهيدة): "حسناً… لنختر الوقت المناسب لفعل هذا.”
بعد عدة دقائق، خرج أكيرا من غرفته وبدأ يسير ببطء بينما يضغط على ضمادة صدره، ويده الأخرى تعبث بخصلات شعره. أمامه، رأى الرجلين الغريبين يتمشيان بالقرب من زاوية الممر المؤدي إلى غرفة كين، كانا يتحركان بهدوء مفرط ومريب أكثر من الطبيعي.
أكيرا (يهمس لنفسه ببرود): "غريب… لا أحد يلبس نظارات شمسية في قسم مغلق ومُضاء بالنيون.”
ثم ابتسم ابتسامة صغيرة، وتقدّم نحوهما بخطوات كسولة.
أكيرا (بصوت مرِح): "مرحباً! أنتما جديدان هنا؟ لا أعتقد أنني رأيتكما في الجناح من قبل.”
توقف الرجلان للحظة، ثم التفت الأصلع ببطء بينما رفع الطويل نظارته قليلاً ليكشف عينيه البنيتين.
الطويل (بصوت طبيعي): "نعم… نحن جزء من فريق الدعم الطبي الجديد، تم استدعاؤنا مؤقتاً من القسم الشرقي.”
أكيرا (يتصنّع البراءة): "القسم الشرقي؟ أوه، هل تقصدون وحدة الطوارئ عالية الضغط؟ سمعت أن طبيبها الرئيسي اسمه “مايور”، أتعرفونه؟”
الأصلع (يتلعثم قليلاً): "نعم… نعم، مايور… طبيب جيد.”
أكيرا (يرفع حاجبه باهتمام مصطنع): "غريب… لأنني قابلته البارحة، وقال إن الوحدة الشرقية مغلقة مؤقتاً للصيانة بسبب تسرّب غاز. أنتما تعملان في قسم مغلق؟ هذا مثير للاهتمام.”
ساد صمت قصير، ونظر الأصلع إلى الطويل بتوتر واضح.
أكيرا (يقترب بخطوة إضافية، نبرة صوته أكثر حدة لكنها لا تزال مرحة): "بالمناسبة، هل يمكنني رؤية بطاقتي اعتمادكما؟ تعلمون، إجراءات أمنية سخيفة… أو ربما أنا فقط مهووس بالقوانين فجأة.”
الطويل (يحاول التملص): "نحن في عجلة من أمرنا، المريض في الغرفة 403 يحتاج فحصاً عاجلاً.”
أكيرا (يبتسم): "غرفة 403؟ هاه… هذا غريب، لأنني كنت هناك أمس. إنها… مخزن أدوات تنظيف.”
الأصلع (بتوتر): "و… ولكن…"
أكيرا (يقاطعه وهو يضحك فجأة ويضرب جبهته بيده): "آه، يا لي من أحمق! كنت أمزح فقط، 403… 304… دائماً ما أخلط بين الأرقام. أعتقد أن الضربة في رأسي قد أثّرت على ذاكرتي، هاها!”
الأصلع (يرد بضحكة مشدودة، يحاول مجاراته): "نعم… نعم، يحصل ذلك كثيراً.”
أكيرا (يرفع يده كأنه يستسلم): "على أي حال، لا تدعاني أعرقل عملكما، وداعاً."
دخل أكيرا إلى غرفته وأغلق الباب بهدوء، ثم اتجه فوراً نحو المرآة.
أكيرا (يتمتم بنبرة ساخرة شبه هامسة): "مخزن أدوات التنظيف… ويحتاج فحصاً عاجلاً؟ هاه، خدعة ذكية جداً… لولا أنني لست غبياً.”
نظر إلى انعكاسه في المرآة، ثم رفع حاجبه ببطء وتابع بصوت خافت:
أكيرا: "الأول يرتدي نظارة لا يحتاجها… والآخر يخلط بين يمينه ويساره عندما يتوتر. لا يملكون لغة الجسد الطبية… ولا حتى نبرة الممرضين. تظاهُر جيد، لكن أعين القذرين لا تتغيّر.”
وفجأة، بدأ أكيرا يسعل قليلاً وهو يضع يده على صدره.
أكيرا: "تباً… لا زالت آثار المعركة تؤلمني.”
جلس على حافة السرير وتنفس بعمق، ثم رفع رأسه ببطء ونظر مجدداً إلى المرآة.
أكيرا (بهمس جاد): "لكن الألم شيء… والغباء شيء آخر. إذا كانوا هنا فعلاً لسبب خفي، فلا بد أنهم سيتحركون قريباً…”
نهض أكيرا من على السرير بهدوء، ثم ارتدى معطفه الخفيف فوق ملابس المستشفى دون أن يغلقه.
أكيرا (بهمس وهو يتجه نحو الباب): "تحركوا كما تشاؤون… أنا فقط سأراقب العرض من خلف الستار.”
فتح أكيرا الباب ببطء، وأطل من خلال شق ضيق، فرأى الرجلين المريبين يبتعدان بخطى بطيئة نحو نهاية الممر المؤدي لقسم العناية المركزة. أدار عينيه سريعاً، ثم خرج بهدوء وأغلق الباب خلفه بلا صوت. بدأ يتقدّم خلفهم من بعيد بخطوات خفيفة، وكان يُبقي مسافة دقيقة تكفي لكي لا يشعروا به، لكنه كان قريباً بما يكفي ليقرأ تحركاتهم.
أكيرا (يفكر داخلياً): "واحد منهم ينظر كل خمس ثوانٍ خلفه، والآخر يمشي وهو يُبقِي يده بداخل جيبه… غالباً هو يخفي شيء مهم بداخله، أو… سلاح الجريمة.”
مرّ بجانب عربة أدوات طبية متوقفة، فتوقف خلفها لوهلة، ثم التقط من فوقها سماعة طبيب ولفّها حول عنقه بإهمال، محاولًا تعزيز مظهره كممرض يتجول. واصل الزحف خلفهم، وعندما انعطفا أخيراً نحو ممر جناح العناية المركزة، تسلّل أكيرا بسرعة نحو باب أحد الغرف، واختبأ خلف الباب وهو يراقبهم.
أكيرا (يهمس لنفسه): "والآن… لنرى أيكما سيقوم بالحركة الأولى.”
دخل الرجلان الغريبان إلى غرفة العناية المركزة التي يرقد فيها كين، وأغلقا الباب خلفهما بهدوء بالغ. اقترب الأصلع أولاً وهو يتفحص الأجهزة، ثم نظر إلى جسد كين. أما الطويل، فوقف وهو يراقب الباب بنصف عين، والأخرى تحدّق في وجه الفتى الممدد بلا حراك.
الأصلع (بصوت خافت): "نبضه مستقر… هذا يعني أن الجرعة ستعطي مفعولها في أقل من دقيقة.”
أخرج الأصلع الإبرة المسمومة من جيبه.
الطويل (بصوت متوتر): "هل أنت متأكد من أن هذا السم لا يترك أثراً؟ هذا إبن أخ الملك… وسيثير موته الكثير من الأسئلة.”
الأصلع (ببرود قاتل): "لا تقلق، فهو لا يترك أثراً في الدم، فقط سيقوم بإيقاف تدريجي لوظائف القلب.”
مدّ الأصلع يده نحو ذراع كين، وبحث عن مكان مناسب بين الضمادات المتناثرة على جلده، وبدأ يُقرب الإبرة ببطء.
وفي تلك اللحظة، انفتح الباب فجأة بعنف، وطار ليصطدم بالحائط بقوة! قفز أكيرا إلى الداخل بسرعة البرق، وعيناه تلمعان بذلك البريق الأحمر، أنيابه بارزة قليلاً، وأظافره نصف متحوّلة… لقد أطلق نصف هيئة المستذئب دون تردد.
أكيرا (بصوت غاضب): "ابتعدا عن الفتى حالاً!"
تفاجأ الرجلان، وسحب الأصلع يده بسرعة قبل أن يحقن كين، بينما تراجع الطويل للخلف بخطوتين، ويده تنزلق نحو خنجر مخفي تحت الرداء.
الأصلع (بصوت خافت مليء بالغضب): "تباً! من سمح لهذا الكلب أن يخرج من غرفته؟!”
أكيرا (بابتسامة جانبية، وهو يأخد نفساً عميقاً): "منذ متى كانت الذئاب تستأذن للصيد؟”
ثم اندفع!! وبقفزة مذهلة، انقض أكيرا على الأصلع أولاً، ووجه لكمة خاطفة بيده اليمنى المتحولة، وأصابت صدره مباشرة!
“كرااااك!!”
طار الأصلع للخلف واصطدم بجهاز مراقبة القلب الذي انكسر تحت وزنه، وسقط على الأرض وهو يتلوّى من الألم. ثم التفت أكيرا فوراً نحو الطويل الذي سحب خنجره أخيراً، واندفع محاولاً الطعن!
الطويل (يصرخ): "فالتمُت!!”
لكن أكيرا انخفض فجأة وانقلب على الأرض، وفاجأ خصمه بحركة دائرية ليسدد له ركلة جانبية مباشرة على ركبته.
“طرااااخ!!”
اختل توازن الرجل وتراجع وهو يترنّح… لكن أكيرا لم يتوقف.
أكيرا (بصوت هادئ مهدد، وعيناه تتوهجان): "لا وقت للكلام… أنتما لم تدخلا لزيارته، بل لحفر قبره…”
قفز أكيرا مجدداً ووجه ضربة بمرفقه إلى فك الطويل، ثم أمسكه من رقبته ورفعه عن الأرض بقوة المستذئب.
أكيرا (يُحدّق في عينيه بنظرة قاتلة، وصوته ينخفض ليصبح كالزمجرة): "أتعرف ما الفرق بين القتلة المحترفين… والوحوش مثلي؟”
الطويل (بصوت مخنوق): “خ… خ…”
أكيرا (يقرّب وجهه أكثر، وأنيابه تلمع): "أنتم… تَقتلون بأوامر. أنا… أقتل لأنني قررت أن لا يُؤذى مَن أحب، ولو كان ذلك يعني أن أحوّل هذا العالم إلى مقبرة.”
شدّ قبضته على عنقه أكثر، ثم همس ببطء:
أكيرا: "لقد دخلتما غرفة الموت… لكنكما نسيتما أنني أنا الموت.”
ثم ضرب رأسه بالحائط خلفه دفعة واحدة، وسقط الرجل فاقداً للوعي تماماً. ثم استدار نحو كين، وقال بنبرة خافتة لكنها ثقيلة:
أكيرا: "كين… طالما أنا هنا، لن يحترق شيء إلا أعداؤك.”
اقترب أكيرا من جسدي الرجلين الغائبين عن الوعي، ثم انحنى بهدوء وأمسك كلًّا منهم من ياقة قميصيهما، ثم رفعهما دفعة واحدة.
أكيرا (وهو يتجه نحو الباب): "فلنرَ كيف سيبرران دخولهما إلى غرفة مريض بإبرة مليئة بالسم.”
فتح أكيرا الباب بقوة، مما جعل أحد الممرضين والممرضة القريبة يقفزان من مكانهما من المفاجأة، ثم شهق أحد الحراس وهو يراه يجرّ الرجلين خلفه كالقمامة.
أكيرا (بصوت عالٍ وواضح): "لدينا دخلاء.”
[مملكة كاجي – القصر الملكي ]
كان الصباح قد حل في مملكة كاجي في وقت محاولة اغتيال كين، وكان صباح المملكة مغطى بالسحب الرمادية. وفي أعلى طابق من قصر سيروس الفاخر، وتحديداً بداخل غرفة ذات نوافذ عملاقة وسجّاد أحمر قاتم، وقف سيروس أمام المرآة الواسعة، نصف جسده العلوي عارٍ، والضمادات البيضاء تلتف حول كتفه وصدره.
كانت آثار معركته مع ماكيا ما تزال واضحة من كدمات وخدوش، ومع ذلك لم يكترث. أخذ نفساً عميقاً، ثم بدأ يرتدي ملابسه الملكية الخاصة، بدءاً من قميصه الأسود الضيق المزيّن بأزرار ذهبية، وصولاً إلى وشاح العنق الأسود المعقود بعناية. بعدها ارتدى سترة رسمية سوداء بخياطة حمراء على الأطراف، تتدلى منها شارة نجمية ذهبية على اليسار. ألقى وشاح القيادة الأحمر الملكي على كتفه الأيمن، وثبّته بحبلٍ ذهبيٍ أنيق. ثم أحكم الحزام الجلدي العريض حول خصره، ووقف لبرهة أمام المرآة.
أخيراً، التقط تاجه المعدني الذهبي، ووضعه على شعره الأحمر الناري، وابتسم لنفسه ابتسامة لا تخلو من الغطرسة، ثم فتح باب حجرته الملكية وخرج إلى الممر الطويل. استمر سيروس بالمشي حتى وصل إلى الممر المؤدي إلى غرفة الألعاب، وكان الممر مضاءً بثريات من الكريستال الأحمر، والجدران مزينة بنقوش نارية عتيقة.
فتح سيروس الباب الكبير المزخرف، ودخل بخطى ثابتة. داخل الغرفة، كان آرثر يجلس على طاولة الشطرنج الفاخرة، يضع يده تحت ذقنه ويتأمل الرقعة بانتباه، بينما كانت سيلينا تجلس أمامه وهي تبتسم بثقة، وكانت تستعد لتحريك حصانها الأسود.
سيلينا: "انتبه لحركتك القادمة يا أمير النار، لأنني أظن بأنني سأجعل ملكك يركع قريباً.”
آرثر (يبتسم بخفة): "ملوك النار الحقيقيين لا يركعون، لكنهم يعرفون متى يُضحّون بالجنود.”
دخل سيروس بهدوء، وتوقّف عند الجدار الجانبي للغرفة، حيث عُلِقت لوحة غريبة وغامضة، وبدأ يتأملها طويلاً. كانت اللوحة تصور طائراً محبوساً في قفص حديدي مغلّف بسلاسل، تحيط به ظلال خفافيش داكنة، وأربع دوائر سوداء، وإحداها تمتلك دائرتين حمراوتين بداخلها. وفجأة… تحركت سيلينا أخيراً، ووضعت قطعة الحصان برفق فوق مربع أبيض بجوار ملك آرثر.
سيلينا (بنبرة واثقة): "كش ملك.”
تجمّدت أنامل آرثر للحظة، ثم اتسعت عيناه بدهشة خفيفة. نظر إلى الرقعة، ثم إلى سيلينا، ثم إلى الملك المُحاصر بين الحصان والملكة.
آرثر (بصوت مرتفع وهو يضرب الطاولة بخفة): "مستحيل! لا… لقد كنت أراقب الملكة، كيف تفوقتِ علي بالحركة الجانبية؟!”
سيلينا (ترفع حاجبها): "لأنك كنت تلعب بنارك… بينما أنا كنت أراقب الظلال.”
آرثر (بضحكة متذمرة): "أنا أتدرب منذ أشهر… كيف يمكنني أن أخسر أمام فتاة؟!"
سيلينا (ببرودها المعتاد): "لأنك غبي."
في تلك اللحظة، استدار سيروس بهدوء عن اللوحة، وخطا ببطء نحو الطاولة التي يجلسان حولها، نظر إلى رقعة الشطرنج لبضعة ثوانٍ، ثم إلى وجه سيلينا البارد.
سيروس (بصوته العميق): "سيدة الظلال… هل لي بالشرف؟”
نظرت سيلينا إليه بعمق في عينيه مباشرة، لم تكن نظرتها مريحة، بل متفحصة.
سيلينا (بصوت ناعم، لكن بارد): "بالطبع، جلالتك… لكنني لا أضمن أني سأُبقي ملكك واقفاً.”
سيروس (بنصف ابتسامة): "هذا جيد… لأن الملوك الحقيقيين لا يخافون السقوط، بل الملل.”
جلس مقابلها بثقة، ووضع يده على رقعة الشطرنج، ثم نظر إلى آرثر بابتسامة جانبية.
سيروس: "راقب وتعلم يا وريث النار… الشطرنج ليس مجرد قتال على الرقعة، بل اختبار لصبر النيران في وجه جمود الجليد.”
بدأت الجولة… وحرّكت سيلينا جندياً أولاً.
سيلينا (تنظر إلى القطعة وهي تتحرك): "البيدق الأول دائماً هو التضحية الأبسط… لكنه ضروري لاختبار نوايا الخصم.”
سيروس (يبتسم بخفة، ويحرّك بيدقاً آخر): "أحياناً لا نختبر النوايا… بل نختبر قدرة الآخرين على التحمل.”
توقفت نظراته عند قطعة سيلينا التي واجهت جنوده، ثم أخذها برفق… وأسقطها خارج الرقعة.
“طق!”
صوت الاصطدام الخفيف على الخشب كان كافياً ليُحدِث صدى في الغرفة. نظرات سيروس كانت ثابتة… لكن خلفها شيء لم يقال. تلك القطعة التي أسقطها… كانت تمثل شيئاً آخر في ذهنه.
سيلينا (بهدوء وهي تراقب): "لا تتردد وأنت تقتل الجندي… إلا إذا كان يذكّرك بشيء.”
سيروس (يرد بهدوء بالغ): "أو بشخص.”
حركت سيلينا الملكة البيضاء الخاصة بها فجأة، وانزلقت بسلاسة إلى منتصف الرقعة.
سيلينا: "الملكة ليست الأقوى لأنها تهاجم… بل لأنها ترقص في كل الاتجاهات دون أن يُمسّ تاجها.”
سيروس (يحرّك الفيل الخاص به): "لكن الرقص الطويل يرهق الأرجل، فالفيلة لا ترقص… لكنها تدوس.”
أخذ سيروس قطعة أخرى، وهذه المرة كانت فارسها الأسود، ثم قلبه بين أصابعه قليلاً… قبل أن يسقطه على جانب الرقعة دون صوت. كانت القطع تتساقط واحدة تلو الأخرى، ومع كل قطعة يسقطها سيروس، كانت عيناه تلمعان بنظرة صامتة، وكأن كل حركة كانت تحمل ذكرى لا تُقال.
سيلينا (بصوت خافت، وكأنها تحاول اختراق صمته): "من نقتلهم على الرقعة لا يعودون، ولكن البعض نقتلهم أكثر من مرة.”
سيروس (ينظر في عينيها، ويقول دون أن يرمش): "وبعضهم لا يموتون أبداً… لأن موتهم كان بداية حياة جديدة… في جحيم آخر.”
سيلينا (تبتسم ابتسامة هادئة): "إنها مجرد لعبة، أبي.”
سيروس (يحرك الوزير ببطء): "لا شيء في حياتي… كان مجرد لعبة.”
سقطت قطعة جديدة… وتقدمت أخرى. كانت المعركة أكثر من مجرد تحدي ذكاء… كانت معركة نفسية بين سيدة الظلال وملك النار. وقف آرثر للحظة وهو يراقب الحركات البطيئة والمدروسة على الرقعة، ولم يكن يفهم تماماً ما يدور، لكن الجو بين والده وسيلينا أصبح ثقيلاً، وكأن الشطرنج تحوّلت إلى مناظرة فلسفية تملؤها الأسرار والتعقيدات.
آرثر (بصوت منخفض، متنهداً): "حسناً… سأذهب لأتمرن على شيء أقل تعقيداً من هذا الجنون."
استدار آرثر مبتعداً بضجر، وقبل أن يخرج تماماً، التفت للحظة ونظر إلى القطع المتناثرة.
آرثر (يتمتم): "لو كانت حرباً حقيقية… لأشعلت الرقعة كلها.”
ثم غادر الغرفة.
يتبع…